الخطاب الإسلامي والعهد العالمي الجديد
مهنا الحبيل
أي واقع يعيشه حاضر العالم الإسلامي اليوم، وأين ستقف حروب الشر التي يديرها الغرب في الشرق، أو يؤججها الغلاة المتطرفون، أو الاستبداد العسكري والسياسي على الإنسان المسلم وشركائه؟
ماذا سيقول الخطاب الإسلامي للمسلم المعاصر، والشاب الحائر، والمجتمع المستنزف من هذه الأركان وغيرها، وكيف سيُجدد خطابه للحياة والعالم الذي كُلف بتبشيره بالاستخلاف التنموي للإنسان كل إنسان، والبلاغ الروحي للرسالة؟
ماذا أعد هذا الخطاب لمرحلة سقوط الدول الكبرى، وكيف سيسعى للمساهمة في وقاية المجتمعات من حروب التدمير التي تغزو أرضه، أو تتولد في داخل جوفه قهرا أو توظيفا، ماذا سيقول هذا الخطاب حين تنكشف أسرار كبرى عن بعض جوانب الخطاب الديني الذي قُدم للناس بعصا الاستبداد، ثم قرر بيعهم لنجاة جودي مصالحه لا سفينة وطنه وأمته، وكيف سيواجه أسئلة التيه الصادقة في البحث عن مخرج إنقاذ روحي ونفسي، يشرح لها قصة الخليقة، أو تلك المتحدية له بالحجة الكلامية؟
"هل سيتحمل الخطاب الإسلامي المعاصر المسؤولية التاريخية ويصارح الشرق وإنسانه بأن جوهر الخطاب الإسلامي لم يكن في هذه المواسم التي رعتها المصالح الأميركية مع الاستبداد، فقُدّم الدين خلالها في نماذج توحشت على الإنسان، وخدمت في زمنها عالم الشمال المنحاز؟"
هل سيتحمل الخطاب الإسلامي المعاصر المسؤولية التاريخية، ويُطلق مضماره الجديد، ويصارح الشرق وإنسانه بأن جوهر الخطاب الإسلامي لم يكن في هذه المواسم التي رعتها المصالح الأميركية مع الاستبداد، فقُدّم الدين خلالها في نماذج توحشت على الإنسان، وخدمت في زمنها عالم الشمال المنحاز؟ والواقع أن تلك الصفقات وتوكيلاتها المحلية أضرت كثيرا وادعت على الدين ما ليس منه، فيما هي مذاهب سياسية استخدمت الدين، بقصد أو دون قصد.. ليس هذا هو المهم، المهم كيف يُبصر العالم الجديد الحقيقة.
ماذا سيقدم هذا الخطاب الإسلامي، حين يزحف الغرب المتوحش بنصر جديد، فيفرض على الشرق وطوائفه البائسة، معادلاته الجديدة، هل سيخضع هذا الخطاب للتبشير الإمبريالي الجديد الذي لم ولن يُطعمه من ديمقراطية الإنسان التي نمت في أوطان الغرب، هذا إن حققت معيارا نسبيا للديمقراطية الفاضلة وليس ديمقراطية الطبقية الجشعة، أم سيُقبل الشرق على فكر اليسار الحديث، الذي تتهاوى جزءٌ من تجاربه الناجحة في أميركا اللاتينية اليوم؟
إنه تحد كبير يحتاج إلى بنيان ثقافي وفكري، وتنظير مستقر متوازن، تعقبه حملة ثقافية وشرعية واسعة، تعيد التجديد للبعث الإسلامي، بحسب حقيقة البلاغ لا إفرازات الطغاة، سواء كانت هذه الإفرازات فعلا مباشرا، أو ردود فعل خَلَقت جماعات الغلاة المتطرفين.
إن هذا الموضوع من الأهمية والسعة بمكان، بحيث يكون مجرد طرح الأسئلة على منضدته أمر مهم للغاية في ظل التخلق الكوني الجديد لحروب مبعثرة، لكن نهايتها شبيهة للغاية بالحروب العالمية، وبالتالي ستُفرض معادلات جديدة على الأرض التي تدار فوقها الحروب وهي الشرق المسلم.
وحسبنا أن نسعى لتسجيل نقاط أولية في هذا المضمار الذي يتحرك اليوم بالفعل في ميادين متعددة ومسارات مختلفة، كلها يحتاجها الخطاب الإسلامي التجديدي، لكن من الأهمية بمكان محاولة ترتيبها، وبعثها كرؤية يتلقاها الشباب المسلم بمعيار الإنسان لا بمعيار الأحزاب والجماعات، فهذه أولى خطوات تحرير الخطاب الإسلامي، من هيمنة النظم إلى الأوطان، ومن ضيق الجماعات إلى سعة الأمم.
ليس ذلك لصراع هذه الجماعة الفكرية أو تلك، ولكن لإنقاذ تفكيرها، ورعاية أجيال المسلمين من السقوط في الخندق الفئوي الذي يخنق الشاب فيرى الدين من خلال جماعته، لا من تبصرة عقله وروح وجدانه، ويرى الأمة في أفق الأرض، وحيث ولّى وجهه، فالعالم قريته للبلاغ، وليس الوطن تكيته أو مكتبته.
وهذا لا يعني أن يَهجر الناس جماعاتهم ومدارسهم وتخصصاتهم، فهذا نهج طبيعي، للانتماء الديني والجغرافي والاجتماعي، لكن المهم رؤية الشاب للعالم من حوله، وفهمه أن ما يَعمل فيه من أمرِ رشدٍ إن خلا من انحراف مركزي، هو مسار للإسلام، وليس الإسلام الحصري بذاته.
إن هذه الغربلة مهمة جدا، في داخل الصف الدعوي من المسلمين، وهي مهمة في صناعة الخطاب المستقل الجديد للتبشير بالوعي الإسلامي للنهضة والحياة.
وأمام هذا البعث الإسلامي والعالم الجديد تتبين مصطلحات ومفاهيم رئيسية:
1- العالم ليس النظام الدولي السياسي الذي أحكم استبداده بعد انتصاره العسكري في الحرب العالمية الثانية، فحوّله لمكتب مركزي باسم مجلس الأمن، وأسقط كل قواعد الشراكة والمساواة الأممية للإنسانية، وأصبح قرار الحرب والسلم يُصنع لمصالحه، وليس للأسرة البشرية، وتُحصى أعداد الضحايا، وتقام لهم منصات الدفاع، بحسب قرار هذا النظام وليس عبر محاكم ولا مبادئ إنسانية مشتركة، وإن صاغتها الأمم المتحدة، لكن بات كثير منها، حبرا على ورق.
2- وإنما العالم المقصود هو الأسرة الكونية المشتركة، التي تخلّقت في وجود آدم وحواء، وعهود الشراكة، وشريعة دفع كل شرٍ وطلب كل خيرٍ قائم معها، أكان عبر مؤسسات عالمية ذات مصداقية، أو عبر جسور إنسانية.
3- قصة الحرب والقتال تهيمن على مساحة كبيرة من تاريخ البشرية المعاصر غير المؤمنة بالإسلام، وهناك فرية دولية تسعى لترسيخ ذلك في الدين الإسلامي، فيما حروب الصراع الغربي، والقيصرية والشيوعيةالروسية، والتفوق الأميركي، وصراع المبادئ السياسية كما هو في حرب الشمال والجنوب الأميركي، والوصول إلى قواعد الاستقرار الديمقراطي الطوعي بين شركاء الأوطان، كما جرى في التجربة الإسكندنافية وغيرها.. كل ذلك مر عبر حروب شرسة قتلت الملايين من البشر.
ماذا سيقدم هذا الخطاب الإسلامي، حين يزحف الغرب المتوحش بنصر جديد، فيفرض على الشرق وطوائفه البائسة، معادلاته الجديدة، هل سيخضع هذا الخطاب للتبشير الإمبريالي الجديد الذي لم ولن يُطعمه من ديمقراطية الإنسان التي نمت في أوطان الغرب، هذا إن حققت معيارا نسبيا للديمقراطية الفاضلة وليس ديمقراطية الطبقية الجشعة، أم سيُقبل الشرق على فكر اليسار الحديث، الذي تتهاوى جزءٌ من تجاربه الناجحة في أميركا اللاتينية اليوم؟
إنه تحد كبير يحتاج إلى بنيان ثقافي وفكري، وتنظير مستقر متوازن، تعقبه حملة ثقافية وشرعية واسعة، تعيد التجديد للبعث الإسلامي، بحسب حقيقة البلاغ لا إفرازات الطغاة، سواء كانت هذه الإفرازات فعلا مباشرا، أو ردود فعل خَلَقت جماعات الغلاة المتطرفين.
إن هذا الموضوع من الأهمية والسعة بمكان، بحيث يكون مجرد طرح الأسئلة على منضدته أمر مهم للغاية في ظل التخلق الكوني الجديد لحروب مبعثرة، لكن نهايتها شبيهة للغاية بالحروب العالمية، وبالتالي ستُفرض معادلات جديدة على الأرض التي تدار فوقها الحروب وهي الشرق المسلم.
وحسبنا أن نسعى لتسجيل نقاط أولية في هذا المضمار الذي يتحرك اليوم بالفعل في ميادين متعددة ومسارات مختلفة، كلها يحتاجها الخطاب الإسلامي التجديدي، لكن من الأهمية بمكان محاولة ترتيبها، وبعثها كرؤية يتلقاها الشباب المسلم بمعيار الإنسان لا بمعيار الأحزاب والجماعات، فهذه أولى خطوات تحرير الخطاب الإسلامي، من هيمنة النظم إلى الأوطان، ومن ضيق الجماعات إلى سعة الأمم.
ليس ذلك لصراع هذه الجماعة الفكرية أو تلك، ولكن لإنقاذ تفكيرها، ورعاية أجيال المسلمين من السقوط في الخندق الفئوي الذي يخنق الشاب فيرى الدين من خلال جماعته، لا من تبصرة عقله وروح وجدانه، ويرى الأمة في أفق الأرض، وحيث ولّى وجهه، فالعالم قريته للبلاغ، وليس الوطن تكيته أو مكتبته.
وهذا لا يعني أن يَهجر الناس جماعاتهم ومدارسهم وتخصصاتهم، فهذا نهج طبيعي، للانتماء الديني والجغرافي والاجتماعي، لكن المهم رؤية الشاب للعالم من حوله، وفهمه أن ما يَعمل فيه من أمرِ رشدٍ إن خلا من انحراف مركزي، هو مسار للإسلام، وليس الإسلام الحصري بذاته.
إن هذه الغربلة مهمة جدا، في داخل الصف الدعوي من المسلمين، وهي مهمة في صناعة الخطاب المستقل الجديد للتبشير بالوعي الإسلامي للنهضة والحياة.
وأمام هذا البعث الإسلامي والعالم الجديد تتبين مصطلحات ومفاهيم رئيسية:
1- العالم ليس النظام الدولي السياسي الذي أحكم استبداده بعد انتصاره العسكري في الحرب العالمية الثانية، فحوّله لمكتب مركزي باسم مجلس الأمن، وأسقط كل قواعد الشراكة والمساواة الأممية للإنسانية، وأصبح قرار الحرب والسلم يُصنع لمصالحه، وليس للأسرة البشرية، وتُحصى أعداد الضحايا، وتقام لهم منصات الدفاع، بحسب قرار هذا النظام وليس عبر محاكم ولا مبادئ إنسانية مشتركة، وإن صاغتها الأمم المتحدة، لكن بات كثير منها، حبرا على ورق.
2- وإنما العالم المقصود هو الأسرة الكونية المشتركة، التي تخلّقت في وجود آدم وحواء، وعهود الشراكة، وشريعة دفع كل شرٍ وطلب كل خيرٍ قائم معها، أكان عبر مؤسسات عالمية ذات مصداقية، أو عبر جسور إنسانية.
3- قصة الحرب والقتال تهيمن على مساحة كبيرة من تاريخ البشرية المعاصر غير المؤمنة بالإسلام، وهناك فرية دولية تسعى لترسيخ ذلك في الدين الإسلامي، فيما حروب الصراع الغربي، والقيصرية والشيوعيةالروسية، والتفوق الأميركي، وصراع المبادئ السياسية كما هو في حرب الشمال والجنوب الأميركي، والوصول إلى قواعد الاستقرار الديمقراطي الطوعي بين شركاء الأوطان، كما جرى في التجربة الإسكندنافية وغيرها.. كل ذلك مر عبر حروب شرسة قتلت الملايين من البشر.
"إن الأولوية الكبرى الآن هي إعادة رسم خريطة الإنسان وحقوقه الوجودية والفكرية في رسالة الإسلام، ودفع غلواء الحروب والصدامات عن المدنيين في الشرق بأقصى ما يستطاع إليه، وبعث مسارات التجديد الإسلامي لتحقيق النهضة الإنسانية والحرية الفردية"
4- فالخطاب الإسلامي للتصالح الأممي لا يقوم على المعايير المزدوجة للغربيين وغيرهم، ولكن على قناعته الذاتية بتطابق فكر الإسلام مع تقعيد العدالة الإنسانية.
5- إن المقاومات التي تشتعل في كل أرض يحتلها غاصب معتدي، أمرٌ طبيعي، وهي ضمن التفسير الشرعي العدلي للجهاد المرتضى، فليس على أمة الشرق أن تتحمل جنايات المعتدين، وتضمن لهم براحا من الترفيه على جثث الضحايا المعدمين.
6- لكن ما يواجهه الشرق اليوم، في نُسخ لا تنتهي مما أطلق عليه السلفية الجهادية، -وليس بالضرورة أن يدان كل من تلبس بالمصطلح- يتمثل في أن هذه الظاهرة -وتلك مصيبة- خلقت فكرا في الشرق يقوم على منطق أن مهمة المسلم قتل الكافر لا هدايته التي أصبحت أمرا فرعيا.
كما أن هذه الظاهرة تحولت إلى آلة توحش ضد المسلم المختلف معهم والمناطق المظلومة، ثم بغت عليها، وحيّدت عبر أنصارها بالسلاح العسكري والمدني، خطاب الروح والوجدان الفكري للإسلام، وحاصرته بغلوها.
7- إن من أكبر الإشكالات التي يحتاج الخطاب الإسلامي أن يُفنّدها، احتكار التفكير الشرعي والمداولة الفقهية في نمط تكفيري شرس، واعتبار قوله هو الصحيح الموافق للكتاب والسنة، واعتبار ما سواه أقوالا مبتدعة ضالة، يستحق أصحابها العقوبة والحصار الفكري، فهُدمت سحب الوعي والفكر التي يستهدي بها الشباب، ونُصبت لهم بيوت الغلو والتطرف.
8- ولا شأن للخطاب الإسلامي الجديد بمواسم التحريض الغربي التي انتهت من استخدام التطرف ومشاريعه أو تسببت فيه، ثم ألقت على الشرق وعبر ذات الأنظمة المستبدة جدول تطبيقات عليه أن يُنفذها في شبابه ومواطنيه قهرا وقمعا، لكنه مسؤول عن تبيان الحقيقة، فهؤلاء وأولئك ليسوا ورثة الإسلام، وإنما يتأرجح مشروعهم بين طاغية مستبد يستخدم الدين باسمه، وغالٍ متوحش على أمته.
لكن الأولوية الكبرى هي إعادة رسم خريطة الإنسان وحقوقه الوجودية والفكرية في رسالة الإسلام، ودفع غلواء الحروب والصدامات عن المدنيين في الشرق بأقصى ما يستطاع إليه، وبعث مسارات التجديد الإسلامي الموثقة في الشريعة، لتحقيق النهضة الإنسانية والحرية الفردية، فسيفهم حينها الشباب الإسلام، ثم يتخذ قراره بإرادته.
5- إن المقاومات التي تشتعل في كل أرض يحتلها غاصب معتدي، أمرٌ طبيعي، وهي ضمن التفسير الشرعي العدلي للجهاد المرتضى، فليس على أمة الشرق أن تتحمل جنايات المعتدين، وتضمن لهم براحا من الترفيه على جثث الضحايا المعدمين.
6- لكن ما يواجهه الشرق اليوم، في نُسخ لا تنتهي مما أطلق عليه السلفية الجهادية، -وليس بالضرورة أن يدان كل من تلبس بالمصطلح- يتمثل في أن هذه الظاهرة -وتلك مصيبة- خلقت فكرا في الشرق يقوم على منطق أن مهمة المسلم قتل الكافر لا هدايته التي أصبحت أمرا فرعيا.
كما أن هذه الظاهرة تحولت إلى آلة توحش ضد المسلم المختلف معهم والمناطق المظلومة، ثم بغت عليها، وحيّدت عبر أنصارها بالسلاح العسكري والمدني، خطاب الروح والوجدان الفكري للإسلام، وحاصرته بغلوها.
7- إن من أكبر الإشكالات التي يحتاج الخطاب الإسلامي أن يُفنّدها، احتكار التفكير الشرعي والمداولة الفقهية في نمط تكفيري شرس، واعتبار قوله هو الصحيح الموافق للكتاب والسنة، واعتبار ما سواه أقوالا مبتدعة ضالة، يستحق أصحابها العقوبة والحصار الفكري، فهُدمت سحب الوعي والفكر التي يستهدي بها الشباب، ونُصبت لهم بيوت الغلو والتطرف.
8- ولا شأن للخطاب الإسلامي الجديد بمواسم التحريض الغربي التي انتهت من استخدام التطرف ومشاريعه أو تسببت فيه، ثم ألقت على الشرق وعبر ذات الأنظمة المستبدة جدول تطبيقات عليه أن يُنفذها في شبابه ومواطنيه قهرا وقمعا، لكنه مسؤول عن تبيان الحقيقة، فهؤلاء وأولئك ليسوا ورثة الإسلام، وإنما يتأرجح مشروعهم بين طاغية مستبد يستخدم الدين باسمه، وغالٍ متوحش على أمته.
لكن الأولوية الكبرى هي إعادة رسم خريطة الإنسان وحقوقه الوجودية والفكرية في رسالة الإسلام، ودفع غلواء الحروب والصدامات عن المدنيين في الشرق بأقصى ما يستطاع إليه، وبعث مسارات التجديد الإسلامي الموثقة في الشريعة، لتحقيق النهضة الإنسانية والحرية الفردية، فسيفهم حينها الشباب الإسلام، ثم يتخذ قراره بإرادته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق