الخميس، 4 أبريل 2013

حكاية الأمم المتحدة مع «خدعة» تحرير المرأة

 حكاية الأمم المتحدة مع «خدعة» تحرير المرأة

 محمد جمال عرفة
تحت عنوان برَّاق خادع هو «القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة»، عقدت عشرات المؤتمرات الدولية منذ سبعينيات القرن الماضي، استهدفت إصدار وفرض توصيات ووثائق دولية على المرأة العربية والمسلمة، سعى واضعوها لإسباغ طابع الدولية عليها، عبر إجراء الكثير منها تحت مظلة الأمم المتحدة، ليكون ما يصدر منها ملزماً للدول العربية والإسلامية.

 وسعت مصر مع 17 دولة عربية وإسلامية، منها باكستان وأفغانستان وقطر والسعودية وإيران - في آخر هذه المؤتمرات التي عقدت في مارس الجاري بالأمم المتحدة - لرفض أي توصيات تخالف الشريعة الإسلامية، والسعي لعدم خروج الدورة بتوصيات ملزمة للدول الإسلامية.

 البداية بـ«السيداو» هذه المؤامرات المتتالية على المرأة والأسرة العربية والمسلمة لجرها لانحلال الحضارة الغربية وإباحة الجنس خارج إطار الزواج والشذوذ، بدأت بوثيقة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة أو «سيداو» اختصاراً بالإنجليزية(CEDAW) هي معاهدة دولية تم اعتمادها في 18 ديسمبر 1979م من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتم عرضها للتوقيع والتصديق والانضمام بالقرار (34/180) في 18 ديسمبر 1979م، وتوصف بأنها وثيقة حقوق دولية للنساء، ودخلت حيز التنفيذ في 3 سبتمبر 1981م.

 الأغرب أن الولايات المتحدة لم تصادق على اتفاقية «السيداو» إضافة لثماني دول أخرى لم تنضم إليها بالأساس بينها إيران، دولة الفاتيكان، السودان، الصومال، وتونجا، وكانت السويد أول دولة توقع على الاتفاقية، وذلك في 2 يوليو 1980م لتدخل حيز التنفيذ في 3 سبتمبر 1981م، وبتوقيع 20 دولة أخرى على الاتفاقية، وبحلول مايو 2009م صادقت أو انضمت إلى الاتفاقية 186 دولة، كانت أحدثها قطر في 19 أبريل 2009م، وبعض حكومات الدول التي انضمت أو صادقت على الاتفاقية قدمت بعض التحفظات على بعض ما ورد فيها.

 أبرز ما جاء في هذه الاتفاقية كان هو محور ما جاء في كل وثائق المرأة لاحقاً من تكريس لمفهوم المساواة بين الجنسين في التشريعات المحلية، وإباحة الحرية الجنسية والشذوذ، وكل ما يجري في بلادنا في شأن المرأة من قرارات وإجراءات، مما يخالف أحكام الشريعة.

بداية تنفيذ المؤامرة إذا كان مؤتمر «السيداو» دشن لهذه الفكرة المتعلقة بتقنين وضع مختلف جديد للمرأة والحياة الجنسية ومقتبس من الحضارة الغربية لتعميمه على كل دول العالم وفرضه على المرأة العربية والمسلمة أيضاً، فقد كان صدور «وثيقة بكين» الخاصة بالمرأة والأسرة برعاية الأمم المتحدة عام 1995م، والتي تروج لمفهوم «الجندر» (Gender Perspective) بمعنى إلغاء كل الفوارق بين مفهوم «الرجل» ومفهوم «الأنثى»، وتضمنت 120 بنداً بعضها يتناقض تماماً مع فطرة البشر والعقيدة الإسلامية، ويبيح الشذوذ والجنس خارج نطاق الأسرة والإجهاض، هي بداية تنفيذ المؤامرة على الأسرة العربية المسلمة.

 وقد جاء الرد الإسلامي الجماعي واضح في مؤتمر «بكين + 5» الذي عقد عام 2000م، في صورة تقديم دراسة مشتركة من المنظمات الإسلامية المختلفة عن البديل الإسلامي، اهتمت بتفنيد فكرة صراع الرجل والمرأة التي قامت عليها «وثيقة بكين»، بيد أن تجاهلاً ما حدث لهذه الآراء الإسلامية، إلى أن جاء مؤتمر «بكين + 10» الذي بدأ 28/2/2005م في نيويورك حتى 11/3/2005م، والجلسة 49 للجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة لتبدأ مناقشة وسائل «تنفيذ» الدول لهذه المقررات «بكين 95» والعقوبات المقترحة على الدول التي سترفض!

 والغريب أن كافة الدول العربية والإسلامية التي شاركت في مؤتمر «بكين + 10» لم تعترض على أي فقرة من فقرات مقررات بكين بسبب حالة الجهل المتفشية بين الدبلوماسيين العرب والمسلمين عن تعاليم الإسلام تارة، والخشية من أن يقال: إن الإسلام دين رجعي إن هم اعترضوا على الحرية الجنسية تارة أخرى، مع أن من الدول التي اعترضت أمريكا ومعها الفاتيكان!

لقد وصل الأمر في مؤتمر لاحق بالأمم المتحدة في أمريكا لحد عقد عشرات الجلسات عن الجنس واضطهاد المرأة المسلمة مثل:
جلسة عن أن «الامتناع عن الجنس يتعارض مع الحقوق الجنسية للإنسان»، وقد عقدته جمعية للشواذ تسمى «لجنة الشاذين والشاذات العالمية لحقوق الإنسان»، وجلسة بعنوان «رفع العنف عن المرأة في المجتمعات الإسلامية» Elimination of violence against women in Muslim Societies نظمته جمعية Women learning partnership WLP تحدثوا فيها عن ضرورة أن تتعلم النساء كيف يفسرن القرآن لأنفسهن (إعادة تفسير النص)، وذلك حتى يتوصلن إلى مبادئ الديمقراطية وحقوق النساء!

وفي ظل تجاهل الأمم المتحدة لإعطاء ائتلاف المنظمات الإسلامية الكلمة، قام الائتلاف بتوزيع بيان يدعو فيه دول العالم المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للمرأة «بكين + 10» لاحترام التعددية الدينية والثقافية والهوية الخاصة بالشعوب؛ «لأن مشكلات المرأة تختلف تبعاً للثقافات والمجتمعات، والحلول تختلف تبعاً لها»، وطالب بتحقيق المساواة في إطار مفهوم العدالة والإنصاف، لأن المساواة المطلقة تفترض المماثلة الكاملة وتؤدي إلى النديّة والصراع.

 مؤتمر 2009م يلزمنا بإباحة حمل المراهقات: مرة أخرى، وفي غيبة - أو غيبوبة - الدول العربية والإسلامية، أقرت لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة في اجتماعاتها التي عقدت في الفترة من 2 -13 مارس 2009م جملة من التشريعات الدولية المخالفة للشريعة الإسلامية والفطرة الدينية الإسلامية، وألزمت كافة الدول أعضاء الأمم المتحدة بتنفيذها.

 وكانت المساواة بين الذكر والأنثى في الإرث والقوامة وإباحة حمل المراهقات وإجهاضهن، والجنس الآمن، وإلغاء كافة الفوارق بين الرجل والمرأة - تحت حجة «الجندر» - رغم أنه يتصادم مع الحقائق العلمية والفطرة السوية..

كلها توصيات التزمت بها الحكومات العربية والإسلامية بلا قيد أو شرط في هذه الدورة (رقم 53) لاجتماعات لجنة المرأة بالأمم المتحدة، ولم يلتفت الغربيون المسيطرون على هذه الاجتماعات لمذكرات قُدمت لهم من قبل منظمات إسلامية وحكومات قليلة! 

مؤتمر 2010م إلزام الدول الإسلامية بالتنفيذ: أما مؤتمر «بكين + 15» الذي عقد في الفترة من 1 - 12 مارس 2010م، فقد تمَّ في بدايته اعتماد الإعلان السياسي من قبل لجنة مركز المرأة، والذي تتعهد فيه جميع الوفود الرسمية بالتطبيق الشامل لاتفاقيات المرأة، وفي مقدمتها «اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» (سيداو)، التي صادقت عليها جميع الدول بما فيها العربية والإسلامية باستثناء السودان وأمريكا و«إسرائيل»!

مما يوحي بازدواجية صارخة للمعايير، فما تنادي به أمريكا عبر هذه الاتفاقيات وتلزم به جميع الدول لا تصادق عليه كونه يتعارض مع ثقافتها! وأخطر ما جاء في التقرير هو ما يلي: 
1- الإصرار على تطبيق مساواة «الجندر» الذي يعني إلغاء كافة الفروق بين الرجل والمرأة، ويشمل الفروق في الأدوار، والتقنينات، كما يشمل الاعتراف بالشواذ ومنحهم كافة الحقوق من باب المساواة! وإدماج منظور «الجندر» في التعليم من خلال برامج تعليم الجنس التي تشمل الممارسات الشاذة باعتبارها آمنة! ويعود أصل هذه الكلمة لامرأة صهيونية تدعى «بالا بندوك»، وهي أول من طالب بنشر الشذوذ والاعتراف به في الكونجرس، وقد راوغت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في طرح مفهوم «الجندر»، من خلال رفضها لتعريف مصطلحه، وقامت بترجمته ترجمةً مغلوطةً في النسخ العربية إلى المساواة بين الجنسين - والأمم المتحدة كما هو معروف لا تعترف إلا بالنسخة الإنجليزية فقط - وإذا ما انتشر المصطلح وتمّ تداوله انتقل إلى المرحلة الثانية، وهي التعريف الحقيقي له وتطبيقه.

 2- اعتبار اتفاقية «السيداو» الإطار العام لتعريف حقوق الإنسان للمرأة، والمطالبة الصريحة والملحة بالتساوي المطلق في التقنينات الخاصة بالأسرة في الزواج، والطلاق، والميراث، وجميع الأحكام المتعلقة بالأسرة، حيث تعد هذه المطالبة وسيلة ملتوية للالتفاف على التحفظات السابقة التي وضعتها الدول بعد مصادقتها على اتفاقية «السيداو»، وذلك من خلال إعادة صياغة البنود المتحفظ عليها على شكل بنود جديدة في الوثائق السنوية الجديدة! (الفقرات 287، 289، 295).

3- الإلحاح الشديد على ضرورة تقديم خدمات الصحة الإنجابية للمراهقين، حيث تشمل التدريب على استخدام وسائل منع الحمل، وتوفيرها لهم بالمجان أو بأسعار رمزية، ومن ثمَّ تقنين الإجهاض للتخلص من الحمل غير المرغوب!

 4- الاستنكار الشديد لاختصاص المرأة برعاية المنزل والأطفال والزوج، وتسميته بالتقسيم الجندري للعمل داخل الأسرة، والمطالبة بالقضاء عليه، وذلك تحت ذريعة ارتباط المرأة بالفقر عند قيامها بهذه الأدوار غير مدفوعة الأجر، في حين أنَّ الرجال يعدون أغنياء لقيامهم بأعمال مدفوعة الأجر! فرامل إسلامية! الجديد هو أن هناك من انتفض من عالمنا الإسلامي لرفض هذا الواقع الدولي الانحلالي المقصود به إغراق مجتمعاتنا في فوضى الفساد الأخلاقي العالمية الحالية، وفرمل هذا القطار الجانح في مؤتمر «اتفاقيات ومؤتمرات المرأة الدولية وأثرها على العالم الإسلامي» الذي عقد في العاصمة البحرينية المنامة 13- 15 أبريل 2010م، حيث رفض علماؤنا وخبراؤنا كافة هذه الاتفاقيات والمواثيق التي تخالف الشريعة الإسلامية، ولا تتفق مع فطرة المرأة، أو تهدف إلى إلغاء الفوارق الفطرية بين الرجل والمرأة عبر فكرة «الجندر»، أو تهدد كيان الأسرة، وطالب المشاركون في المؤتمر الحكومات الإسلامية بتفعيل (المادة 26) من اتفاقية «السيداو» والتي تمنح الأطراف الموقعة عليها حق إعادة النظر في الاتفاقية.

 المشاركون في هذا المؤتمر حرصوا - في بيانهم الختامي - على التأكيد على ضرورة الالتزام بالمرجعية الإسلامية في التعامل مع قضايا المرأة ومطالبها ومشكلاتها، ودعوة حكومات الدول الإسلامية والمفكرين إلى الاعتزاز بهوية الأمة، وصياغة مدونات للأسرة والمرأة وفق الشريعة الإسلامية وتعديل ما يناقضها، مشددين على ضرورة رفض التدخل الأجنبي في قضايا المرأة والأسرة في الدول الإسلامية، وتأكيد سيادة الدول وخصوصيات الشعوب في الحفاظ على هويتها، فضلاً عن رفض كافة الاتفاقيات والمواثيق التي تخالف الشريعة الإسلامية، ولا تتفق مع فطرة المرأة، أو تهدف إلى إلغاء الفوارق الفطرية بين الرجل والمرأة، أو تهدد كيان الأسرة.

 وطالب المؤتمر الحكومات الإسلامية ومؤسسات المجتمع المدني برفض محاولات البعض إجبار الدول العربية على تنفيذ الاتفاقات المخالفة للشريعة الإسلامية بدعاوى أنها صادرة عن الأمم المتحدة وملزمة، وطالبوا - بالمقابل - بتفعيل (المادة 26) من اتفاقية «السيداو» والتي تمنح الأطراف الموقعة عليها حق إعادة النظر في الاتفاقية، إضافة إلى الإسهام الفاعل والإيجابي في تبني قضايا المرأة المسلمة وحقوقها الشرعية، ورفع الظلم عنها، وتصحيح المفاهيم المغلوطة في العادات والتقاليد الاجتماعية، مؤكدين أهمية دعوة المؤسسات المتخصصة في العالم الإسلامي إلى إبراز قيم الإسلام الاجتماعية والأسرية وتقديمها للعالم، والتأكيد على دور مؤسسات الشريعة، كمؤسسات الفتوى والمجامع الفقهية في العالم الإسلامي في بيان حكم الشرع في مضامين الاتفاقيات والمواثيق الدولية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق