الاثنين، 3 يوليو 2017

الاحتلال والليبرالية ……. وحصان طروادة


الاحتلال والليبرالية ……. وحصان طروادة

سيف الهاجري
في عام 1180 قبل الميلاد صنع الغزاة اليونان بخشب من طروادة حصانا خشبيا ضخما، اخترق به الغزاة حصون مملكة طروادة الشرقية وأحرقوها والحصان الخشبي معها، وتجاهل هوميروس في ألياذته ذكر الحصان ليبين حكم التاريخ فيمن شابه حصان طروادة…..
ولا زالت فكرة حصان طروادة، والتي أبدعتها المدرسة الأغريقية مهد الفكر والحضارة الغربية، هي الركن الأساسي في السياسة الاستعمارية الغربية منذ عهد الأمبراطورية الرومانية مرورا بالحروب الصليبية إلى الاستعمار الغربي في عصرنا الحديث….
ومع فتح السلطان محمد الفاتح العثماني للقسطنطينية عام 1453م أدركت أوربا المسيحية أن وجودها أصبح مهددا، فغير الفكر الأوربي الاستراتيجي من أسلوب المواجهة والصراع مع العالم الإسلامي، فأدخل الاستشراق في ميدان المعركة التاريخي مسلحا بالفكر والعلم والثقافة، وبدأت أوربا بنفسها لتخرج من عصور القرون الوسطى إلى عصر النهضة والتنوير والثورة السياسية والصناعية لتتهيأ بذلك لدخول ساحة المعركة ومعها قوة العلم والفكر والثقافة….
واستأنفت أوربا الحديثة صراعها مع العالم الإسلامي، مع بدء الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م بقيادة نابليون، وبمجيء هذه الحملة دخل العالم الإسلامي مرحلة جديدة من المواجهة والصراع التاريخي مع الحملات الصليبية الأوربية، فالحملة الفرنسية العسكرية رافقها جيش من العلماء والمستشرقين ليضعوا البذرة الفكرية والسياسية الأولى لليبراليةلتنمو في أرض الإسلام بقلب وروح وفكر غربي…
واطلق نابليون مشروعه العلمي الاستشراقي بالبعثات العلمية لإبناء البلد وأوصى الجنرال كليبر قبل عودته لفرنسا بأن (أختاروا من شباب مصر لأبناء علية القوم وابعثوا بهم لفرنسا ليروا عظمة حضارتنا وثقافتنا لينبهروا بها ويتعلموا منها ليصبحوا حزبا لفرنسا في مصر) وهكذا كان…..
وقامت بريطانيا وفرنسا رأسا الحملة الصليبية الأوربية، التي احتلت العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة العثمانية، بإصدار بيانهما الشهير بعد احتلال العراق وسوريا إلى الشعوب العربية بتاريخ 9/11/1918م موجه للشعوب العربية جاء فيه :
(إن الغاية التي من أجلها خاضت فرنسا وانجلترا غمار الحرب في الشرق، هي تحرير الشعوب التي رزحت تحت احتلال ومظالم الأتراك-أي الخلافة- تحريرا تاما نهائيا، وإقامة حكومات قومية تستمد سلطتها من اختيار السكان لها اختيارا حرا، ولتحقيق ذلك اتفقت الدولتان فرنسا وبريطانيا على أن تعينا على إقامة حكومات وطنية في كل من سوريا والعراق، البلدين الذين حررهما الحلفاء، يختارهما السكان، وأن تضمنا عدلا يساوي بين الجميع، ويسهل تنمية البلاد اقتصاديا، ونشر العلم)
وهو نفس الخطاب الذي أعلنته أمريكا وبريطانيا عند احتلال العراق عام 2003م ومعهم حصان طروادة الليبرالي ليدمروا العراق باسم الحرية…..
لقد جاء الاحتلال البريطاني والفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى ومعه حصان طروادة العصر (الليبرالية)، وفتح المحتل الباب واسعا أمام رجالها في السياسة ودوائر الحكم التي انشئت مع قيام الأنظمة العربية من ملكيات وجمهوريات على أنقاض الخلافة العثمانية، وبدأت تظهر الأحزاب الليبرالية وهي تحمل شعار المحتل نفسه (الحرية) لكن بوجه وطني يرفعه أبناء الوطن الذين تربوا في جامعات الغرب وانبهروا بحضارته ليعودوا لأوطانهم وهم يحملون شعاراته وينفذون أجنداته في حكم المنطقة العربية باسم الليبرالية والحرية تحت رعاية القصر وظل المحتل….
وهو ما بينه بجلاء ووضوح وزير المعارف والأديب الشهير طه حسين في كتابه مستقبل الثقافة في مصر بقوله (نريد أن نتصل بأوروبا اتصالا يزداد قوة من يوم إلى يوم، حتى نصبح جزءا منها، لفظا ومعنى، حقيقة وشكلا)
وهكذا فمنذ اليوم الأول لدخول الليبرالية للعالم العربي وهي في حالة صدام مع الأمة وإسلامها وهويتها، وفتح المحتل والقصر لحصان طروادة الليبرالي الطريق في دوائر العلم والثقافة كالجامعات والصحف ودور النشر برعاية المبشر دانلوب البريطاني عراب التغريب في التعليم والتربية في العالم العربي، ومن دائرة العلم والثقافة هذه انطلق ابناء المبشر ليصبحوا رجال الحكم والسياسة في القصور والوزارات والمؤسسات..
هذا التلازم بين الاحتلال الصليبي للعالم العربي وبين الليبرالية (كفكر وأحزاب ورجال) حقيقة تاريخية لا يمكن تجاهلها اليوم في ظل الثورة العربية على أنظمة سايكس بيكو الوظيفية، والتي ظهرت جلية في موقف الاحزاب الليبرالية ومفكريها ومثقفيها وكتابها الرافض للثورة العربية ووصفها بالمؤامرة الخارجية لخلق الفوضى والدمار في المنطقة العربية، واصطفت الليبرالية ورجالها مع الثورة المضادة ونظم الاستبداد العربية أمام تطلع الشعوب نحو الاستقلال من الاحتلال والحرية من الاستبداد….
لقد غر الليبرالية ورجالها اليوم ظهور قرن الشيطان (الثورة المضادة) فأخذوا يطرحون أنفسهم للثورة العربية كرجال وفكر باسم الحرية وهم ينسجون خيوط المؤامرة على الثورة نفسها في قصور الاستبداد وقواعد الاحتلال، وهي المؤامرة التي كشف خيوطها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير عراب احتلال العراق والمبعوث الخاص للجنة الرباعية للشرق الأوسط لوكالة الأنباء الفرنسية في 30 / 12 / 2011 بعد ظهور  الربيع العربي في تونس بأيام بدعوته (الحكومات الغربية ببذل مزيد من الجهد لمساعدة التيارات “الليبرالية والديمقراطية” في خضم الثورات التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط)
لقد كشفت الثورة العربية للشعوب نفسها 100 عام من الزيف الفكري والسياسي لليبرالية ومفكريها ومثقفيها الذين يدعون للحرية ومشاركة الشعوب، وهم حصان طروادة المحتل وللأنظمة التي جاء به المحتل لإختراق حصون الثورة…
ظلت المهمة التاريخية لليبرالية ورجالها ومثقفيها منذ قدومها مع الحملة الفرنسية الصليبية هي نفسها مهمة حصان طروادة، فاليوم مهمة الليبرالية ورجالها مواجهة الثورة العربية لتبقى الشعوب العربية تحت الاحتلال الاجنبي والاستبداد الداخلي….
﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ  وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾
﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾
وبعد قرن من الاحتلال والاستبداد والزيف الليبرالي لم يعد أمام الشعوب العربية بثورتها وربيعها إلا بالعودة للإسلام الذي جاء بالهدى والنور والحرية والعدل والشورى وأعطاها كافة الحقوق الشرعية والسياسية وفق نظام سياسي نبوي راشدي جعلها حرة عزيزة منيعة 13 قرنا، فهذا هو قدرها الذي وصفه الخليفة الراشد عمر الفاروق وهو ذاهب لإستلام مفاتيح القدس
(نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما إبتغينا العزة بغيره  أذلنا الله)
الأثنين 3 / 7 / 2017 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق