لماذا لا يعلن الإخوان ومن وافقهم المراجعة والتراجع؟!
محمد جلال القصاص
باحث دكتوراة علوم سياسية
كان الفرد من كفار قريش يلقى النبي- صلى الله عليه وسلم- بوجهٍ طلق ويناديه بأفضل الأسماء (الصادق الأمين)، وحين يجتمع عددٌ من الكفار مع بعضهم تنعكس الصورة تمامًا، يتطاولون ويسيئون الأدب. والسبب يكمن في أن الفرد من عامة الناس يكون له عقلان: عقل فردي حين يكون وحده وعقل جمعي وهو بين الجموع من الناس. ولذا نصحهم الله بقوله: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا).
وفي وقت الأزمات يتحول النخبة المثقفة إلى عامة ويدخلون في العقل الجمعي. ولا ينجو من العقل الجمعي وقت الأزمات إلا خاصة المفكرين وقادة الرأي في المجتمع، أولئك الذين يصنعون الأزمة أو يفيدون منها. بهذا المقولة النظرية -أو من خلال هذا المنظور-: (العقل الفردي والعقل الجمعي) نحاول قراءة الحالة الإسلامية في المشهد المصري بعد ثمان سنوات من المشاركة السياسة. ودعنا نشخص الحالة من خلال البحث عن إجابة لهذا السؤال: لماذا لا يعلن الإخوان ومن وافقهم المراجعة والتراجع؟!
بدايةً لماذا السؤال؟ ما هي المشكلة البحثية التي أفرزت هذا السؤال؟، تكررت المراجعة والتراجع كثيرًا في الحالة الإسلامية، بشكل علني أو من خلال تحولات جذرية في المواقف والأفكار أو بدعوى تطور الفكرة. على مستوى الأفراد والجماعات وفي جميع الاتجاهات: المسلحة، والسياسية، والدعوية الوعظية. فبسهولة نستطيع أن نقرر أن التحول وتغيير الأفكار والمواقف من أبرز ما يشاهده متأمل للحالة الإسلامية- في مصر وغيرها. وعلى سبيل المثال: أعلن الأستاذ حسن البنا قبل وفاته -حسب رواية رفيقه الأستاذ فريد عبد الخالق في برنامج شاهد على العصر/ الجزيرة- أنه ينوي التحول إلى المسار التربوي وترك -أو تقليل- النهج السياسي، وقبل ذلك أدخل النظام الخاص وحاول إخراجه؛ وسيد قطب حالة من التحول داخل الإخوان؛ ورفضُ الإخوان لنهج سيد قطب (مشهور نقد الشيخ القرضاوي لسيد قطب)؛ والعمل المسلح الذي بدأ في الستينات يعد حالة من المراجعة والتراجع مقارنة بما سبقه.
يظهر بوضوح أن في الخلفية من يؤثر في قرار الجماعة ويثبتها على البقاء في دائرة الصراع، بمعنى يوجد مستفيد من حالة الصراع المحدود الذي ينهك الجميع ويؤدي إلى إحداث تحولات جذرية |
رموز من طليعة الحالة الجهادية تخلوا بشكل فردي عن العمل المسلح والتزموا الجانب التربوي فانحصر خطابهم (مؤلفاتهم) في التربية والأسرة والرد على شبهات النصارى؛ والجماعة الإسلامية تحولت من الحالة الدعوية للحالة القتالية ثم تحولت عن الحالة القتالية وانكفأت على نفسها ثم خرجت للمشاركة السياسية ثم تراجعت عن المشاركة والتزم عامتها الحياد في الصراع الحادث بعد 2013؛ والسلفية العلمية تموج موجًا، بداية من ظهور سلفية الاسكندرية وسلفية القاهرة في نهاية السبعينات كتطور داخل أنصار السنة، والقطبيون (الشيخ عبد المجيد الشاذلي وبعض الإخوان)، والجامية، وشيوخ الفضائيات، ثم جيل المنتديات والإنترنت. وهذه كلها صور لتحولات أو استجابات لتحديات خارجية.
للأسف لم تلق هذه الظاهرة ما يناسبها من اهتمام بحثي رغم انتشارها ومحوريتها، ورغم أنها تُظهر طبيعة وأثر التحديات الخارجية والداخلية على الحالة الإسلامية، وتظهر واقع ومآلات الحالة الصحوية والتجديد في الأمة. ومع كثرة التحولات في الأفكار والمواقف ومع فداحة الثمن الذي تدفعه الحالة الإسلامية بعد يوليو2013، ومع اتعاظ الإسلاميين في تونس واليمن مما حدث في مصر ومبادرتهم للانسحاب مبكرًا إلا أن الإخوان المسلمين ومن وافقهم في مصر وقفوا مكانهم ولم يحدثوا تحولًا، فلماذا لا يتراجع الإخوان كما غيرهم، وكما فعلوا هم من قبل؟!
يصعب تفسير الظواهر بمتغير واحد، فغالبًا ما يوجد متغير أساسي وعددٌ آخر من المتغيرات الداعمة له في إحداث الظاهرة محل البحث، ومنذ أربعة أعوام وأنا أحاول ترتيب أسباب صلابة قيادات الإخوان ورفاقهم على موقفهم بعد يوليو2013 مع ما عرف عنهم من براجماتية. وكلما ظهر لي سبب أعدت النظر فيه مرة بعد مرة وقارنته بغيره حتى اهتديت إلى أن السبب الرئيسي لصلابة الموقف هو وجود من يتصل بهم ويثبتهم على موقفهم، فهي حالة من الثبات في المكان انتظارًا للحل من الخارج، وليست حالة من المقاومة الإيجابية التي تراعي السياق والإمكانات. نعم هو ذا، أراه بوضوح كمتغير مستقل للظاهرة، وغيره من المتغيرات يتبعه ويخدمه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق