الأحد، 11 يناير 2015

عــن الثـلـج الـذي أوجعـنـا

عــن الثـلـج الـذي أوجعـنـا
ياسر الزعاترة

مرت علينا العاصفة “هدى” ها هنا في الأردن بهامش محدود من الأضرار، وبقليل من المعاناة إذا حسبنا التوقعات التي سبقتها، وهو نتاج جهد يُشكر من المعنيين، لكن وجها آخر جعل العاصفة عنوانا للبؤس والموت والمعاناة. إنه الوجه المتعلق باللاجئين السوريين، وبدرجة أقل بمن دُمِّرت بيوتهم في قطاع غزة، وحيث يستمر حصار الأشقاء الذي يحول دون إعادة الإعمار، فضلا عما يترتب على ذلك من انقطاع للكهرباء.
اللاجئون السوريون حوّلوا الثلج الذي يراه الناس عنوانا للبهجة والفرح إلى عنوان للبؤس والشقاء والمعاناة. لم يفعلوا ذلك بإرادتهم، فلو كانوا في وطنهم لفرحوا به رغم المعاناة العابرة، فللبياض جماله رغم كل شيء.
عشنا معهم فصول المعاناة لأنهم إخوتنا وأهلنا الذين نعيش همهم وجرحهم، وحين يسقط من بينهم 10 ضحايا جراء البرد والبؤس والتجمد، فلا يمكن إلا أن تتحول العاصفة “هدى” أو “زينة” إلى ذكرى سيئة.
الأكثر إثارة للحزن والقهر في هذا المشهد أن يوم الخميس كان الأقل من حيث الضحايا بالبراميل المتفجرة (ربما الجمعة أيضا)؛ طبعا بسبب الطقس، وإن لم يتوقف تماما، حيث كان يٌستأنف كلما سنحت الفرصة.
مخيمات لبنان كانت الأكثر بؤسا على الإطلاق، فيما كان الوضع أقل سوءا في “الزعتري” من دون أن يقلل ذلك من صعوبته البالغة، مع وضع أفضل في تركيا.
وما نقلته لنا الكاميرات والتقارير كان مثيرا للحزن والقهر، وما رافق ذلك من تقارير خلال الأيام الماضية عن تصاعد العنصرية ضد اللاجئين السوريين في لبنان، وكذلك فرض تأشيرات عليهم، كل ذلك المشهد أكثر بؤسا بكثير.
ربما كانت الدول المستضيفة ضعيفة الإمكانات، إن كانت لبنان، أو الأردن، لكن العنصرية التي تابعناها في لبنان لا يمكن أن تكون مبررة بأي حال، أما الذي لا يقل أهمية فيتمثل في تقصير الدول الغنية في تقديم الدعم من أجل تحسين حياة أولئك اللاجئين الذين لم يتركوا ديارهم إلا بسبب الاضطرار.
على أن الأهم من ذلك كله هو الأمر الذي يوقف المعاناة برمتها، ذلك أنه من دون أن يعود هؤلاء إلى وطنهم وبيوتهم، فلن تتوقف المعاناة بأي حال من الأحوال، ناهيك عن معاناة البلد برمته الذي يخسر يوميا جحافل من أبنائه في الحرب الدموية، وأكثرها بالقصف الهمجي لطيران النظام الذي لا يفعل شيئا على الأرض، تاركا المواجهة الفعلية للمليشيات الشيعية التي جلبها سليماني من كل أصقاع الأرض.
ثمة جريمة تتواصل بحق هذا الشعب، والغريب أنها جريمة يتواطأ عليها الشرق والغرب، ولا يبدو أنها ستتوقف قريبا، ولن تتوقف قبل أن تيأس إيران من إمكانية إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، والأهم قبل أن تتعب من النزيف ولا يعود بوسعها احتماله.
بمناسبة العاصفة نتذكر ذلك كله. نتذكره بعد أن عشنا معاناة أناس لم يكن ذنبهم سوى أنهم طالبوا بحريتهم من نظام دكتاتوري فاسد، فجاء الرد عليهم بالقتل والتدمير والتشريد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق