السبت، 26 أكتوبر 2019

إسلامية القرن العشرين


إسلامية القرن العشرين

د. علي بن حمزة العمري (فك الله أسره)العمر

تحدث العلامة (محمد قطب) في كتابه (جاهلية القرن العشرين) عن الحالة المأساوية التي عاشتها الأمة من خلال نظرته وقراءته للماضي والحاضر، ولكنه قطعاً لم يتحدث عن المستقبل، الذي كتب عنه أخاه الأستاذ سيد من قبل في (المستقبل لهذا الدين)، ثم كتب هو بعده عن المستقبل في (هذا هو الإسلام)، وأن الإسلام قادم.. قادم، سواءٌ عن طريق الهمجية الغربية المتغطرسة التي تؤدي إلى غضب الشعوب عليها، والثورة على جرائمها، وهو الطريق القصير الذي يسبب الانتقام، أو الطريق الطويل الذي هو طريق الرسالة المحمدية، والذي يقتضي التربية وفق المنهج الرباني.

هذا عن المستقبل المتفق عليه، فلماذا لا نتحدث عنه؟!

لأنه وباختصار لو حلف العلامة (محمد قطب) أن مراده من جاهلية القرن العشرين هي المظاهر التي تشبه في تفكيرها ما كان عليه جاهليو مكة في التصورات التي عادت الإسلام وتصوراته عن الحياة، فإن كل هذا لن يمنع القيل والقال عما كُتب ببعض الحق أو ببعض الزيف!

إذاً وما دمنا مؤمنين بأن المستقبل لهذا الإسلام، فعلام لا نتحدث عن المتفق عليه من (إسلامية القرن العشرين)؟!

لماذا لا نتحدث عن الدور الحضاري والفعل الرسالي الذي يجب أن يكون عليه المجتمع المسلم، ويلتقي أفراده عليه، ليكونوا جزءً من الفعل المؤدي للكسب، متحركين مع سنن الكون، للتحقق بالمقدمات المؤدية للوجود الحضاري ليكون الشهود الحضاري بعدئذ!

هنا لن نعود للوراء، ونتباكى على الوضع المأساوي المقلق الذي عاشه العرب والمسلمون، والهوان الذي حلَّ بهم أيام النكبة لا النكسة كما كان يصر المفكر (د. قسطنطين زريق) والذي شابهه في الحال (د. يوسف القرضاوي) في دروس ما بعد النكبة. إن تلك القصة على عمق جراحها، ومدى كارثيتها إلا أننا في المآل نحتاج إلى توصيف عصري، يجلّي السنن التي لا تختلف، ولكنه لا يغيِّب المفاهيم الحديثة والأساليب العصرية التي تُقرأ بها السنن جيداً!

وأمامي هنا ملامح عامة للتخلف الحضاري العام الذي نعيشه، والذي يمكن أن ألخصه في (التخلف القيمي، والتخلف التقني، والتخلف المعرفي). والذي يطالبنا بذكر المعالجة المفروضة المتمثلة في (التعبئة النفسية، والقدوات العملية، والأصالة المنهجية).

فأما عن التخلف القيمي: فأظن أنها المحاولات لوضع كل فرد مسلم يتاجر بأخلاقه إلى أن يصل به الحال كمن (اتجر بالبصل فلم يشم رائحته)!

وعندما نقرأ الأرقام المفزعة عن انتكاس القيم، وتفشي العيوب على مستوى النخب والعامة ندرك مدى الخطورة والنكبة الحقيقية التي نعيشها. وبلغة العصر فإن وسائل الإعلام تلعب لعبتها الكبرى، وتسرح وتمرح، وتستخدم كل طرائق الإغراء الرسمية المحلية والعالمية لتأكيد جودة القيم التي يعرضون! وأعرض هنا مثالين يسيرين يعبران عن الحال:

1- كنت في إحدى المحلات التجارية أنتظر الدور على الكرسي، وجلس بجواري طفل صغير لا يتجاوز العشر سنين، وعليه ملامح البراءة، وكنت مشغولاً ببعض الاتصالات عبر (الجوال)، فلمحته فإذا به يرفع رأسه حيناً لجهاز التلفاز المنصوب أمامنا، ويخفضه حيناً، فلما رفعت رأسي وجدت فيلماً هندياً مما لا يخفى معناه لمجرد ذكر (الأفلام الهندية)!!

ولك أن تتخيل هذا الفرض والاكتساح حتى في المحلات التجارية وأمام الأطفال!!

2- في إحدى البرامج التلفازية الفنية قامت مذيعة البرنامج بتقديم هدية كمفاجأة تقدمها القناة باسمها، متشرفة بهذا الموقف النبيل. وإذا بالهدية تذكار جميل من سفارة دولة عربية مسلمة لإحدى الفنانات التي استضيفت في إحدى الدول، وشاركت دولتها فرحتها في الاستديو، ومن البديهي أن تستغل القناة المنتجة هذه العلاقة بين الفن والسياسة!!

ولو تأملنا التخلف التقني: ولم أشأ أن أقول (العلمي) للدلالة على أهمية هذا اللون العلمي في عصرنا، لوجدنا العطاء البحثي وتمويله يعتبر كارثياً في بلادنا العربية، ومن هنا فإن ضغط الإعلام اليوم عبر الفضائيات ومواقع الإنترنت والفيس بوك، ومثيلاتها، بل وعبر عرض النماذج الحضارية للبلدان المتقدمة بكل الوسائل الممكنة (صحفياً، تلفزيونياً، مسرحياً، روائياً، كاريكاتورياً،...) له أثره وبعده.

إذ لا يجوز بحال من الأحوال قبول هذا التخلف، حتى صرنا نستورد وسائل عبادتنا (السجادة)، كما يقول (مالك بن نبي)!. كما لا يجوز الرضا بضياع الأوقات في الازدحام وتأخر المعاملات وضعف الإنتاج، وهذه فريضة جهادية لازمة لكل أبطال الإعلام والفن والأدب الذين يسهمون في ردم الهوة.

ومن المضحكات المبكيات في هذا الصدد أن نصف الوفيات من حوادث المرور في السعودية ناتج من استخدام قطع غيار ذات جودة متدنية، كما صرّح الأستاذ عيسى العيسى المستشار في الجمارك!!

فكيف لو قارنا هذه المأساة أو (الجريمة) بحديث أبي برزة، قلت: يا نبي الله، علمني شيئاً أنتفع به، قال: "اعزل الأذى عن طريق المسلمين"؟! [رواه مسلم: 2618].

وفي مقابل ذلك يكون من المهم جداً تكثيف النماذج الحية التي تطور في المجتمع، وتضع الحلول المناسبة، وإذا لم يكن فعلى أقل تقدير (إزاحة النجاسة) على طريقة الفقهاء، لنعيش طهارة الشارع، وطهارة اللسان، من جراء كبائر التخلف التقني (ولا حول ولا قوة إلا بالله)!!

وعن التخلف المعرفي: فإن مأساة قراءة الأجيال للكتب، ونوعية اطلاعهم على الدراسات والبرامج أمر مخجل، وكنت أعيد النظر في الإحصاءات العالمية التي تفيد بأن حجم القراءة لدى العرب (5 ساعات) سنوياً، ولكنني لم أقف عندها طويلاً عندما علمت أن نسبة (الجيد والمقبول) في الجامعات والثانويات تفوق النصف، وأن قرابة (35%) من الشباب العاطلين في كبرى بلاد الخليج لم يتجاوزا المرحلة المتوسطة!!

وهنا نقف عند مسؤولية الجهات الرسمية والمدنية لإعادة تشكيل العقل الشبابي بالمعارف الجيدة وبالأساليب المميزة، بعيداً عن الحشو والسطحية والتقليدية والمحسوبية والأنانية، على المستوى الشعبي والرسمي بل وحتى الدعوي للأسف!

وحتى لا أمضي على طريقة أنصاف الحلول أرى أن من الخطوط الموازية والمهمة والمؤثرة للحلول، لتحقيق (إسلامية القرن العشرين):

1- التعبئة النفسية: وإعادة الأجيال لروح الفضائل، وإعزازها بدينها، والتكريم المستمر لروادها، وإحياء رسالتها، وإبراز مبدعيها، وتكثيف النزول الميداني، بالعمل المنظم المتقن، المخطط المدروس، الموجه المبدع، في الميادين الاجتماعية، وحتى النضالية، بلا خوف أو خجل أو قلق أو تسرع!

ومن البديهي القول أن التعبئة ليست بالقول عبر المنابر والمنصات فحسب، بل حتى المشاريع التي تبعث الأمل!

2- القدوات العملية: وضرورة إرسال الشباب في البعثات العلمية والتقنية بل وحتى الإنسانية لدى الجهات المتقنة، مع إحسان بنائهم وإرشادهم، واستغلال كل وسائل العصر الحديثة لإبراز البرامج والجهات العاملة لتتغلغل في صفوف الناشئة والشباب والأسر، بخط إبداعي قيمي راق، على جميع الأصعدة، بعيداً عن التحلل الديني، والحساسية الاجتماعية، والتقليد البارد!

3- الأصالة المنهجية: والتي تتحرك من خلال القدوات، وتبنى من خلال الصروح العلمية، والمراكز المفتوحة، على يد الرجال من أصحاب العلم والوعي والبصيرة والحكمة والرؤية المستقبلية.

ثم من خلال التحرك بهذه المنهجية في حياة الناس، في ظل المراقبة والمحاسبة، لتكون القدوات الحية نماذج تسير بأصالتها في ميادين الحياة كاملة، فلا يحدث التناقض ولا التلاوم، بل كما أراد الله (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) [آل عمران: ١١٠]، وحتى نكون خير أمة في القرن العشرين لا بد أن ندعو إلى المعروف قولياً وفعلياً وسلوكياً وفكرياً ونحن أول المقتدين، وأن نبتعد عن المنكر الأخلاقي والسلوكي والذوقي واللفظي والشعوري والاعتقادي، ونكون أول المنتهين!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق