الخميس، 15 يناير 2015

نظرات في سورة الكهف (1)

  نظرات في سورة الكهف (1)


د. حاكم المطيري


سورة الكهف بهذا سماها النبي صلى الله عليه وسلم ككل السور؛ للإشارة للمغزى الأسمى فيها وهو هنا كهف سيكون أرحب من الأرض كلها كما غار حراء.


* إذا كانت قصة كهف الفتية معجزة، فإن قصة نبي غار حراء الذي كان يأوي إليه باحثا عن الهداية ستكون النبأ العظيم الذي سيهدي الله به العالمين.

* سيكون الكهف للفارين من فتنة مجتمعهم المأوى الآمن ومحل نزول الرحمة والهداية وتهيئة الرشد لهم حين ضاقت بهم الأرض {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا ءاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}.

* حذرت سورة الكهف من فتنة:
١- المجتمع كما في قصة الفتية
٢- والمال كقصة صاحب الحديقة
٣- والعلم كقصة موسى والخضر
٤- والسلطة كقصة ذي القرنين

* ورد في الصحيح أن سورة الكهف عصمة من الفتن لمن حفظ فواتحها أو خواتيمها لما فيها من بيان حقيقة الفتن والمخرج منها.

* بدأت السورة بالحمد لله وهو إفراد الله وحده لا شريك له بكل المحامد على كل نعمة عم بها الخلق كلهم أو خص بها بعضهم {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا}.

* دخول (ال) في (الحمد) يفيد استغراق المحامد ويعم أفرادها
والجار والمجرور (لله) يفيد الحـصـر والقصر بلام الاختصاص
{الْحَمْدُ للهِ}.

* الحمد هو فاتحة التوحيدـ وأول مقاماته بالإيمان بالله وحده منعما ابتداء
وهو خاتمته بالشكر لله، وطاعته وحده انتهاء.

* الحمد هو الاعتراف والإقرار بالفضل والجميل، وشكر صاحبه بالثناء عليه بما هو أهله، ويقابل الحمد كفر النعمة وجحدها.

* حقيقة الحمد:
١- معرفة المنعم بأسمائه وصفاته وأفعاله
٢- والاعتراف بنعمه
٣- وتوحيده بشكره قولا وفعلا
٤- والثناء عليه

*{الْحَمْدُ للهِ}
جملة اسمية تفيد الثبوت كحقيقة لا تحتاج إلى دليل أو اعتراف من الخلق، فالحمد له وحده شكره الخلق أم كفروه.

* مقام الحمد أشرف مقامات العبودية؛ ولذا اشتق منه اسم أشرف الخلق وسيدهم (أحمد)، فهو أكثرهم شكرا لله وتوحيدا له وحمدا.

* ابتدأت السورة بالحمد لله للإشارة إلى عظيم النعمة التي امتن بها على عباده بإنزال القرآن هداية لهم، فأوجبت عليهم له الحمد كله وشكره وحده.

* وصف الله نفسه بأنه {الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} تنويها بعظيم شأن الرسول {عَبْدِهِ} وشأن الرسالة {الْكِتَابَ}، فلا عبد لله كأحمد، ولا كتاب كالقرآن.

* وصف النبي ﷺ بصفة العبودية وإضافته لله {عَبْدِهِ}، فيه تجريد التوحيد لله بإفراده وحده بالربوبية المطلقة، وتشريف رسوله محمد بمقام العبودية الحقة.

* قوله: {أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ… مِن لَّدُنْهُ} تأكيد على إنزال القرآن من عند الله سبحانه، ونفي لما ادعاه المشركون من أنه أساطير افتراها محمد.

* قوله: {مِن لَّدُنْهُ} متعلق بقوله: {أَنزَلَ} ففيه تقديم وتأخير، أي: أنزل الكتاب من لدنه على عبده، كقوله: {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا}.

* وصف الله {الْكِتَابَ} بأنه {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا . قَيِّمًا} والقيم المستقيم الواضح في هداياته الذي لا اختلاف فيه ولا اضطراب والمهيمن على كل ما سواه.

* ذكر الله الغاية من إنزال الكتاب وهي:
١- لينذر العباد جميعا يوم الحساب
٢- ويبشر المؤمنين منهم حسن الثواب
٣- ويحذر المشركين به سوء العقاب

* خص الله بالوعيد من نسبوا إليه الولد وأبطل دعواهم؛ لأنها كذب عظيم لا يتجاوز أفواههم بلا علم صريح ولا نقل صحيح {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا}.

* قوله: {وَلا لآبَائِهِمْ} إشارة إلى سبب انحراف الناس عن الفطرة بتقليدهم لآبائهم والتمسك بعادات مجتمعاتهم مع بطلانها {مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا}.

* فتنة الآباء للأبناء وفتنة المجتمعات للأفراد هي أول الفتن التي تصرف الخلق عن الحق بعد فتنة الجهل وعدم العلم وهذا ما جرى لفتية الكهف.

* قوله: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} فيه إشارة إلى عظم شأن الكلمة التي تخرج من الفم، وأنها قد تكون سببا لسخط الله وشديد عقابه وأليم عذابه.

* في قوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} بيان شدة شفقة النبي ﷺ على أمته، وحرصه على هدايتهم ليقتدي به المؤمنون في دعوتهم.

* خاطب الله رسوله ﷺ مباشرة {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا}؛ تسلية له وتكريما، ليأنس بمعية الله وقربه منه حين هجره قومه، فما فقد من وجد الله.

* ثم بين الله لنبيه ﷺ حقيقة الدنيا التي افتتن الخلق بها والغاية منها والنجاة فيها {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا}.

* قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ} الزينة كل ما كان لتجميل الشيء وتحسينه في النفس، وتلك حقيقة الدنيا الفانية ليتحقق فيها الاختبار.

* {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا}
التعليل بزينة الدنيا لابتلاء الناس أيهم أحسن عملا يؤكد أنها أشد الفتن التي تصرفهم عن هداية الله وعن إحسان العمل.

* أمر الله نبيه ﷺ بالزهد في الدنيا وزينتها {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لأنه هو أحسنهم عملا.

* يتفاضل الناس يوم القيامة بحسب تفاضلهم في إحسانهم للعمل {أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا}، وكلما كان العبد بالدنيا وزينتها أزهد، كان بالفوز بالآخرة أسعد.

* أخبر الله بأن الأرض وزينتها التي صرفت الخلق عن ربهم وهداياته وعن آخرتهم ستنتهي {صَعِيدًا جُرُزًا} لتظهر الدنيا كقفر موحش بلا زينة ولا زخرف.


* جاءت قصة أهل الكهف بعد بيان حقيقة الدنيا وزينتها وكيف آثر الفتية الإيواء إليه مع ضيقه فرارا بدينهم من فتنتها.
{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا. وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا. أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا}

* جعل الله أهل الكهف آية لمن بعدهم حيث كانوا شبابا فلم يفتتنوا بفتوتهم وهم أحوج إلى الدنيا وزينتها وفروا إلى الله من مجتمعهم وطغيانه.

* ذكر القرآن قصة أهل الكهف وبعثهم؛ إشارة لما هو أعجب، وهو قصة غار حراء ونزول الوحي على محمد ﷺ ليحيي به الإنسانية كلها.

* جعل الله فتية الكهف آية لقومهم بعد بعثهم حتى اهتدوا بسببهم
كما جعل محمدا ﷺ وقرآنه آية ونبأ عظيما وهداية للعالم وبعثا له بعد موته الروحي.


* أوى فتية الكهف إليه
فرارا إلى الله، وحبا له، فهداهم الله
وأوى النبي ﷺ إلى غار حراء
لعبادة الله بعيدا عن قومه وشركهم، فاجتباه ربه واصطفاه.

* كانت دعوة الفتية {رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} جامعة لكل خير فسألوا الله رحمته بهم وهدايته لهم.

* استجاب الله دعاء الفتية وألهمهم رشدهم فقال: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا} فأمّنهم برحمته ويسر أمرهم.

* نشر الله رحمته على الفتية كلهم وعم بالرحمة مكانهم، ويسر لهم مقامهم في كهفهم، فكانوا مع ضيقه في أرفق عيش وأنعمه حتى غشيهم النوم أمنةً.

* {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى. وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا. هَؤُلاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ ءالِهَةً لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا. وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا}
* ذكر القرآن أن أهل الكهف:
١- فتية وهو جمع قلة لعددهم، فلم تضرهم قلتهم وصغر سنهم عن رفض الباطل.
٢- آمنوا بربهم، فآثروا الله على رضا قومهم.
٣- وزادهم الله هدى بعد إيمانهم، وذلك بإلهامهم فعل الصواب والتوفيق للرشاد في شأنهم مع قومهم.
٤- وربط على قلوبهم بالثبات على الحق مع ضعفهم.
٥- قيامهم بدعوة قومهم إلى الإيمان بالله وحده، ونبذ ما يعبدون من دونه من الأنداد والأوثان.
٦- محاججتهم قومهم بالأدلة على بطلان دينهم.
٧- براءتهم من قومهم بعد إصرارهم على شركهم.
٨- اعتزالهم مجتمعهم وهجرتهم إلى الله.
٩- إيواؤهم إلى كهف فرارا بدينهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق