الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

وطنيّون أم سيسيّون؟



وطنيّون أم سيسيّون؟

أحمدبن راشد بن سعيد


مدهش هذا الصمت الذي يخيّم على الصحافة السعودية أو المرتبطة بالسعودية تجاه الحملات الدعائية التي تشنها أبواق النظام الانقلابي في مصر على المملكة وسياساتها. ولو عدنا سنوات قلائل إلى الوراء، لوجدنا أن هذه الصحافة (أسمّيها صحافة من أجل النقاش فقط) كانت تشن ضد نظام الرئيسمرسي والحزب الذي  ينتمي إليه حملة فاشية تجردت من كل معايير المهنة ومواثيق الشرف، بل حتى من الأعراف التي تحكم العلاقات التاريخية بين السعودية ومصر.
واليوم، تَلزم هذه الصحافة (المطبوعة والمرئية) الصمت تجاه «انقلاب» الانقلاب على اليد التي أحسنت إليه،ومكّنت له في الأرض. لو نظرت إلى هذا الموقف من زاوية مهنية ومنطقية، لوجدته فشلاً آخر؛ إذ كيف يمكن تجاهل زعيق يوسف الحسيني ووائل الإبراشي وأحمد موسى وغيرهم من أبواق الانقلاب ضد السعودية.
كيف يمكن لقناة كالعربية، وجريدة كالشرق الأوسط أن تغضا الطرف عن الشتائم التي يكيلها إبراهيم عيسى، المقرّب من السيسي، لحكومة البلد الذي تنتميان إليه وتقتاتان من خيره، والتي يتهمها عيسى بأنها «داعشية» فكراً وسلوكاً؛ داعمة لـ «الإرهاب»، من خلال «تمويل الدواعش والسلفيين والوهابيين، الذين حولوا مصر المتنورة إلى صحراء ثقافية»، ومسؤولة عن «التخلف والرجعية والغبار، الذي أصاب مصر باستخدام أموال النفط، في نشر فكر...البداوة والصحراء»؟
كيف تتجاهلان تكرار عيسى مرة إثر مرة الزعم أن مصر ضحية غزو «الوهابية السلفية الحنبلية النفطية» التي تنتج السفاحين والقتلة والدواعش، وأنها حاولت من قبل على يد إبراهيم باشا القضاء عليه، ففشلت؟
وكيف تتجاهلان تحريضه السيسي على محاربة «الوهابية» بصفتها العقيدة المسؤولة عن «إغراق الوطن العربي كله بالتكفير والدم»؟
 الوسائط الإخبارية السعودية تجاهلت حتى اتهام «عرّاب العسكر» في مصر، محمد حسنين هيكل، المملكة بالتخلف، وزعمه أن نظامها الحاكم يفتقد مقوّمات البقاء، وأن الملك سلمان «ليس حاضراً بما يكفي»، كما تجاهلت هجوم رئيس تحرير الأهرام، محمد عبد الهادي علّام، على استقبال المملكة قادة حركة حماس، ووصفه ذلك بـ «الجهل وقصر النظر والاستعباط السياسي».

الصحافة السعودية لزمت الصمت حتى على تطاول رئيس مجلس إدارة الأهرام، أحمد النجار، على المملكة، في حفل عشاء جمعه مع السفير السعودي، أحمد القطان، في بيت السفير الجزائري بالقاهرة.

الاشتباك بين الرجلين تصدّر العناوين، لكن ليس على أعمدة الصحافة المعنية بالأمر وشاشاتها.
كان النجار عائداً لتوّه من رحلة لإيران، وطفق يدافع أمام السفير عن السياسة الإيرانية في المنطقة متهماً المملكة بأنها «هي التي قمعت الثورة في البحرين».
 كما حصلت ملاسنة بينهما بشأن الثورة السورية التي يناصبها النظام الانقلابي العداء. تعرّض السفير للإهانة، وانسحب غاضباً من الحفل.
لم تنبس قناة العربية ببنت شفة، ولم تنشر جريدة الشرق الأوسط حرفاً. على العكس، استمرت الوسائط الإخبارية «الوطنية» في التهليل لما تسميه «إنجازات» السيسي، وحربه على «الإرهاب»، و «تجديده» الخطاب الديني، واستمرت في النفخ في «البعبع الإخواني» الذي أراد يوماً تفكيك مصر، وبيع سيناء لحركة حماس، وتشكيل «إمارة إسلامية»، فأتى السيسي هبةً من السماء إلى مصر، ليحبط «المؤامرة» التي كادت تأتي على بنيان الدولة من القواعد، وتُفضي إلى «خلافة إسلامية» من الماء إلى الماء، وغير ذلك من «الحواديت» التي لم يعد أحد يهضمها، وتشكّل نوعاً من الكوميديا التراجيدية.
النجار كان أكثر اتساقاً مع ذاته، فدافع فيما بعد عن موقفه من السفير السعودي في مقابلة مع قناة النهار الجزائرية قائلاً: «كنت أدافع عن كرامة بلدي..بلدي هو الأقدم في العالم كله، وليس في المنطقة، ومؤسستي عمرها 140 سنة، وأنا أحاول أن أكون على قدر وقيمة بلدي ومؤسستي». في المقابلة نفسها، نفى النجار مشاركة النظام المصري في حرب اليمن قائلاً: لا نشارك في «العدوان» على اليمن، بحسب تعبيره، وهو تصريح أصمّت الصحافة «الوطنية» السعودية آذانها عنه.

كانت جريدة الأهرام قد انتقدت سياسة المملكة تجاه الثورة السورية، فكتب رئيس تحريرها، أن «النظام الحاكم في دمشق لا بد أن يكون جزءاً من مواجهة الظلاميين»، وأن الإصرار على تنحية الأسد» يعني أن «ما لم يتحقق بالإرهاب...يمكن أن يتحقق عن طريق بوابة السياسة»، منتقداً إصرار الملك سلمان على رحيل الأسد، وهو الذي «يتمتع بشعبية وسط قطاع لا يُستهان به من الشعب السوري»

(11 أيلول/سبتمبر 2015).
لا جديد. «الوطنيون» في آذانهم وقر، ويغطّون في نوم عميق.
إن نظام السيسي لم يخذل ثورة الشعب السوري فحسب، بل زوّد الأسد بالأسلحة، وهو ما أكده الفريق المصري المتقاعد سامي حسن في حسابه على تويتر، وأكده ناشطون سوريون إبّان قصف عصابات الأسد مدينة الزبداني بريف دمشق، حيث نشروا فيديوهات توثّق سقوط صواريخ مصرية الصنع على المدينة (موقع ناو، 28 آب/أغسطس2015).
حتى هذه التقارير تجاهلتها الصحافة «الوطنية» السعودية. وبالرغم من ضيق معظم الشعب السعودي بهذه الممارسات وغيرها (حصار غزة، إغراق أنفاقها، تدمير رفح، استقبال وفد من الحوثيين، مجرد أمثلة)، إلا أن الصحافة «الوطنية»، بما فيها قناة «أن تعرف أكثر»، لم تلق اهتماماً ألبتة لنبض الشارع. ليس ذلك فقطـ بل إن مقرّبين من دوائر صنع القرار شرعوا في التململ من ممارسات السيسي، فلم يزدد «الوطنيون» إلا تصفيقاً للانقلاب.
نواف عبيد، محلل سعودي مقرب من دوائر القرار، ومستشار للسفير السعودي في لندن، هاجم عبر حسابه في تويتر النظام المصري ناقلاً عن دبلوماسي سعودي لم يذكر اسمه أن المملكة «تدرس بجديّة إعادة تقييم علاقاتها» معه بعد الاطلاع على «أنباء مروّعة» تتعلق بزعيم الانقلاب الذي ستُجبر سياسته الخارجية «اللامعقولة» السعودية على «اتخاذ مجرى آخر معه».
ورأى عبيد أن مصر بقيادة السيسي لن تكون «حليفاً أو شريكاً أوصديقاً للسعودية أو دول الخليج» (28 تشرين الثاني/نوفمبر 2015).

لكن لا صدى لجرائم الانقلاب غير الزعيق: الإخوان، الإخوان، الإخوان. أحد الزاعقين أبداً، محمد آل الشيخ، زعم في مقال له بجريدة الجزيرة أن حسن البنا كان «لا يخفي إعجابه بموسوليني»، بل أشاد في مقال له»..بالفاشية ومنطلقاتها الدموية والعنفية» مشيراً إلى أنها «تتطابق مع أهداف حركته المتأسلمة»، وأنه استشهد بآيات وأحاديث «ليثبت أن الفاشية وقيمها...هي وسيلة جماعته ومنهجها...». عدت إلى المقال فوجدت أن الكاتب استغل ثناء البنا على جزء من خطبة لموسوليني عن أهمية الثقافة العسكرية والاستعداد الحربي، وتجاهل جوهر المقال وسياقه، وتمييز البنا كلام موسوليني عن الرؤية الكونية للمسلمين، والذي تجسّد في قوله إن الإسلام يقصد من بث الروح العسكرية في أبنائه «أن يعمل المسلمون على حفظ ميراث الله الذى ورّثهم إياه، وأن يرشدوا العالم كله إلى ما فيه نور وهدى، فهم لا يعملون رغبة فى دنيا ولا طمعاً فى ملك، ولا يسومون من يُظهرهم الله عليه...سوء العذاب. أما أوروبا فهى تنادي بالروح العسكرية منافسةً فى الاستعمار، وتجهّزاً للقضاء على الشعوب الضعيفة، ورغبة فى المآرب الاقتصادية... «. وبهذا يتضح أن البنا اقتبس نصاً من خطاب موسوليني ليذكّر الناس بعظمة دينهم وتفردّه.

مقال آل الشيخ منشور في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، ما يشير إلى أن شيئاً لم يتغيّر، وأن تضليل الجماهير عن حقيقة أعدائها مستمر، وأن شيطنة الإخوان قائمة على قدم وساق حتى وهم في غياهب السجون وسراديب التعذيب. لكن المقال ليس إلا مثالاً لخطاب تيار انقلابي هائج، يرتدي الثياب والكوفيات، ويسعى إلى تبرير استمرار دعم الانقلاب حتى بعد فشله الذريع وثبوت خيانته لمصر والخليج والأمة العربية.

 الحقيقة أن هذا التيار الموتور والمتماهي مع الصهيونية، سواء كانوا كتّاباً أو مؤسسات «صحافية»، هم أدعياء للوطنية، يمارسون التجهيل والتضليل وخذلان الصالح العام. ليذهب الأمن القومي لبلدهم إلى الجحيم، المهم ألا ينتصر احتكام الجماهير إلى الشريعة الإسلامية والذي يسمونه تصهيناً «الإسلام السياسي»، ويسمّون المناضلين من أجله «متأسلمين» شيطنةً لهم وتكفيراً. أما السيسي في نظرهم، فيجب أن يُترك حراً ليعيث فساداً، مادام أنه ماضٍ في استئصال من يكرهون. «افعل ما شئت، فقد غُفر لك»- هذا لسان حال القوم. إنهم سيسيّون لا وطنيون. ستُكتب شهادتهم ويُسألون.
• @LoveLiberty

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق