لماذهذا التعثر في سورية؟
لماذا هذا التعثر في سورية مع وجود هذه التضحيات الكثيرة والواسعة وغير المسبوقة؟
السبب في ذلك هو أن التضحيات وحدها لا تكفي لتحقيق التغيير، بل هي عنصر ضروري وأساسي ومهم، لكن التغيير يحدث بناء على عاملين:
الأول: التضحيات.
الثاني: وجود القيادة ذات الصفات النوعية المتقدمة، والتي تقود جماهير الشعب في اتجاه النصر.
يحتاج الانتصار إلى ترافق العاملين السابقين، وقد افتقدت الثورة السورية العامل الثاني بسبب ضغط ظروف تاريخية متعددة، لا مجال لشرحها الآن، وهذا ما يجعل الثورة السورية – الآن – بحاجة إلى توليد قيادة ذات صفات أساسية ومتعددة في هذا المخاض الثوري العنيف الذي تعيشه جماهير أمتنا، وأبرز هذه الصفات وأهمها هي:
الأولى: الربانية:
تقتضي الربانية أن تُطبِّق القيادة تعاليم الإسلام على ذاتها وأهلها، فتكون مُعظِّمة لله وحده، خاضعة لله وحده، مُحبّة لله أكثر من كل محبوبات الدنيا، خائفة من نار الله، راجية جنة الله، مُطبّقة لسنة – رسول الله صلى الله عليه وسلم – مُتوخّية الحلال في كل ما تكسب، مُبتعدة عن الحرام والمتشابهات، داعية إلى الله في كل أحوالها وأوقاتها إلخ…، ويجب أن يأتي كل هذا تحقيقاً لقوله تعالى: ﴿وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ﴾[آل عمران:79].
الثانية: الإحاطة بالعلوم الإسلامية:
يجب أن تتصف القيادة بالإحاطة بمختلف العلوم الإسلامية كعلوم القرآن الكريم، والحديث الشريف، وعلوم اللغة العربية، والفقه ومدارسه، والسيرة، والتاريخ الإسلامي، ومقاصد الشريعة، وفقه الأولويات والمآلات إلخ…، ويجب أن تكون متبحرة في بعض فروعها، كما يجب أن تكون مبدعة في مجال أو أكثر من مجالاتها، ليتأكد أنها تمتلك عقلاً فعالاً، وتفكيراً متقدماً.
الثالثة: الارتباط بقضايا الأمة ومنها القضية السورية:
يجب أن تتصف القيادة بالارتباط بقضايا الأمة بشكل عام، والقضية السورية بشكل خاص، فتكون قد عاشت آلامها وآمالها، وحملت همومها، وتفاعلت معها، وتقدمت الصفوف في مواجهة المستبد الظالم، وضحّت في سبيل تحرير شعبها، وآثرت شعبها على ذاتها.
الرابعة: الوعي الكامل بتفصيل القضية السورية:
يجب أن تمتلك هذه القيادة وعياً كاملاً تفصيلياً بتاريخ القضية السورية، بدءاً من القرن التاسع عشر، ودور الغرب في إسقاط الخلافة العثمانية، وتاريخ الاستعمار الفرنسي في سورية بعد الحرب العالمية الأولى، ودور هذا الاستعمار في توليد الصراع الطائفي في سورية، ويجب أن تمتلك وعياً كاملاً تفصيلياً لدور البعث وأجنحته وآثاره في قتل سورية، ثم دور الحكم الأسدي في تدمير سورية وإذلال شعبها، وإفقار جماهيرها، وقهر طوائفها إلخ…
ويجب أن تمتلك دراسة وافية لثورة الشعب السوري عام 1980م على النظام الأسدي، وتحدد عوامل القوة والضعف فيها، وتقوّم نتائجها، وتستفيد من ذلك التقويم في مسيرة الثورة الحالية.
الخامسة: الوعي الكامل بالحضارة الغربية:
يجب أن تمتلك القيادة وعياً بالأسس التي تقوم عليها الحضارة الغربية: كنسبية الحقيقة، والمادية الصرفة التي تعادي كل ما هو غيبي، والبرغماتية التي تقدّم فيها المصلحة على الأخلاق، والفردية اللامحدودة التي قد تؤدي إلى الأضرار بالجانب الجماعي.
وتكون هذه القيادة – أيضاً – قادرة على الفرز بين إيجابيات الحضارة الغربية وسلبياتها، وتكون مدركة لسياسة دولها، ومخططات هذه الدول، وتكون قادرة على الاستفادة من معطيات الحضارة الغربية: الإدارية، والاقتصادية، والتكنولوجية، إلخ… في بناء سورية الغد.
السادسة: وضع خطة تفصيلية لتحرير سورية وإنقاذها وبنائها:
يجب أن ترسم القيادة خطة تفصيلية في كيفية تحرير سورية من هذا المستبد أولاً، وفي إنقاذها من “مشروع ملالي إيران” وأطماع الدول الكبرى ثانياً، وفي بناء الإنسان والمجتمع بعد تحريرهما من أمراض الاستبداد ثالثاً، لتستطيع أن تلعب سورية دوراً في دفع مسيرة الأمة من جهة، ولتلعب دوراً في مسيرة الحضارة العالمية من جهة ثانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق