ستالينغراد.. المعركة التي غيرت مجرى الحرب العالمية الثانية
بشار قصاب
طالب طب
حوالي 6 أشهر من يوليو 1942 ولغاية فبراير 1943 جرت إحدى أهم معارك الحرب العالمية الثانية، معركة ستالينغراد.. المعركة التي كانت بداية النهاية لقوات النازية. مدينة هاجمها في أول الأمر الجيش الألماني السادس وفي وقت لاحق التحق بها الجيش المدرع الرابع.
بصرف النظر عن أهميتها الاستراتيجية كونها أهم مركز تصنيع عسكري في الاتحاد السوفييتي وقتها، كان لهتلر فيها نظرة خاصة أخرى في احتلالها كونها تحمل اسم عدوه اللدود جوزيف ستالين زعيم الاتحاد السوفييتي وسقوطها في يده سيوجه ضربة معنوية كبيرة جدا للسوفييت وليس سرا أن هتلر كان يكره الشيوعية السائدة في الاتحاد بمقدار كرهه لليهود وربما أكثر! السؤال المهم.. ما الذي جعل ستالينغراد حقا قلعة حصينة صمدت أمام أقوى جيش في العالم آنذاك؟
قصف المدفعية الألمانية
بدأ الهجوم على ستالينغراد في صيف 1942، حيث سبق سلاح الجو الألماني وصول القوات البرية منفذا حملات قصف جوي عنيف ومتواصل حولت المدينة إلى أنقاض وأطلال، الأمر الذي ارتد عكسا على الجيش الألماني وأرغمه على التخلي عن تكتيكه الناجح.. حرب البرق التي تعتمد بصفة كبيرة على سلاح الدبابات والهجمات السريعة الخاطفة، لكن في ستالينغراد وجد الجيش النازي نفسه غارقا في حرب مدن من بيت لبيت ومن شارع لشارع.
ليس سرا أن الجيش الألماني انغرّ بنفسه بعد احتلال أوربا الغربية بما فيها فرنسا، فاعتمد في ستالينغراد على قوته الضاربة دون توجيه واضح لها، لم يفكر في استخدام أسلحة مميزة نوعية كما فعل مثلا في احتلاله لفرنسا، حيث استخدم الغوستاف غن التي قلبت الطاولة لصالحه كونها كانت "سلاح افتراضي" لأن يتوقعه الفرنسيون، أو مثلا التفوق في الاتصالات بين عناصر الجيش النازي باستخدام الراديو، الأمر الذي لم يمتلكه الجيش الفرنسي، أو اللعب على الأقل على العامل النفسي كما فعلت سابقا بضرب مصانع تعفين الخبز التي استخدمتها بريطانيا لإنتاج المضاد الحيوي البنسلين لحماية جنودها من المكروبات.
استخدم الجيش السادس القوة الضاربة والسوفييت ردوا بها بدورهم، لكن ما اختلف بين موقف الجيشين أن السوفييت في دفاع والألمان في هجوم، والسوفييت يدافعون عن أرضهم شأنهم شأن القطة المهاجَمة المحشورة في زاوية، التي سرعان ما "تستأسد" حالما وجدت نفسها في موقف غير قابل للتراجع، لا تملك شيئا لتخسره كي تظهر كل القوة التي لديها.
عملية أورانوس
داخل المدينة احتدم القتال العنيف بين الجيشين، وعلى الرغم من تمكن الألمان من إخضاع كامل المدينة تقريبا بعد مقاومة شديدة واجهوها من السوفييت، إلا أنهم فشلوا في كسر آخر الخطوط الدفاعية للجيش الأحمر الذي تمسكت قواته بالضفة الغربية لنهر الفولغا.
في 19 نوفمبر 1942، بدأ السوفيات حملة عسكرية أطلقوا عليها عملية أورانوس، حيث شن الجيش الأحمر هجومين متزامنين ضد مواقع القوات النازية المتواجدة داخل المدينة، انهارت بسرعة بعد معارك عنيفة مع السوفيات الذين تمكنوا من محاصرة وتطويق حوالي 300000 من قوات الجيش السادس والجيش الرابع، نجحت العملية بسبب معرفة السوفييت "موقع أكل كتف" الجيش السادس، حيث قام بمهاجمة الجيش الروماني التابع له، المعروف بضعف قواته ببقية عناصر الجيش.
بلوة برودة الشتاء وبرودة هتلر
بحلول الشتاء، ومع تواصل الحصار بدأت المقاومة الألمانية تضعف، فقد تسبب البرد والجوع في إنهاك الجنود، وتعطلت الآليات والمدرعات لقلة الوقود، إضافة إلى نقص الذخيرة، في وقت اشتدت الهجمات السوفياتية التي تريد إنهاء وجودهم. ازداد الأمر سوءا برفض هتلر قيام الجيش السادس بكسر الحصار والخروج من ستالينغراد حيث أمرهم بالبقاء مهما كلفهم الثمن مع ضمان مواصلة تزويدهم بالإمدادات عن طريق جسر جوي، وقيام القوات الأخرى بهجوم مضاد لكسر الحصار وتوحيد القوات. لكن ذلك لم ينجح بعدما فشل الهجوم الألماني المضاد.. عملية عاصفة الشتاء في الوصول إلى ستالينغراد، وعجزت عمليات التموين بالجو عن نقل كميات كافية من المؤن والذخيرة لتغطية حاجيات الجيش، ثم توقفت كلياً بعد احتلال الجيش الأحمر للمطارات التي تستعملها القوات الألمانية سواء التي داخل المدينة أو القريبة منها. قاد كل ذلك للانهيار التام للجيش الألماني السادس الذي اضطر قائده فريدريك باولوس للاستسلام في 2 فبراير 1943 ومعه أغلب قوات الجيش السادس رغم مواصلة البعض الآخر القتال إلى أن تمت تصفيته.
(فريدريك باولوس)
هذا بالإضافة إلى أن الجيش النازي في روسيا ليس بقوة الجيش النازي خارج روسيا، لم يقاوم الكثير من عناصر الجيش الألماني الطقس البارد هنالك، الأمر الذي يعتاد عليه الروس بالتأكيد، عدا عن إقحامهم لقوات خاصة في تلك المعارك متمرسة على الطقس البارد للغاية في أقصى شرق روسيا، بلغت الخسائر البشرية في معركة ستالينغراد حوالي 2 مليون ضحية، ما يصنفها أكبر المعارك دموية في تاريخ الحروب. الجيش الألماني تعرض لثاني أكبر خسارة له في الحرب العالمية الثانية، والتي كان لها الدور الأكبر في تحول مجرى الحرب العالمية الثانية فلم يستعد النازيون قوتهم السابقة ولم يحققوا بعدها أي انتصار استراتيجي في الشرق.
استمرت معركة ستالينغراد 200 يوم وخسر فيها الألمان 1.5 مليون شخص بين قتيل وجريح وأسير وكان ذلك يعادل ربع القوات الألمانية العاملة على الجبهة الروسية – الألمانية، وكتبت الصحافة الأجنبية في تلك الايام عن المعركة تقول: ستالينغراد – إنها قلعة محاطة بطوق من الفولاذ، لم تحرك العاطفة أبدا هتلر في تلك المعركة فرغم تواجد ابن أخيه ليو ضمن الصفوف المقاتلة هنالك مصابا، رفض نقله بمروحية إسعافية وإجلاءه من هناك، بالطبع عندما أصر هتلر على معاملة حوالي 300000 ألف مقاتل كرقم قابل للتعويض دون أن يعي أبدا أن المعنوية التي قد تكسر باحتمال خسارة تلك المعركة ستجعل من جيشه يتداعى شيئا فشيئا، وهذا ما حدث بالطبع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق