السبت، 26 أكتوبر 2019

" إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ"


"إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ"

أ.د. صلاح_سلطان
فهؤلاء المصطفون الأخيار لا تنفذ زينة الدنيا إلى قلوبهم، بل تبقى في أيديهم لأن قلوبهم مصطفاة منتقاة مخلَصة للدار الآخرة،هم أصحاب عمارة للدنيا لأنهم أخيار، لكنها بالنسبة لهم بلاغ إلى الآخرة، إن هؤلاء مشغولون ليل نهار في الاستعداد ليوم المعاد،مهمومون هل إذا مت الآن كيف ألقى الله الواحد القهار، هم مشغولون حقا بلحظة البعث حتى يكونوا تحت ظل الله يوم لا ظل إلا ظله؟ أم يطردون إلى حر الشمس حتى يغرقوا في عرقهم ! 
هم مشغولون: هل أحشر في لواء العابدين أم العابثين؟ لواء العادلين المقسطين أم لواء البغاة الظالمين ! 
هم مشغولون هل يحشرون في لواء المجاهدين المرابطين، أم لواء القاعدين المخلفين، هل يحشرون تحت لواء الكرماء الباذلين أم لواء البخلاء الممسكين؟ هل يحشرون تحت لواء الأوفياء الصالحين أم لواء الخونة الغادرين؟، هم مشغولون هل يتمكنون من الشرب من الكوثر بيد النبي صلى الله عليه وسلم أم يزادون ويمعنون، ويقال لهم: سحقاً، فإذا دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم قيل: لا تدري كم أحدثوا بعدك، هم مشغولون إذا نصب الميزان هل تثقل الموازين بالحسنات أو ترجحها السيئات؟، هم وجلون هل يجتازون المرور على الصراط كالريح المرسلة أو جرياً أو مشياً، أو يكبون على وجوههم في جهنم تخطفهم كلابيبها فوق الصراط؟، هم مشفقون هل يكون مستقرهم جنات 
" عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴿١٣٣﴾"(آل عمران)، أم يحشرون على وجوههم عمياً وبكماً وصماً يسوقهم زبانية العذاب إلى نار جهنم؟، هم مشغولون كلما شربوا ماء هل سينقلبون في الآخرة إلى أن يشربوا فيها كأساً " كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا ﴿١٧﴾"(الإنسان)، أم يرتدون إلى الغسلين يشوي الوجوه، ويقطع أعماءهم؟،
هم مشغولون كلما وضع لهم الطعام هل سسينقلبون إلى طعام الجنة " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ ﴿٤١﴾ وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ ﴿٤٢﴾ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٤٣﴾ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿٤٤﴾"(المرسلات) أم ينقلبون إلى شجرة الزقوم، " طَعَامُ الْأَثِيمِ ﴿٤٤﴾ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ﴿٤٥﴾ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴿٤٦﴾"(الدخان)؟، هم مشغولون كلما ارتدوا ملابس جديدة أو قديمة هل يكون مآلهم أن يلبسوا " ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ..﴿٣١﴾"(الكهف)، أو ينقلبون إلى" قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ﴿١٩﴾"(الحج)؟، هم مشغولون مهمومون مشفقون هل يكونون ممن يدعوهم رب العالمين كي يكشف لهم عن وجهه سبحانه فينعمون بالنظر إلى وجهه الكريم كما نرى القمر ليلة تمامه، أم يكونون لا قدر الله ممن قال الله فيهم:" كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴿١٥﴾"(المطففين)؟.
هذه المعاني لا تبرح أبداً أصفياء الأصفياء، فتعدّل مسارهم، وتحسن سلوكهم، وتسرّع فرارهم، وتسخي أيديهم، وتوقظ ليلهم، وتستنهض هممهم، وتضاعف عطاءهم، وتعمق إخلاصهم، وترسخ يقينهم، وتجعلهم حقا ينطبق عليهم " إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ"
حتى إن كل من يقترب منهم يذكروهم بالآخرة، لأنهم يرون نماذج متوازنة ممن أفاض الله عليهم بقبول دعائهم:" رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿٢٠١﴾"(البقرة)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق