الأحد، 23 يوليو 2017

القُدس التي فقدناها .. والأقصى الذي خذلناه (2)


القُدس التي فقدناها .. والأقصى الذي خذلناه (2)

د.عبدالعزيز كامل
بعد (انتفاضة الأقصى) أواخر عام2000، تطورت المقاومة الفلسطينية لتأخذ مسارًا أكثر إثارة وجسارة، ببدء العمليات الاستشهادية واستمرارها حتى عام 2005 ، بما كلف عصابات اليهود من الخسائر ما عجزت عن تحمله، وألهب مشاعر التعاطف مع قضية القدس والأقصى والمدافعين عنها..
 لكن العجيب أن ذلك التعاطف والتفاعل الشعبي العربي والإسلامي مع تلك القضية بدأ يبرد رويدًا رويدًا بعد عقد اتفاق الهدنة الذي أبرمه محمود عباس مع الطاغية اليهودي شارون بقمة شرم الشيخ في فبراير عام 2005، ثم زاد برودًا بوصول الجماهير إلى نوبة تخدير بدخول منظمة حماس في الانتخابات التشريعية، وانهماكها في العملية السياسية عام 2006، والتي أعقبها حصار طويل وثقيل، امتد حتى اليوم لأكثر من عشر سنين، وسط وهْمٍ عام بأن صناديق الديمقراطية ستعيد مالم تستعده الرصاصة والبندقية..!
ولما قامت ثورات الشعوب العربية خطفت الأضواء كليةً عن القضية الكبرى، وحدث الأسوأ بعد وقوع الثورات المضادة التي أدخلت الشعوب المستهدفة في معامع ودوامات جديدة أشغِلتها بنفسها؛ عن بقية هموم المسلمين كلها.
 وازداد مع الوقت التعاطف الشعبي بُعدا عن فلسطين إلى قضايا أخرى، ومحن أخرى، وفتن أخرى يُرقِق بعضها بعضًا، لدرجة أن ما عُرف خلال العامين الماضيين بـ (انتفاضة السكاكين) بكل من تحمله من شجاعة وفدائية داخل القدس ذاتها ضد عناصر العدوان اليهودي؛ لم تكد الجماهير العربية تعيرها اهتمامًا، وسط ضجيج الأحداث الجسام في كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر..
واليوم يمر طريق قضية القدس والأقصى بمنعطف أصعب وأخطر من كل ما مضى، عالميًا وإقليميًا ومحليًا، حيث يريد المجرمون تثبيت وصم المجاهدين الفلسطينيين بوصف "الإرهابيين"، لتنفير عوام الأمة منهم كما نفروهم من غيرهم، والهدف شيطنتهم ثم عزلهم لأجل الفتك بهم، واليوم يتجه المكر الكبار نحو إخراج أهل غزة منها عن طريق ما يسمى بـ "صفقة القرن" ، بعد أن كادت القدس كلها أن تتحول إلى ملكية خاصة خالصة لليهود من خلال سرطان الاستيطان الذي ابتلع معظمها، وبعد أن أصبح المسجد الأقصى مهددًا بالسقوط بفعل أي زلزال طبيعي أو صناعي، بسبب تجريف أساساته بالحفريات بحثًا عن الخرافات..
كل هذا وغيره أوصل اليهود إلى وضعية استئساد شرس متجبر، بعدما وصلوا بمظاهر إفسادهم إلى مرحلة (العلو الكبير) المدمر، التي لا يعلم إلا الله إلى متى ستستمر، بعد وصول إفساد اليهود إلى حد القتل والقتال داخل ساحات الأقصى، وسط عجز داخلي، وتعاجز عربي ، وتواطؤ دولي ، يتطور من الجرأة على منع المصلين من دخول المسجد في صلاة الجمعة لأول مرة منذ خمسة عقود، إلى فرض التفتيش الذاتي الإلكتروني للمصلين في كل الأوقات، إلى مواجه هؤلاء بالسلاح في ساح المسجد والطرق المؤدية إليه.
 في ظل ردود أفعال رسمية وشعبية باردة خامدة...
هذا الطريق شبه المسدود الذي وصلت إليه قضية فلسطين بمقدساتها وكرامة شعبها يعني عدة أمور..
- يعني أولًا أن اليهود وأولياءهم نجحوا – في هذه المرحلة على الأقل – في عزل قطاع كبير من الأمة عن أكبر قضاياها، وإلهائها عن عداوة أشد أعدائها، وهو ما طمأن هؤلاء الأعداء إلى تجاوز الخطر الذي كانوا يؤجلون هدم الأقصى لأجله منذ خمسة عقود، منتظرين طوالها بطلان مفعول انطلاق طوفان الغضب الإسلامي العالمي، الذي أيقنوا (سابقًا) أنهم لن يستطيعوا السيطرة عليه..
- ويعني ثانيًا أن النظام الدولي الحامي لليهود؛ قد نجح في تدجين رؤوس النظام العربي الموالي في معظمه لليهود، حتى وجهوا بوصلة جيوشهم للتصدي للشعوب بدلًا من توحيد صفوفها ضد عدوها المتيقظ لها والمتربص بها..

- ويعني ثالثًا ؛ أن آخر أمل كان يُرتجى لنصرة القضية الفلسطينية، ممثلًا في ثبات بعض الجماعات الجهادية بعد تدمير أو تحوير العقيدة العسكرية في الجيوش النظامية؛ قد تعرقل أو تأجل بتحويل وجهة تلك الجماعات إلى غير غايتها، عن طريق إشغالها بلملمة جراحها من العدو البعيد، منصرفة بذلك عن ذلك العدو اليهودي القريب..؟!
فهل أضاعت الأمة فُرصًا أصبح من الصعب تعويضها..؟!.. 
قد يكون.. ولكنها فُرصٌ لن يستحيل استدراكها، ما دام فيها رجال يستجمعون في أنفسهم صفات (الطائفة المنصورة)..التي تواترت الأحاديث بشأن صمودها وصعودها، كلما نسي الناس ذكرها.. رغم أنها ..ستكون القدس وماحولها.. مكان انطلاقها...

أقرأ

القُدس التي فقدناها ..والأقصى الذي خذلناه (1)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق