الخميس، 15 يناير 2015

كاتب تأريخ الأحداث.. والأساطير


كاتب تأريخ الأحداث.. والأساطير


خلود عبدالله الخميس
يقوم تأريخ الحدث، أي حدث كان اجتماعياً، سياسياً، اقتصاديا وحتى دينياً على كيفية طرحه، والطرح يعتمد على الكاتب الذي يوثقه، بينما اعتماده على الحقائق والوقائع قليل.
لنقل إن المؤرخ أهم من الحدث.
عندما ندّعي أن الكاتب الموثِّق للأحداث يحتل مساحة أكبر في خارطة التأريخ فإننا لا نبالغ ودليلنا على ذلك أن الكثير من الكتب لو وقفنا على كتابها لبطل العجب من «اتجاه» موضوعها.
المثاليات تتطلب النزاهة في نقل الخبر، الدقة، خلق الناقل، انتفاء تضارب المصالح بينه وبين ما ينقل، حسن السيرة والسلوك العام له، وبعض الصفات المهنية.
بينما الواقع يبتعد بعداً شاهقاً عن ذلك الذي ذكرناه في السطرين السابقين.
الواقع تجده وأنت تتجول في مكتبة جامعة لكتب من كل المجالات والكتاب من جنسيات مختلفة تجد قضية ما يطرحها هذا الكاتب بخط قد يكون نقيضاً «صارخاً» لخط كاتب آخر.
الواقع تتحكم فيه الحاجات الدنيوية، المثالية تسيرها الروحانيات والتطلع للمثل الأعلى في السلوك من صدق وتجرد. وهذه الأخيرة تدخل ضمن الأساطير كالغول والعنقاء والخل الوفي.
لم يعد من الممكن الحديث عن تجرد بحثي إلا في الكتب التي منشأها وأصلها وأساس كتابتها «البحث العلمي» بينما غير ذلك هي ليست إلا مشاريع تخدم كتابها أو من وراءهم، وما أكثر الارتزاق في هذا المجال.
الآن تمر الأمة بعد ثورات الربيع العربي الذي صار فصلاً جديداً نضيفه للفصول الأربعة نستطيع أن نطلق عليه «فصل الدماء» بمرحلة «الحاجة الماسة لتجرد في التوثيق» كذلك أسميها؛ لأن ما كان في مائة عام مضت من المخطوطات والتأريخ يشوبه الكثير من اللامعقول والمزايدة على الحقائق، خصوصا ما لُفِّق ضد الدولة العثمانية لإلغاء مصطلح «دولة إسلامية وخلافة» من قواميس «إيمان» المسلمين.
وهنا تبرز أهمية الأدب، والأدب يدور حول التناول الروائي للحدث التاريخي والشعر للوصف والنقل، والمسرحية أيضاً، وحتى الأوبريت الغنائي والأوبرا اللتان تعبران عن مرحلة وحدث نسميهما أدباً.
الأدب يعتبر الوسيلة المثلى للالتفاف على الرقيب والحاكم والدولة والأنظمة السياسية.
فالرمزية تعين على الجرأة في طرح الفكرة والصدق لمن أراد الكتابة القيَمية الأخلاقية. أي: توثيق للحقيقة لا الزج بالرأي بين السطور.
بينما الأديب المحنك يستطيع الحفاظ على المسافة المهنية بين الرمزية والحدث. فالرمزية المبالغ فيها والزائدة عن الحاجة ليست إلا تشويه أكبر للتاريخ. شهدناه في كثير من المؤرَخات. زيادة جرعة التلميح جبن ونفاق وخيانة للحدث. وهنا وجب أن نلفت أنه ليس من السهل أن يحافظ الكاتب على شعرة التميز في هذا المجال.
حقاً وصدقاً إن التناول «العادل» وأكرر «العادل» لقضية حدثت في زمن محدد حتى تقرأ الأجيال القادمة حقيقة. محفوف بمقصات ومنغصات كثيرة.
اقرأ في تأريخ الخلاف السياسي بين الصحابة منذ مقتل سيدنا الحسين رضي الله عنه وبداية الفتنة في الأمة، وكيف أنها بينت أن الخلافة الراشدة كانت صمام أمان لدماء المسلمين، بينما بعدها انفلتت السيوف وبات الدم جزءا من السرد القصصي الذي تشوبه آراء وأفكار الكاتب.
وذلك ينطبق على المشهد التأريخي منذ مطلع الدولة الأموية، العباسية، المماليك ثم العثمانية، وبعد سقوط الدولة العثمانية «الإسلامية» حيث ظهر مصطلح «العالم الإسلامي» في الأدبيات.
الغرب ومؤرخوه ومرتزقته نشروا هذا المصطلح لاستبدال فكرة «الدولة» في ذهن المسلم.. بعد القضاء على «قيمة فكرة» الدولة الإسلامية في العقل والثقافة للمسلمين، وصار «العالم الإسلامي» الذي ابتدعوه ليس إلا دويلات منتشرة هنا وهناك تفصلها حدود وضعها الاستعمار. وعاد بلاده برجله وخيله ولكنه باق ما دام يتحكم في ثقافتنا ومناهجنا وأنظمتنا عبر الهيئات الدولية التي ترسم لنا «دينا جديدا» اسمه «الإسلام الوسطي» لا نعرفه ولن نقبله.
من كتب التاريخ؟ من وضع القوانين؟ من وضع النظام؟ ما المصالح المتوقعة؟ من هو الحاكم في حقبة التوثيق؟
أسئلة مهمة يجب أن تطرحها قبل أن تفهم أي مشهد منقول لك منذ مئات السنين.
وأنت تقلب كتاباً ما ابحث قليلاً عن الكاتب والحاكم؛ ستجد الكثير من الأجوبة التي لا يمكن لقارئ عابر أن يلحظها، وتذكر:
أن الأمم لا تقوم على أكتاف العابرين.

• @kholoudalkhames

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق