السبت، 25 مايو 2013

تعالوا نقتسم الكرب


تعالوا نقتسم الكرب
25‏/5‏/2013 
فهمي هويدي
فوجئ المصريون خلال الأسبوع الماضي بزيادة معدلات حالات انقطاع التيار الكهربائي في مختلف المحافظات. وقد اختلفت أصداء تلك المفاجأة، حتى إن أهالي بعض قرى محافظة أسيوط ذهب بهم الغضب حدا جعلهم يهددون بقطع الطرق الزراعية والسكك الحديدية احتجاجا على ذلك، بعدما اتهموا الحكومة بالعجز والتقصير والكيل بمكيالين، والعهدة في ذلك على جريدة «الأهرام» التي نشرت الخبر على صفحتها الأولى أمس(24/5).
هذا الذي فوجئ به الناس لم يكن خبرا جديدا على الحكومة، التي كانت تعرف جيدا حدود مخزونها الاحتياطي من الوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء.
 وهذه المسافة بين ما تعرفه الحكومة وبين ما يفاجأ به الناس تشكل إحدى الفجوات غير الصحية في علاقة السلطة والمجتمع بعد الثورة. وهي الفجوة التي لا مفر من الاعتراف بفشل الإدارة السياسية في حلها.
لقد تصورنا بعد الثورة أن مفهوم السلطة الأبوية الذي تمارسه الحكومة حين تكتفي بإدراك الحقائق ولا تكترث بمخاطبة الناس أو إحاطتهم علما بشيء منها، سقط مع سقوط النظام السابق.
 إذ لم يعد المجتمع بمثابة رعية تساق ولكنه استعاد كرامته وصار الناس في ظل الثورة مواطنين يشاركون ولا يساقون أو يمتثلون. خصوصا أن أولئك المواطنين هم الذين جاؤوا بالسلطة ونصبوا رموزها في مواقعهم.
لقد أخذ على الرئيس محمد مرسي أنه حين تسلم السلطة في 30 يونيو الماضي لم يصارح الناس بحقائق التركة التي تسلمها، خصوصا في شقها الاقتصادي.
وكانت نتيجة ذلك أن تطلعات الناس وآمالهم التي علقوها على الثورة تعالت وظلت بغير حدود.
لم يقل أحد إن النظام السابق دمر الكثير في مصر، وإن إعادة بناء النظام الجديد يتطلب جهدا شاقا وصبرا على المكاره ووقتا ليس قصيرا.
وكنت بين الذين تمنوا أن يخاطب الرئيس مرسي أو رئيس حكومته المجتمع باللغة التي استخدمها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل، حين تسلم رئاسة حكومة بلاده أثناء الحرب العالمية الثانية، وقال للبريطانيين إنه يعدهم بالدم والدموع والعرق، إذا ما أرادوا لبلادهم أن تنتصر في الحرب.
لقد جرى التعويل على سياسة تطييب خواطر الناس وخشية إشاعة البلبلة بينهم إذا أخبروا بالحقائق، الأمر الذي قد يؤدي إلى الإحباط وإشاعة الفوضى في المجتمع، وكان ذلك من قبيل سوء التقدير الذي أخل بالشفافية المنشودة وقلص من مساحة المصارحة، الأمر الذي أحدث تلك الفجوة التي صرنا نعاني منها الآن.
أدري أن هناك أطرافا تسهم في تأزيم الواقع من خلال إخفاء بعض السلع أو تسريبها إلى السوق السوداء.
وأفهم أن المصارحة إذا تمت في بعض الحالات فإنها قد تشيع الذعر في المجتمع وتدفع الناس إلى الهرولة واللجوء إلى التخزين، إلا أن ذلك مما يمكن علاجه بالحزم في مواجهة المتلاعبين والمهربين ومن خلال التوعية التي يمكن أن تطمئن الناس وتحذرهم من أن التخزين يعقد الأزمة ويضاعف من معاناتهم.
 وفي كل الحالات فإن مصارحة الناس بالحقائق تظل أقل ضررا من حجب تلك الحقائق وصدمة الناس بها.
إن الرئيس مرسي وحكومته لم يقولا للناس «تعالوا نقتسم الكرب»، بحيث تبذل السلطة غاية جهدها لحل المشكلات المعقدة، في الوقت الذي يتحمل فيه المجتمع مسؤوليته إزاء تلك المشكلات بحيث يكون له دور في حلها.
وفي موضوع انقطاع التيار الكهربائي وأزمة الطاقة، مثلا، فإنني تمنيت أن يخرج علينا أي مسؤول في الدولة لكي يبصرنا بحقائق المشكلة.
بالجهد الذي بذل لتوفير النفط والسولار، وبالضغوط التي تمارسها بعض الدول الشقيقة لتأزيم الموقف في مصر، وبالاتفاقات التي تم التوصل إليها مع بعض الأشقاء بهذا الخصوص ثم تراجعهم عنها كما حدث مع العراق.
في حين لم تتردد دول أخرى في الوفاء بما تعهدت به، كما في ليبيا وقطر، إلى غير ذلك من الخلفيات التي إذا فهمها الناس فقد يعذرون ويصبرون.
على صعيد آخر، فليت وزارة الكهرباء تعلن لنا عن سياساتها لتخفيف الأحمال في مختلف المحافظات.
ولم أفهم لماذا لا تعلن كل محافظة مسبقا عن مواعيد قطع التيار الكهربائي كي يرتب الناس أوضاعهم بناء عليها. وهو ما لجأت إليه بعض المحافظات كما نشرت الصحف مؤخرا.
إن الناس على استعداد للتفهم والإعذار إذا احترمت السلطة عقولهم ووجودهم ووضعتهم في الصورة أولا بأول.
 أما إذا تجاهلتهم حتى صاروا نهبا للبلبلة والسخط فلا تلومن السلطة إلا نفسها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق