قراءة في كتاب... تاريخ المسجد الأقصى
الكتاب تاريخ المسجد الأقصى
المؤلف د. محمد هاشم غوشه
الناشر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية- فلسطين
سنة النشر الطبعة الأولى 1423هـ / 2002 م
عدد الصفحات 134 صفحة.
المسجد الأقصى" للكاتب الدكتور محمد هاشم غوشه.
يوضح الكتاب في البداية موقع المسجد الأقصى المبارك؛ إذ يقع جنوب شرق القدس، ويحده من الجنوب الزاوية الختنية ويليها قرية سلوان، ومن الشرق السور الشرقي المشترك للقدس والمسجد يليه مقبرة باب الرحمة، ثم وادي جهنم ثم جبل الزيتون الذي يطل على المسجد، ويحده من الشمال كل من حارة باب حطة وجزء من حارة الغوانمة، ويحده من الغرب حارات إسلامية مختلفة منها جزء من حارة الغوانمة وحارة باب الناظر، وسوق القطانين وحارة باب السلسلة، وموضع حارة المغاربة التي هدمتها جرافات الاحتلال عام 1967.
ثم يتطرق الكتاب الذي يبين كل معلم من المعالم الإسلامية بالصور إلى المساحة الحقيقية للمسجد الأقصى، فيبين أنها ليست فقط قبة الصخرة أو المسجد الجنوبي، وإنما هو جميع المساحة المكشوفة بمختلف منشآتها الأثرية والتذكارية كقبة الصخرة والمسجد الأقصى المسقوف والمصلى المراوني والأقصى القديم والأروقة والقباب والأسبلة والمساطب والمحاريب والآبار والبرك والقناطر وغيرها من المنشات الأخرى، وتبلغ هذه المساحة (144) دونماً.
المسجد الأقصى المسقوف
ثم بعد ذلك يبين الكاتب هذه المنشآت الإسلامية كل على حدة، فيبدأ حديثه بالمسجد الأقصى المسقوف الذي يصلي فيه الرجال والذي يقع جنوب المسجد الأقصى، وقد أنشأ هذا المسجد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بن مروان، ويتألف هذا المسجد من بناء مستطيل الشكل، يتوسطه رواق كبير يصل مباشرة إلى القبة، ويحيطه من الشرق ثلاثة أروقة ومن الغرب ثلاثة أروقة، يبلغ طوله من الشمال إلى الجنوب (80) متراً، وعرضه من الشرق إلى الغرب (55) متراً.
ويبين الكتاب الجريمة التي تعرض لها هذا المسجد في تمام الساعة السابعة من صباح يوم الخميس الموافق 21 / 8 / 1969 م ، حيث تطاول مجرم صهيوني يدعى (دينيس مايكل وليم روهان) على حرمة المسجد فأحرقه، وبلغت مساحة الجزء المحترق (1500) متر مربع، وقد أصاب هذا الحريق المنبر الأثري الذي أمر بصنعه الشهيد نور الدين محمود زنكي ليُنصب في المسجد، وأمر بإحضاره إلى القدس السلطان صلاح الدين الأيوبي بعد تحرير القدس عام 583 هـ / 1187م، كما احترق مسجد عمر رضي الله عنه، ومحراب زكريا عليه الصلاة والسلام، ومقام الأربعين، وثلاثة من أروقة المسجد مع الأعمدة والأقواس الحاملة لها، والقوس الحاملة لقبة الصخرة، وأعمدة رئيسة تحمل قبة المسجد، إضافة إلى سقوط سقف المسجد وخراب الزخرفة، وإتلاف أجزاء من القبة الخشبية الداخلية المزخرفة، والمحراب والجدار القبلي والرخام الداخلي، وعدد من الشبابيك والزجاج الملون والسجاد، وسورة الإسراء الفسيفسائية المذهبة والتي تبتدئ من فوق المحراب.
قبة الصخرة
تتألف قبة الصخرة من قبة ذهبية اللون تعلو بناء مثمناً له أبواب أربعة تفتح على الجهات الأربع، ويحيطها من الخارج جدران رخامية يعلوها واجهات قاشانية بدلاً من الواجهات الفسيفسائية التي كانت موجودة في مثمن القبة من الخارج حتى عام 955 هـ / 1548 م.
ولقد سمي مسجد الصخرة نسبة إلى الصخرة الجرداء التي تتوسط المسجد والتي يعتقد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استعان بها في صعوده إلى السماوات العلا.
بني هذا المسجد في عام 66هـ 685م بأمر من الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، ولقد أشرف على بنائه رجاء بن حيوه الكندي ويزيد بن سلام، ولقد تم رصد ريع خراج مصر على مدار سبع سنوات كاملات لتغطية نفقات هذا المشروع الفريد، ولقد تم البناء في 72هـ –991م، ولقد فاض من المبالغ المرصودة لإعماره مائة ألف دينار رغب الخليفة أن يعطيها مكافأة تقسم بين رجاء ويزيد مناصفة لجهودهما وإخلاصهما في إتمام هذا المشروع، ولكنهما رفضا رفضاً باتاً، ولذلك أمر الخليفة أن تُصهر النقود الذهبية لتُطلى بها القبة والأبواب، فلذلك فاقت هذه القبة حدود الإبداع والجمال بسبب هذا اللون النحاسي المطلي بالذهب.
المصلى المرواني
يتطرق الكتاب بعد ذلك للمصلى المراوني الذي يقع في الركن الجنوبي الشرقي من المسجد الأقصى، وتبلغ مساحته حوالي (3750) متر مربع، ويعود تاريخ بنائه إلى العصر الأموي في القدس؛ إذ يبدو أن بناءه تم على أنقاض مسجد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي بناه المسلمون من الخشب حين فتح بيت المقدس عام 15 هـ/636 م.
وقد أعاد الخليفة عبد الملك بن مروان وابنه الوليد بناء سقف المصلى المرواني، وتشابهت الدعامات الحجرية الحاملة لعقود المصلى في تصفيفها بدعامات جامع بني أمية في دمشق، حيث رفعت المداميك على نحو رأسي غير أفقي، وتشابه أسلوب البناء والمخطط المعماري كذلك بأسلوب صهاريج الرملة التي بناها سليمان بن عبد الملك.
حائط البراق
ويحظى الجزء الغربي والجنوبي من الباحة بأهمية مميزة لوجود حائط البراق (الحائط الغربي) الذي اكتسب هذه التسمية من قيام الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- بربط البراق عند هذا الحائط حينما أُسري به، ويبلغ طوله حوالي (48) متراً، وارتفاعه حوالي (17) متراً، ولقد أقام المسلمون مسجداً في هذه البقعة.
ويتطرق المؤلف إلى ادعاء اليهود أن هذا الحائط هو الجزء المتبقي من جدار هيكل سليمان الذي بناه هيرودوس 18 ق.م، مبيناً أن جميع الحفريات الصهيونية قد فشلت تماماً في العثور على أي دليل يفيد زعمهم الكاذب، ولقد أشفق المسلمون بعد الفتح العمري على اليهود فسمحوا لهم بالبكاء قرب هذا الحائط، وكان عدد اليهود قليلاً جداً آنذاك، وكان عرض الرصيف الذي يقف عليه اليهود (4) م فقط، وهذا الرصيف يعود إلى أوقاف عائلة "أبو مدين" وكان اليهود يدفعون لمتولي الوقف (300) جنيه سنوياً في عصر "محمد علي" دون أن يكون لليهود أي حق قانوني في المكان، وفي عهد الانتداب البريطاني تمادى اليهود في استخدام المكان، وادعوا ملكيته مما أدّى إلى قيام ثورة البراق في آب 1929 التي استشهد فيها (116) شخصاً وجرح (232)، وسجن من الفلسطينيين قرابة ألف شخص، وتم إعدام (26) من الفلسطينيين ولقد أظهر الانتداب البريطاني تحيّزه لليهود وعداءه للعرب في فلسطين، وعلى أثر هذه الحوادث الدامية شُكلت لجنة دولية لتقصي الحقائق، فزارت المكان، وقررت أن ملكية الحائط تعود للمسلمين وحدهم دون منازع، وكان ذلك في كانون الثاني 1930م.
الأبواب
يوجد في الجهات الأربع للمسجد الأقصى ما مجموعه خمسة عشر باباً منها عشرة مفتوحة موزعة في جهتيه الشمالية والغربية، وخمسة مغلقة منذ الفتح الصلاحي تقوم في جهتيه الشرقية والجنوبية وأبواب المسجد المفتوحة هي كما يلي:
1-باب الأسباط: وهو من أبواب الحرم الشريف القديمة وهذا الباب الحالي أعيد بناؤه في الفترة الأيوبية في سنة 610هـجرية 1213ميلادية، وكذلك تم تجديده في الفترة المملوكية سنة 769هجرية 367ميلادية.
2-باب حطة: وهو من الأبواب القديمة ذكره ابن الفقيه وابن عبد ربه والمقدسي، ولقد جُدد بناؤه في الفترة الأيوبية سنة 617هجرية 1220ميلادية.
3-باب العتم: وله عدة تسميات مثل: باب شرف الأنبياء، وباب الداوادرية وباب فيصل، وجُدّد بناؤه في زمن الفترة الأيوبية.
وأما الأبواب الواقعة في الجهة الغربية فهي على الترتيب:
4-باب الغوانمة: ويُعرف بباب درج الغوانمة وباب الخليل ويعود تاريخ بنائه الحالي للفترة المملوكية حيث تم تجديده في سنة 707هجرية 1307ميلادية.
5-باب الناظر: وقد عُرف هذا الباب في زمن العمري باسم باب الرباط المنصوري، وفي زمن مجير الدين بباب الناظر، وفي الفترة العثمانية بباب الحبس، وفي الفترة الحديثة بباب المجلس، وجُدد في الفترة الأيوبية.
6-باب الحديد: عُرف بباب أرغون نسبة للأمير أرغون الكاملي الذي قام بإعادة بنائه في الفترة ما بين 755-758 هجرية 1354-1357م، ومعنى كلمة أرغون بالتركية الحديد.
7-باب القطانين: يُعد هذا الباب من أكبر أبواب الحرم الشريف، قام ببنائه السلطان الناصر محمد بن قلاوون بإشراف نائبه الأمير سيف الدين تنكز الناصري في سنة 737هجرية 1336 ميلادية.
8-باب المطهرة: وقد عُرف هذه الباب أيضاً بباب السقاية نسبة للسقاية أو المتوضأ التي أقيمت في الفترة الأيوبية في عهد السلطان الملك العادل أبو بكر محمد بن أيوب سنة 579 هجرية 1193 ميلادية، ويسمى أيضاً باب المتوضأ.
9-باب السلسلة: يُعد هذا الباب من أبواب المسجد القديمة حيث ورد ذكره في المصادر التاريخية المبكرة حيث أشار ابن الفقيه 290هـ/ 903م باسم (باب داود) المقصود باب السلسلة.
10-باب المغاربة: ولقد عُرف باسم باب حارة المغاربة وباب البراق وباب النبي.
ويوجد للمسجد الأقصى أبواب أخر مغلقة نذكر منها باب السكينة المغلق في الرواق الغربي بجوار باب السلسلة من الشمال، وبابي الرحمة والتوبة المسدودين في السور الشرقي للمسجد الأقصى، إضافة إلى باب الجنائر (البراق) المسدود في السور الشرقي.
الأروقة
يبين الكتاب أروقة المسجد الأقصى، فيقول: يوجد للحرم القدسي الشريف رواقان قائمان في الجهتين الشمالية والغربية، والغرض من إقامة الرواقين الصلاة والتدريس، ويتقي المصلون والدارسون تحت الأروقة من حرارة الشمس في الصيف ومن الأمطار الغزيرة في الشتاء، وهما: _
أولاً: الرواق الشمالي
يقع في الجهة الشمالية من الحرم الشريف، ويمتد من الشرق إلى الغرب، ويتألف من عقود حجرية تقوم على دعامات حجرية متتابعة غطيت بسلسلة من الأقبية المتقاطعة، وقد تخللها ثلاثة من أبواب المسجد الأقصى، وهي باب الأسباط وباب حطة وباب العتم إضافة إلى مئذنة الأسباط.
ولقد تم إنشاء وتعمير هذا الرواق في الفترة الواقعة ما بين 610-760 هجرية/ 1213-1358 ميلادية قسم منه عُمّر في فترة الحكم الأيوبي في عهد السلطان الملك المعظم عيسى وهو القسم الذي يقع ما بين باب العتم والمدرسة الفارسية، وأما بقية الرواق فقد تم إنشاؤه على مراحل متعددة ومتتابعة في الفترة المملوكية، ولقد احتضن هذا الرواق تسعاً من المدارس وهي كما يلي:
1-المدرسة الغادرية: وتقع بين باب حطة وباب الأسباط وقد بنيت في عهد السلطان الأشرف بارسباي سنة 836هـ وتقوم الأوقاف بترميمها لأنها تستخدم كمكاتب الآن.
2-المدرسة الكريمية: وتقع بباب حطة ولقد بناها السلطان الناصر محمد بن قلاوون وتعرف اليوم بدار جار الله الذين ما زالوا يرابطون فيها.
3-المدرسة والتربة المحمدية: واقعة شرق باب حطة ولقد أوقفها الملك الأوحد نجم الدين يوسف الملك الناصر صلاح الدين سنة 697 هجرية 298 ميلادية.
4-المدرسة الباسطية: تقع فوق الرواق مقابل المدرسة الدوادارية أوقفها القاضي زين الدين عبد الباسط بن خليل الدمشقي سنة 834 هجرية 1431 ميلادية وما زال قسم منها يستخدم كمدرسة "مدرسة البكرية للبنين" وأما قسمها الآخر كبيت سكن لإحدى العائلات المقدسية.
5-المدرسة الدوادارية: تقع بباب العتم وفيها مدرسة ابتدائية للبنات.
6-المدرسة الأمينية: ومبناها يتألف من أربع طوابق.
7-المدرسة الفارسية: ومبناها من طابق واحد يحتوي على ثلاث غرف.
8-المدرسة الأكملية: ويتألف مبناها من طابقين.
9-المدرسة الأسعردية: وهي فوق الرواق إلى الغرب من المدرسة المالكية.
ثانياً : الرواق الغربي
تبدأ الأروقة الغربية للمسجد الأقصى في الركن الشمالي الغربي وتنتهي في غرب المسجد من جهة الجنوب حيث باب المغاربة، ويتألف من سلسلة عقود حجرية مقامة على دعامات متتابعة مغطاة بسلسلة من الأقبية المتقاطعة، ويتخللها أبواب الحرم السبعة ومئذنتا باب الغوانمة وباب السلسلة.
وقد تم إنشاء هذا الرواق في عهد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون خلال الفترة 698-708هجرية/ 1299-1309 ميلادية، ويوجد في هذا الرواق خمس من المدارس الدينية وهي:
1-المدرسة المنجقية: تقع بباب الناظر فوق الرواق الغربي للحرم الشريف، أنشأها الأمير سيف الدين منجك سنة 762 هجرية /1361 ميلادية وهي اليوم مقر دائرة الأوقاف.
2-المدرسة الأرغونية: تقع بباب الحديد في الرواق الغربي للحرم، ولقد أنشأها الأمير أرغون الكاملي سنة 759 هجرية /1358 ميلادية وتسمى اليوم دار العفيفي.
3-المدرسة الخاتونية: تقع جنوب المدرسة الأرغونية هذه المدرسة أُنشئت على أيدي بنات الأمراء والسلاطين وتُعرف اليوم بدار الخطيب.
4-المدرسة العثمانية: تقع بباب المطهرة وتعرف اليوم بدار الفتياني.
5-المدرسة الأشرفية: تُلقب بالجوهرة الثالثة في الحرم الشريف بعد قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى المبارك. وتقع في الرواق الغربي للحرم الشريف بين باب السلسلة والمطهرة، ويتألف مبناها من طابقين الأرضي والأول.
القباب
ويشير المؤلف إلى أن ساحة المسجد الأقصى تزدان بالقباب الجميلة التي تضفي على المكان جواً قدسياً مهيباً، ومن القباب الهامة قبة الصخرة وقبة السلسلة وقبة المعراج، ولقد لقيت هذه القباب عناية وترميماً في فترات الحكم الإسلامي، في العهد الأيوبي والمملوكي والعثماني، ومعظم هذه القباب بُنيت لتكون مقرات للتدريس أو دوراً للعبادة والاعتكاف أو تخليداً لذكرى معينة، ومن القباب الواقعة في صحن المسجد ما يلي:
أولاً: قبة السلسلة: تقع هذه القبة إلى الشرق من قبة الصخرة المشرفة تماماً حيث لا يتجاوز بعدها عنها بضعة أمتار ولقد بنى هذه القبة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-68 هجرية) في نفس الفترة التي بنى فيها قبة الصخرة المشرفة (66-72 هجرية)، وتقوم القبة على رقبة مغلقة سداسية أقيمت على ستة أعمدة، وأحيطت هذه الأعمدة برواق مضلع له أحد عشر ضلعاً، ولقد سميت قبة السلسلة لوجود سلسلة كانت قد علقت بداخلها وكانت ظاهرة للعيان، ولقد بنى هذه القبة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان حيث أجمع معظم المؤرخين على ذلك ومنهم المقدس والسيوطي، ولقد تم اكتشاف مخطوط تاريخي بعنوان (كتاب التاريخ) يعود للقرن الثالث الهجري، حيث أشار فيه مؤلفه عبد المالك بن حبيب المتوفى في سنة 238/852 ميلادية بكل وضوح إلى أن قبة السلسلة قد بناها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، والسبب في بنائها لتكون مقراً للمهندسين والمعماريين الذين أشرفوا على بناء قبة الصخرة المشرفة، وما كانت هندسة قبة السلسلة معقدة على هذا النحو إلا لتناسب قداسة المكان وعظمة بناء قبة الصخرة المشرفة، ومن الطريف أن الخليفة بن عبد الملك اعتاد عقد مجالسه الإدارية تحت سقف هذه القبة، ولقد رممت وجدّدت قبة الصخرة مرتين في فترتين: المملوكية والعثمانية.
ثانياً: قبة المعراج: أنشئت هذه القبة غربي قبة الصخرة، ويعود بناؤها إلى فترات تاريخية مبكرة، ولقد أعيد إعمارها في الفترة الأيوبية في عهد السلطان المالك العادل سيف الدين أبو بكر 596-615هـ 1200-1218م، ويوجد عليها نقش تذكاري يثبت صحة ذلك، وهي قبة مثمنة الأضلاع تقوم على ثلاثين عموداً من الرخام، ولقد فُتح في جهتها الشمالية باب وأقيم في جدارها القبلي محراب.
ثالثاً: قبة النبي: تقوم هذه القبة بين قبتي الصخرة والمعراج، ولقد بُنيت في الموقع الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم إماماً بالأنبياء والملائكة، وتاريخ بنائها يعود إلى فترات متقدمة جداً من التاريخ الإسلامي.
وهذه القبة محمولة على أعمدة من الرخام مفتوحة الجوانب ولقد أُعيد إعمارها زمن العثمانيين في عهد السلطان عبد المجيد الأول 1255-1277هـ 1861م، ولقد بُنيت هذه القبة فوق المحراب الذي أنشئ في عهد السلطان سليمان القانوني 926-974هـ 1520-566 م على يدي الأمير محمد بك والي غزة والمقدس الشريف، وهذا مطابق لما جاء في النقش التذكاري الموجود في القبة.
رابعاً: القبة النحوية: وتقوم هذه القبة في الزاوية الجنوبية الغربية لصحن قبة الصخرة المشرفة، ولقد تم تعميرها في الفترة الأيوبية في عهد السلطان الملك المعظم عيسى سنة 604هـ 1207م، ولقد كانت مقراً هاماً لتعليم اللغة العربية وآدابها من نحو وصرف وبلاغة وبيان وأساليب، ولقد عرف عن الملك المعظم عيسى ولعه وحبه الشديد للغة الضاد، وهذا يؤكده النقش التذكاري الموجود داخل القبة، ولقد لعبت هذه القبة دوراً هاماً في مسيرة الحركة العلمية في الحرم الشريف فكانت بمثابة معهد متخصص لتدريس اللغة وفروعها، ولقد أوقف عليها الملك المعظم عيسى موقوفات كثيرة لتفي بسد حاجات الاتفاق عليها، وإليك عدد من شيوخها البارزين.
1. الشيخ شمس الدين بن رزين البعلبكي أول من تولى التدريس فيها.
2. الشيخ أبو بكر عيسى الأنصاري المقدسى المتوفى 832هـ .
3. الشيخ على بن أبي بكر بن عيسى الأنصاري المقدسى المتوفى في سنة 882.
4. الفقيه يحيى المعصراني المتوفى سنة 1083هـ .
5. الشيخ عبد المعطى الخليل الشافعي المتوفى سنة 154هـ، ويتألف مبنى القبة الحالي من غرفتين وقاعة مستطيلة الشكل.
خامساً: قبة يوسف: تقوم هذه القبة في الجهة الجنوبية لصحن قبة الصخرة المشرفة، وتم إنشاؤها في الفترة العثمانية لأن النقش التذكاري الموجود في واجهتها والمؤرخ في سنة 1092-1681م يؤكد صحة ذلك.
ويبين الكاتب إلى أنه لا يوجد أي صلة أو علاقة تربط هذه القبة بالنبي يوسف عليه السلام، وإنما يوسف المنسوبة إليه القبة هو صلاح الدين الأيوبي (يوسف بن أيوب) وما يُشاع اليوم هو من قبيل الخطأ أن تُنسب هذه التسمية إلى يوسف عليه السلام .
سادساً: قبة الشيخ الخليلى: في الزاوية الشمالية الغربية لصحن قبة الصخرة المشرفة تقوم قبة الشيخ الخليلى وهي تُعرف بقبة نج – نج وتم إنشاؤها في الفترة العثمانية سنة 1112هـ – 1700م، وكذلك مبني القبة وفي داخلها كهف به محراب، ولقد استخدمت هذه القبة كدار للعبادة والتصوف، واتخذها الشيخ الخليلي مقراً له لقراءة الأوراد، وكان يعتكف بها، وتقوم أيضاً في صحن قبة الصخرة قبة الخضر وقبة الأرواح، ولقد أنشئتا في العهد العثماني.
وأما القباب الواقعة في ساحة المسجد نفصلها كما يلي:
أولاً: قبة سليمان: هذه القبة تقابل باب العتم في الجهة الشمالية لساحة المسجد الأقصى، وهي مثمنة الأضلاع ومحمولة على (24) عموداً رخامياً، وفي الجهة الشمالية مفتوح بها باب وفي الجدار القبلي محراب.
ثانياً: قبة إيوان العشاق: تقابل هذه القبة باب العتم ( إلى الجنوب الشرقي منه ) في الجهة الشمالية للمسجد، ولقد تم إنشاء هذا الإيوان الذي عُرف لا حقاً بالقبة في الفترة العثمانية في عهد السلطان محمود الثاني 1223-1255هـ 1808-1839م وهذا المكان ملتقى الصوفيين والزهاد، ولقد عُرفوا بعشاق النبي عليه السلام، فأصبحت لذلك تعرف بقبة عُشّاق النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: قبة موسى: هذه القبة تقابل السلسلة في الجهة الغربية لساحة المسجد، ولقد عُمّرت في الفترة الأيوبية في عهد السلطان المالك الصالح نجم الدين أيوب 637- 647هـ 1240-1249م، ولقد عُرفت باسم (قبة الشجرة) حسب ما جاء في النص التذكاري المقام فوق مدخلها ويتألف مبنى القبة من غرفة كبيرة مربعة الشكل تغطيها قبة نصف دائرة، ويوجد بجدارها القبلي محراب جميل المنظر ذو شكل رائع ،ولقد ذكرها العمري فوصفها وصفاً معمارياً مطابقاً لما هي عليه الآن.
رابعاً: قبة يوسف أغا: أقيمت هذه القبة في الجهة الجنوبية الغربية لساحة المسجد بين المتحف الإسلامي والمسجد الأقصى المسقوف، ولقد بُنيت في الفترة العثمانية في عهد السلطان محمود الرابع ( 1058-1099هـ 1648-1687م)على يدي والي القدس يوسف أغا في سنة 1092هـ ومبنى هذه القبة يُستخدم مبنى للاستعلامات.
الأسبلة
حرص المسلمون حرصاً شديداً على توفير المياه في المسجد الأقصى؛ فحُفرت الآبار وتم إنشاء الصهاريج والأسبلة في ساحات الحرم، وخُزّنت مياه الأمطار، واهتم القائمون في الأوقاف على إيصال المياه من مصادرها الطبيعية، فقد بلغ عدد الآبار الموجودة في ساحاته (25) بئراً عذبة، ثمان منها في صحن الصخرة المشرفة وسبع عشرة في ساحة الحرم، و في فترات الحكم المختلفة لقي الحرم المقدس كل رعاية. والسبيل عين ماء وما لحقها من مصطلح معماري.
إن تيسير المياه العذبة عمل خيري له ثواب الصدقة الجارية، وفي يومنا هذا موجود ثمانية أسبلة يعود تاريخ إنشائها إلى العصر الأيوبي والمملوكي والعثماني – ومن الأسبلة الأيوبية نذكر ما يلي:
أولاً: الكأس: يقوم متوضأ الكأس أمام المسجد الأقصى وفي الجهة الجنوبية منه، وهو عبارة عن حوض رخامي مستدير الشكل تتوسطه نافورة تشبه الكأس، ولقد فُتحت بجوانبه صنابير يتدفق منها الماء إلى الحوض، ويتمكن المصلون من الوضوء بسهولة، وفي الفترة الحالية استحدثت المقاعد الحجرية والحماية الحديدية المحيطة بالحوض، وفي عهد السلطان سيف الدين أبو بكر أيوب تم إنشاء هذا المتوضأ، وتاريخ إنشائه يعود إلى( 589 هجرية / 1193 ميلادية).
ثانياً: سبيل شعلان: يقوم هذا السبيل أسفل الدرج الشمالي الغربي المؤدي إلى صحن الصخرة المشرفة، وهو من الصهاريج الأيوبية التي أنشئت في عهد الملك المعظم عيسى سنة (613هجرية /1216 ميلادية)، وهذا ما جاء في النقش التذكاري الموجود في مواجهته، ولقد رُمم في العهد المملوكي في عهد السلطان الملك الأشرف برسباي، وذلك في سنة (832 هجرية / 1428 ميلادية).
وأما الأسبلة التي أُنشئت في عهد المماليك فهي:
ثالثاً: سبيل البصيري: المعروف بسبيل باب الحبس، ويقوم هذا السبيل في الشمال الشرقي من بابا الناظر المعروف بباب الحبس حيث اشتهر السبيل بهذا الاسم.
رابعاً: سبيل قايتباي: وهو من أهم الأسبلة في الحرم الشريف خاصة وفلسطين وبلاد الشام عامة، وذلك لأنه نموذج وحيد وفريد من نوعه في بلاد الشام، وهو مقابل لمكتبة الأقصى، وهو مبني فوق بئر عامر إلى يومنا هذا.
ومن الأسبلة العثمانية نذكر ما يلي:
خامساً: سبيل قاسم باشا: يقوم هذا السبيل إلى الجنوب من سبيل قايتباي بالقرب من باب السلسلة، ولقد تم إنشاؤه في عهد السلطان سليمان القانوني بإشراف والي القدس قاسم باشا، وذلك في( سنة 933هـ / 1527م)، وإلى شمال هذا السبيل تقوم بركة مربعة الشكل يتوسطها نافورة ومحاطة بدرابزين حديدي تسمى بركة التاريخ.
سادساً: سبيل السلطان سليمان: حقاً إن السلطان سليمان القانوني قد قام بحملة معمارية كبيرة في القدس شملت سور الحرم الحالي، وكذلك بناء الأسبلة التي بلغ عددها ستة عرفت بالأسبلة السليمانية، كما امتازت به من طراز معماري خاص جاءت على شكل واجهات معمارية مستقلة.
سابعاً: سبيل البديري: ويقع هذا السبيل شرق باب الناظر من الجهة الغربية لساحة المسجد الأقصى، وقد تم إنشاء هذا السبيل في عهد السلطان محمود الأول في (سنة 1153 هجرية/ 1740 ميلادية) ولقد أشرف على بنائه مصطفى آغا قائم مقام القدس في ذلك العصر بأمر من الوالي عثمان بك الفقاري، وهذا ما هو مدوّن في النقش التذكاري الموجود في الضلع الشرقي للسبيل.
ثامناً: سبيل باب حطة: وهذا السبيل يقع على يسار الداخل من باب حطة إلى المسجد، وهو بسيط في تكوينه، ولقد أنشئ في الفترة العثمانية.
تاسعاً: سبيل باب المغاربة: وهو سبيل مجهول الاسم، وهو يقع في مقابل باب المغاربة، ويعود تاريخ إنشائه للفترة العثمانية.
المساطب
يُعرّف الكاتب المسطبة فيقول: هي ذلك المكان المرتفع المربع أو المستطيل الشكل والمرتفع عن مستوى سطح الأرض (ساحة الحرم)، والتي بُنيت من الحجارة وبُلّط سطحها بالبلاط الحجري، وعمل فيها أحياناً محراب أو حائط في اتجاه القبلة، هذا وقد أنشئت لغرضي الصلاة والتدريس معاً، خاصة في فصل الصيف.
هذا ويقوم اليوم في ساحة المسجد الأقصى قرابة الثلاثين مسطبة، والتي انتشرت بصورة عشوائية في جهاته الأربعة.
وعلى ما يبدو أن فكرة إنشاء هذه المساطب، والتي تركزت في الجهة الغربية لساحة المسجد، قد شاعت في الفترة العثمانية، وذلك لاستخدامها للصلاة وإقامة حلقات التدريس عليها في أيام الصيف.
ذلك أننا لا نكاد نجد سوى خمس منها كانت قد أنشئت في الفترة المملوكية، أما بقيتها فقد تم إنشاؤها في الفترة العثمانية.
ومن الجدير بالإشارة هنا إلى أن لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك قد قامت بترميم عدة مساطب في الجهة الشرقية للحرم الشريف وبخاصة في منطقة باب الرحمة، وذلك في الفترة الواقعة ما بين (1969-1979م).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق