دموع السنّة..وصواريخ النمر!
أحمد بن راشد بن سعيّد
الفلوجة تحترق. لا، الفلوجة تُحرَق. لا، بل هي تتحرر من «داعش».
لا. لا، المشهد سوريالي يختلط فيه حابل الطائفية بنابل الإرهاب.
هكذا تحتدم الروايات حول معركة الفلوجة، لكن الحقيقة التي تدركها غالبية الأمة أن الفلوجة، كتكريت والرمادي وحلب ومضايا، «تقاوم» الحملة الباطنية الفارسية التي ترمي إلى تغيير هُويّات المنطقة وديموغرافياتها برعاية أميركية روسية. الحرب على داعش خرافة.
وحدهم أهل السنّة من يدفع الثمن.
وحدهم الذين يُحاصرون ويُجوّعون ويُقصفون ويُستشهدون.
ما يحدث في الفلوجة حدث في مدن عراقية وسورية استُبيحت بذريعة داعش الذي يصنع كل يوم معروفاً لإيران و «شيطانها الأكبر».
والسيناريو مرشح للتكرار في الرقة والموصل.
طحن المدن السنية مستمر، ولا عبرة بحدود بسايس بيكو ولا بالشرعية الدولية التي لم يعد يحترمها غير العبيد.
الخطاب الشيعي في العراق وإيران «دعشن» أهل السنّة بصفتهم حاضناً شعبياً لتنظيم داعش.
تجلّى هذا في تصريحات قادة المليشيات الشيعية وعدد من الكتّاب الشيعة في العراق الذين لا يكفون عن كيل الاتهامات للفلوجيين بوصفهم قتلة أو بعثيين تنعّموا بخيرات العراق في عهد صدام، ولم يدركوا أن البلد تغيّر، فتحالفوا مع «الإرهاب»-دعاية تجعل العدوان العسكري عليهم مُبرّراً.
أوس الخفاجي، زعيم ميليشيا «أبو الفضل العباس» ، هدّد بتدمير الفلوجة بوصفها «منبع الإرهاب»، زاعماً أنه «لا يعرف شيخاً سنيّاً محترماً في...المدينة، فكلهم ارهابيون».
رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، وصل إلى أطراف الفلوجة، والتقى بالقاتل الفارسي المتجول، قاسم سليماني، كما التقى بقادة الميليشيات الشيعية وطالبها بتكثيف قصف الفلوجة التي وصفها بـ «رأس الأفعى».
لم ينس سنّة العراق أن التحريض على الفلوجيين بلغ ذروته في عهد المالكي عندما انتشرت حملات بعناوين طائفية مثل: «من قتل فلوجياً دخل الجنة»، وعندما دعا قاسم الأعرجي، القيادي في فيلق «بدر» إلى جعل عالي الفلوجة سافلها «قربةً إلى الله».
التحريض الهائل على الإبادة حجب رواية الإرهاب.
ولم تفلح مشاركة شخصيات محسوبة على أهل السنة كسليم الجبوري وعبد اللطيف الهميم، وجهود وسائط إخبارية كقناة العربية وجريدة الشرق الأوسط، في إقناع حتى الأطفال بأن الحرب موجهة ضد داعش.
في الحقيقة، وجود سليماني في بلدة الكرمة بالفلوجة، وقيادته المعركة من غرفة ميليشيات الحشد الشعبي، والتقاطه الصور مع شيعة وهم يقبّلونه، كل ذلك لم يترك عذراً لوسائط خليجية مثل «العربية» و «الشرق الأوسط» اللتين وصفتا في البدء العدوان بالتحرير (ما زالت «الشرق الأوسط» تستخدم تعبير «تحرير الفلوجة»).
الذي أحرج هذه الوسائط وأجبرها على النأي قليلاً عن الرواية الشيعية ظهور صواريخ وعربات عسكرية مرسوم عليها صورتا الإرهابيّيْن الشيعيين نمر النمر ومصطفى بدر الدين.
الحقيقة هي أن أميركا تنتقم من المدينة التي تصدّت لاحتلالها ببسالة عام 2004، وإيران ترى أنها عقبة في طريق عبثها الديموغرافي بالمنطقة؛بالنظر إلى قربها من بغداد (60 كم)، ورئيس الوزراء العبادي يرى الحملة فرصة لتوحيد الصف الشيعي الذي كادت فصائله تقتتل قبل أيام فقط من العدوان، ولا شيء يوحّد الشيعة كالتخلص من «النواصب» و «التكفيريين» من خلال قوات الحشد التي تأسست بفتوى من المرجع السيستاني، وترتكب المجازر بمباركة منه.
نتائج العدوان كارثية على الأبرياء.
بلدة الكرمة سُوّيَت بها الأرض.
الشيخ مصطفى الطربولي لخّص من قلب الفلوجة معاناة أهلها بقوله: «نتعرض...لقصف المدفعية والراجمات وطائرات السوخوي... أُطلق علينا 2000 صاروخ...ما أدّى إلى تدمير البيوت على ساكنيها. لم نعد نتمكن من سحب القتلى من تحت الأنقاض... لا نستطيع إيصال الجرحى إلى المستشفيات. الأطباء...يجرون العمليات من دون مخدر. نعاني من نقص الأدوية والطعام. لا ماء ولا كهرباء...».
وحدهم أهل الفلوجة ممن يحلمون بالخبز والعافية يتعرضون للقتل.
إنهم ليسوا رهائن داعش وحدها، بل ضحايا استغلال داعش للانتقام من التاريخ، وضحايا أحلام الهيمنة الإمبريالية والأحقاد الطائفية التي تعيد رسم الخرائط بالدم.;
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق