هل يكون النيل جزءًا من صفقة القرن؟
طلبت حكومة عبد الفتاح السيسي، في مطلع أكتوبر/ تشرين أول الجاري، رسميًا، أن تكون الولايات المتحدة طرفًا رابعًا في المفاوضات بين أطراف مشكلة سد النهضة الثلاثة، القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، وقالت رئاسة السيسي إنها تتطلع لقيام الولايات المتحدة بدور فعال، خصوصا في ضوء وصول المفاوضات بين الدول الثلاث إلى طريق مسدود.
وشدّدت على أن المفاوضات لم تُفض إلى تحقيق أي تقدم ملموس، ما يعكس الحاجة إلى دور دولي فعال، لتجاوز التعثر الحالي في المفاوضات، وتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث، والتوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن.
هذا الأسبوع، أصدرت خارجية السيسي بيانًا قالت فيه إن مصر تلقت دعوة من الإدارة الأميركية، في ظل حرصها علي كسر الجمود الذي يكتنف مفاوضات سد النهضة، لاجتماع لوزراء خارجية الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، في واشنطن؛ وهي الدعوة التي قبلتها مصر علي الفور اتساقاً مع سياستها الثابتة لتفعيل بنود اتفاق إعلان المبادئ، وثقةً في المساعي الحميدة التي تبذلها الولايات المتحدة.
يتضمن مفهوم الدعوة أن طرفًا يبادر بالقيام بعملٍ ما، يدعو إليه الأطراف المعنية، لكن الحاصل أن الحكومة المصرية هي التي طلبت من واشنطن التدخل. ومن ثم، فإن القول إن القاهرة تلقت دعوةً وقبلتها غير دقيق، والصحيح أن السيسي طلب إقحام واشنطن طرفًا، والأخيرة استجابت.
في ضوء ذلك، يمكن النظر إلى التصعيد في أزمة سد النهضة، باعتباره مفتعلًا ومصطنعًا، وبالتنسيق بين أطراف المشكلة، بهدف تحويل الموضوع إلى ملفٍّ دولي وإقليمي، يتجاوز أطرافه المباشرة، بحيث يكون الأمر كله في عهدة دونالد ترامب، وهو ما يعني مباشرةً أن تل أبيب حاضرة على الخط، حتى وإن غابت عن الاجتماعات والمفاوضات الأميركية الخاصة بالنيل.
هل فعلًا، لوح رئيس وزراء إثيوبيا، أبي أحمد بالحرب؟ قبل هذه التصريحات بساعات، نشرت تل أبيب نفيًا لأنباء أن منظومة دفاع جوي تابعة لها تتولى حماية سد النهضة، معلنةً أنها على مسافة واحدة من السيسي وأبي أحمد، ما يعني أن الهدف من التصريح أنها حاضرة وجاهزة للعب دور تحلم به، وبمخرجاته.
كلام أبي أحمد عن جاهزية إثيوبيا للدفاع عن سدّها، إذا ما كانت الحرب العسكرية خيارًا مفروضًا من الأطراف الأخرى، ليس فيه إعلان حرب أو تلويح بها، فالرجل سئل أمام البرلمان والإعلام: ماذا لو فكر أيٌ من أطراف الأزمة في الخيار العسكري، فرد بما ينبغي أن يقوله أي مسؤول في مكانه، وأتصور لو عكست الصورة وكان لدى مصر برلمان فعلي وإعلام حقيقي وسئل من يحكمها هذا السؤال: ماذا لو لجأت إثيوبيا إلى التصعيد العسكري، فسيكون الرد، مثل أبي أحمد، نحن لا نريد الحرب، ولا نسعى إليها، ولكن إن كانت أمرًا مفروضًا علينا فنحن جاهزون لها.
على أن الشاهد أنه لا السيسي ولا أبي أحمد، ولا الظروف الدولية والإقليمية، تسمح بالتفكير، مجرّد التفكير، في خيار الحسم العسكري، والأرجح أن القصة برمتها تأتي في إطار تهيئة الرأي العام في دول الأزمة لتجرّع قرارات وإجراءات غير مسبوقة في التاريخ، تخص مياه النيل.
ذلك السيناريو وصفته مصادر رسمية خاصة تحدثت لـ"العربي الجديد" بأنه لم يعد مستبعداً تماماً؛ بل إنه ربما بات السيناريو الأقرب، في ظل الموقف الصعب الذي تمرّ به مصر في تلك الأزمة؛ نظراً إلى رفض إثيوبيا التصور المصري الخاص بملء خزان السد مع إثيوبيا، وفشل كل المفاوضات، مع استمرارها في مواصلة عملية البناء، واقترابها من عملية التشغيل الرسمي للسد في 2021.
هنا تحضر قصة الأحلام والأطماع الصهيونية القديمة في مياه نهر النيل، والتي أطلت مع مسار "كامب ديفيد" واندفاع الرئيس السابق، أنور السادات، في هذا الطريق، الأمر الذي تجد أصداءه في كتاب وزير الخارجية الأسبق، بطرس غالي، "طريق مصر إلى القدس"، والذي يسرد فيه جوانب من حماس السادات لتوصيل مياه النيل إلى الكيان الصهيوني، عن طريق ترعة السلام. .. لو وضعت ذلك كله أمام إصرار دونالد ترامب على اللعب في خرائط المنطقة، وجنونه بمشروع صفقة القرن، وانصياع عبد الفتاح السيسي الكامل له، واعتقاده المطلق بأن استمراره مرهونٌ بإرادة الكيان الصهيوني وحمايته ودعمه، فليس تحليقًا في الخيال أن يكون النيل أحد ضحايا صفقة القرن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق