الأربعاء، 29 مايو 2013

أيكون رداً على السيسي؟


أيكون رداً على السيسي؟


فهمي هويدي
في أعقاب حرب عام ٧٣، التي اعتبرها الرئيس السادات آخر الحروب، سمح لمهندسي القوات المسلحة، سواء كانوا ضباطا أو مجندين، بالتصويت والترشح لنقابة المهندسين، وهو ما كان محظورا عليهم في السابق.
وطوال الفترة بين عامي ٧٥ و١٩٨٥ هيمن ضباط القوات المسلحة على مجلس إدارة النقابة، وقد اكتسح المهندس عثمان أحمد عثمان المرشحين لمنصب النقيب في عام ١٩٨١ لأنه تحالف مع القوات المسلحة التي كانت تحمل رجالها في حافلات إلى لجان التصويت في كل مرة لإنجاح الضباط المرشحين، وحين قرر الإخوان دخول الانتخابات بقائمة ضمّت ١٧ عضوا في سنة ١٩٨٥ فوجئ الجميع بأنّ أصوات القوات المسلحة ذهبت إلى قائمتهم التي نجحت كلها، حينذاك، وهو ما تكرر في انتخابات النقابة عام ١٩٨٧، التي جرى الاعتراض فيها على تخصيص لجان للانتخابات داخل ثكنات القوات المسلحة، كانت نتائجها بداية النهاية لهيمنة ضباط القوات المسلحة على النقابة، وهو الوضع الذي لم يستمر طويلا، لأن النقابة وضعت تحت الحراسة وجمدت ابتداء من عام ١٩٩٣.
هذه القصة أسوقها كي أنبّه إلى أنّ السماح للعسكريين بالتصويت يمثّل مغامرة كبرى، ليس فقط لأنه سيؤدي إلى إغراق الجيش والشرطة في أوحال السياسة وإلهاء الطرفين عن مسؤولياتهما الوطنية الأصلية، ولكن أيضا لأن نتائج التصويت في تلك الحالة قد لا تحقق للداعين إليه مرادهم.
وأزعم في هذا الصدد أنّنا حين نحذّر من أنّ إقحام العسكريين في ساحة التجاذب السياسي لا يقلقنا كثيرا فيه تأثيرهم على العملية التصويتية، ولكن ما يزعجنا كثيرا هو أثر ذلك على الأوضاع والمهام الوطنية الجليلة التي يفترض أن تنهض بها القوات المسلحة والشرطة.
ذلك أنّ فتح ذلك الباب من شأنه أن يحدث صراعا بين الحقوق والنظم، إذ إنّ ممارسة حق التصويت ستكون على حساب النظم المستقرة لدى العسكريين في القطاعين.
ولك أن تتصور الأجواء في داخل القوات المسلحة مثلا حين يتوزع الضباط على القوى السياسية المتصارعة، وحين يحدث ذلك بين الجنود، وكيف يمكن أن يؤثّر ذلك على علاقة الطرفين، خصوصا في ظروف الاستقطاب الحاد المخيم على الواقع المصري.
إنّ الذين يتحدثون عن السماح للعسكريين بالتصويت في الانتخابات في بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة وكندا يتجاهلون الفروق في الأوضاع الاجتماعية والتحديات السياسية والإستراتيجية بيننا وبينهم، كما أنّهم يتجاهلون واقع الإمكانيات والأساليب المستخدمة في عملية التصويت لدى تلك البلدان ونظائرها في بلادنا.
لقد كان وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي مدركا لمسؤوليات القوات المسلحة وواعيا بحدود مسؤوليتها الوطنية حين أعلن رفض المطالبات التي دعت إلى تدخل الجيش في الشأن السياسي، في حديث صريح وجّهه قبل أسبوعين.
وأغلب الظن أنّه لم يكن يخطر على باله حين حسم الأمر على ذلك النحو أنّ المحكمة الدستورية ستصدر قرارا يلزم القوات المسلحة بالتدخل في الشأن السياسي من خلال التصويت في الانتخابات.
 ولا بد أن يثير انتباهنا في هذا الصدد أن يصدر قرار الدستورية بعد أيام قليلة من إعلان الفريق السيسي، ولا أعرف ما إذا كانت تلك مجرد مصادفة أم لا، إلاّ أنّ الملاحظة تظلّ جديرة بالتسجيل في كل الأحوال، علما بأنّ انخراط المحكمة الدستورية في الشأن السياسي يوسع من دائرة الاحتمالات ويفتح الباب لإساءة الظن بذلك التتابع، الأمر الذي لا يستبعد أن يكون قرار إلزام العسكريين بالتصويت في الشأن السياسي بمثابة رد على إعلان الفريق السيسي رفضه الزجّ بالقوات المسلحة في التجاذب السياسي.
وهو ما قد يفسر لنا لماذا سكتت الدستورية عن هذا الموضوع حين تلقّت مشروع قانون مباشرة الحقوق السياسية في المرة الأولى، ثم أثارته بعد ذلك في المرة الثانية، بعدما «تصادف» أن أعلن الفريق السيسي عن موقفه سابق الذكر.

مثل هذه الشكوك لا تأتي من فراغ، لكنها تستند إلى خلفية تسييس بعض الأحكام التي أصدرتها المحكمة الدستورية أكثر من مرة، إضافة إلى ممارسات أخرى صدرت عنها، من قبيل مشاركة اثنين من قضاة المحكمة في مؤتمر قضائي دولي عقد في كوريا الجنوبية، ومحاولتهما تحريض المؤتمر ضد الوضع القائم في مصر.

من تلك الممارسات أيضا أنّ الدستورية جرى تمثيلها في مؤتمر تدويل أزمة القضاة مع السلطة الذي عقد أخيرا فى القاهرة، في حين أنّ المجلس الأعلى للقضاء نأى بنفسه عن ذلك.

الشاهد أنّنا صرنا إزاء أزمة جديدة تتطلّب من عقلاء القضاة والسياسيين أن يتعاملوا معها بحكمة وبعد نظر، تصوب الأخطاء التي وقعت، وتسهم في مواصلة السير نحو تأسيس النظام الجديد، ومن ثم تحبط محاولات تجميد تلك المسيرة أو إجهاضها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق