الخميس، 10 يوليو 2025

المنسيون في السجون المصرية

 

المنسيون في السجون المصرية

حتى سنوات قليلة، كانت محاولة انتحار سجين سياسي في زنزانته خبراً مهمّاً تتناوله عديد الصحف والقنوات التلفزيونية، تأكيداً أو نفياً وتكذيباً، بوصفه موضوعاً يستحقّ التوقّف عنده بالنقاش والتحليل. أمّا وأننا في لحظة باتت فيها جريمة حرق نازحين في مخيّم أو مرضى على أسرّة المشافي خبراً اعتياديّاً تألفه العيون والآذان، فإنّ خبر إقدام عالم اقتصاد مرموق وخبير شاب في البنك الدولي على الانتحار لم يعد يسترعى اهتمام أحد، أو يثير فضوله للنقاش والتحليل، وخصوصاً إذا كان هذا المُقدم على الانتحار من المَنسيين في السجون الذين لا تنزعج حكومات وجماعات ضغط لما يجري لهم فيها.

وعلى هذا النحو، مرّت أنباء وتقارير عن جحيم يعيشه نحو 58 سجيناً ومُعتقلاً سياسيّاً في أحد السجون المصرية، المُسمّاة تهذيباً مراكز إصلاح وتأهيل، يسكنها نزلاء لا سجناء، من دون أن يتوقّف عندها أحد، ربما لكثرة العدد، أو لأنهم سقطوا أو أسقطوا من الذاكرة بالتقادم، حيث مرّ على وجودهم في السجن أكثر من عشر سنوات، وبالتالي، لم تهزّ أحداً صرخاتهم الآتية من سجن بدر 3 قطاع 2، محمّلة بوقائع تتضمن أبشع أشكال التنكيل والعزل والحرمان التي جعلت من السجن أسوأ بقعة في سجون العالم.

 بحسب المنشور نقلاً عن الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، تزداد الأوضاع سوءاً على نحو 58 سجيناً مع مرور عشر سنوات على حرمانهم الزيارة ورؤية الشمس والعزل التام عن العالم، ما أدى إلى وقوع  ثلاث محاولات انتحار بين السجناء خلال الأيّام القليلة الماضية، آخرها في يوم 4 يوليو/ تموز الجاري، حين أقدم الدكتور عبد الرحيم محمد، استشاري القلب المعروف، على محاولة ذبح نفسه على مرأى من المسجونين وأمام كاميرات المراقبة بالسجن، والثانية للأستاذ رضا أبو الغيط الذي قطع شرايينه بسكين، ثم أكمل عليها بأسنانه حين أخذوا السكين منه، والثالثة للدكتور عبد الله شحاتة، الخبير الاقتصادي الدولي المعروف، حين حاول شنق نفسه.

كلّ ما يطالب به هؤلاء السجناء هو حقّ ذويهم في زيارتهم داخل السجن، إذ لم يروا أحداً منذ عشر سنوات، وكذلك لا يرون الشمس، فقط يريدون حقوق السجناء في معاملتهم بشراً داخل الزنازين، الحقّ ّفي الزيارة والحقّ في العلاج والحقّ في الضوء.

هذه الحالة من التجريد الكامل من أبسط الحقوق دفعت زملاءهم في السجن إلى الدخول (عشرة من السجناء على الأقل) في إضراب كامل عن الطعام والدواء، وهم: الدكتور محمد البلتاجي الطبيب المعروف، والنائب السابق والدكتور عبد الرحمن البر، والمحامي أسامة محمد مرسي، الذي لم يرَ ابنه منذ ولادته إلا في زيارة واحدة قبل عشر سنوات، وهو نجل الرئيس محمد مرسي، الذي سقط شهيداً للتنكيل والإهمال الطبي أمام القضاة في قاعة المحكمة، وكذلك الوزير السابق خالد الأزهري، والأستاذ أمين الصيرفي، والمهندس أسعد الشيخة، الأستاذ يسري عنبر، والمهندس عمرو زكي، والنائب البرلماني السابق صبحي صالح. 

وبحسب المعلومات المتوفّرة عمّا يجري، تعدّدت حالات الإغماء ونوبات غيبوبة السكر بين المشاركين في الإضراب، بالنظر إلى تقدّم أعمار غالبية السجناء، إذ يقترب متوسّط الأعمار في السجن من 65 عاماً.

وفي ظلّ هذه الظروف المُخيفة، لم يخرج ردّ فعل السلطات في السجن عن التجاهل والسخرية من المضربين بأنّ أحداً لم يعد يتذكّرهم أو يشعر بهم خارج أسوار السجن، ويبدو أنّ إدارة السجن صَدَقَت في ما قالت، فمن يتذكّر أو يهتم بأمر أسماء نبلاء ومناضلين حقيقيين، مثل رئيس البرلمان السابق والأكاديمي المعروف محمد سعد الكتاتني، والوزير محمد علي بشر، والسفير محمد رفاعة الطهطاوي، والنائب والمحامي عصام سلطان، والمرشّح السابق لرئاسة الجمهورية صلاح أبو إسماعيل، والوزير باسم عودة، وأحمد عارف وحسام أبو البخاري، وعشرات غيرهم من المَنسيين، لأنهم فقط يمثلون طيفاً سياسيّاً وفكريّاً لا يعجب هؤلاء الغارقين في أوهام التصنيف على الشللية، فلا يَنظر لهم أحد سجناء رأي، رغم أنهم هم الرأي نفسه، غير أنّ مفهوم سجناء الرأي تعرّض للعطب والتلف، بحيث صار المقصود بمصطلح سجناء الرأي هو سجين الرأي الذي نفضّله ونعتنقه، بينما سجين الرأي المُخالف، غير مشمول بهذه المظلّة الفئوية التي تتّخذ، في بعض الأحيان، شكلاً من العنصرية والشوفينية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق