محمد علي.. وفقه إضاعة الفرص!
سليم عزوز
هل انتهى المقاول والفنان محمد علي؟!
هذا سؤال يطرح نفسه كثيراً هذه الأيام، ومنذ فشل دعوة المقاول والفنان للتظاهر، بعد نجاح الدعوة الأولى في 20 أيلول/ سبتمبر، وهذا السؤال لا ينتظر كثير من الطارحين له إجابة، فالإجابة عندهم معروفة!
من وجهة نظري، فإن الإجابة تحددها نظرة السائل لدور المقاول والفنان، فقد قام بمهمتين:
الأولى كشف نظام السيسي وتعريته، وهي مهمة قائمة ومستمرة، والثانية هي محاولته تحريك الثورة عليه، ونجح في المهمة الأولى، وكان يمكن أن يكون نجاحا خالصاً، لولا أنه غيّر موقعه ليكون قائد ثورة، وزعيما جماهيريا، وأحيانا يقوم بدور صاحب وجهة النظر، فيقدم رؤية فقيرة لإدارة الدولة وهو تجاوز منه لحدود الدور والمهمة، لكن الجماهير غفرت له، فعدوك يتمنى لك الغلط وحبيبك يبلع لك الزلط.
أعلم أن البعض لم يكن سيطربهم كثيراً أن يحصر محمد علي مهمته في المهمة الأولى، فلعله استشعر تململ الجماهير والقوى السياسية العاجزة، والتي تعلقت أمالها بأن ينتقل لجدول الأعمال، فقد عرفنا أنه نظام فاشل فماذا بعد؟!
"الخزعبلات التي سيطرت":
ومن هنا تحرك محمد علي ليدعو لحراك سياسي، ولم يكن ينبغي أن يكون هذا دوره لولا الفراغ الذي تعيشه الساحة المصرية، لكن ضاعت فرصة عظيمة، بسبب الخزعبلات التي سيطرت على الأذهان!
لم تكن الشرطة يوم 20 حزيران/ يونيو مستعدة للخروج الجماهيري، فالمصريون يعيشون في خوف مقيم، والميادين أصبحت مفتوحة لكنهم يخافون من الآلة العسكرية، فلا يدعو أحد للتظاهر. ثم إن دعوة محمد علي كانت للوقوف أمام المنازل، وليس للذهاب للميادين، وظلت الشرطة عدة ساعات فاقدة للقدرة على التصرف، فلم تأتها التعليمات إلا مؤخراً بفض المظاهرات، فضاعت فرصة عظيمة لإسقاط نظام بدا في أضعف حالاته، ودوائره الإقليمية والدولية مشغولة بنفسها!
فماذا لو استغلت القوى السياسية ذلك ودعت للنفير العام، أو دفعت برجالها للنزول دون الإعلان عن هويتهم؟.. أعتقد أن وجه مصر كان قد تغير الآن أو في طريقه للتغير، إذا اعتبرنا أنه من الصعب إسقاط نظام السيسي في حدود ثلاثة أسابيع، فليس هو نظام مبارك!
بيد أن الأزمة جاء من التصورات الخاطئة، التي جعلت البعض يروج لأكذوبة أن هناك انقلاباً قادما يبحث عن استيفاء الشكل بالحضور الجماهيري، وهناك من ذهبوا بعيدا فقالوا إن السيسي هرب، ومنهم من قاده لهذا الاعتقاد بامتلاكهم للخيال، والقدرة على الاستنتاج، مع افتقادهم لذلك، وهناك من استغلتهم الأجهزة الأمنية في تسريب هذا الكلام لهم، فكانوا لا يقلبون ما وصلهم، إنما يعلنونه بسرعة على الناس ابتغاء أن يحسب السبق لهم، وكانوا يبالغون في الدفاع عن ذلك بدلاً من نسبته لمصادره. فدائماً، كان الشعار المرفوع لا تسألني عن مصادري؟ وماذا بعد أن تبين أنك ألعوبة في يد الأجهزة الأمنية، وجسر لإفشال عملية إسقاط السيسي!
لقد كان لسان حال القوى السياسية، وإن كنا لا نمانع ولو في مجرد عملية تطيح بعبد الفتاح السيسي، فرحيله وحده كفيل بانفراجة سياسية، تسمح ببعض الحريات، وتمكن من الإفراج عن الأسرى الذين يختطفهم السيسي في سجونه، لكننا مع هذا لن تشارك في الانقلاب على الانقلاب!
القراءة الخاطئة:
ولتصور أن انقلابا في الطريق، ذهب المحللون بقراءة تفتقد للعمق للمشهد فكانت النتيجة استنتاجات خاطئة تماماً، وكل من له صفحة على فيسبوك صار محللا، بل وصحفيا يتحدث عن المعلومة وعن مصادره الخاصة!
قالوا: إذا لم يكن هناك مخطط للانقلاب على السيسي، فلماذا سمحت الشرطة للمتظاهرين بدخول ميدان التحرير؟ وكان جوابنا: ومن قال لكم إن المتظاهرين تم السماح لهم فعلا بدخول ميدان التحرير؟!
وقالوا: ألا يعد عدم نزول الجيش لفض المظاهرات؟ أم أنه بالفعل يخطط للانقلاب على السيسي؟!
ليكون ردنا: وهل تم الطلب من الجيش النزول لقمع المظاهرات، وأنه رفض الاستجابة للأمر العسكري؟!
حالة سُكر كان عليها من هم في حلقة ذكر، وقد فقدوا عقولهم وتماهوا مع ما وصلهم من كلام تعاملوا معه على أنه معلومات اختصتهم بهما مصادر عليمة، أو مطلعة، ولم يفطنوا إلى أنهم لم يكونوا أكثر من مخلب قط. وهذا التبني لهذه المساخر، هو ما منع مناقشة ما يروجون له، إذ كانوا في كل مرة يهبون دفاعا عن هذا الكلام، كما لو كان التعليق عليه إهانة شخصية لهم، وخصما من مصداقيتهم، وطعنا في شرفهم المهني!
وإذا كان الحديث عن جناح داخل السلطة يخطط للانقلاب قد جرأ البعض، فإنه بمجرد أن تأكدوا من عدم صدقه في الجمعة التالية فقد انهاروا تماماً، وذلك عندما نزلت الشرطة بكثافة لرد العدوان على حكم السيسي، ولولا هذه الدعاية الكاذبة لما حدث هذا الانهيار التام، لدرجة أن أحدا لم يستجب للدعوة للمظاهرات فوق أسطح المنازل، في حين أن الاستجابة لدعوة الدفوف كانت واسعة نسبياً، مع ما فيها من مخاطرة!
وذلك يثبت للجميع أن محمد علي لا يسانده جناح في الجيش، وأنه لا يوجد انقلاب في الدرج، جاهز للتطبيق بحضورهم أو عدم حضورهم. فرئيس الجمهورية (القائد الأعلى للقوات المسلحة) يظل أقوى سلطة في الدولة، حتى إشعار آخر. وهذا الانقلاب لا يكون إلا بنزول الجماهير بكثافة للشارع، عندئذ سيتدخل وزير الدفاع للتضحية بالرئيس، من باب الأخذ بقاعدة أخف الضررين. فقادة الجيش الذين عزلوا البشير هم إخوانه وأبناؤه الذين صنعهم على عينه، لكن وكما قال المثل: يا روح ما بعدك روح. ولم يكن بإمكان المشير محمد حسين طنطاوي أن يتخيل نفسه ولو في الأحلام في مكان مبارك، لولا ثورة يناير!
ولو انتبه الرئيس محمد مرسي للخطر الذي يمثله السيسي وعزله يوم 30 حزيران/ يونيو، لصار معزولا لا يقوى على شيء، ولو أصدر أمراً باعتقاله، لنفذه أقرب أعضاء المجلس العسكري. فالرئيس يظل في بلادنا هو أقوى من كل السلطات، ما لم تقم عليه ثورة!
وافتقاد الخيال هو السبب في اعتقاد البعض أن نتائج الثورات هي ما يتقرر في البداية، وعدم القدرة على التأثير فيها، وما دام هناك قرار بانقلاب عسكري على الانقلاب، فماذا في أيديهم أن يفعلوا؟!.. فهل غيب السيسي كل من يملكون الخيال السياسي، والقدرة على الإبداع في السجون، ولم يترك سوى هؤلاء الموظفين، الذين يعملون في إطار القواعد واللوائح؟!
لقد فكر صلاح قوش، رجل المخابرات القوى في السودان، في الانقلاب على البشير بدعم من السعودية والإمارات، وكان يبحث عن الغطاء الشعبي، فأوعز لقادة سياسيين أنهم لن يواجهوا الجماهير إذا خرجت تطالب البشير بعدم الترشح لولاية جديدة، وكان يمني نفسه بأنه البديل!
وعندما خرجت المظاهرات قامت الإمارات بدعمها عن طريق بعض الوجهاء، لكن الجماهير هتفت بسقوط الإمارات والسعودية، باعتبارها ثورة وطنية خالصة تنتمي للربيع العربي وتعادي خصومه. وهذه الثورة هي التي اشترطت خروج صلاح قوش من السلطة، وعاملته على أنه عدو لها!
وحتى لو كان هناك انقلاب على الانقلاب، فقد كان للقوى الثورية أن تجعل منه ثورة كاملة، فعندما ينزل الشعب فسيكون من بيده "عقدة النكاح"، وما كنا أضعنا فرصة سانحة بهذا الشكل.
فهل يفيد هذا الكلام الآن؟!
لا أعتقد، فلله يا زمري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق