موسم ذبح العرب والمؤامرة على مكة
الاستراتيجيات الصهيونية والغربية ليست قدرا مقدورا، وعندما نتحدث عن المخططات التي تستهدف أمتنا فإننا نريد أن نلفت الانتباه للخطر، لمواجهته
عامر عبد المنعم
في الوقت الذي كنا ننتظر فيه قيادة للعالم السني تقف في وجه التمدد الشيعي الذي ابتلع العراق وسوريا ولبنان واليمن، فوجئنا بما يسمى "دول الحصار" التي أعلنت مواجهة مع قطر السنية والحركات الإسلامية السلمية في دول السنة ، بل وإعلان الحرب على حركة حماس واعتبارها حركة إرهابية!
وبدلا من التركيز على إنقاذ اليمن من الانقلاب الحوثي ذهبت دول الحصار لتصعيد التوتر في المنطقة الشرقية الآمنة وضد الدولة الشقيقة، وهم لا يدرون أن الذي يدفعهم إلى هذه الجهة يريد إشعال النار في الضفة الغربية للخليج العربي لإيجاد المبررات للتدخل العسكري الخارجي لتأسيس الدولة الشيعية العربية المخطط لها والتي تمتد من جنوب العراق إلى جانبي الخليج الشرقي والغربي.
هذه النار التي اشتعلت في الخليج فجأة، وطبول الحرب التي تدق بدون أي أسباب أو مقدمات تأتي في سياق تهيئة الأجواء لتنفيذ خطط التقسيم التي وضعتها الدوائر الصهيونية وتبنتها الولايات المتحدة الأمريكية.
المستهدف من التصعيد ليس قطر، وإنما الجهات التي دفعت دفعا للتصعيد، بما يشبه ما فعله الرئيس العراقي صدام حسين عندما تمت غوايته بغزو الكويت ليضع رأسه تحت المقصلة وتقديم المبررات لتفكيك العراق وتقسيمه على النحو الذي نراه بأعيننا الآن.
خطط التقسيم المرسومة لذبح العرب ليست سرية وإنما منشورة، ويجري تنفيذها الآن في العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان ومصر، ولتنفيذ هذه الخطط تتدفق جيوش دول الغرب إلى المنطقة العربية في أكبر حشد عسكري مسيحي منذ الحروب الصليبية.
خطط التقسيم
هناك العديد من الوثائق التي تتحدث عن التقسيم، أهمها ثلاث وثائق منشورة وهي وثيقة كيفونيم ومخطط برنارد لويس وحدود الدم لرالف بيترز، تدور كلها حول التصور الذي وضعه الإستراتيجيون الإسرائيليون وتبنته الدوائر الأمريكية كإستراتيجية رئيسية يجري تنفيذها الآن بالجيش الأمريكي وبمساعدة طوائف وأعراق وبعض حكومات المنطقة.
الوثيقة الأولى معروفة باسم الصحفي الإسرائيلي الذي نشرها "أوديد إينون" في المجلة الصهيونية كيفونيم في فبراير 1982 بعنوان "إستراتيجية إسرائيل في الثمانينات"، وهي التي وضعت الأساس لفكرة تقسيم الدول العربية ولبننة وبلقنة العالم الإسلامي، حيث طرح الإسرائيليون فكرة تفكيك الدول الإسلامية الكبيرة وإنهاء قوتهم الديموغرافية التي تشكل تهديدا مستقبليا يحيط بالكيان الصهيوني.
الوثيقة الثانية خاصة بالمستشرق الأمريكي اليهودي المعادي للعرب والمسلمين برنارد لويس الذي تبني الخطة الإسرائيلية، وحولها من خلال فريق من الاستراتيجيين والمتخصصين إلى خطة مصحوبة بالخرائط التفصيلية، واعتمدها البنتاجون والكونجرس الأمريكي سرا، وقد تسربت خطة لويس فيما بعد وكشفت الخرائط عن تفاصيل التقسيم المستهدف لكل دولة.
أما الوثيقة الثالثة فهي المعروفة باسم "حدود الدم" التي كتبها الجنرال المتقاعد رالف بيترز ونشرتها مجلة القوات المسلحة الأمريكية آرمد فورسس في يونيو 2006 وتتحدث عن إعادة رسم الحدود على أسس عرقية وطائفية وتصحيح ما تراه من الأخطاء الكبيرة التي تحفل بها الحدود الحالية والتي رسمها الفرنسيون والإنجليز في القرن التاسع عشر.
تفكيك الخليج
تشير خطط التقسيم إلى أن السعودية ستقسم إلى 5 دويلات. ستنتزع منها المنطقة الشرقية لصالح الدولة الشيعية العربية، التي يقودها الشيعة العراقيون الذين سيتمددون جنوبا للسيطرة على الساحل الغربي للخليج العربي وسيتمددون على الضفة الشرقية والسيطرة على أرض الأحواز العربية لمنع إقامة دولة عربية سنية متوقعة، خاصة مع تصاعد الاحتجاجات وعدم تقبل عرب الأحواز للحكم الفارسي الإيراني.
يبرر الإستراتيجيون الأمريكيون تحمسهم للدولة الشيعية العربية بأنها ستكون عامل توازن مقابل الدولة الفارسية أكثر من احتمال أن تكون حليفا لها!
ومن واقع الخرائط سيبقي الأمريكيون على الكويت وقطر كإمارتين مستقلتين بينما ستضم البحرين للدولة الشيعية المخطط لها، ويستهدف الأمريكيون تحجيم النفوذ الايراني في الخليج العربي من خلال نظام حكم ضعيف من الشيعة العراقيين الموالين للولايات المتحدة.
مكة والمدينة
تشير استراتيجيات التقسيم إلى انتزاع الحجاز لتدويل الحرمين وإقامة دولة تشبه الفاتيكان ووضع مكة والمدينة تحت الإدارة الدولية، وهم يبررون هذه الخطوة بمنع النفوذ الوهابي من استغلال الحرمين في الترويج للأفكار السلفية في العالم، وفرض نظام إدارة يحقق السيطرة الغربية الكاملة على الأراضي المقدسة، والرقابة الصارمة على الحج والعمرة.
وسينتزع الجزء الشمالي والشمالي الغربي للسعودية، وقد يحكم بشكل منفصل أو يضم إلى الأردن الذي تتعدد التصورات لمستقبله، أما الجنوب الغربي فتشير خرائط التقسيم إلى ضمه إلى اليمن الشمالي الذي يعملون على أن يحكمه الحوثيون، وبعد هذه "القصقصة" لن يبقى من المملكة إلا الرياض وما حولها من صحراء قاحلة.
الملاحظة الأهم والأخطر في المخططات الموضوعة حول مملكة الرياض هي هل تكون مملكة صحراوية مغلقة ليس لها منافذ بحرية، أم يتركوا لها منافذ محدودة شرقا على الخليج العربي وغربا على البحر الأحمر؟
في الخرائط التي وضعها برنارد لويس وتطابق معه رالف بيترز لن يترك للدولة السعودية غير الشريط الضيق على ساحل الخليج بين الإمارات وقطر، وشريط ساحلي صغير في الغرب بين منطقة الحجاز التي سيتم تدويلها واليمن الذي سيبتلع الربع الجنوبي.
بينما تشير الخريطة التي نشرتها مجلة نيويورك تايمز في سبتمبر 2013 في تقرير بعنوان (How 5 Countries Could Become 14) تم حجب مملكة الرياض عن الماء شرقا وغربا، حيث تم ضم الأراضي في الجنوب الغربي لليمن لتلتصق مع حدود دويلة الحجاز المزعومة، وتم تمديد الدولة الشيعية على الخليج وحتى حدود الإمارات التي ستتفكك، فبعض الإمارات ستضم للدولة الشيعية العربية أما دبي – حسب الخطط ستنفصل عن الإمارات و " ستحتفظ بموقعها كمرتع لعربدة المترفين" .
وكل هذه التغييرات ستقتضي إحداث صدمات سياسية كبيرة وإشعال الخلافات والصراعات لتشتيت الانتباه، بعيدا عن صلب الخطة التي يجري تنفيذها، وجر كل القوى التي قد تعرقل التقسيم إلى الصدام والاستنزاف وتدمير الذات.
***
الاستراتيجيات الصهيونية والغربية ليست قدرا مقدورا، وعندما نتحدث عن المخططات التي تستهدف أمتنا فإننا نريد أن نلفت الانتباه للخطر، لمواجهته، ولوضع إستراتيجية مقابلة تفشل المكر المعادي.
معرفة كيف يفكر خصومنا يفيدنا لكي نفهم ما يجري ونعمل على إفشال المكر المعادي، حتى لا يشترك بعض حكامنا بإرادتهم أو مكرهين في تخريب بلادهم بأيديهم، فالأطماع الخارجية لم ولن تتوقف، وما لم يكن هناك مكر مضاد ووعي فستتكرر مآسينا ونشهد مصارعنا، وكأننا أمة بلا عقل وبلا بصيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق