فوبيا تدويل الحج
لم نسمع أو نقرأ أن قطر طلبت تدويل الحج والمشاعر المقدسة.. فقط سمعنا وتابعنا وزير الخارجية السعودي يقود أوركسترا رباعي الحصار، ليعزفوا لحناً، جديداً، رديء الإيقاع، يتوعد الدوحة بالحرب، ويصرخ، في هيستيريا، بأن المطالبة بتدويل المشاعر المقدسة بمثابة إعلان حرب، وأن السعودية تحتفظ بحق الرد.
لم يتغير منهجهم، على الرغم من أنه ثبت فشله، وبانت فضائحه: أن تصطنع كذبة، ثم تتعامل باعتبارها يقيناً، ثم تبني عليها مواقف، أو أن تأتي بفعلٍ مشين، وتلصقه بغيرك، ثم تسوّغ لنفسك اتخاذ رد الفعل.
هذا ما جرى في جريمة قرصنة وكالة الأنباء القطرية، قبل أكثر من شهرين، إذ نسبوا إلى قطر تصريحاتٍ ومواقف لم تصدر عنها، ثم تحدّثوا بخيلاء سفيهة عن حق الرد، وشنوا عدواناً شاملاً، ضد القطريين وجاليات عربية، تحت مظلة مهترئة تدعي الدفاع عن النفس، ثم حين انكشفت الجريمة الأم، ووقفوا عراةً أمام العالم، قرّروا افتعال حربٍ أخرى، لا تقل همجية، وضعوا لها عنواناً زائفاً: تدويل المشاعر المقدسة.
إنهم، مثل عبد الفتاح السيسي، يريدون صناعة "فوبيا" يحبسون شعوبهم داخل مراجلها التي تغلي بالخوف والقلق والرعب من شبح سقوط الدولة، يستحدثون "فوبيا الحج والمقدّسات" لابتزاز مشاعر الشعوب العربية والإسلامية، من خلال ترويج عدوٍّ لا وجود له إلا في خيالهم المعتل، يهدّد الكعبة، ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، فلتحتشد الأمة خلف القيادة الحكيمة التي إن سقطت سيسقط الإسلام، وإن اهتزّت عروشها، سوف تهتز العقيدة، وينهار الإيمان.
أبرهة على الأبواب، هكذا يتصايحون في أداء تمثيلي ركيك، ويحشدون المجاميع والكومبارس للمعركة الكبرى في العرض الدرامي المثير: أنقذوا الإسلام.
لم تطلب قطر أكثر من ألا يتم تسييس موسم الحج، وألا تتحوّل عبادة الله إلى عقوبة يفرضها خلق الله على خلق الله، ولم تتطرّق، من قريب أو بعيد، لوصاية السعودية على المشاعر المقدّسة، فقط أرادت معاملةً محترمةً لمواطنيها الراغبين في أداء الفريضة، فوجدت نفسها،
فجأة، متهمة بمعاداة الحرمين الشريفين.
لا يتوقف أحدٌ من فرسان معركة الحرمين، تلك المعركة المزيفة، ليسأل نفسه: كيف تريد من قطر، في المساء، أن تكون علمانيةً، لا دينية، مثلها مثل "رباعي اعتدال"، ثم في الصباح يطلق نفير الحرب ضد الهجمة القطرية على الدين والمقدسات؟!
هل قطر ضد الإسلام، أم متمرّدة على علمانية الرباعي المرح؟
لا تجد إجابة، لكنك تجد في دفتر العبث أشكالاً من الدونيّة الحضارية والثقافية، لدى أنظمة الحصار، تدفعهم إلى اتخاذ مواقف بهلوانية، تتجلى فيها عقدة "الـ ونصف"، فإذا كان الغرب علمانياً، فهم علمانيون ونصف، ولو هناك ميل إلى الخلط بين المقاومة والإرهاب، أو بين المعارضة والتطرّف، فهم خلاطون ونصف، ولو أن الغرب يدلل إسرائيل، فهم يزايدون ويتفوقون في تدليلها.
يعتمد هؤلاء على جيش من الكذّابين الاستراتيجيين، والمطبلين الذين يبدلون مواقعهم ومواقفهم برشاقة، فلا تعدم، على سبيل المثال، شخصاً مثل مصطفى بكري، يسبغ على خادم الحرمين الشريفين، عبد الله ثم سلمان، صفات الزعامة الناصرية، ولا مانع من أن يجعله إماماً للاشتراكية، ويرتدي مسوح الحرب ضد قطر، جندياً في فيلق حماية المقدّسات من أي نسمة هواء تمر بالدوحة، وهو الذي قضى نصف سنوات عمره في الصحافة، يقود حملات تطالب بتدويل الحرمين الشريفين، ونزع ولاية السعودية عليهما.
يمكن لعادل الجبير وشلة أصحابه أن يعودوا إلى أرشيف صحيفة "مصر الفتاة" الحزبية في نهاية ثمانينات القرن الماضي، ليعلموا من يطالب بتدويل الحج، ومن يتربّص بالمشاعر المقدّسة، ومن يتاجر بالعبادة في سوق السياسة، ومن يتفنن في صناعة حروبٍ وهميةٍ للابتزاز واقتياد الجماهير إلى أفران الفزع من أشباح المؤامرة الخارجية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق