الأربعاء، 3 أبريل 2013

في النزع الأخير.. «هيكل» يواصل السقوط!

في النزع الأخير.. «هيكل» يواصل السقوط!


شعبان عبدالرحمن (*)
    
«الطائرة الرئاسية تكلف مليون دولار في كل يوم عمل، و«الهيلمان» فيها كبير جداً، وهذا الرجل (د.مرسي) القادم من الريف من الزقازيق والإصلاح الزراعي والإخوان المسلمين، يعني التقشف عندما يرى ذلك تحدث صدمة له..»
 بهذه الكلمات عن الرئيس «محمد مرسي» هبط الأستاذ «محمد حسنين هيكل» إلى مستوى لا يليق به كتاريخ وقيمة صحفية كبيرة، والهبوط هنا ليس في مستوى الحديث عن رئيس دولة فقط، وإنما الهبوط المتدني أمام قيم رفيعة هي مصدر فخر لكل أصيل ونبيل، قيم الفخر بالأصول وعدم التنكر لها، وقيم الاحترام لرجال واصلوا التعلق بأصولهم وجذورهم، بل يعتبرونها تاجاً على رؤوسهم مهما كانت متواضعة، لكن الأستاذ «هيكل» ضرب هذه القيم في مقتل خلال حواره التلفزيوني يوم الخميس 21/3/2013م عندما قفز في الحوار ليدخل في وصلة معايرة لـ«د.محمد مرسي» بأصوله الريفية التي تتشرف بها غالبية الشعب المصري.
وخلال الحوار، أقحم «هيكل» «عبدالناصر» فرعون مصر وجلادها الأكبر في مقارنة مفتعلة مع «مرسي»، انتصر فيها بالطبع للفرعون؛ فـ«مرسي» الذي يركب طائرة مفعمة بـ«الهيلمان» -في رأي «هيكل»- يتنعَّم في ميزانية سنوية تبلغ 265 مليون جنيه، بينما «عبدالناصر» المسكين كان «يضع في ميزانية مكتبه وليس شخصه مليون جنيه، ومليون دولار يدعم بها الأحزاب المؤمنة بالقومية العربية في المنطقة، وكذلك اللاجئين العرب»، ونسي أن يقول: إنه كان يركب «طائرة رش» في سفرياته، ولكنه تذكر جيداً أن «عبدالناصر» عندما سافر إلى «الكرملين» (روسيا) رفض أن يتناول طعامه على بوفيه مفتوح عليه أطنان من الكافيار، واصطحب معه جبنة بيضاء مصرية وجرجيراً! ولم يكمل لنا المشهد الساحر -كعادته في الحديث عن سيده- عن «عبدالناصر» وهو يأكل الجبن والجرجير، بينما سادة «الكرملين» جالسون على مائدتهم الفاخرة!
هي ليست المرة الأولى التي يغمز فيها «هيكل» الرئيس «مرسي»، والإيحاء لمشاهديه بأن الرجل كان توَّاقاً لبريق القصر و«هيلمانه»، فنقل عن المشير «طنطاوي» قوله له: إن الرئيس مرسي استعجله الذهاب للقصر أكثر من مرة قبل أن يؤدي القسم، وصحب «هيكل» كلامه هذا بتعبيرات وجهه ويده وشفتيه التي تنتقص من قدر الرئيس، ثم أشار مرة أخرى هنا واصفاً الرئيس بمن جاء من قاع الريف إلى قمة السلطة متندراً، وهنا يكون «هيكل» قد بلغ ذروة التدني في الحديث، خاصة أن المعلومات المتواضعة عنه أنه -«هيكل»- لم يسقط علينا من برج عاجي، وإنما جاء من صعيد مصر من أسرة بسيطة أيضاً، وذلك شرف لأي إنسان، ولكن غير المشرِّف أن يتنصل المرء من أصوله ويتنكر لأهله، بل لأقرب الناس إليه، فلا يحضر موتهم ولا دفنهم، ويكتفي بالذهاب للقبر ووضع وردة عليه!
لقد دفعني شغفي -قبل عشرين عاماً تقريباً- بذلك الكاتب الكبير حتى توصلتُ إلى قريته التي استقرت بها عائلته بعد القدوم من الصعيد، وهي قرية قريبة من «شبرا الخيمة»، شمالي القاهرة -لن أذكرها- وعندما حدَّثتُ شباباً منها عن «هيكل» انطلقوا كالرصاص بعبارات شديدة القسوة..
 «هيكل» المتنكر لنفسه، والدائم الحديث عن حياته في القصور و«هيلمان» الزعامة -وذلك حق- يستكثر على الرئيس الذي انتخبه الشعب لأول مرة في تاريخ مصر أن يعمل في قصر، ويركب طائرة في السفر..
 «هيكل» الذي ظل يخدِّر الشعب المصري بـ«الاشتراكية» وحقوق الطبقة الكادحة، يعاير رئيسنا بأنه قادمٌ من الريف والإصلاح الزراعي -رمز اشتراكية «عبدالناصر»- فأي تنكُّر للمبادئ والأفكار التي ظل يروِّج لها بعد التحقير من أهل الريف وأبناء الإصلاح الزراعي؛ وبالتالي الحطّ من قدر الطبقة المتوسطة التي ينتمي إليها الشعب المصري؟!
أليس عاراً عليك يا «هيكل» أن تظل ردحاً طويلاً من عمرك تبشِّر بـ«الاشتراكية» و«الماركسية» وتجمِّل سياسات زعيمك التي أورَدَتْنا المهالك، ثم تأتي اليوم لتحقِّر من أهل الريف والإصلاح الزراعي.. تحقِّر من؟ تحقِّر أفكارك ومبادئك التي ظللت تضحك علينا بها أنت وزعيمك المفدَّى؟ ثم من أين جاء «عبدالناصر» ودخل «قصر القبة»؟
ألم يأتِ من طبقة ذات فقر مدقع، وينتسب لوالد بسيط وذلك شرف كبير له؟
 ومن أين جاء «السادات» الذي كان دائم الفخر بقريته وأهله، والذي كان يقيم في معظم قصور واستراحات الرئاسة على مدار العام؟!
لم يطلب «مرسي» من «طنطاوي» زيارة القصر لتشوّقه إلى العيش فيه، والاستمتاع بـ«هيلمانه»؛ ودليل ذلك أن الرجل ما يزال يقيم في شقته المعروفة بالإيجار، وإن كنت من المطالبين له بالانتقال إلى العيش في القصر توفيراً للوقت والأمن، خاصة أنهم لن يبنوا له قصراً جديداً، ولكن حتى يستقر حق الشعب في قصر الحكم في ظروف تتقلب فيه الأحوال ولا تتوقف ألاعيب الأبالسة.
«مرسي» لم يُصَب بصدمة من «هيلمان» القصر، ولا «هيلمان» الطائرة، ولا «هيلمان» الدنيا، فهو من صنف آخر لا يعرفه «هيكل» ولا يستطيع أن يستوعبه، والذي لا يدركه «هيكل» -ولن يدركه- أن رجلاً مثل «محمد مرسي» القادم من الريف لن تبهره قصور الدنيا؛ لأنه قادم من الإخوان المسلمين فهو من صنف باع الدنيا بأسرها، ألم يشاهد «هيكل» صنفاً من الإخوان المسلمين علَّقهم «عبدالناصر» على أعواد المشانق، ولقوا ربهم دون أن يفرِّطوا في دينهم، أو يكتبوا وريقة تأييد لـ«عبدالناصر»؟ ويكمن ذلك في قول «مرسي»: «الستينيات وما أدراك ما الستينيات».
من الريف جاء «محمد مرسي» ولكن بطعم مختلف، وفي ظرف مختلف، وبطريقة أكثر اختلافاً؛ فهو أول رئيس مصري في التاريخ انتخبه الشعب، وهو من قلب هذا الشعب، ويفتخر -وسيظل- أنه من ريف مصر، وإن نال أعلى الشهادات العلمية من أمريكا، ويفتخر -وسيظل- أنه من الإخوان المسلمين، وهذه بالذات هي التي صنعت لـ«هيكل» وأمثاله «دملاً» لن يندمل، وأعتقد أنه كان لا يتمنى أن يرى في الهزيع الأخير من حياته أعداءه في الفكر والتوجه في سدة الحكم، بعد أن ظن في الستينيات أن سيده قضى عليهم، ولكن لله في خلقه شؤوناً؛ {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}(الروم:19)، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يطيل بقاء «هيكل» وأمثاله حتى يرى الخير يتفجر في مصر من كل حدب وصوب، ويرى مصر ناهضة على يد «محمد مرسي» القادم من الريف من الزقازيق والإصلاح الزراعي والإخوان المسلمين؛ {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}  (5)}(القصص).

 (*) كاتب مصري- مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية
Shaban1212@gmail.com       
twitter: @shabanpress 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق