الثلاثاء، 11 يوليو 2017

جذور العلاقة بين التوراة والسيف

جذور العلاقة بين التوراة والسيف

د.صالح النعامي‏

كرس تاريخ اليهودية علاقة وثيقة بين التوراة والسيف، حيث أن هذه العلاقة مرت في ثلاث مراحل، فأولاً كان السيف في خدمة التوراة، ثم أصبح يحتل مكاناً موازياً لها، ثم أصبح فيما بعد يفسر التوراة .
والمفارقة أن مرجعيات التيار الديني الصهيوني تتحمس للحروب بشكل عام، حتى وإن لم يكن لليهود دور مباشر حاسم فيها. فقد عبر الحاخام كوك عن سعادته لاندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية لأن إزهاق هذا العدد الهائل من الأرواح كان ضرورياً لكسر قوة الشيطان . ومما لا شك فيه أن دعوة المصادر الدينية لقتل غير اليهود جعلت اليهود المتدينيين يستلبون لفكرة الحرب وشن العدوان على الغير.
ولم تعتمد مرجعيات التيار الديني الصهيوني خلال فترة الدراسة على الإرث الديني القديم في تبرير تحمسها لشن الحروب ضد العرب فقط، بل إن من هذه المرجعيات من استنبط "مسوغات فقهية" جديدة لشن الحروب على العرب.
 فالحاخام يهودا أميتال، الذي يعتبر من كبار مرجعيات التيار الديني الصهيوني اعتبر أن الحكم على استعداد اليهود لشن الحروب يعتمد درجة كبيرة على قدر ما يتمتعون به من "التقوى والورع والطهر"، علاوة على أن خوض الحروب "ينقي اليهود من الخطايا" . وأضاف: "تولد الحرب عملية التطهير والتصفية والتنقية وتنظف مواطني إسرائيل من الذنوب" .
 ومما يدلل على أن استفحال هذه المعتقدات في أوساط مرجعيات التيار الديني الصهيوني ونخبه حقيقة أن الحاخام أميتال يعتبر من رموز "الاعتدال" داخل الصهيونية الدينية، لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريس عينه وزيراً في حكومته الثانية (1995-1996) بوصفه من "حمائم" المتدينين، مع العلم أن حكومة بيريس هذه وصفت في حينه بأنها "الأكثر اعتدالاً" في تاريخ إسرائيل، ويتم التعامل مع هذا الحاخام حتى الآن على هذا الأساس.
    ومن مظاهر تسخير التفكير اللاهوتي لتبرير الحماسة لشن الحروب، حرص الحاخامات على  تصوير الحروب على أنها "تضر بالشيطان وتضعفه" .
 ووصف الحاخام شمارياهو أرئيلي، أحد منظري الصهيونية الدينية، حرب عام 1967 بأنها: "تحولاً ميتافيزيقياً، وأن الغزوات الإسرائيلية بشكل عام حولت الأرض من قوة الشيطان إلى المجال الإلهي" ؛ في حين يقول الحاخام يهودا ميديا، الذي أدار عدداً من المدارس الدينية العسكرية: "الغزوات حررت الأرض من الطرف الآخر، من القوة الغامضة التي تجسد الشر والتلوث والفساد الأخلاقي، وبهذا فنحن (اليهود) ندخل عهداً تسيطر فيه السيادة المطلقة على المادية" .
وحسب أدبيات حركة "غوش ايمونيم" المتدينة، فإن شن الحروب يشكل ضمانة للإبقاء على وحدة اليهود، عبر تحقيق مبدأ العزلة القومية، لذلك ترفض الحركة عقد أية تحالفات أو معاهدات مع الأغيار "حتى لا يؤدي ذلك إلى بناء روابط بين اليهود وغيرهم . وترى "غوش إيمونيم" أن حل الصراع مع العرب بشكل سياسي يمثل خطراً داهماً على اليهود؛على اعتبار إن هذا الواقع قد يكون مرتبطاً بتوفير الظروف التي تعمل على اختلاط اليهود بالعرب .
وقد ربطت المرجعيات الدينية بين نتائج الحروب التي تخوضها إسرائيل وبين مدى ولاء اليهودي للشرائع اليهودية والإيمان بها؛ حيث اعتبرت هذه المرجعيات  إن قدرة اليهود على تحقيق انتصار في الحروب ضد العرب يتسنى عندما تزداد قوة الإيمان بالمصادر الدينية .
وقد اعتبر الحاخام دوف ليئور أن التخلي عن خيار شن الحروب والتوقيع على معاهدات السلام مع العرب، هو من مؤشرات ضعف الإيمان، كما اعتبر أن نجاح الجيش السوري بأسر دبلوماسيين إسرائيلين كانوا يتواجدون عام 1984 في ميناء "جينوة" اللبناني يرجع إلى قيام المخابرات الإسرائيلية باعتقال بعض نشطاء التنظيم الإرهابي اليهودي المسؤولين عن تنفيذ عدد كبير من عمليات التفجير التي استهدفت قيادات فلسطينية .
وإلى جانب المسوغات الدينية التي تدفع التيار الديني للتحمس لشن الحروب ضد العرب، فإن بعض المرجعيات الدينية ترى أن شن الحروب كفيل بتحقيق مكاسب سياسية. ويرى الكثير من الحاخامات أن شن الحروب يتيح لإسرائيل تهجير العرب عن أراضيهم والسيطرة عليها.
 وقد أعلن الحاخامات: كوك وأرئيل وأفنير أن نشوب الحرب ستكون نعمة لليهود لأنها ستسمح بإبادة الفلسطينيين، مما يسمح بـ "تطهير" الأرض منهم، حيث أن العرب في نظرهم "مجرد لصوص نهبوا جميع الممتلكات التي تعود لليهود وحدهم" . ويرفض الحاخامات الدعوات التي تبعث الخوف في أوساط اليهود من نشوب الحروب، على اعتبار أن الرب سيقف دوماً مع اليهود، من هنا لم تتردد بعض مرجعيات الصهيونية الدينية في الدعوة لتوفير الظروف التي تسمح بنشوب الحروب حتى لو كانت إسرائيل ترتبط بمعاهدات سلام مع الدول العربية. 
ويقول الحاخام شلومو أفنير: "يجب علينا أن نعيش في هذه الأرض حتى وإن كان الثمن نشوب حرب، حتى وأن قام سلام هنا، يتعين علينا أن نحرص على اندلاع الحرب" . 
ونظراً لأن المرجعيات الدينية تؤمن أن أرض إسرائيل تمتد من نهر الفرات شرقاً وحتى نهر النيل غربا، فإنها ترى أن شن الحروب سيسمح لإسرائيل بـ "تحرير الأرض اليهودية السليبة هذه". 
فقد قال الحاخام أفنير في موضع آخر: "يجب علينا أن نحرص على اندلاع الحروب لتحرير أرضنا" .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق