الأحد، 26 مايو 2013

العرب في جنيف 2


العرب في جنيف 2

فهمي هويدي
حين اتفق الأمريكيون والروس على عقد مؤتمر «جنيف»، الشهر القادم لبحث مصير الأزمة السورية، عُدَّ ذلك تطورا مهماً له دلالات عدة، فمن ناحية اعتبر اتفاق الطرفين على الفكرة بمثابة رسالة أعلنت ضمنا عن ترجيح كفّة الحل السياسي وتراجع احتمالات نجاح الحل العسكري الذي ظل مطروحا خلال العامين الماضيين.
من ناحية ثانية، فهو يعني أنّ إيران المتفاهمة مع روسيا و»إسرائيل» المتفاهمة مع الأمريكان ستكونان ممثلتين في المؤتمر.
في ذات الوقت فإنّه يعني أيضا تراجع الدور التركي وتأجيل مناقشة المبادرة المصرية وتجميد مهمة اللجنة الوزارية العربية المكلفة ببحث الموضوع.
 إن شئت فقل إنّ الدعوة إلى المؤتمر بمثابة إعلان عن توقف المساعي المحلية والإقليمية، ودخول اللاعبين الكبار إلى الحلبة بديلا عن مختلف الأطراف الأخرى.
على صعيد آخر، فإنّ أسئلة كثيرة أصبحت مثارة حول تمثيل الائتلاف الوطني السوري المعارض في المؤتمر، وكذلك تمثيل نظام الرئيس الأسد، الذي أشارت المعلومات المتاحة إلى أنّه سيحضر المؤتمر ولن يغيب عنه.
ليس معلوما كم من الوقت سوف يستغرق مؤتمر جنيف، علما بأنّ سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسي أشار إلى أنّه قد يستمر عدة سنوات بسبب تعقد وتشابك موضوعات بحثه.
 وبسبب بعد الشقة في المواقف بين المعارضة التي تصرّ على استبعاد الرئيس الأسد وبين ممثلي النظام الذين يطالبون ببقائه في منصبه إلى نهاية فترة ولايته في العام القادم، كي تجري الانتخابات بعد ذلك ومن خلالها يحدد الشعب السوري خياره بنفسه.
وللدقة فليس ذلك رأي ممثلي نظام الأسد وحدهم، ولكنه أيضا رأي الإيرانيين والروس، إذ يرى الإيرانيون أنّ تحالفهم الإستراتيجي مع النظام السوري القائم هو أهم إنجاز حققوه في المنطقة خلال الثلاثين سنة الماضية، فضلا عن أنّه يشكّل ركيزة مهمّة لنفوذهم في لبنان والعراق، ومن شأن سقوط نظام دمشق أن يؤدى إلى انهيار حساباتهم الإستراتيجية التي راهنوا عليها منذ قامت الثورة في عام 1979.
كذلك فإنّ الروس الذين استوعبوا درس ليبيا بعدما تجاهلهم الغرب بصورة مهينة في أعقاب تأييدهم لسقوط نظام القذافي، ومن ثم اعتبروا أنّ وجودهم في سوريا وتمسكهم بنظام الأسد هو الرد المناسب على القوى الغربية الداعية إلى إسقاطه والراغبة في الاستفراد بالمنطقة.
لا تفوتنا في متابعة المشهد ثلاث ملاحظات برزت في الآونة الأخيرة هي:
- أنّ النظام السوري في صموده أمام القوى المعارضة استطاع أن يسترد بعض مواقعه في خلال الأيام العشرة الأخيرة بعد التعزيزات العسكرية التي تلقّاها من روسيا وإيران.
- أنّ حزب الله تدخّل بكثافة وبصورة معلنة إلى جانب نظام الأسد، وكان ذلك واضحا في معركة القصير، وهو ما عبّر عنه السيد حسن نصر الله الأمين العام للحزب في خطاب متلفز.
- أنّ «إسرائيل» قامت بغارة كبيرة على بعض الأهداف العسكرية الحيوية في محيط دمشق، وأرادت بذلك أن توجّه رسالة إلى الجميع خلاصتها أنّها مفتوحة الأعين على ما يجري، وأنّها لن تسمح بتسليم الصواريخ التي تمتلكها سوريا إلى حزب الله.
هذه الخلفية إذا صحّت فإنّها لن تكون بعيدة عن عملية التحضير لعقد مؤتمر جنيف، لأنها تعني أنّ هناك سباقا على تثبيت المواقع وتحديد الأدوار على الأرض، الأمر الذي يحدد مراكز وموازين القوى السياسية ممّا لا بد له أن يؤثر على مضمون الاتفاق الذي يمكن أن يسفر عنه المؤتمر، شأنه في ذلك شأن أيّ اتفاق سياسي آخر.
خلاصة الكلام أنّ الأزمة السورية في مؤتمر جنيف، بصدد الدخول في طور آخر، تلعب فيه الدول الكبرى الدور الأكبر والأكثر حسما، ويخرج فيه العرب من دائرة التأثير في مصير الأزمة.
 ولا يزال من الممكن أن يثبت العرب حضورهم في ساحة الصراع لو أنّهم أسهموا في تغيير الموازين على الأرض.
وهو ما قد تستطيعه مصر إذا استثمرت ثقلها وقدراتها وتحركت كي تعزز موقف الجيش الحر وتمكّنه من الحفاظ على مواقعه وصدّ هجمات النظام. إلاّ أنّ الحذر الزائد الذي يتّسم به الموقف المصري فيما خصّ الموقف السوري تحول إلى قيد يحول دون إسهامها الإيجابي في تغيير موازين القوى على الأرض.
 وهو ما يطلق يد القوى الأخرى في تحديد مصير الصراع، من خلال التمدد في الفراغ الذي أحدثه غياب مصر، حين آثرت أن تقف في جانب المتفرجين وليس اللاعبين.
وتلك نتيجة لن تؤثر على مصير سوريا وحدها، ولكنها ستؤثر أيضا على خرائط المنطقة وموقع العرب منها في المستقبل القريب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق