الأربعاء، 29 مايو 2013

مصر على حافة العطش والظلام


مصر على حافة العطش والظلام
فراج اسماعيل

 البدء في تحويل مجرى النيل الأزرق– أحد روافد نهر النيل – يجعلنا فعليًا على حافة العطش والظلام لأنه سيجفف خلال فترة قصيرة أكثر من ثلث مياه النيل وما يقرب من نصف الطاقة الكهربائية المنتجة حاليًا من السد العالي ومنشآته.
رغم أنها الحقيقة وفق جميع الدراسات التي انتهت إليها هيئات متخصصة إلا أن هناك تهوينًا من الخطر وكأنه ليس بمسألة حياة أو موت هدد الرئيس الراحل السادات بالدخول في حرب فورًا من أجلها.
 الدول لا تعني بتعزيز قدراتها العسكرية الدفاع عن حدودها الجغرافية فحسب وإنما عن مصالحها القريبة والبعيدة، فماذا إذا كانت تلك المصالح تمس حياتها بشكل مباشر.
 سد النهضة أو الألفية سابقًا ليس بعيدًا عنّا فهو يبعد 20 كيلومترًا عن الحدود السودانية، مما جعل تلويح الرئيس الراحل السادات باستخدام القوة قبل اغتياله بوقت قصير رادعًا للدول المانحة فتراجعت طالبة من أديس أبابا موافقة القاهرة والخرطوم، قبل أن تتجرأ في السنوات الأخيرة نتيجة تردد وضعف الموقف المصري.
سد النهضة سيحجز وراءه 63 مليار متر مكعب مياه في بحيرة ضخمة على مساحة 1680 كيلومترًا، ويستغرق ملء هذه البحيرة 6 سنوات مما يؤدي لحرمان مصر من 34% من حصتها (19 مليار متر مكعب) أثناء تزامن الملء مع مستوى الفيضان المتوسط.
 متوسط العجز الكلي خلال تلك المدة يصل إلى 20%، (11 مليار متر مكعب) وبعجز في إنتاج الطاقة من السد العالي ومنشآته حوالي 40%. أي أننا سنغرق في الظلام أغلب ساعات النهار والليل، كأنه تنقصنا المعاناة من الانقطاع الحالي.
لا أفهم منطق السفير عمر عامر المتحدث باسم الرئاسة بأن تحويل المجري لن يؤثر في حصة مصر، علمًا بأنه يتم إلى قناة مؤقتة تم حفرها لحين الانتهاء من بناء جسم السد، وبعد ذلك لن يفتح الصنبور في اتجاه دولتي المصب إلا لحمايته من الانهيار في مواجهة ضغط المياه في منطقة تتميز بوفرته وتدفقه الشديد.
وبأي حال لن تتميز إثيوبيا بالكرم في فتح الصنبور، إذ يمكنها بيع الفائض من الماء أو العطف علينا بكمية قليلة جدًا لأنها تستهدف توليد كمية كبيرة من الطاقة تبلغ 5250 ميجا وات.
 وهذا السد ليس الوحيد الذي يجري بناؤه فهناك دراسات لبناء سدود كارادوبي ومندبا ومافبل وبارشلو، أي أننا سنفقد المزيد من حصتنا خلال السنوات القادمة بما يعني بلوغ العطش بشكل كامل وليس الوقوف على حافته.
لا يجب التعويل كثيرًا على التطمينات الإثيوبية. تركيا سبق أن قدمت تعهدات مماثلة لكل من سوريا والعراق قبل بناء سد أتاتورك على نهر الفرات الذي حرم سوريا 40% من حصتها، ولم يعد يصل إلى العراق سوى واحد على ثمانية من حصته السابقة.
ليس العطش والظلام فقط بل إن مخاطر انهيار السد الأثيوبي كبيرة نتيجة الزيادة الحادة للمياه مما يؤدي إلى اختفاء مدينة الخرطوم من الخريطة وتهديد سلامة السد العالي وغرق 24 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية والمباني الممتدة من سد النهضة إلى السد العالي كما يؤكد الدكتور نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية والأراضي.
قد لا يكون استخدام القوة واردًا لكن يجب التلويح بها حتى تضعه الدول المانحة في الحسبان فتطلب من إثيوبيا التفاوض مع مصر والسودان.
منطقة السد عمليًا في متناول الطائرات والصواريخ المصرية خصوصًا إذا انطلقت من قواعد سودانية وإذا عدنا إلى إريتريا التي قاطعناها بعد ثورة يناير برغم أنها عدو لدود لإثيوبيا وواحدة من عوامل الضغط التي يجب أن نلجأ إليها.
 الدول المانحة لا تغامر بأموالها في مشروعات معرضة للتدمير والتخريب، عدا أن استخدام القوة يجيزه القانون الدولي دفاعًا عن الأرض والحقوق والمصالح الاستراتيجية، وليس هناك حق أغلى عندنا من نهر النيل. 
farrag.ismail@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق