الاثنين، 28 أغسطس 2023

“سيد قطب” الشهيد الحي

 “سيد قطب” الشهيد الحي

د. عز الدين الكومي

كاتب مصري


في مثل هذا اليوم 29 أغسطس 1966م، تم تنفيذ حكم الإعدام في الشهيد -بإذن الله- رحمه الله مع اثنين من رفاقه فى الدعوة إلى الله على يد طاغية العصر، ليلحق بركب الشهداء، ذلك الركب الكريم الذي استعذب الموت ،واسترخص المهج فى سبيل الله ،بعد محاكمات هزلية كما هو دأب الطغاة فى كل زمان ومكان وتهم ملفقة ومعلبة ومعروفة سلفاً : قلب نظام حكم الطاغية والتآمر عليه والتخابر مع الأعداء.


قال عنه الدكتور يوسف القرضاوى رحمه الله: إذا سألتني: من هو سيد قطب؟ أقول: حقًّا سيد قطب أحد عظماء الرجال في أمتنا، في تاريخنا الحديث والمعاصر، هو مسلم عظيم؛ إذا قِسْنا العَظَمة بمقياس الإنسانية، وهو أديب عظيم؛ إذا قِسْنا العظمة بمقياس الإبداع في الأدب والنقد الأدبي، وهو داعية عظيم؛ إذا قِسْنا العظمة بقوة التأثير في الدعوة والتوجيه، وهو عالم ومفكِّر عظيم، له أثره في العلم والفكر؛ إذا قسْنا العظمة بمقدار الاستقلال في الفكر وأصالة العلم، وهو أيضًا مسلم عظيم؛ إذا قسنا العظمة بالبذل والتضحية في سبيل الله.

وحسْبُنا أن الرجل قدَّم عنقَه ودمه فداءً للدعوة التي يؤمن بها، وأعتقد أنَّه كان مخلصًا في دعوته، أصاب فيها أم أخطأ فهو مخلص، وأعتقد أنه من الذين ينطبق عليهم قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام:162-163).


سيد قطب صاحب المقولة الرائعة: «إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح و كتبت لها الحياة .. »

هذه الكلمات التى سطرها – رحمه الله – والتى لازال شباب الدعوة يرددها ويحولها إلى واقع، بالرغم من التحديات التى تواجهها الدعوة اليوم.


ومن مقولاته الرائعة أيضاً: عندما نعيش لذواتنا، تبدو الحياة قصيرة ضئيلة، تبدأ من حيث نعي، وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود .. أما عندما نعيش لغيرنا، أي عندما نعيش لفكرة، فإن الحياة تبدو طويلة .. عميقة تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض، إننا نربح أضغاف عمرنا الفردي في هذه الحالة .. نربحها حقيقة لا وَهْماً»


فقد كان سيد أحد عمالقة الأدب والفكر؛ قبل أن يتجه إلى الفكر الإسلامى، فقد كان كاتباً مرموقاً ساحر البيان، وكل ماكتبه يشهد بذلك مثل كتاب”العدالة الاجتماعية” ، و”خصائص التصور الإسلامي” ، و”مقومات التصور الإسلامي”، و”هذا الدين” ، وتفسير “في ظلال القرآن”، و”معالم في الطريق”.


«وعندما أراد أن يتحول بكليته لخدمة الدعوة لم ينظر إلى مكانة أومنصب أو وظيفة ،يقول الأستاذ محمد قطب عن شقيقه الشهيد سيد قطب رحمه الله : حين أراد سيد قطب أن يلتحق بالإخوان المسلمين جمع مجلس العائلة للاستشارة وكنت الوحيد الذى اعترض على هذا القرار، وكانت وجهة نظرى أن التنظيمات- مهما اتسعت- لكن سيد أذهلنى حين قال: ومن قال إنى أريد أن أدخل مفكراً كبيراً؟أنا سأدخل جندياً صغيرا يريد أن يخدم دين الله، وكان هو محقاً رحمه الله!
فقد نذر الشهيد سيد قطب نفسه للدفاع عن عقيدة المسلم الصافية التى لاتشوبها شائبة، وأن المعارك التى تدور رحاها داخل الإنسان وخارجه إنما هى لطمس معالم العقيدة الصافية لدى المسلم وتحريرها من كل أهواء العبودية ومظاهرها مهما كان صغيراً.


«فيقول رحمه الله فى نضاله لتحرير العقيدة من شوائبها :

 إنها لحكمة الله أن تقف العقيدة مجردة من الزينة والطلاء، عاطلة من عوامل الإغراء، لا قربى من حاكم، ولا اعتزاز بسلطان، ولا هتاف بلذة، ولا دغدغة لغريزة.
كما أن الشهيد سيد قطب – رحمه الله – من أبرز الكتاب الذين نقدوا الحضارة الغربية، وكشفوا عوراتها، وفضحوا الاستعمار الغربي وأطماعه في المنطقة.. وقدم نقدا لاذعا للأنظمة الرأسمالية والشيوعية.. ولعل مقاله الشهير “إسلام أمريكاني” الذي نُشر في مجلة الرسالة سنة 1952 يفضح سياسة أميركا وعملاءها في المنطقة.. وفيه يقول “الإسلام الذي يريده الأميركان وحلفاؤهم في الشرق الأوسط، ليس هو الإسلام الذي يقاوم الاستعمار، وليس هو الإسلام الذي يقاوم الطغيان.. إنهم لا يريدون للإسلام أن يحكم، لأن الإسلام حين يحكم سينشئ الشعوب نشأة أخرى، وسيعلم الشعوب أن إعداد القوة فريضة، وأن طرد المستعمر فريضة، وأن الشيوعية كالاستعمار وباء.. فكلاهما عدو”.


وبالنسبة للأميركيين وعملائهم فالإسلام “يجوز أن يستفتى في منع الحمل، ويجوز أن يُستفتى في دخول المرأة البرلمان، ويجوز أن يستفتى في نواقض الوضوء، ولكنه لا يستفتى أبدا في أوضاعنا الاجتماعية أو الاقتصادية أو نظامنا المالي، ولا يستفتى أبدا في أوضاعنا السياسية والقومية..”!


ومن كلماته رحمه الله : قليل هم الذين يحملون المبادىء ، وقليل من هذا القليل الذين ينفرون من الدنيا من أجل تبليغ هذه المبادىء، وقليل من هذه الصفوة الذين يقدمون أرواحهم ودماءهم من أجل نصرة هذه المبادىء والقيم، فهم قليل من قليل من قليل.( سيد قطب).
رحل الشهيد سيد قطب- رحمه الله – عن دنيانا ، ولازال نداؤه يصدح فينا:
أخي أنت حرٌ وراء السدود ** أخي أنت حرٌ بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصما ** فماذا يضيرك كيد العبيد
أخي ستبيد جيوش الظلام ** ويشرق في الكون فجر جديد
فأطلق لروحك إشراقها ** ترى الفجر يرمقنا من بعيد
رحم الله شهيد الظلال رحمة واسعة وأعلى درجته فى عليين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق