نعم.. نحن نظلم النصارى!
بسم الله الرحمن الرحيم
نعم.. نحن نظلم النصارى!
***
فهل أهرب من الجنة إلى جهنم؟!
***
أمرنا مترفيها ففسقوا فيها..
***
فليعش الجنون ، وليعش الموت ، ولتعش جهنم!.
***
د محمد عباس
www.mohamadabbas.net
mohamadab47@yahoo.com
نعم.. نحن: - المسلمين والدولة - نظلم النصارى..
ونحن لا نتلاعب بالألفاظ.. ولا نمارس حيل التشويق ووسائل الإثارة .. ولا نضع في بداية المقال لغزا لا تأتي إجابته إلا في آخر سطر حتى نحتفظ بقارئ ملول في المصيدة.. بل نقولها منذ البداية على خطى شيخنا وفقيهنا وعلامتنا محمود شاكر أننا لا نسعى إلى قارئ لا يسعى إلينا ولا نحرص على من لا يحرص علينا.. وليس في الأمر أي كبرياء معاذ الله.. بل إننا نعاني ونكابد وننزف ونحن نكتب باحثين عن الحقيقة.. ومن يكابد ويعاني وينزف لا يدعو الناس لمشاركته.. فالناس يُدْعوْن إلى الولائم لا على التضحيات.. على المغانم لا المغارم..
ظُلمنا للنصارى إذن ليس لغزا.. لقد ظلمناهم حين لم نردهم عن ظلمهم..!!..
ظلمناهم حين لم نحمهم من قرناء السوء والشياطين وتركناهم نهبا لوسوسة شياطين المهجر وهم خونة وعملاء وطلائع "مارينز".. وهم لا يختلفون في شيء عن خونة العراق الذين دخلوها على ظهور الدبابات الأمريكية.. لا يختلفون عنهم في شيء إلا أن هؤلاء يزعمون أنهم نصارى وأولئك يزعمون أنهم مسلمون وما هم بنصارى ولا مسلمين بل كلاب مسعورة وخنازير مأجورة لتدمير أوطانهم لصالح الطامع الغربي الذي يروم احتلالها والسيطرة عليها. الطامع الغربي الذي لم يرث مسيحية روما بل وثنيتها. فلم تتنصّر روما إنما ترّومت الكنيسة.
تركنا جمهور النصارى نهبا لهم فظلمناهم.. وكانت الأنظمة الحاكمة الغبية التي لا ترى أبعد من كرسي الحكم ترى في الإسلام والمسلمين الخطر الأكبر القادر على إزاحتها وعلى التصدي للطامع الصليبي واليهودي فاتفقت مصلحة المحتل المحلي مع مصالح الطامع الأجنبي مع مصالح أقباط المهجر مع مصالح إخوان الشياطين من العلمانيين والشيوعيين وكان المسلمون هم الضحية الأولى ونصارى الداخل هم الضحية الثانية.. وقد كانت الدولة مسئولة عن هذا الظلم كله لكننا كمسلمين ساهمنا في ظلم نصارى الداخل حين لم نوضح لهم الحقائق بقوة وجلاء.
ظلمناهم حين تركناهم يصدقون أن التسامح ضعف وأن الكرم خضوع وأن الأريحية خنوع وأن المسلمين يقيدهم الدين –الإسلام- وليس استعانة أزلام المهجر بالغرب.
لقد فعلنا بهم ما يفعله الأب الضعيف بأحد أبنائه حين يتركه- تدليلا – يقع في حبائل الانحراف والغواية فيضيعه ويصعب عليه بعد ذلك إعادته للصراط القويم. إنه بهذا يدفع بابنه للهلاك.
***
إن العملية بالغة التعقيد والتركيب.. ونحن لا نريد أن نحرث في البحر ولا أن نعيد –للمرة الألف-تأكيد ما هو مؤكد.. ولا أن ننفي -للمرة المليون- ما هو منفي.. لأن الملاحظ أننا في ساحة ليس للكلمات فيها دور.. ولا للحجة نصيب.. فالغلبة للضجيج والكذب.. للادعاء الذي لا يقوم عليه دليل.. لتصدي أناس لا يتصور أبدا أنهم يمرغون كرامتهم وكرامة مناصبهم في الوحل فيكذبون.. لأجهزة إعلام ينطبق عليها المثل العربي:"رمتني بدائها وانسلت".. مع توضيح واحد هو أن الداء الذي رمتنا به هو الإيدز بل ما هو أخطر. بيد أننا في اقترابنا من القضية يجب أن نحدد عناصر ما نتحدث عنه.. وهو فسيفساء تحسبها من بعيد قطعة واحدة وكلما اقتربت فوجئت بتعدد القطع وتمايز الألوان.
***
العناصر التي تحدد لنا حدود وهيكل ما نتعرض له – وهي لا تعبر عن مصر وحدها – تنقسم في البداية إلى عنصرين: حكومة .. وأمة..
وأي حكومة يمكن أن تكون وطنية أو عميلة.. شرعية أو غير شرعية.. عادلة أو ظالمة.. مؤمنة أو كافرة.. مخلصة أو خائنة.. أمينة أم لصة.. منحازة للأمة بكل طوائفها.. أو منحازة لطائفة واحدة .. أو منحازة لنفسها فقط..
أما الأمة فهي كالنهر.. تيار رئيسي متدفق يمثل النهر ومياه آسنة على الشاطئ. والأمة تتشكل من فئات وطوائف تتوازن كالأواني المستطرقة.. كالنهر وفروعه.. التي تنبع منه أو تصب فيه..في توازن دقيق يحسبه الجاهل عشوائيا والكافر سدى.. فكلما كان التوازن مطابقا للواقع كان الأمر مستقرا وقابلا للاستمرار فإن بغت فئة على الأخرى تتآكل إمكانية الاستقرار وتتنامى احتمالات الانفجار.
إن ملاحظة سنن الله في الكون تجعلنا نلاحظ على الفور أن التدافع سنة من سنن الوجود.. وأن الفراغ ممنوع.. فإذا نشأ لسبب غير طبيعي سارع عامل آخر بالاستيلاء عليه.
إن هذه النظرية يعرفها تلاميذ المراحل التعليمية المتوسطة.. فمن الصورة البسيطة للأواني المستطرقة إلى تدافع الغازات في الجو إلى صراع الذرات عبر جدران الخلايا إلى قوانين حركة الجزئيات بل إلى المجرات.
هذه السنة الكونية لا تقتصر على الأشياء بل تشمل الأحياء أيضا. ذلك أن أي فراغ –بدءا من الأسرة وانتهاء بالقوى العظمى مرورا بالمجتمعات- لابد أن يتقدم من يسده ويملؤه.. فإذا كان الزوج ضعيفا -على سبيل المثال- فتخلى عن مكانته فإن الزوجة تتقدم على الفور لتشغل الفراغ.. بل إنه بين الإخوة في الأسرة الواحدة.. إذا كان أحد الإخوة ضعيفا وتخلى عن بعض حقوقه تقدم شقيقه على الفور ليستولي عليها- إلا من رحم الله-.
تستمر الأمور وتستقر إذا كان الضعف حقيقيا والقوة حقيقية والاتزان حقيقيا. فإذا كان الضعف مزيفا والقوة مصطنعة- كأن يلجأ أحد الإخوة إلى تقييد أخيه بالحيلة كي يستولي على حقوقه.. أو إذا ما استقوى بأجنبي على شقيقه.. أو خضع لغواية الأجنبي وتحريضه فانقلب على أخيه.. أو كان هناك من الأسرة من انحرف وفسد وجرفه عالم الإجرام فما عاد يبالي بتدمير أسرته وتحريض بعضها على بعضها رغبة في مكافأة من عدوه.. إن كان تدافع الأحداث قد نتج عن أي من ذلك فإن الأمر لا يستقر مهما طال.. والظالم لا يستمر مهما نال وصال.
***
أظن أن هذه الأمثلة البسيطة السابقة تلخص وتجسد ما يطلقون عليه الأزمة الطائفية في بلادنا. إنها ليست أزمة طائفية. بل جزء من الهجمة الصليبية الصهيونية علينا. ولشد ما هو محزن أن يستدرج إليها رفاقنا في الوطن الذين عايشونا ألفا وخمسمائة عام دون مشاكل حقيقية.. ثم جاء من يحرضهم علينا كي يتحرشوا بنا وكانوا هم البادئين دائما كما قال المحافظ القبطي مجدي أيوب. كانوا هم البادئين وكان على الدولة أن تردع لتقوّم.
ليست فتنة طائفية.. بما فيها حادث نجع حمادي الأخير والذي تبارى أسوأ من في الوطن:الشيوعيون والعلمانيون إلى التعبير عن شعورهم بالخجل كي يثبتوا التهمة على المسلمين والإسلام وصولا إلى حصار المسلمين والقضاء على الإسلام. إنهم أشبه الناس بالتوربيني.. هل تذكرونه.. ذلك المجرم الذي نشأ في الشارع وكان يغتصب أطفال الشوارع ويلقي بهم من فوق أسطح القطارات.. إنه بلا انتماء ولا أخلاق ولا مرجع ومعروض دائما للإيجار. تماما كالشيوعيين والعلمانيين!.
كانوا كداعرة تتنقب ليس للتوبة وإنما لتهرب المخدرات أو لتشوه صورة المنقبات.
قالوا أنهم خجلون مما حدث في نجع حمادي وأن أبناءهم لا يستطيعون رفع أعينهم في وجوه زملائهم النصارى في المدارس.
كانت الداعرة المنقبة ترمينا بدائها وتنسل..
ولكنني مسلم .. ولم أشعر بالخجل..!!
أحفادي في المدارس أيضا لم يشعر أي واحد منهم بأي خجل وكانوا ينظرون في أعين زملائهم النصارى بتعاطف حقيقي ويعزونهم.. هذا إذا لم يشغلهم اللعب والشجار عن التذكر.. وما حدث لي هو بالضبط ما حدث لزملائي و لأبناء زملائي وأحفادهم..
وفوق ذلك فإنني لم أقابل مسلما يشعر بأي خجل!!.
ذلك أن ما حدث لم يكن بيد أي إسلامي.. ولا يمثل أي مسلم.. ولم يقل به شرع الإسلام ولا فقهه.. وليس له علاقة بالإسلام ولا بالمسلمين.. فما يخجلنا إذن؟!.
ثم أن من المضحك.. وشر البلية ما يضحك.. أنه لو صدق الكذاب وأصاب الرويبضة.. وكان وراء ما حدث في نجع حمادي أو سواها من يطلقون عليهم أنهم جماعات إرهابية.. فإنه حتى هذه الجماعات لن تشعر بالخجل.. إذ كيف تشعر به وقد أنفذت ما تراه شرع الله!!
لم تقصد أبواق مسيلمة إذن أن تنطق صدقا وأن تشهد حقا وإنما قصدت أن تنافق سيدا حتى لو احترق البلد كله.
لم يخجل إذن أحد..
آخرون هم الذين كان يجب أن يخجلوا.. منهم مسئولون سياسيون.. ومنهم بعض النصارى.. ومنهم الأمن الذي انفصل عن مهامه الرئيسية في حماية الوطن والمسلمين والنصارى إلى حماية النظام. ولكن هذه الطريقة الغبية في حماية النظام ستؤدي ليس إلى انهيار النظام فقط .. بل إلى انهيار النظام والدولة وتشظي الأمة.
كنا نشعر بالحزن.. بالأسف.. لكننا لم نشعر بالخجل أبدا.. وكنت أنا شخصيا فوق الحزن والأسف أشعر بالغضب الشديد.. لأن ما حدث هو ما تنبأت به وحذرت منه منذ أعوام طويلة حين حذرت من أمرين حدث أولهما بالفعل: وهو أن الاستفزاز والابتزاز سيؤديان في النهاية إلى عمليات انتقام خارج إطار الدين لا تحركها إلا العصبية القبلية. أما الأمر الثاني وهو أخطر والحمد لله أنه لم يحدث بعد.. وهو أن رجال الأمن الذين تمرسوا منذ أكثر من نصف قرن على التنكيل بالمسلمين وتدنيس المساجد وإطلاق الرصاص فيها.. أولئك سيصلون إلى نقطة الفهم والعجز عن الاستمرار.. وسينضمون إلى فئة الذين ينتقمون جهلا.. أو إلى فئة الذين ينكل بهم ظلما.
نعم..
لماذا يشعر المسلمون بالخجل.. والجاني بلطجي ليس له بالدين علاقة-باعتراف الأنبا كيرلس- كما أنه تربية الحزب الوطني وبتشجيع النصارى كي يضربوا به الإخوان المسلمين والإسلاميين عموما.. فهل نشعر نحن المسلمين بالخجل عندما يحوّل هذا المجرم -الذي سلطوه علينا- سلاحه من صدورنا إلى صدورهم هم.. صدور من سلطوه وحموه ورعوه!!..
هل نحن الذين يجب أن نشعر بالخجل؟!..
أستطيع أن أجزم أن من شعروا بالخجل (كمّونيون) وليسوا مسلمين.. وأستطيع أن أؤكد أن أحدا منهم لم يركع لله ركعة..إنهم يشبهون الكموني وينتمون إليه وهم مثله لذلك خجلوا من فعلته.. إنهم مثله.. حتى لو كان اسمهم منى الشاذلي أو معتز أو هناء أو حتى سلامة أحمد سلامة!.
***
لكننا نريد أن نضع بعض المحاذير الهامة حتى لا نضل. فوسط عمليات التغريب والتغييب ينزف الوعي وتضيع الحقائق. لكننا ننبه القارئ هنا أننا سنتكلم على مستويين: مستوى التيار الرئيسي الصالح الذي يمثل الغالبية ومستوى الانحرافات والشذوذ.. وهناك فرق بين أخطاء الممارسة في الحياة اليومية وبين خطايا الخيانة المدبرة سلفا مع سبق الإصرار والترصد.
من هذه المحاذير أن وسائل الإعلام لم تعد مهتمة بإظهار الحقائق أو بنشر الأخبار. بل هي تصنع الأخبار بل تصطنعها. تزيفها. وهي أخبار مدفوعة الثمن. ومن مردوخ إلى ساويرس تشترى الأقلام وتضيع الحقيقة. ومنها أن مستوي ممارسي الكذب ارتفع من السوقة والدهماء إلى حملة التيجان وأصحاب الصولجان. تماما كما يحدث في لعبة الشطرنج حين ينكشف الملك فيقوم بدور الجنود.
المحذور الثاني أن تعداد النصارى في مصر أقل من 5,5% وأن من يدعي رقما أعلى من هذا كذاب أشر أيا كان منصبه ووضعه. وهو كذاب يعرف أنه كذاب، وكلما ازداد حجمه كبر إثمه. فلا يمكن –على سبيل المثال أن يصدق أحد أن الرئيس مبارك أو محمد حسنين هيكل أو البابا شنودة لا يعرفون نسبة عدد النصارى. لقد كرر الرئيس النسبة التي ذكرها كلينتون ونحن نعتب عليه، لأن كلينتون صليبي ذو غرض وهوى ومن مصلحته أن يكذب-وبالطبع لا يوجد أي افتراض لكونه يجهل الحقيقة- أما البابا شنودة فقد زاد علي النسبة التي ذكرها كلينتون. ولكن محمد حسنين هيكل قفز قفزة بهلوانية جديرة به وبتاريخه فقد أراد أن يجامل كل الأطراف التي يراها عندما قال أن عدد النصارى في مصر يتراوح ما بين 10- 15%.. هيكل.. الذي يعرف عدد النمل والأبراص والسحالي في شقوق الأرض والجلادين في السجن الحربي وعدد الشهداء في الحروب والسجون وعدد من دفنوا أحياء في سيناء يذكر رقما نسبة الخطأ تقارب 50%. أما الخمسة في المائة التي تفصل ما بين الـ 10% والـ 15% فهي تشكل أربعة ملايين نسمة. لقد جامل الجميع ما عدا المسلمين فهو لا يراهم.. تماما كما لا يرى الأمريكي الأبيض الهنود الحمر.. ذلك أن مجرد رؤيته لهم دليل على إجرامه.
والسؤال هنا لماذا يكذبون؟
لا أريد أن أكرر ما هو معلوم بالضرورة عند كل مسلم أن النسبة لا تعنى لنا شيئا وأن من قتل نفسا واحدة فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا –في تكريم للفرد وحفظ لحقوق الإنسان لم يحفل التاريخ بمثله- وأن تلك هي المعادلة التي تحكمنا في الحقوق والواجبات لكن السؤال يبقي: لماذا يكذبون وهم يعلمون أنهم يكذبون.
لن نتطرق الآن إلى الكتب الوحيدة في العالم الذي تأمر بقتل الأطفال والنساء والشيوخ والبهائم وبشق بطون الحوامل وقتل الأجنة في بطون أمهاتهم .
***
المحذور الثالث: لماذا يعتبر عدد النصارى ونسبتهم سرا عسكريا؟ من الذي يمنع إعلان عددهم؟ ولمصلحة من؟ هل المسلمون هم الذين يمنعون؟ وهل يستطيعون؟ ولماذا لم يقلب أقباط المهجر العالم علينا كما يقلبونه من أجل أشياء أتفه بكثير بل من أجل أكاذيب سافرة وغالبا فاجرة لكنهم لم يحاولوا أبدا أن يطلبوا –مثلا- من الأمم المتحدة إجراء هذا التعداد.. أو حتى أن يقوموا به بأنفسهم.. أما الإجابة فلأنهم يعلمون أن أي تعداد سيفضح أكاذيبهم ويثبت أن عددهم أقل من 5,5%. والأكثر من ذلك أن باحثا قبطيا أثبت أنهم يتناقصون بالهجرة والإسلام وتنبأ أنهم سينقرضون تماما في نهاية هذا القرن.
المحذور الرابع: هو ذلك المدى الفج الذي بلغوه من محاولتهم أن نغير ثوابتنا ومنها القرآن. محاولة مضحكة تلوى فيها أعناق الحقائق لمنع المسلمين من وصف النصارى بالكفر والعكس ليس صحيحا لأن كفر المسلمين لديهم من البديهيات. فهم يمنعون التكفير في اتجاه واحد ويسمحون به للاتجاه الآخر.
بينما الكفر اتجاه طبيعي جدا.. وعلى سبيل المثال فإنني أول الكافرين بالطاغوت وبالتعذيب وبالتزوير وبالتوريث وبالهجمة الصليبية الصهيونية علينا بينما أومن بالمقاومة والجهاد والاستشهاد..
كل إنسان على ظهر الأرض إذن لابد أن يكون مؤمنا بأشياء وكافرا بأشياء.
وعلى سبيل المثال فإنه لا يصح دين مسلم يؤمن بأن الله ثالث ثلاثة كما لا يصح إسلام من لا يكفر بالطاغوت.
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)المائدة
لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256).
المحذور الخامس: أن الناس في أي فئة ليسوا كتلة متجانسة بل يجمعون بين المتناقضات. سوف تجد هذا الأمر في المسلمين كما في النصارى. كما أن الفئات الفرعية من هذا وذاك تحتوي على نفس ألوان الطيف. وعلى سبيل المثال فإن فكر الدكتور رفيق حبيب – النصراني- أرقى عندي بكثير وأصح من آراء كثير من المسلمين بل أصح من آراء شيخ الأزهر. كما أنني في تقييمه أظنه أقرب إلى الله من كثير ممن يزعمون الإسلام وليسوا بمسلمين. لكننا نقرر في الجانب الآخر أنه برغم يقيننا من أن أقباط المهجر من أخس وأفجر الناس في التاريخ وأكثرهم كذبا وخيانة.. إلا أن بعضهم على الأقل قد يكون معذورا بجهله.
المحذور السادس : لو أن جبارا أو طاغوتا جاء وسد مجرى النيل فماذا سيحدث؟ لن يتوقف النيل عن الجريان ولن يتوقف الماء عن السريان. لكنه بدلا من أن يسير في مجراه الطبيعي الهادئ يحمل الخصب والنماء، فإنه بعد سد مجراه سيفيض على الشطآن ليدمر ويهدم ويخرب ويجتاح.. وبعد أن يفقد قواه وتنكسر اندفاعته وينهد.. لا يسلم منه إلا ما يتسرب في باطن الأرض.. أما الباقي فإنه يتجمع في برك ومستنقعات حيث يأسن الماء ويتعفن.. وتنشأ الحشرات والطفيليات والملاريا والأفاعي والأدغال حيث ترتع الوحوش. وتعوم الجيف النافقة. إن سد نهر النيل هو المعادل لسد مجرى التدفق الطبيعي لحركة المجتمع. وهكذا فإن سد المجرى الطبيعي للمجتمع المسلم – شاملا النصارى كحضارة وثقافة- قد أدى إلى التشرذم والتشظي والعفن والبرك والجيف النافقة.
على أنه لابد أن نلاحظ – وهذه جملة اعتراضية هامة- أنه حتى في حالة استمرار النيل في مجراه الطبيعي فإن التيار المتدفق الذي يمثل النهر لا يشمل المجرى كله.. لأن الماء بجوار الشواطئ يركد ويأسن ويحمل الجيف وينشر المرض.. الفرق بين النهر الجاري والنهر الذي سد مجراه هو فرق كمي. وهو الفرق بين استثناء يثبت القاعدة وبين قاعدة انهارت تماما وتركت مكانها للاستثناء والشذوذ.
إنني أقصد بهذا أن جيفة على شاطئ النهر لا تلوثه. - تماما كما لا يلوث مجتمع النصارى قبطي من أقباط المهجر أو بلطجي على علاقة مريبة بالأنبا ونائب الشعب معا بالإضافة للحزب: وظيفته الرئيسية التي اتفق عليها محور الشر الثلاثي هي ترويع المسلمين ومنع الناخبين من الوصول إلى صناديق الانتخاب وإسقاط المرشح المسلم. أما وظائفه الأخرى فتتراوح ما بين البلطجة وفرض الإتاوات واتهامات بالشذوذ وتجارة الآثار والعلاقة به على أي حال مشينة. وعندما يختلف اللصوص وينتقم المجرم الأجير لنفسه فإن محور الشر لا يتورع عن اتهام المسلمين بأنهم وراء الحادث. وتلك الجيف النتنة الناطقة من أقباط المهجر تعتبر ذلك عدوانا من المسلمين على النصارى!.
المحذور السابع: وهو تأصيل نظري للحد السادس. وهذا التأصيل يحل لنا بعض المعضلات.. لأنه يفسر لنا كيف يكون الرجل أمامنا كبيرا ومحترما ثم يكذب كذبا لا يليق به. أما التفسير فهو قابع في علم النفس الجماعي والاجتماعي وفي سيكلوجية الجمهور. فالفرد يتصرف منفردا بطريقة مغايرة لتصرفه وسط الجمهور. ولقد عرف علماء النفس العقل الجمعي بأنه (الاستجابة غير العقلانية لما تردده الجماعة) فهو انقياد الفرد لما تردده الجماعة وانخراطه معها في افكارها حتى وان كانت تخريبية . و العقل الجمعي يتضمن ..
1- عدم المبالاة بالعواقب
2-عدم الإحساس بالمسئولية
3- ينجر إلى غريزته من دون أن تكون له قدرة الضبط لانفعالاته
يقول - غوستاف لوبون- في كتابه" سيكلوجية الجماهير-1895": (إن الفرد مختلف عن الجمهور، لكنه يتغير وينسى نفسه وقيمه الخاصة حينما ينخرط في الجمهور وينصهر فيهم)، (إنهم – أي الجمهور – مُنقادون بصورة غريبة إلى مثل هذا الفعل، ولو أخذنا أحدهم واستبعدناه من دائرة الحماس الجماهيري وسألناه عن تصرفه فسوف ينكره تماما ويقر بأنه عمل أرعن لا يقوم به العقلاء)، يرى لوبون أن هناك “روحا للجماهير” تتكون من الانفعالات البدائية التي تتكرس عبر العقائد الإيمانية، مما يجعلها بعيدة عن التفكير العقلاني والمنطقي، بحيث يبدو الشخص المنخرط في جمهور مستعدا لتنفيذ أعمال استثنائية يصعب أن يكون لديه الاستعداد للقيام بها لو كان في حالته الفردية والمتعقلة. يلخص لوبون نظريته حول الجمهور بجملة مسائل تتناوله بصفته ظاهرة اجتماعية، تفسر عملية التحريض التي يخضع لها بأنها عملية انحلال الأفراد في الجمهور والذوبان الكلي فيه. من هنا يمكن تفسير الدور الذي يلعبه القائد في تحريك الجماهير حيث يقوم بالدور إياه الذي يقوم به التنويم المغناطيسي، على غرار ما يقوم به الطبيب النفسي في علاجه لمريضه. أثبتت معاينة الحركات الجماهيرية وقائع عدة في مقدمها أن هذا الجمهور يمتلك وحدة ذهنية، ويتحرك بشكل لا واع.
***
وهنا أعود إلى ما بدأت به من أننا ظلمنا النصارى.. لقد تركناهم نهبا لقيادات غوغائية عميلة وخائنة تسلبهم أخلاقيات الأفراد وتدفعهم إلى سلوك الجمهور أو القطيع.
يرى لوبون أن للجماهير خصائص تميزها عن الأفراد، فإن مجرد تحول الأفراد جمهوراً يزودهم نوعاً من الروح الجماعية تجعلهم يحسون ويتحركون بطريقة مختلفة تماما عن الطريقة التي كان سيحس بها ويفكر كل فرد منهم لو كان معزولا”. في حالة الجمهور تتلاشى الشخصية الواعية للفرد وتصبح شخصيته اللاواعية في حالة من الهياج، ويخضع الجميع لقوة التحريض وتصيبهم عدوى انفلات العواطف، بحيث تلغى شخصية الفرد المستقل ويصبح عبارة عن إنسان آلي ابتعدت إرادته عن القدرة على قيادته.
***
إن دور أقباط المهجر-الذين يتحركون بمخطط دقيق لأوكار المخابرات التي درست لوبون وفرويد وأوجست كونت و دوركهايم وغيرهم - هو تحريض نصارى الداخل.. ويعرف المهجريون جيدا خصائص الجماهير، من سرعة انفعالها وخفتها، فالجمهور يقوده اللاوعي كليا تقريبا، فهو عبد للتحريضات التي يتلقاها، والجمهور كالإنسان الهمجي لا يعبأ بأي عقبة تقف بين رغبته وتحقيق هذه الرغبة. والجمهور سريع التأثر وساذج في الوقت نفسه وقابل لتصديق كل شيء، وهو “يشرد باستمرار على حدود اللاشعور ويتلقى بطيبة خاطر كل الاقتراحات والأوامر”، كما يمتلئ الجمهور بنوع من المشاعر الخاصة بكائنات لا تستطيع الاحتكام إلى العقل. ويصبحون –ذلك الجمهور- مجيشين بقوة عنيفة وعابرة، ولكن هائلة”.
***
يواصل لوبون كما لو كان يصف دور أقباط المهجر وردود أفعال النصارى فيقول: وتتميز الجماهير أيضا بالتعصب والاستبدادية والنزعة المحافظة، وهو أمر ناجم عن كونها لا تعرف سوى العواطف البسيطة والمتطرفة، مما يجعلها تقبل الأفكار والعقائد أو ترفضها دفعة واحدة. والجماهير غير مهيأة لاحترام النزعات الأخلاقية لكونها صاحبة نزوات وغرائز شديدة الهيجان.
أليس هذا ما حدث في دير أبو فانا حينما تبادل الرهبان إطلاق الرصاص مع الأعراب. وكان الطرفان لصوصا للأراضي.
المحذور الثامن: أننا ضد أي اعتداء على النصارى ليس لمجرد الحفاظ على الوحدة الوطنية بل لأن ديننا يأمرنا بذلك: وحين حاول السلطان سليم الأول أن يعرض على رعاياه المسيحيين اختيار أمرين لا ثالث لهما، إما اعتناق الإسلام وإما القتل، وقف له شيخ الإسلام وأصدر فتوى تمنعه من التعرض للمسيحيين وتعطيهم الحق في ممارسة شعائرهم بحرية كاملة، وأن تتكفل الدولة بالمحافظة على أرواحهم وممتلكاتهم، ما دام سلوكهم العام لا تشوبه شائبة. بل ووصل الأمر إلى تهديد السلطان بالعزل. ونفس الأمر حدث عندما فكر فيه الخديوي. فالإسلام إذن هو الذي يحمي النصارى.
المحذور التاسع: أن الكثيرين جدا في درجة مذهلة من "الاستهبال" يتصرفون كما لو كان محمد أنور السادات هو الذي أدخل الإسلام-والوهابية والحجاب والنقاب – إلى مصر. ويعودون إلى ذلك التاريخ كبداية للفتنة الطائفية. ويتجاهلون أن البابا شنودة جاء في نفس الوقت. جاء يحمل معه خطة قديمة للانقلاب على تراث الكنيسة المصرية وعلى مصر كأمة ووطن ودين. وأنه رأس مجلس الكنائس العالمي الذي يتفق الأقباط والعلمانيون على علاقته الوثيقة بالمخابرات الأمريكية (وربما كانت علاقة السادات وشنودة بالمخابرات الأمريكية هي التي قربت بينهما في البداية).
المحذور العاشر: أن النصارى في بلادنا يعتبرون أن تطبيق القانون عليهم ظلم لا يطاق واستفزاز لا يغتفر ويعتبرون أنفسهم فوق القانون.
يقول كرومر:"
"فالأقباط يرون أن تطبيق العدالة يعني الظلم لهم، ويعتقدون ولو بطريقة لا شعورية بأن الظلم وعدم محاباة الأقباط هي ألفاظ مترادفة "
***
المحذور الحادي: يتعلق بادعاءات الحظر على بناء الكنائس. إن نسبة الكنائس إلى النصارى أعلى من نسبة المساجد للمسلمين، فحسب التقرير الاستراتيجي للأهرام لسنة 1999 ، فإن هناك كنيسة لكل سبعة عشر ألف قبطي ، بالمقابل هناك مسجد لكل ثمانية عشرألف مسلم.. ولاحظوا أن معدل بناء الكنائس تضاعف بعد ذلك وأن النسبة ازدادت اختلالا.
لم يكن الأمر أبدا يتعلق بحرية العبادة فلم يتدخل أحد ضد نصراني يصلي في بيته ولا حتى مجموعة من النصارى وإنما كان ضد تحويل المنازل إلى كنائس .. ليست بيوتا لله بل قلاع خيانة يجهر أقباط المهجر بهدفهم منها.. تغيير وجه مصر من الإسلام إلى النصرانية وطرد المسلمين منها. قلاع خيانة سوف يُطلق الرصاص منها على الآمنين للاستيلاء على الأرض تماما كما فعل الرجل الأبيض في أمريكا واستراليا وكما فعل اليهود في فلسطين بل وكما فعل رهبان دير أبو فانا في مصر.
إن هناك مليار دولار على الأقل تضخ في مصر كل عام لبناء الكنائس وتنصير المسلمين. فثمة تمويل لا سقف له للنصارى.. وثمة رغبة في أن يكسو الطابع النصراني وجه مصر.. حتى أنهم يدفعون لبعض المتنصرين خمسين ألف جنيه كمرتب شهري مع وعود بحل جميع المشاكل.. وقد كان أحد المتنصرين في الأسابيع الأخيرة سعوديا أغرقوه بالمال وبوعد العلاج في الخارج ..
وثمة أمر للنصارى بالتحرش بالمسلمين.. وثمة تعليمات بإشعال النار وكلما انطفأت أوقدوها.. وثمة تخطيط لكي يكون في كل قرية كنيسة وأمام كل مسجد كنيسة ليكون في كل قرية معركة وأمام كل مسجد معركة وعندما يصل الأمر إلى هذا المحذور فسوف يستنجدون بالأمم المتحدة والبند السابع وقوات المارينز.. وساعتها سيكون حضورها منطقيا تماما لوقف المذابح.. وستقسم القرى والشوارع طبقا لمواقع المساجد والكنائس.
إن المسألة تتحول بهذا الفهم إلى مسألة أمن قومي ولأن كنائس اليوم قلاع الغد ودشم سلاحه.. تماما كما فعل يعقوب اللعين بقصوره عندما نصب فيها المدافع لتقصف المسلمين في أحياء القاهرة.
***
المحذور الثاني عشر: إننا –كمسلمين- أول من يدعو إلى إصدار قانون العبادة الموحد فأعظم ما يطمح إليه المسلمون أن تتساوى المساجد مع الكنائس في كل شيء. نطالب بقانون من مادة واحدة فقط: هي التساوي المطلق في العدد والمساحة المخصصة لكل نسمة وكذلك في أوقات العمل وفي حصانة الداخل ضد الأمن بحيث تكون النتيجة: عدد الأمتار المربعة المتاحة لكل مسلم أو نصراني في الساعة. لكن القانون المطروح والمطلوب إصداره هو قانون مجرم أوعز به مجرم. إنه يتحدث عن عناصر تكلفة مادية عالية لاستخراج تصاريح البناء. وهي تكلفة سوف تعجز المسلمين لكن مليارات التنصير العالمية ستتدفق لكي تغرق البلاد في الكنائس. موجز القانون :إن كنت تملك المال فاصنع ما تشاء. إن قانون العبادة الموحد بصورته الحالية هو قانون إذعان وهو استمرار لمحاولات الإذلال التي يمارسها أقباط المهجر وامتداداتهم في الداخل لتتعامل مع الشعب المصري المسلم كما تتعامل إسرائيل مع الفلسطينيين و أمريكا مع العراقيين.. وهي محاولة إذلال لن يوقفها الاستسلام أبدا.. فبعد كل استسلام سيكون المطلوب استسلاما أكبر وبعد كل إذلال سيكون المطلوب ذلا أشد..
ولقد فهمت الآن سبب تردد الحكومة في إصداره.. إنه الخوف من رد فعل المسلمين.. إن الحكومة التي انحازت للنصارى في كل شيء وظلمت المسلمين في كل شيء لا تتورع أن تكمل انحيازها للنصارى بإصدار قانون دور العبادة الموحد لكنهم يخشون رد فعل المسلمين.
لقد سمع القراء عن القانون لكن هل قرأ أحد بنوده؟ إنهم يعتّمون عليه.. لأنهم يدركون أنه فاجر كفعل فاضح في شوارع الوطن.
***
مذهل في قدرتهم على ليّ أعناق الحقائق. لأن من يسمع طلب النصارى بالمساواة سوف يتخيل أنهم يطالبون بأن يظفروا بما يوازي نسبتهم العددية. لكن المتابع للأمر سوف يستغرق وقتا طويلا جدا كي يفهم.. وسيكذب نفسه أكثر من مرة متهما ذكاءه وإدراكه.. لكنه سيفهم الوضع في النهاية بلا لبس. فهم يقصدون بالمساواة أن يظفر الخمسة والنصف في المائة بما يحصل عليه الأربعة وتسعون ونصف في المائة. أنا واثق أن القارئ لم يستوعب بعد ما قرأه على الفور. ولذلك أعيده بطريقة أخرى. إنهم يريدون أن يظفر أربعة ملايين ونصف-على الأكثر- من النصارى بـ 50% من كل شيء وأن يحظي الخمسة وسبعون ونصف مليون مسلم بالـ 50% الأخرى!.. 50% في كل شيء حتى في رئاسة الجمهورية!.
وليت الأمر يقتصر على ذلك أو ينتهي عنده. فقد تكرر الأمر بحذافيره أيام كرومر. عندما تجاوزوا نسبة الخمسين في المائة في بعض القطاعات ومنها وزارة الداخلية حيث بلغ تعداد النصارى في موظفيها أكثر من الثلثين.. لكنهم طلبوا المزيد فاعترض كرومر وحذرهم من العواقب فاحتجوا واتهموه باضطهادهم مطالبين ألا تكون النسبة هي المعيار بل الكفاءة حتى لو استولوا على الوظائف كلها.
***
سوف نفترض جدليا أن النسبة التي ذكرها البابا شنودة لعدد الأقباط في مصر وهي 12% من مجموع السكان نسبة صحيحة (وهي بالقطع غير صحيحة.. بل هي أكثر من ضعف الرقم الصحيح.) فلنفترض –للمجاملة وليس للمداهنة أن نسبتهم 12%.
إن هذه النسبة تمتلك ما بين 40% في التقديرات الحكومية (وعلي لسان وزيرة القوي العاملة المصرية عائشة عبد الهادي) إلى 60% في التقديرات الأهلية من ثروة مصر القومية، كما أن ثلاثة من أقباط مصر علي لائحة أغني أغنياء العالم ، في حين خلت القائمة من أي مصري مسلم.
وبالنسبة للعمل فإن نسبة التوظف للنصارى أعلى بكثير لأن أصحاب الأعمال النصارى ينحازون تماما لأبناء عقيدتهم. خاصة وأنهم يسيطرون على نصف الاقتصاد
إن مركز ابن خلدون وهو مركز موال للأقباط ومدافع عنهم يؤكد هذه الأرقام ويذكر أن الأقباط يمتلكون 23% من الشركات التي تأسست في عهد الرئيس الراحل أنور السادات (عام 1974) وإلى عهد الرئيس مبارك عام 1995، ويمتلكون 20% من شركات المقاولات في مصر و 50% من المكاتب الاستشارية و 60% من الصيدليات و45% من العيادات الخاصة و35 % من عضوية الغرفة التجارية الأمريكية والألمانية و60% من عضوية غرفة التجارة الفرنسية و20% من رجال الأعمال المصريين و 20% من وظائف المديرين بقطاعات النشاط الاقتصادي المصري و شركات المحمول في مصر و25% من المستثمرين في أكتوبر والعاشر من رمضان و18% من الوظائف المالية المصرية و25% من المهن ذات المكانة الاجتماعية كالأطباء والمهندسين والصيادلة!
ولنلاحظ أن المصادر التي تناولت ثروة الأقباط في مصر، كانت "فوربس" الأمريكية و"أرابيان بيزنس" ومركز ابن خلدون..
***
من حقي إذا بعد هذا الاستعراض أن أسأل بني قومنا النصارى الذين أوصانا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أي تمثيل نسبي و أي حقوق يطالبون بها؟..
إنهم يحصلون بالفعل على أكثر من حقوقهم بكثير في بحر من سماحة إسلامية بلا حدود..
أم أنهم يستقوون بالأجنبي ليحصلوا على باقي حقوق المسلمين..
و إلى أي مدى يبلغ هذا الاستقواء..
هل يبلغ إلى مدى الاستعمار الكامل لمصر..
ويجب أن نعترف أنهم حصلوا في عهود الاستعمار على مزايا تتجاوز عددهم بصورة فاجرة.. فهل يحن بعضهم إلى أيام الاستعمار؟..
دعونا نعود إلى الدكتور محمد مورو في كتابه الشهير:
"يا أقباط مصر انتبهوا" حيث يستشهد بالسير ألدون جورست المعتمد البريطاني في تقريره المرفوع إلى حكومته بتاريخ 10 مايو 1911 والذي يلقى الضوء على محاولات بعض المتطرفين الأقباط إثارة الخواطر بدعوى أن الأقباط في مصر لا يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون المسلمون قال جورست:
إن المسلمين يؤلفون 92% من مجموع السكان ويمثل الأقباط أكثر قليلا من 6% (...) لهذا فإن فكرة معاملة قطاع من سكان البلاد كطائفة مستقلة في نظري يمثل سياسة خطأ سوف تكون في النهاية مخربة لمصالح الأقباط. إن شكوى عدم تطبيق العدالة مثلا في التعيين في الوظائف الحكومية تنقصه الإحصاءات التي تبين أن الأقباط يشغلون نسبة من الوظائف العامة تزيد بكثير عن نسبة قوتهم العددية التي تسمح لهم بذلك (...) إن جملة العاملين بوزارات الحكومة بلغت 17596 منهم 9514 من المسلمين أي بنسبة 54.69% و 8208 من الأقباط أي بنسبة 45.71% بينما في بعض الوزارات ترتفع هذه النسبة أكثر بكثير.. فوزارة الداخلية وإداراتها المحلية تضم 6224 موظفا منهم37.7% من المسلمين والباقي من الأقباط(بنسبة الثلث من المسلمين والثلثين من المسيحيين.. وفي وزارة الداخلية بالذات!!)..
من هذا يتبين أن الأقباط يمثلون في الجهاز الحكومي من حيث العدد والمرتبات نسبة لا تتكافأ مطلقا مع نسبتهم العددية. .. إنني لا أقر مطلقا في ضوء مصالح الأقباط أنفسهم أن أشجع أي نظام من شأنه أن يحدث انشقاقا بين الطوائف المسلمة والقبطية لأنه ليس في صالح الطائفة القبطية .
أي تمثيل نسبي و أي حقوق إذن؟..
النسب السابقة لم نوردها نحن ولم ندعيها.. لقد سجلها المندوب السامي البريطاني ووجهها إلى حكومته في عام 1911 وهو مسيحي وليس مسلما!! .
وعلينا أن نلاحظ هنا أن الأقباط الذين كانوا وما يزالون يتمتعون بنسبة من الثروة والوظائف والمهن تفوق عشرة أضعاف نسبتهم العددية ، لم يقنعوا بهذا ، إنهم يريدون أكثر، لكن إلى أي حد؟!.. لم يقولوا حينها ولكن بعضهم يقولونها الآن: يريدون كل شيء!! إلى حد طرد المسلمين من مصر!! لأن المسلمين أتباع دين بدوي وافد!!.. وكأنما الأديان محلية، وكأن الإنجيل نُزّل على خوفو أو كأنما عبد الله المسيح عيسى ابن مريم قد أرسل إلى مصر، ولماذا هم مسيحيون إذن وقد أرسل عبد الله سيدنا عيسى في فلسطين؟! لماذا والمسيحية دين وافد أيضا.. لماذا إذا كانوا فراعنة لم يبقوا وثنيين يعبدون رع أو حتى ست؟! .. لماذا يمارسون طريقة الساقطات من النساء في الإسقاط والاستهانة برعي الغنم وبالبدو وهم يقصدون بذلك العرب والصحابة عليهم رضوان الله وسلامه؟.. ألم يرع كل الأنبياء الغنم حتى اعتبر رعي الغنم من خصائص وعلامات النبوة؟.. في كلمة واحدة لعبدة الشيطان : ألم يرع عبدا الله موسى وعيسى عليهما السلام الغنم؟؟.
يقول الدكتور محمد عمارة أن الأرقام - التي لا تكذب ولا تجامل - تعلن أن الأقلية القبطية - التي لا تتعدى الثلاثة ملايين- هي الحاكمة الفعلية في المجتمع المصري- الذي يزيد تعداده على الستين مليونا!!- فهم يملكون ويمثلون:
22.5% من الشركات التي تأسست بين عامي 1974م و 1995م !.
- و 20% من شركات المقاولات في مصر..
- و 50% من المكاتب الاستشارية..
- و 60% من الصيدليات..
- و 45% من العيادات الطبية الخاصة..
- و35% من عضوية غرفة التجارة الأمريكية.. وغرفة التجارة الألمانية..
- و 60% من عضوية غرفة الجارة الفرنسية (منتدى رجال الأعمال المصريين والفرنسيين.
- و 20% من رجال الأعمال المصريين..
- و 20% من وظائف المديرين بقطاعات النشاط الاقتصادي بمصر..
- وأكثر من 20% من المستثمرين في مدينتي السادات والعاشر من رمضان..
- و 15.9% من وظائف وزارة المالية المصرية.
- و 25% من المهن الممتازة والمتميزة- الصيادلة والأطباء والمهندسين والمحامين.. والبيطريين..
أي أن 5.9% من سكان مصر- الأقباط - يملكون ما يتراوح بين 35% و40% من ثروة مصر وامتيازاتها؟!....
فأي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..
***
والآن دعونا نلمس سريعا بعض ما قيل عن البابا شنودة باختصار شديد.
في تقرير لمجلس الشعب المصري أعدته لجنة فرعية مكونة من محمد رشوان وكيل المجلس وكل من حافظ بدوي، محمد محجوب، كمال هنري أبادير، كامل ليلة، ألبرت برسوم سلامة، مختار هاني، كمال الشاذلي، إبراهيم شكري، ألفت كامل، إبراهيم عوارة.
جاء فيه: "تأكد للجنة أن بعض المتطرفين من القيادات المسيحية وبعض المتعصبين من رجال الكنيسة قد حاولوا تضخيم بعض الأحداث الفردية، وتصويرها في صورة صراع ديني، وأنها اضطهاد للأقباط، بل ووصل الأمر إلى حد افتعال بعض الأحداث وإلصاق التهمة بالمسلمين بهدف إذكاء نار الفتنة، (...) فتحولت بعض الكنائس إلى منابر لنشر الشائعات الكاذبة وبثّ روح الفرقة بين المسلمين والمسيحيين. وتسجل اللجنة أسفها مما لديها من قرائن ودلائل على أن بعض القيادات الكنسية، ومنها رأس الكنيسة - شنودة - دأبوا على التشكيك، وأنهم تمادوا في مسلكهم وأوعزوا بطبع منشورات وتسجيلات عن الأحداث دونما تمحيص، وأوعزوا بنشرها في المجلات الصادرة بالداخل والخارج، وأن البابا شنودة يريد أن تقيم الكنيسة من نفسها دولة داخل الدولة".
والجميع يذكر أن شنودة نفسه هو الذي أصدرت هيئة مفوضي الدولة قرارها ضده وفيه:
"إن البابا خيَّب الآمال وتنكَّب عن الطريق المستقيم الذي تُمْلِيه عليه قوانين البلاد، واتخذ الدين ستارًا يخفي أطماعًا سياسية- كل أقباط مصر منها براء- وإنه يجاهر بتلك الأطماع واضعًا بديلاً له، بحرًا من الدماء تغرق فيها البلاد من أقصاها إلى أقصاها، باذلاً قصارى جهده في دفع عجلة الفتنة بأقصى سرعة وعلى غير هدى في أرجاء البلاد، غير عابئ بوطن يؤويه ودولة تحميه، وبذلك يكون قد خرج من ردائه الذي خلعه عليه أقباط مصر".
والجميع يعلم أن شنودة هو الذي أدخل الكنيسة القبطية إلى مجلس الكنائس العالمي وهو حظيرة أمريكية بامتياز يقول عنها هيكل في كتابه خريف الغضب: "إن مجلس الكنائس العالمي يعكس دون أدنى شك رغبة جهات أمريكية معينة في أن يقوم الدين بدور رئيس في الصراع، وإن التحقيقات التي جرت في الكونجرس أثبتت أن مجلس الكنائس العالمي كان من الجهات التي حصلت على مساعدات ضخمة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية".
ويقول عنه الكاتب القبطي المعروف الدكتور وليم سليمان قلادة في كتابه (الكنيسة المصرية تواجه الاستعمار والصهيونية): "إن دعوة مجلس الكنائس العالمي تتجه في صراحة تامة إلى ضرورة تدخل الكنائس داخل البلاد المستقلة حديثًا في سياسة بلادها، وابتداع لاهوتية جديدة لتبرير هذا الاتجاه تقول بأن نشاط الدولة في كل نواحيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو تحت سلطان الله، ولا بد للكنائس من أن تُبدي رأيها في هذا النشاط، ولا بد من الاستعانة بخبرة الكنائس الغربية حتى يكون اتجاه الكنيسة داخل الدولة المستقلة حديثًا متفقًا مع اتجاه الكنائس المسيحية في الغرب".
ألم أقل لكم في بداية المقال أنه لا توجد فتنة طائفية بل يوجد مؤامرة تدنس بها أقباط المهجر ويحزننا تورط بعض رؤوس الكنيسة في الداخل فيها.
مؤامرة.. والنصارى هم الذين يتحرشون بالمسلمين.. وبالوطن.. وبالتاريخ..
***
ما يطلق عليه الفتنة الطائفية إذن لم تبدأ بالسادات بل بالبابا شنودة. ولو رجعنا إلى التاريخ نيفا وعشرين عاما سندرك أن الأمر كان مدروسا ومخططا.
أسألكم يا قراء وأنا أدين حكومة وأجهزة بلادي:
لو أن عشر هذه الاتهامات التي وجهت إلى البابا شنودة كانت قد وجهت إلى مسلم .. ماذا كانوا سيفعلون به؟ وهل كانوا سيقتصرون عليه؟ أم سينكلون بمائة ألف حوله؟.
أسألكم يا قراء وأنا أدين حكومة وأجهزة بلادي:
لو أن مسلمين في الخارج صنعوا 1% مما يفعله أقباط المهجر.. ماذا كانوا سيفعلون بهم؟ كم حكما بالإعدام كانوا سينالون..؟ كم سحبا للجنسية يكون؟ كم مطاردة وكم متابعة؟ وهل كان سيستقيل القادم منهم سياط الجلادين وكلاب تنهشه أو باقات الرياحين ورئيس وزراء يقابله..
ولا أريد أن أزيد الأحزان بالشهيدة وفاء قسطنطين ورفيقاتها..
رحم الله شهداءنا المسلمين..
رحم الله من قتلوا غدرا وغيلة ولم يدافع عنهم أحد..
رحم الله من أعدموا ظلما وعدوانا..
ولا تنسوا أبدا أن هؤلاء ضحوا بأنفسهم في سبيل دينهم وأمتهم ووطنهم.. وأولئك ليس عندهم مانع من تحطيم وطنهم وأمتهم في سبيل الشيطان.
***
هل تريدون نموذجا للمذابح الطائفية حقا؟
انظروا إلى مجزرة جوس عاصمة ولاية بلاتو في وسط نيجيريا.. لقد هاجم النصارى المسلمين الذين كانوا يبنون مسجدا هدمه النصارى قبل ذلك. كان عدد قتلى المسلمين في المجزرة يتراوح بين 350 و 400 مسلم وحوالي 20 طفل وتشريد أكثر من عشرة آلاف من السكان.
يقول الشيخ إبراهيم صالح الحسيني مفتي نيجريا ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية أن تعداد السكان في نيجيريا يبلغ 200 مليون نسمة يشكل المسلمون 70% من التعداد ورغم أن الغالبية من سكان نيجيريا مسلمون إلا أن هناك سيطرة مسيحية خصوصاً في المجالات السياسية والاقتصادية، حتى إن رئاسة الجمهورية حالياً (2005) يشغلها مسيحي وهو الرئيس أوليسجو أوباسانجو، وهو أول مسيحي يحكم نيجيريا منذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1960، حيث قتل كل من أعاق توطيد العلاقات مع إسرائيل.. وقد واكب تولي الرئيس المسيحي للدولة المسلمة ضغوط دولية متعددة من أجل نقل السلطة إلى غير المسلمين ثم مورست ضد المسلمين أبشع مظاهر التهميش، وتم هضم حقوقهم السياسية المعروفة، وتم استبدال المسلمين الذين يشغلون مناصب مهمة في الجيش والشرطة والبحرية والسلك الدبلوماسي بمسيحيين ووثنيين. ولقد بلغ التمييز الطائفي أن بلدا يبلغ تعداد المسلمون فيه أكثر من 70% يكون الرئيس فيه مسيحيا و16 وزيرا فقط مسلمين من بين 42 وزيرا. في التعليم هناك يقتصر الاهتمام على مدارس التنصيريين، فجميع المدارس العربية في نيجيريا غير معتبرة لا شهاداتها ولا تعليمها من المراحل الابتدائية والإعدادية إلى الجامعية، فمن حمل شهادات هذه المدارس سواء من داخل نيجيريا أو من خارجها فلا يعتبر ولا يجد الوظيفة الحكومية. وليس للمسلمين صوت، لأن جميع مراكز الإعلام بأيدي المسيحيين، فلا يوجد في نيجيريا مطبعة للمسلمين ولا مركز إعلامي ولا مجلة تنطق باسمهم في حين يوجد مئات للمسيحيين، ويستخدمون هذه الإمكانات لنشر النصرانية وتشويه صورة الإسلام والمسلمين ولنشر أكاذيب وأباطيل عنهم. ويسيطر النصارى على جميع الشركات والمؤسسات المالية الحكومية في جنوب نيجيريا، أما الشركات الغربية فهم الموظفون فيها وشرط حصول أي مسلم على وظيفة فيها هو أن يتنصر، وجميع البنوك الحكومية وغير الحكومية يسيطر النصارى عليها تماما. وهم المسيطرون على كل وسائل الإعلام وجميع الجرائد والمجلات . وقد سيطروا أيضا على جميع المناصب العليا في المؤسسات العسكرية الحكومية وعلى وزارة الدفاع النيجيرية. وقد استغل النصارى الظرف السائد فجمعوا الأسلحة واحتفظوا بها في الكنائس بعلم جهاز المخابرات النيجيري وفى علم الحكومة الفيدرالية.
هكذا يكون التمييز حقا وتكون الفتنة الطائفية حقا!
لكن الأخطر أن هذه هي المساواة التي يطالب بها أقباط المهجر.
نعم.. هذا هو نوع المساواة الذي يطالب به أقباط المهجر ويندفع الآن خلفهم –بسبب ضعف الدولة الرخوة- نصارى الداخل الذين بدءوا يتخلون عن ذواتهم ويتصرفون بسيكلوجية الجمهور.
***
ترى كم هي نسبة الأقباط في الأمية وفي سكنى المقابر وفي البطالة وفي المعتقلات وفي المقتولين من التعذيب؟؟.. وكم نسبتهم في الجامعات.. كم نسبتهم في أصحاب البلايين وكم نسبتهم في أصحاب الملايين..
كم نسبتهم..
كم نسبة سكان القبور وسكان القصور من المسلمين والنصارى؟.
***
ثم..هل من حق المسلمين أن يطالبوا حكوماتهم بمساواة المساجد بالكنائس، وجعلها قلاعا لا يعرف أحد ماذا يجري فيها، وبتمكين كل مسجد من إنشاء فرقته المسرحية و إصدار صحيفته!!.. بل قد يفكر البعض بأن العدل يقتضي باعتماد نسبة المسيحيين التي يقولونها هم بألسنتهم.. ليكون لهم في المعتقلات دون محاكمة ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف.. و أن يعدم منهم – بأحكام عسكرية – عشرون أو ثلاثون.. و أن ينكل بهم ويعذبوا كما ينكل بالمسلمين!!..أو بأن تفتح الكنائس قبل الصلاة بخمس دقائق وتغلق بعدها بخمس دقائق .. تحت رعاية مباحث أمن الشيطان.
أما عن تمثيلهم في المجالس النيابية فلماذا لا يعرضون أنفسهم على الناس؟.. لماذا لا يتقدمون للترشيح؟.. لماذا يقتصر جهدهم على لطم الخدود وشق الجيوب لأن الحزب الوطني لا يرشحهم على قوائمه، والحزب الوطني لا يرشحهم لأنهم ساقطو الأهلية، وسوف يفقد الحزب المقعد الذي يرشحهم عليه، كما أنهم يعلمون أن نواب الحزب ينجحون في الأغلب الأعم بالتزوير. لقد كان نواب الأقباط ينجحون بأصوات المسلمين عندما كانوا يدافعون عن الأمة والوطن والشرف والكرامة.. بل إنني أذكر أن نصرانيا في إحدى الدوائر فاز على شيخ الأزهر.. وفي بعض الدوائر التي فاز فيها نصارى لم يكن بالدائرة نصراني واحد! كانوا يدافعون عن بلادهم وأمتهم بل وعن المسيحية الأرثوذكسية أيضا.. لكن.. بعد أن انضموا إلى أمريكا و إسرائيل.. فكيف ينتخبهم الناس بعد أن خرجوا على إجماع الأمة وخانوها في لحظة حرجة من لحظات التاريخ لن تنسى لهم أبدا.... و أظن الوقت الذي سيبدءون دفع الثمن فيها قد اقترب إن لم يكن قد بدأ بالفعل....
نعم.. بعد هذا كله أصبح من الصعب جدا إن لم يكن من المستحيل أن يحصلوا على أصوات المسلمين.. بل ولا على أصوات المسيحيين الشرفاء أيضا.
***
أي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..
والمسلمون يتمنون المساواة بالأقباط على كافة المستويات..
أما الأمل في أن تتساوى الأقليات الإسلامية في العالم بمثل ما تتمتع به الأقلية القبطية في مصر فيبدو مستحيلا..
***
من حقي أن أسأل بني وطننا من النصارى الذين أوصانا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أي تمثيل نسبي و أي حقوق؟..
أسأل البابا شنودة أي حقوق مهضومة لهم وأي مظالم مدعاة تقع عليهم..
وليذكر لي البابا أو أي واحد من الأقباط أقلية مدللة كما يدلل الأقباط في مصر..
بل هاتوا لي أقلية مسلمة تتمتع بمعشار ما يتمتع به الأقباط في مصر..
.... تكملة
يبلغ عدد المسلمين في الهند مائة مليون ( 15% من السكان) يذبحون ويحرقون أو يغرقون أحياء وينكل بهم أيما تنكيل..
وفي الصين يبلغ عدد المسلمين 120 مليونا (11% من السكان) .ينالون حقهم الكامل من السحق والتذويب رغم أن نسبة عددهم تصل إلى ضعف نسبة عدد الأقباط في مصر..
وفي روسيا حوالي أربعين مليونا من المسلمين (20% من السكان) ينكل بهم منذ ثلاثة قرون على الأقل.. سحقوا وحرموا من ممارسة أي شعيرة من شعائر دينهم وكان القتل نصيب من يكتشفون أنه ما يزال مسلما.. نعم.. عانى المسلمون في روسيا من شتى صنوف التعذيب والاضطهاد ومنعوا من إقامة الصلاة والصيام والحج والزكاة حتى الكتب الدينية والمصاحف لم تسلم من الروس فمنعوا طباعتها، وتم إنشاء مدارس لتلقين أصول الإلحاد وخلق جيل إسلامي لا يعرف عن الدين شيئا وانتشرت الكتب والمجلات التي تشوه صورة الإسلام والمسلمين.
***
نعم.. كان عدد المسلمين داخل ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي أربعون مليونا، ويلاحظ أن عدد الولايات أو الأقاليم الستة عشرة منها ستة أقاليم يمثل المسلمون فيها أكثرية تبلغ في بعضها 95% وبالطبع تلاشت هذه الأكثرية وتحولت إلى أقلية; فألغيت المحاكم الشرعية في المناطق الإسلامية عام 1926م، ومنعت الأنشطة الإدارية الدينية واشتدت حملات الإرهاب الشرسة ضد المسلمين فاعتقل ابتداء من عام 1928م أكثر من مليون ونصف المليون من المسلمين، وفي عام 1929م أغلقوا وهدموا أكثر من عشرة آلاف مسجد، وأكثر من أربعة عشر ألف من المدارس الإسلامية. واتبعت الشيوعية أساليب ترجو من ورائها إذابة المسلمين وتمييع كيانهم، وكان لمحنة الأقليات المسلمة في الإتحاد السوفيتي أبعاداً ذات خطورة لا يتصورها عقل بشري وخاصة ونحن في القرن العشرين; حيث هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، ولجنة حقوق الإنسان والقانون الدولي العام.
فهل فعل المسلمون في النصارى ذلك يا نيافة البابا شنودة؟!
***
في بلغاريا يتم إجبار المسلمين على تغيير أسمائهم..
دعنا من أسبانيا.. فلم يعد فيها أية أقلية مسلمة.. أبيد الجميع أو طردوا بعد أن سُرقوا ونكل بهم..
وفي كل من بورما و الفليبين يبلغ عدد المسلمين 6% وفي البرازيل 11% وفي الغابون 5% وفي جبل طارق 8% وفي رواندا 14% وفي رومانيا 20% وفي فرنسا 7% وفي الفليبين 14% وفي زامبيا 15% وفي زيمبابوي 15% وفي الولايات المتحدة الأمريكية 3,5% (حوالي عشرة ملايين) وفي ليسوتو 10% وفي فيجي 11% وفي بنما 4% وفي غويانا 15% وفي يوغسلافيا (صربيا) 19% وفي سيريلانكا 9% وفي منغوليا 5.6% وفي بتسوانا 5% وفي السويد 3.6% وفي سويسرا 4.5% وفي ناميبيا 5% وفي نيبال 4% وفي النمسا 5% وفي النيجر وفي ترينداد وتوباغو 12% وفي جورجيا 11% وفي أنجولا 25% وفي أندونيسيا 88% وفي أوزبكستان 88% وفي أوغندا 36% وفي إيران 99% وفي باكستان 97% وفي البحرين 100% وفي الإمارات 96% وفي أثيوبيا 65% وفي إريتريا 80% وفي أفغانستان 99% وفي جمهورية أفريقيا الوسطى 55%وفي ألبانيا 80% وفي الإمارات 96% وفي بروناي 67% وفي بريطانيا 5,1% وفي بلجيكا 4% وفي بلغاريا 35% وفي بنجلاديش 83% وفي بينين 20% وفي وفي بوركينوفاسو 50%وفي بوروندي 20% وفي البوسنة والهرسك 43% وفي تركمانستان 87% وفي تركيا 99,8% وفي تشاد 65% وفي تنزانيا 65% وفي توغو 55% وفي تونس 98% وفي الجزائر 99% وجزر القمر 98% وفي جيبوتي 94% وفي ساحل العاج 60% وفي السعودية 100% وفي سنغافورة 25% وفي السنغال 95% وفي سوازيلاند 10% وفي السودان 85% وفي سوريا 90% وفي سورينام 25% وفي سيراليون 65% وفي الصحراء الغربية 100% وفي الصومال 100% وفي طاجكستان 85% وفي عمان 100% وفي العراق 97% وفي غامبيا 90% وفي غانا 30% وفي غينيا 95% وفي غينيا الاستوائية 25% وفي غينيا بيساو 70% وفي فلسطين المحتلة قبل 67: 12% وفي غزة والضفة 85% وفي قازاقستان 51% وفي قبرص 33% وفي قرقزستان 76% وفي قطر 100% وفي الكونغو 15% وفي الكويت 89% وفي الكاميرون 55% وفي كينيا 29.5% وفي لبنان 70% وفي ليبيريا 30% وفي ليبيا 100% وفي مالطا 14% وفي المالديف 100% وفي مالي 90% وفي ماليزيا 52% وفي المجر 6% وفي مدغشقر 20% وفي مصر 94% وفي المغرب 99% وفي مقدونيا 40% وفي ملاوي 35% وفي موريتانيا 100% وفي موريشيوس20% وفي موزمبيق 29% 91% وفي نيجيريا 75% وفي اليمن 99%. (بتلخيص شديد وتصرف عن: جمعان بن عبد الله الغامدي)..
أسأل البابا شنودة و أي قبطي مصري هل يتمتع المسلمون في أي من هذه البلاد بما يتمتع به الأقباط في مصر مع أن النسبة في كثير منها أضعاف نسبة النصارى في مصر..
بل لقد بلغ الأمر أن هناك بلادا كالحبشة يصل تعداد المسلمين فيها إلى 65% من تعداد السكان محرومون من حقوقهم السياسية حرماناً كاملاً، لا وزير لهم في الحكم، ولا رجل في منصب حيوي. ولا يدرس لأبنائهم الإسلام في مدارس الدولة التي يشرف عليها النصارى، ولا يتاح لهم أن يفتحوا مدارس لتعليم أبنائهم القرآن والدين.
وفي فرنسا، قلب الحضارة الغربية، تقوم دعوة متزايدة تنادي بطرد المسلمين من فرنسا، وارتكب أصحاب تلك الدعوة أعمالا وحشية، فألقت بخمسة من المسلمين من قطار "المترو" أحياء، أثناء سير القطار، فقتلوا على التو. وتهاجم مظاهراتهم المسلمين - والنساء المحجبات خاصة - في طرقات باريس، مدينة النور، وإحدى كبريات عواصم "العالم الحر"! هذا والمسلمون في فرنسا هم الأغلبية الثانية بعد النصارى، ويبلغ عددهم خمسة أو ستة ملايين.
ليعطنا البابا شنودة المثل الذي يريدنا أن نحتذيه..
ليختر أي أقلية في هذا العالم المترامي الأطراف ويقول لنا: عاملونا مثل هؤلاء!!..
***
أسأل البابا شنودة ألا يخشى من النار التي يشعلها رعاياه في الداخل والخارج؟!..
أسأله ألا يخشى أن ينفد صبر المسلمين الذي يبدو فعلا بل حدود..
أسأله ألا يخشى أن رد الفعل لا يكون دائما من علماء يلتزمون بقواعد الشرع، بل ربما يأتي من عامة الناس غضبا لدينهم واحتجاجا على تحريض مجرم من أقباط المهجر استقبله أفراد كانوا عاقلين جدا لكنهم أصبحوا جمهورا فانطبق عليهم ما قاله "لوبون"..
هل يتصور البابا ماذا يمكن أن يحدث لو أن الجمهور المسلم استجاب للاستفزاز وتصرف كجمهور وليس كأفراد؟
هل يتصور مدى المذبحة..
***
من أجل ذلك كله وبعده كله أقول أننا مسئولون عن عدم عقاب أقباط المهجر كمجرمين بالخيانة العظمى كي نوقف تأثيرهم الضار على نصارى الداخل.. وأن يشعر نصارى الداخل أنهم ليسوا فوق القانون..
إن الدولة التي تركت المجرمين وقطاع الطرق يرتعون ويمرحون في الدخيلة ونجع حمادي وغيرها من الأوكار قد أساءت إلى هؤلاء المجرمين وأوردتهم موارد التهلكة (والكموني واحد من هؤلاء ربما لو رُدِعَ لارتدع).
إني أتهم الدولة بالإساءة البالغة إلى النصارى.. وبظلمهم .. لكنها ليست بالإساءة التي يتوهمونها.. وإنما على العكس تماما تماما.. كالأب الذي يترك ابنه ويفسده بتدليله ونفاقه وعدم عقابه حتى تتكاثر جرائمه وتقوده إلى حبل المشنقة..
***
نعم أكرر اعترافي بأننا ظلمنا النصارى..
ظلمنا النصارى حين راحت أجهزة الدولة تحابيهم على حساب المسلمين وتحجب الحقائق عن الأمة لأن إعلانها سيفجر الوضع المأساوي للمسلمين وقدر الاضطهاد الذي يتعرضون له مقارنة بالنصارى..
ظلمنا النصارى حين راحت أجهزة الدولة تحابي العلمانيين على المسلمين والكفار على المؤمنين والمرتدين على القابضين على الجمر وغير المتدينين على المتدينين مما أعطى الجميع انطباعا خاطئا أن الأغلبية هي الفئة الخارجة على الإجماع.
ظلمنا النصارى حين تكفلت أجهزة الدولة بحماية رواد الحانات وتهديد رواد المساجد.. بمحاباة السكارى ووضع المعتكفين على قوائم الاشتباه..
ظلمنا النصارى حين أصبحت كلمة نصراني تعني نوعا من الحصانة كحصانة مجلس الشعب.. فبمجرد أن يعلن النصراني عن دينه لا تمتهن كرامته ولا يقبض عليه للاشتباه ولا ينكل به في أقسام الشرطة ولا يضرب على قفاه بل ويحاذرون حسابه على أخطائه وجرائمه خوفا من تدخل الكنيسة واستفحال الأمر.
ظلمنا النصارى حين حسمت أجهزة الدولة اختيارها فحالفت أعداءها ضد أمتها وتاريخها ودينها.. بل إنها تبدو كما لو أنها تبنت دون أن تعلن رأي بعض الأقباط في استثناء المسلمين من حقوق المواطنة .. وفي وجوب تجريدهم من الجنسية وطردهم إلى الحجاز!
ظلمنا النصارى حين تركت الدولة بعض النصارى يرتكبون الجرائم فلا تجرؤ الدولة على مواجهتهم وفي الوقت نفسه تنسب تلك الجرائم أو مثلها للمسلمين وتعاقبهم عليها.. كالتنظيم الدولي والتمويل الدولي والميليشيات المسلحة وتخزين السلاح.
ظلمنا النصارى حين قامت الدولة بتجنيد آلتها الإعلامية الجبارة للدفاع عن النصارى مهما بلغت جرائم بعضهم وتشويه المسلمين مهما كانت براءتهم.
ظلمنا النصارى حين قام جهاز الأمن الباطش الجبار ليحاصر المسلمين وليضيق عليهم وليحاربهم وليجامل النصارى ويغمض عينه عنهم ويترك لهم الحبل على غاربه حتى أصبح أقل من 6% هم عدد النصارى يملكون أكثر من 40 - 60% من ثروة البلاد.. وتذكروا أن مطلبهم في مقعد رئيس الجمهورية ليس لاستفزاز الغالبية المسلمة ولا وفاء لحقوق الإنسان وإنما لأنهم يرون أنهم هم أصحاب البلاد وأن المسلمين "غزاة" آن أوان تحرير البلاد منهم.
ظلمنا النصارى حين راح الطاغوت يدمر روح الأمة. ويقضي على مقاييس الحق والعدل والخير والجمال، ويدمر مكارم الأخلاق، وينشر بين قومه أبشع ما في البشر من جرائم وأخس ما فيهم من صفات.
إن الطاغوت يقف دائما ضد الأغلبية ويستعمل الأقليات كي يضرب بها الأغلبية لأنه يتوجس دائما أن تهديد استمرار حكمه بل وتوريثه يأتي من ناحيتها.. كما أن بعض الأقليات كي تعوض ضعفها كثيرا ما تتحالف مع الأجنبي ومع أعداء البلاد..وباستقواء الحاكم بهم فإنه يستقوي بحلفائهم: أعداء أمته ووطنه ودينه.. وبهذا قام الطاغوت بإلاستقواء بالنصارى مقابل مكاسب قريبة وخراب بعيد
لقد رأت الدولة أن الإسلام هو الخطر الأكبر الكفيل بمقاومة ظلمها وطغيانها وإزاحتها من على عرش الطغيان والجماجم والظلم والجرائم فجعلت منه عدوها الرئيسي ومن أعدائه حلفاءها.. نعم.. الدولة المسلمة تحالفت مع اليهود والنصارى والعلمانيين-وهم ألعن- ضد الإسلام والمسلمين.
***
إني اتهم الدولة بأنها عندما يرتكب النصارى الجرائم تتهم بها المسلمين. ألم يوجهوا اتهام الإفك إلى ما سموه الميليشيات المسلحة للإخوان. وكانت الميليشيات عند النصارى.. وكان التمويل الدولي للنصارى وللتنصير حديث العالم واعترافات النصارى أنفسهم لكن الدولة الخائرة العاجزة الخائفة وجهت الاتهام إلى الإخوان المسلمين وصادرت حر مالهم ودمرت شركاتهم وأغمضت عيونها عن التمويل الحقيقي. وكان كل ذلك يصب لمصلحة النصارى وضد مصلحة المسلمين. وكان ساويرس يدعم الجنوب المسيحي في السودان للانفصال حيث سيكون عدوا لمصر وكان خيرت الشاطر يدعم أهلنا في غزة فانظروا كيف ومن عاقبت الدولة ومن كرمت.
***
شر البلية ما يضحك..
فإليكم شر البلية: تقول النكتة (ولنؤكد أن زمنها ليس الآن) أن كبير القبط جلس مع السلطان ليعتذر له عن تطرف بعض النصارى ومطالبتهم بجواز أن يكون السلطان نصرانيا.. وقال:
- لقد قلت لهم يا سيدي السلطان أن هذه البلد بأغلبيتها المسلمة لا يمكن أن يحكمها نصراني..
- لكنه فوجئ بالسلطان يقول له:
- ولا مسلم أيضا.. لا يمكن أن يحكمها مسلم.ٍ
***
هل قلت لكم أنها نكتة؟!..
آسف..
ليست نكتة!!
د محمد عباس
***
حاشية
معرض الكتاب
في معرض الكتاب كان بعض الرفاق غاضبين. كان الحضور النصراني في المعرض صارخا وزاعقا وسوقيا ومبتذلا.. كان الواضح فيه أن هناك أمرا أعلى ليس لمجرد الدعوة بالتنصير وإنما بالتحرش. كوني ملتحيا فقد جوبهت بنظرات الاستنكار والريبة أثناء مروري في الصالة. والحقيقة أنني لم أكن غاضبا.. بل كنت أغالب ضحكي. وكنت أرتل:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) الأنفال
قلت للرفاق: الناس هنا أربعة: نصراني لا يتأثر لأنه نصراني أصلا.. ومسلم سيقابل التنصير بالسخرية.. وشاك جاد وهذا لا يلزمه أن يعرف كثيرا عن الإسلام.. لكنه بمجرد أن يطلع على القليل من النصرانية الحالية سيختار الإسلام على الفور. فالفرق بين هذا وذاك كالفرق بين "عربة كارو"و"سفينة فضاء".
يبقى الصنف الرابع من الصعاليك والمتشردين والباحثين عن المال بأي ثمن والهاربين من أحكام جنائية وهؤلاء هم الذين يمكن أن يتنصروا اليوم وأن يتهودوا غدا ويتمجسوا بعد غد. وهؤلاء لا يجب أن يحرص عليهم أحد. فليهنئوا بهم!.
لم يكن الأمر سيختلف ولا الدهشة ستزيد لو قابلني في صالة أخرى من صالات المعرض من يدعوني إلى عبادة البقرة.. أو زوجها: العجل أبيس!.
الحقيقة أنني لم أكن مزدريا بل كنت مشفقا على القائمين بحملة التنصير بكل همة.. لكنني وأعترف كنت شامتا ومحتقرا لقياداتهم التي أصدرت لهم الأمر بالتحرش. فرد الفعل عكسي تماما.
فهل أهرب من الجنة إلى جهنم؟!
محمد مهدي عاكف- حبيب - أبو الفتوح- السيد عسكر-الجدار العازل
***
جاءت النذر و انتشر الخبر بعد انتفاء الحذر والجرأة على القدر حيث لم يعد من ولاة أمورنا من يزدجر أو يعتبر فبرق البصر في الدنيا قبل الآخرة فانفجر طوفان الدموع..
كان السؤال مفاجئا كزلزال أو بركان أو انهيار جبل أو كطعنة خنجر..
لم يبدأ صغيرا ليكبر وينمو..
ولم يتصاعد كحوار حتى يكمل موقفا ويتم حكاية.
انفجر الخيال في لحظة فكان في تجسده لا يقل عن الواقع هولا..
فرأيتني في الجنة بعد أن اجتزت العقبات بالمعجزة والرحمة ومغفرة بقدر رحموته لا بقدر عجزي وجرمي وانقضى مخاض هول الحساب واجتزت الصراط ودخلت الجنة يتأجج داخلي شوق كذا مليار عام لرؤية سيدي وحبيبي ومولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فرأيت كأنني أراه.. وسمعته بأذن الخيال يقول لي بعد أن ازورّ عني:
- ماذا فعلت لنصرة بيت المقدس؟.. ماذا فعلت لمنع الحصار عن غزة هاشم..
ثم جاءني الصوت اللائم الغاضب المعاتب:
- وماذا فعلت لمنع بناء السور الفولاذي؟..
فتساقط لحم وجهي وغاض دمي.. ولم أحر جوابا ففوجئت بطوفان دموع.. ووليت فرارا وثمة صوت تردد صداه الأرجاء :
- ماذا أحدثتم من بعدي..
وكنت أروم الفرار فواجهني طيف كأنه لسيدنا عمر بن الخطاب :
- ماذا فعلتم بفلسطين.. ماذا فعلتم بوديعتي التي أودعتكموها..
وأمعنت في الفرار فرأيت أربعمائة شهيد صرخوا :"من يبايعنا على الموت".. وعلى أيديهم تحرر بيت المقدس من الرومان..
كان على رأسهم عكرمة بن أبي جهل..
ابن الطاغوت المجرم أصبح شهيدا فكيف تحول أبناء الشهداء إلى طواغيت ومجرمين.
***
جاءت النذر فبرق البصر فانفجر طوفان الدموع..
كان الجدار العازل في رفح سيخا محمى انغرس في القلب وقنبلة انفجرت رأيت على لهيبها الكفر والنفاق والشقاق والإيمان والاستشهاد.. ورأيت من خلال دخانها الألم والأشلاء والجوع والحرمان والحصار والشقيق يجفو شقيقه ويبر عدوه.. رأيت إسرائيل صديقة بل ونتحالف معها ضد فلسطين.. فسحقا لهذا الهوان الفاجر حتى لو كان ثمنا لملك الدنيا وما فيها وليس مجرد وراثة عرش.
تهاطلت الذكريات فانصدع قلبي..
كم مائة ألف فلسطيني استشهد أو جرح أو عذب واعتقل؟
وكيف أجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يسألني عنهم حتى وإن أفلتّ من يوم الدينونة صارخا"واسوأتاه وإن غفرت!".
تذكرت القسام وأحمد يسن والرنتيسي..
تذكرت الشقاقي وعياش..
تذكرت محمد الدرة وإيمان حجو..
تذكرت هدى غالية على شاطئ غزة والمشهد المروع لمصرع أسرتها وهي في نزهة بريئة بائسة على شاطئ البحر. قصفتها إسرائيل من البحر. ماتت الأسرة واختلطت الأشلاء فانطلقت الصرخات الرهيبة الدامية المروعة من ابنة الأسرة التي نجت من القصف: هدى غالية والتي حملت ألما سيظل ينوء به كاهل البشرية و إدانة تصم بالعار التاريخ الإنساني منذ قابيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..
هل تذكرون الطفلة هدى غالية وهي تصرخ أباها الممزقة أشلاؤه: بــــــــابــــــااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااه..
فكيف أجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يسألني عنها؟..
أأقول له نجت بمعجزة من إسرائيل فقتلناها جوعا بالجدار العازل؟!
***
كان الجدار العازل موضوع شجار لا حوار في مجلس الشعب..
سأنقل لكم بعض ما جرى.. لن أستعين بأي مصدر إسلامي وإنما أستعين بمواقع تتراوح اتجاهاتها ما بين العمالة الصريحة والعلمانية القبيحة.. أما أكثرها طهرا فهي لا تخفي عداوتها العميقة للإخوان المسلمين. أستعين بصحف مثل المصري اليوم والشروق واليوم السابع والمصريون.. أنقل عنها:
بدأت المشاجرات بمبادرة من النائب حازم حمادي عضو الحزب الوطني، الذي حاول التشويش على نواب الإخوان أثناء عرض طلبات إحاطتهم حول الجدار العازل. وتطور الموقف عقب محاولة نواب الوطني، وهم بدر القاضي وجمالات رافع وحسن نشأت القصاص مؤازرة زميلهم حمادي في عملية التشويش، وما أن حاول الشيخ سيد عسكر عضو كتلة الإخوان الاستشهاد بأحد الأحاديث النبوية حتى قامت الدنيا ولم تقعد فصرخ القصاص في الشيخ الجليل "أنا أشرف منك يا خاين يا ابن الكلب يا بتاع حماس".
ثم استكمل سبابه قائلا: "دى وساخة وقلة أدب" ثم أخذ النائب بدر القاضي عضو الحزب الوطني يكيل السباب إلى نواب الإخوان، وقال لهم لو مسكتوش هاضربكم بالجزمة".
وقال القاضي: "ولاد الوسخة.."، مشيراً إلى حركة حماس في غزة، فقاطعه نواب "الإخوان" احتجاجاً على سب الحركة، فسارع النائب إلى سب الدين للنواب.
وعقب اعتراض النواب وجه حديثه إليهم قائلا: "يا أولاد دين(...) هنطلع دين (...) يا إخوان يا كفرة إحنا هنبني الجدار واللي هيتكلم هنطلع (...) أمه" وهنعمل الجدار وهنكهربه.
***
جاءت النذر و انتفى الإخفاء و الحذر فتجرءوا على الله والدين والقدر حيث لم يعد من ولاة أمورنا من يزدجر أو يعتبر ..
سلو الشاة مقارنة بهذا النوع من البشر طيب وطهور..أما الروث فما أزكاه وما أطيبه إزاء نتنهم.
هل تريدون معرفة ما هو أسوأ؟..
من يوافق عليه.. وعلى السابق عليه واللاحق له.. ويغمض عينيه عن تحريض أبي جهل.
الأسوأ شيخ أزهري يخون ومجمع إسلامي يهون.. وفكر يبور حين يشهد بالزور.
أكاد أتعجل الآخرة متمنيا أن يخسف القمر ويجمع الشمس والقمر .. كلا لا وزر.. إلى ربك يومئذ المستقر .. ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر.
***
لم يكن ما حدث هو الأفدح ولا الأجل ولا الأذل لكن ألمه كان هائلا.. كالإصبع الذي تهشم وانسحق فلو مسه بعد ذلك لامس كانت اللمسة مؤلمة كالضربة الأولى التي حطمته وربما أشد. أو كضربة خفيفة على علامة جرح غائر نتج عن ضربة سوط لما يندمل فيكون ألمها أشد من الضربة الأولى..
برق البصر..
اختلط الحاضر والماضي والمستقبل فلم أصطبر..
كأنما أرى بعين الخيال عقبة ابن أبي معيط يضع قدمه على عنق الشيخ سيد عسكر فيكاد يخنقه ثم يلقي بالروث على كتفه فيزداد الشيخ طهرا وسموا ويزداد عقبة دنسا ودنوا..(وجل الرسول صلى الله عليه وسلم أن نشبه به أحدا).
كنت أعلم أنه لم يفعلها وحده..
وكنت أكاد أرى أبا جهل يحرضه ويكافئه على فجره.. تماما كما كافأ القمني على كفره. وتماما كما غض الطرف عمن يسبون دين الله ويعاقب من يدافعون عنه.
***
عام 69.. ومصر بالنكسة المروعة طريحة وجريحة وتحاول أن تنهض ومدكور أبو العز يستقطر المستحيل كي يخطو الطيران الكسيح أول خطواته وإذا بالأمر الجهول يأتي بفصل مجموعة من أكفأ الطيارين.. فيذهب إلى جمال عبد الناصر غاضبا محتجا صارخا فالطيار المتميز يستغرق أعواما لتدريبه وتفوق تكاليفه ثمن الطائرة نفسها فضلا عن أن الطائرة إذا فقدت يمكن تعويضها في أيام بينما الطيار لا يمكن تعويضه إلا بعد أعوام. وواجهه عبد الناصر بما ظن أن يفحمه بهم:
- ألا تعلم.. إنهم من الإخوان المسلمين..
وواجهه مدكور أبو العز صارخا أنه لا يهمه ذلك لكن ما يهمه أنهم أكفأ الطيارين لديه.. فواصل عبد الناصر:
- إذن أنت لا تعرف الإخوان.. إنهم ألعن من اليهود.
كان أبو جهل هناك.. وما يزال هنا.
***
نعم.. أؤكد لكم.. كنت أرى أبا جهل..
وكنت أرى أيضا بعين الخيال اللواء حازم الحمادي-مباحث أمن دولة- يعذب بلالا وبدر القاضي يطعن سمية وحسن نشأت يقتل عمار ابن ياسر وحمالة الحطب تهجو مذمما ..
كان عقبة ابن القصاص يترصد الشيخ الجليل وأراني أنافح عنه:
- أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله.. أتقتلون رجلا يدافع عن ديننا ودمنا وعرضنا .. ويحاول حماية أهلنا في غزة من الذئاب والكلاب؟..
ووجدتني أهتف:
- اللهم أحصهم عددا ومزقهم بددا.. اللهم عاقبهم بعكس ما قصدوا إليه.. اللهم اجعلهم عبرة وعاقبهم كما عاقبت يزيد الذي استحل –بالتوريث- ملكا عضودا دنسا لما يزل وأنهى خلافة طاهرة توشك بإذن الله أن تعود.. وعاقبهم يا رب كما عاقبت مسلم بن عقبة. لقد فعل يزيد ومسلم ما فعلاه طمعا في الدنيا فعاقبهما الله بقصف عمريهما. دفعا الثمن ولم يجنيا الثمار وأدعو الله أن يكونا ذهبا إلى النار. واللهم سلط كلابك على كلابك واحم أولياءك. اللهم إنا نعلم أن بعضهم نكل بأوليائك كي لا تلاحق السلطة جرائم سرقاته فنكل بهم يا رب.
- ***
برق البصر..
كنت أريد أن أكتب عن أشياء كثيرة لكن طوفان الألم أطاح بكل ما كنت أريد أن أكتب فيه..
كنت أريد أن أحيي المرشد الأستاذ محمد مهدي عاكف على موقف جليل هو به جدير عندما أصر على عدم التجديد ليضرب مثلا سامقا لا يدانيه فيه سياسي.. ضرب المثل فصفع كل المنافقين الذين يزعمون أن إصرارهم على عداوة المسلمين إنما هو بسبب حرصهم على الديمقراطية.. كما صفع كل الذين التصقوا بمواقعهم ويأبون تركها.
كنت أريد أن أقول للدكتور محمد حبيب أنه حبيب إلى قلوبنا وقد غص قلبي لعدم استمراره لكني أناشده ألا يشق الإجماع حتى لو رأى أنه على حق فإنما رأيه صواب يحتمل الخطأ.
وكنت أريد أن أهنئ الدكتور عصام العريان وأناشده أن يأخذ حذره.
وكنت أريد أن أهنئ الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح بعدم نجاح ما كان أعداء الله يستدرجونه له فقد نجاه الله من الابتلاء والفتنة فإن أولئك الذين يؤيدونه من العلمانيين لا يقتربون من الإسلام فيه بل يريدون أن يبتعدوا به عن الإسلام معهم. ولقد كاد يركن إليهم قليلا. وأنا واحد من الناس أختلف معه كثيرا لكنني أدرك شجاعته وصدقه وتدينه ونبله.. ولكن: هل أمن هو أن يفتن. ويكفى أن أحيله إلى نعتهم إياه بالإصلاحي أو التنويري.. فالمصطلحان عندهم لا يعنيان ما نفهمه.. ولعلى أذكره بالذكرى التي تنفع المؤمنين .. ذلك أن مصطلح الإصلاحيين هو مصطلح يهودي.. وهو يعني في الواقع الكفر! وقد نشأ هذا المصطلح على يد الفيلسوف اليهودي موسى مندلسون المتوفى سنة (1776)م في برلين، ومن أهم سمات هذا المذهب: إلغاء التلمود وإنكار الوحي، وقول أولئك الإصلاحيين : إن الكتاب المقدس من صنع الإنسان، ويعتبرونه أعظم وثيقة أوجدها الإنسان، وهم لا يقبلون منه إلا التشريعات الأخلاقية، أما العبادات والشعائر فيقبلون منها ما يوافق العصر. كما أنهم ينكرون دعوى المسيح المنتظر والبعث الجسدي والعذاب بعد الموت ويرون تحرير قوانين الأحوال الشخصية وتعديل القوانين الخاصة بالزواج والطلاق؛ لتتواءم مع العصر. وأن الله ليس هو المشرع فعندما تتغير الأوضاع يجب أن ينسخ القانون. وأباحوا اختلاط الجنسين من المصلين في "الهيكل" وأجازوا الزواج بغير اليهودي ومنعوا تغطية الرأس أثناء الصلاة ولا يعترفون بالصيام وينكرون وجود الملائكة وفكرة القيامة والجنة والنار، وأحلوا محلها فكرة خلود الروح كما قبلت اليهودية الإصلاحية الشواذ جنسيا كيهود، ثم رسمت بعضهم حاخامات.
الصفة الثانية التي ينعت بها الإصلاحيون (!!) المصريون الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أنه تنويري وذلك سباب أشهد أنه بريء منه. لأن التنوير من وجهة نظرهم هو الحركة العقلية التي يجب أن تغزو العالم، وتتضافر لتدمير النظم القديمة، أما النظم القديمة فهي الأديان بلا زيادة أو نقصان..
فهل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح تنويري أو إصلاحي؟.. حاشا لله.!!
إن اليهود أنفسهم يكفرون من يؤمن بهذه الأفكار ويخرجونه من ملة اليهود..
لكن ليبراليينا وعلمانيينا وخنازير المجتمع المدني يريدون فرض هذه الأفكار على الإسلام والمسلمين وإلا وصمونا بالتخلف والظلام والإرهاب. إنهم يجاهرون بها جميعا ويطالبون بتطبيقها عدا المطالبة بإباحة الشذوذ فهم يكتفون بالموقف العملي خوفا من ردود الفعل على المجاهرة.
وإنني أنبه القارئ أن هذه المبادئ بحذافيرها هي التي يرفعها رواد التنوير والتزوير في عالمنا العربي والإسلامي ويريدون تطبيقها على الإسلام.. لا يهدفون منها إلا القضاء عليه. ومن المحزن أن بعضهم كتاب كبار بل وشيوخ ووزراء ومجامع وجامعات!
- ***
كنت أريد أيضا أن أكتب عن الكاتب العراقي المذهل الدكتور أحمد خيري العمري والذي سبقتنا بعض المعاهد في الجزائر وسوريا ولبنان إلى تدريس كتبه "كيمياء الصلاة" وأن أنبه القراء إلى محاولة انتهاز الفرصة للحصول على بعض هذه الكتب من دار الفكر –السورية- في معرض الكتاب.
- ***
كنت أريد.. وكنت أريد .. وكنت أريد..
ولكن جاءت النذر و انتشر الخبر بعد انتفاء الحذر والجرأة على القدر حيث لم يعد من ولاة أمورنا من يزدجر أو يعتبر فبرق البصر فانفجر طوفان الدموع..
أحسد الشيخ سيد عسكر ورفاقه فقد أوذوا في سبيل الله.. سيكون خجلهم إذن أقل من خجلي عندما يقابلون الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة.. وسيكون ما أصابهم أرجى لشفاعته يوم القيامة.
خيل إلىّ- وأنا باليقين مخطئ في خيالي ذلك- أنني حين أقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة ويسألني عما فعلت من أجل المسلمين ومن أجل فلسطين ومن أجل غزة ومن أجل السور الفولاذي فإنني سأهرب من خجلي منه ولو إلى نار الجحيم- أستغفر الله.. (أعلم أنني مخطئ حين أفكر في أمر الآخرة بعقل الدنيا!).
- ***
لو أننا جاهدنا مثلما جاهد عبد الله بن حنظلة لفرحنا – وما خجلنا من لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد استشهد رضي الله عنه في موقعة الحرة – وهو من صغار الصحابة، وقد استشهد أبوه يوم أحد صبيحة عرسه- وكان سبب تلك الموقعة أنه لم يعترف بوراثة يزيد للحكم وبايع عبد الله بن الزبير ووافقه أهل المدينة فأرسل إليهم يزيد المجرم مسلم بن عقبة المري فأوقع بأهل المدينة وقعة عظيمة وقتل كثيرا منهم في المعركة. وكان عبد الله بن حنظلة ممن قتل في المعركة بعد أن قاتل كما ينبغي للمسلم أن يقاتل فقدم بنيه واحدا واحدا حتى قتلوا كلهم وهم ثمانية بنين ثم كسر جفن سيفه فقاتل حتى قتل.
فهكذا الجهاد حقا..
فهل فعل أحدكم مثل ذلك من أجل الإسلام والمسلمين وغزة وفلسطين؟
وكيف أجرؤ إذن - وقد قصرت في حق الدين و المسلمين وغزة وفلسطين - على مواجهة عتابك يا سيدي وحبيبي ومولاي صلى الله عليك وسلم.
***
حاشية
وكالات الأنباء:
تفتيش المسافرين بواسطة الماسح ضوئي
أصدرت هيئة أمن المواصلات الأميركية قائمة إجراءات "أمنية " جديدة يتوجب تطبيقها على الرحلات المتوجهة إلى الولايات المتحدة والقادمة من 14 دولة غالبيتها عربية وتشتمل على تفتيش مهين للمسافرين مثل تفتيش "المؤخرات" والحد من مرات دخولهم دورات المياه، وتعرية الجسد بالإشعاع.
1
وزارة الثقافة
يشاع أن وزارة الثقافة المصرية وزيرا ومثقفين سيصدرون بيانا يؤيدون فيه الإجراءات الأمنية التي قررتها الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة للعرب المسافرين إليها، ويطالبون بتشديدها ومضاعفتها في سبيل الأمن والأمان، وكتعبير عملي عن هذا التضامن فينتظر أن يسافر وفد على أعلى مستوى يكون أول من تطبق عليه هذه الإجراءات.
***
حاشية
2
شكرا لشنودة!!
الموقف الحاسم الحازم للبابا شنودة الذي رفض تركيب كاميرات للتصوير في الكنائس أنقذ المساجد وألقم وزارة الأوقاف حجرا وجعلها ترتد مخزية ومخزي من دافع عن موقفها.
بعد تصرفات الأوقاف والأزهر والجدار العازل- وكتعبير على أننا لسنا طائفيين، وكدفع للخطر الأكبر بالخطر الأقل- فلا مانع لدينا من أن يكون شيخ الأزهر نصرانيا ووزير الأوقاف يهوديا! (هل تظنون حقا أن الحال يكون أسوأ؟!).
أمرنا مترفيها ففسقوا فيها..
ما يحدث في بلادنا وأمتنا ليس فتنة محددة نستطيع أن نشير إليها لنقول: هنا تكمن المشكلة.
إنما هي تلك الفتنة التي حذرنا منها القرآن:
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) الأنفال.
لم يعد البكاء على ما وصلنا إليه من حال يكفي ولا يشفي ..
يقول الشاعر أبو المظفر الأبيوردي:
وشـر سـلاح المرء دمـع يريقـه ... اذا الحرب شبت نارها بالصوارم
أرى أمتي لا يشرعون إلى العـدا ... رمـاحهـم والـدين واهـي الدعـائـم
ويجتنبون النار خوفا من الردى ... ولا يحـسـبون العار ضـربة لازم
ما يحدث في بلادنا يمكن أن نطلق عليه : "أم الفتن"..
الفتن التي تجعل الحليم حيران وتجعل الرجل يمر بقبر الرجل فيقول يا ليتني كنت مكانه..
الفتن التي لا يرى فيها الإنسان بصيص ضوء.. فلا يبقى إلا جذوة يراها القلب ولا تراها العين تبشر بالنصر الموعود..
فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا.
أما أخطر ما في الفتنة التي نعانيها ونكابدها ونعايشها الآن فهو ذلك الشيء المذهل الذي كنا نراهن عليه دائما لكننا الآن نكتشف أننا نخسر الرهان.. ولا أقول خسرناه.. كنا نراهن على وعي الناس.. وأنه لا يصح إلا الصحيح.. وأن الحق أبلج والباطل لجلج.. وأن الناس يعرفون الحقيقة ويميزون بين الخطأ والصواب.. وبين الحلال والحرام .. وبين البر والفاجر.. وأنهم معذورون فيما يقولون أو حتى حين يصمتون لأنهم حين يفعلون فإنهم يستكرهون ولكن قلوبهم بالإيمان مطمئنة.. وهم معذورون لأنهم خائفون من كل جبار عنيد مناع للخير معتد أثيم موال لأعداء الله بريء منا ونحن برءاء منه.. لكننا فجأة.. والألم أقسى من الذبح ويكوي أكثر مما تكوي النار نكتشف أن الأمة تغيرت فكأنما لم تعد أمتنا فيالغربتنا ويالفجيعتنا ويا لأحزاننا فكأنما عادت أمتنا تعبد الأوثان في جاهلية هي أكثر شرا من الجاهلية الأولى.
وإن كنتم تريدون مثالا واحدا فانظروا إلى مدي اهتمام الناس بانتصارنا في الكرة على الجزائر ومدي اهتمامهم بقضايا الأمة التي قد تسفر عن فنائها وتلاشيها.
ولكن.. ثمة عزاء في كلمة حصيفة قالها جمال عبد الناصر ذات يوم وهو يزري بشأن أمة استخفها فأطاعته.. كان بسبيله إلى إصدار قرار ما فحذره من حوله من ردود الفعل فقال لهم: لا تخافوا من ذلك.. فعندنا نصف في المائة من الشعب يسار ونصف في المائة يمين أما الـ 99% الباقية فهي مع من يغلب ويحكم..
لا يغلبننا اليأس إذن.. فهذا القطيع الذي يندفع إلى المجزرة وهو فرح بها نشوان سرعان ما يفيق إذا تغير الحاكم أو صلح أمره.
ولكن احذروا .. فإن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده..
***
نعم .. اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا خاصة..
الفتن التي جعلت فقيها دستوريا كبيرا مثل الدكتور ثروت بدوي أستاذ القانون العام – كليه الحقوق – جامعة القاهرة يجيب عندما سئل كيف ترى المستقبل؟
- مظلم مظلم مظلم...
ثم يضيف:
لقد فقد المصري انتماءه تماما لأنه لم يشعر إطلاقا بأن له دور في شئون البلد. وهناك قوي خارجية تلعب دوراً مؤثراً في مصر منها أمريكا وإسرائيل وهناك قوي منتفعين بفساد النظام الحالي الذين جمعوا بين السلطة والتعتيم والتضليل علي كل ما يجري في مصر.
عندما قال الدكتور بدوي ذلك لم يكن الدكتور مصطفى الفقي- الفائز في الانتخابات بالتزوير الفادح الفاضح المشين – قد أدلى بتصريحه الخطير عن ضرورة موافقة أمريكا وعدم ممانعة إسرائيل على أي رئيس مصري.
وربما لم يكن استمع إلى محمد حسنين هيكل في برنامجه على قناة الجزيرة "مع هيكل" حيث كان يتحدث عن إصرار إسرائيل على قتل عبد الناصر بالمرض أو بالسم ولكن أمريكا كانت تعترض.. أما سبب اعتراض أمريكا فهو غريب ومذهل.. كانت إسرائيل مصرة على القضاء عليه لكن أمريكا كانت حريصة على استمراره.. ولنستعمل كلمات هيكل بل حروفها وهو يتحدث عن تسجيل لاجتماع داخل السفارة الأمريكية:
بعد ناصر إذا خلصنا من ناصر اليمين جمعية تشريعية حيطلب جمعية تشريعية واليمين الجديد حيحرض الجيش على أخذ السلطة لكن الأميركان بيروا أن عبد الناصر ضروري في هذه المرحلة.
نقف عند الجملة المروعة الرهيبة:
لكن الأميركان بيروا أن عبد الناصر ضروري في هذه المرحلة.
فهل هناك فرق حقيقي بينها وبين تلك الجملة التي اقتنصها هيكل ليشنق بها مصطفي الفقي عن ضرورة موافقة أمريكا وإسرائيل على أي رئيس مصري؟!
هل كان هناك فرق حقيقي؟.
لماذا نندهش إذن مما وصلنا إليه.
أمرنا طغاتها وجلاديها ففسقوا فيها..
أمرنا صحافييها ففسقوا فيها..
***
يتحدث الفقيه الدستوري إبراهيم درويش عن الدستور المصري كاشفا أوجه الخلل فيه، ومؤكداً على أن الدستور الحالي لا يصلح للتعديل أو الترقيع. الدستور الحالي يتكون من ٢١١ مادة أكثر من ١٥٠ مادة منها خارج الإطار الدستوري ولا علاقة لها بالدستور أو الدستورية.
ثم يواصل الدكتور إبراهيم درويش معبرا عن يأسه من أي محاولة شعبية للتغيير بقوله:
- بالتأكيد إن أي تحرك سيقابله الأمن بالاعتقال والمنع والتشريد، فالناس همهم الرئيسي الآن أن يصلوا بيوتهم آمنين، و٩٠% من النخبة في مصر تم استئناسهم، و٥% تنتظر الموت في سلام والـ ٥% الباقون مازالوا ينادون ويسعون للتغيير والإصلاح.
أمرنا لواءاتها ومباحثها ففسقوا فيها..
***
نعم.. هي فتنة لاتصيبن الذين ظلموا خاصة..
فتنة لا نراها بل نرى أعراضها..
كالسرطان..
وتتعدد الأعراض فنحسب تعددها تعددا للأمراض بينما الأمر في الحقيقة سرطان يؤدي للضعف والهزال والنزيف وفقر الدم وشحوب الوجه وسقوط الشعر وتكسر الأظافر وعشرات الأعراض التي تعود في الأصل إلى سبب أول فإذا انصرفنا عن ذلك السبب إلى باقي الأعراض فإن كل ما نفعله أننا نترك الفرصة للسرطان الوحش كي يلتهم الجسد ويقضي عليه. أما علاجنا للأعراض فلن يجدينا شيئا.
فتنة لا نواجهها حقا بل نواجه أعراضها.
فتنة لا تصيبن الذين ظلموا خاصة..
يقول صاحب الظلال - رضي الله عنه - : إن إرادة الله قد جعلت للحياة البشرية نواميس لا تتخلف ، وسنناً لا تتبدل، وحين توجد الأسباب تتبعها النتائج فتنفذ إرادة الله وتحق كلمته . ويكشف الشهيد عن العلاقة المباشرة بين مصارع الأمم وفشو الفساد فيها ، وفاقاً لسنة الله وذلك أنه إذا قدر الله الهلاك لقرية جعل إفساد المترفين فيها سبباً لهلاكها وتدميرها.
كذلك تمضي سنة الله في إهلاك القرى وأخذ أهلها في الدنيا ، مرتبطة بذلك الناموس الكوني الذي يصرف الليل والنهار :
{ وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً }.
والمترفون في كل أمة هم طبقة الكبراء الناعمين الذين ينعمون بالدعة وبالراحة وبالسيادة ، حتى تترهل نفوسهم وتأسن، وترتع في الفسق والمجانة، وهم إذا لم يجدوا من يضرب على أيديهم عاثوا في الأرض فساداً، ونشروا الفاحشة في الأمة وأشاعوها، وأرخصوا القيم العليا التي لا تعيش الشعوب إلا بها ولها. ومن ثم تتحلل الأمة وتسترخي، وتفقد حيويتها وعناصر قوتها وأسباب بقائها، فتهلك وتطوى صفحتها. فإذا قدر الله لقرية أنها هالكة لأنها أخذت بأسباب الهلاك ، فكثر فيها المترفون ، فلم تدافعهم ولم تضرب على أيديهم، سلط الله هؤلاء المترفين ففسقوا فيها، فعم فيها الفسق، فتحللت وترهلت، فحقت عليها سنة الله، وأصابها الدمار والهلاك.
وهنا تبرز تبعة الجماعة في ترك النظم الفاسدة تنشئ آثارها التي لا مفر منها . وعدم الضرب على أيدي المترفين فيها كي لا يفسقوا فيها فيحق عليها القول فيدمرها تدميراً .
***
كان الوزير إبراهيم سليمان -الذي قالت عنه صحيفة الفجر أنه ضيع على الدولة مائتي مليار جنيه بسبب الأرض التي وزعها على المحاسيب- كان يتشكى من الحكم الصادر بفصله من وظيفته الجديدة ومرتبها مليون وربع مليون جنيه في الشهر.. وكان يقول :كل المديرين مثلي يحصلون على مرتبات مماثلة..
أمرنا وزراءها ففسقوا فيها..
وكانت الدكتورة ميرفت التلاوي الوزيرة السابقة تروي كيف استولت وزارة المالية ظلما وعدوانا على مائتي مليار أخرى هي أموال المعاشات حيث يشك في أنها ستفقد كلها..
أمرنا مترفيها ففسقوا فيها..
رؤساء تحرير الصحف القومية أقلعوا من فئة المليونيرات إلى فئة المليارديرات.. لا لشيء إلا لأنهم يساعدون الطغاة على استخفاف أمتهم ويأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويكذبون ويكذبون ويكذبون..
أمرنا كذابيها ففسقوا فيها..
أذناب السلطة والمزورون والمعذبون والقتلة واللصوص والبلطجية الذين يعتمد عليهم الطاغوت لتوطيد أركان ملكه..
أمرنا مجرميها ففسقوا فيها..
***
منذ أعوام سمعت مسئولا كبيرا يصرح أننا على الحياد بين الإسرائيليين والفلسطينيين..
كدت أجن..
الآن.. أقصى ما أتمناه أن نظل على هذا الحياد فعلا!..
أمرنا كبار مسئوليها ففسقوا فيها..
***
الجدار الفولاذي.. أمرنا بناة ذلك الجدار ففسقوا فيها..
***
حفر الباطن..أمرنا مترفيها ففسقوا فيها..كامب ديفيد.. أمرنا مترفيها ففسقوا فيها.. هزيمة 67 .. أمرنا مترفيها ففسقوا فيها.. إعدام الشهيد سيد قطب ورفاقه.. أمرنا مترفيها ففسقوا فيها.. القوانين الاشتراكية.. أمرنا مترفيها ففسقوا فيها.. تمثيلية المنشية .. أمرنا مترفيها ففسقوا فيها.. اغتيال الشهيد حسن البنا.. أمرنا مترفيها ففسقوا فيها..حرب 48.. أمرنا مترفيها ففسقوا فيها.. سعد زغلول.. أمرنا مترفيها ففسقوا فيها.. الأميرة نازلي وصبيانها وتلاميذها الذين ما يزالون يسيطرون على ثقافتنا وجلهم أبناء فكر سفاح للورد كرومر- صديق نازلي وسعد وقاسم ومحمد عبده.. أمرنا مترفيها ففسقوا فيها..
***
هل ضل الجميع؟!.. ويضل الله الظالمين.. ويضل الله الظالمين.. ويضل الله الظالمين..
لشد ما أفزعتني هستيريا الجماهير بعد انتصار مصر على الجزائر في مباراة الكرة الأخيرة..
الجماهير التي لم يخرج معشار معشارها من أجل فلسطين أو العراق.. أو مصر.. أو أي من أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله.
جميل جدا أن نفرح..
لكن بشرط أن نكون تخلصنا من المستنقع الذي نعوم فيه والذي وصف بعضه الدكتور محمود عمارة الذي كتب يطالب بإنقاذ مصر من نظام دمرته الشيخوخة وأصبحت البلاد ومصالح العباد مهددة بصورة لم يسبق لها مثيل مؤكدا أن المستقبل يكتنفه الغموض والظلامية .. "جسد «كالمارد» في حالة غيبوبة، فقدان وعي، إفلاس، مناخ عام من التشاؤم والإحباط والاكتئاب، خوف علي الحاضر، قلق من المستقبل الغامض لكثرة وغرابة ما نسمعه ونعايشه ونراه من: فساد - بلطجة - فوضي - إهمال - مؤامرات - عصابات - محارق - مغارق - غوغائية - ديكتاتورية - بطش - إذلال - طغيان - امتهان - انتهازية - دعارة فكرية وسياسية - نفاق - تملق - تدليس - توريث - تمييع - تزوير - دسائس - مقالب - قذارة - عفونة - تطرف - تخلف - شائعات - خرافات... عادت بنا إلي مثلث الفقر والجهل والمرض، لنتراجع إلي ذيل قائمة الدول الأكثر فقراً وتخلفاً وتراجعاً، لتتفوق علينا دويلات، وتهزمنا حضاريا إمارات، وتسبقنا بمسافات «أمم» كنا نتندر عليها بالنكات والقفشات! مصر الآن «تغرق» في مستنقع «يأس جماعي» بعد أن ترهل النظام السياسي وشاخ، وأصيب بحالة من الرعب والتردد والتصلب والارتعاش، وعدم الحسم، والتوقف والتراجع عن الإصلاحات الجادة والحقيقية والشاملة.
ونضيف لما قاله الدكتور عمارة ممارسات ترقيع الدستور وتزويره حتى اهترأ وأصبح مثارا للسخرية والاستهزاء. كما نضيف المصائب التي يبتلينا بها العلمانيون.. أولئك الأشرار الذين يضحون بالوطن وبالأمة كلها مقابل القضاء على الإسلام.. شلت أيديهم وألسنتهم.. ولكن تذكروا دائما أنهم نجس وأنهم الأكثر خطرا على الأمة من كل أعدائها..
أما في الفتنة الأخيرة التي زعم العلمانيون أنها طائفية واعتذروا نيابة عن المسلمين رغم أن العلمانية كفر وهم لا علاقة لهم بالمسلمين لكنهم أرادوا إلصاق التهمة بالإسلام..
إن القائمة يمكن أن تطول حتى تلتهم صفحات المجلة كلها دون أن تنتهي.
لكن المؤلم حتى الموت أننا عشنا أعمارنا نحاول تبرئة الأمة فإذا بها مدانة حتى النخاع وكأنها تستحضر قول الشاعر:
وما أنا إلا من غزيه إن غوت ... غويت وان ترشد غزيه ارشد
غوي حكامها فغوت.. ضل حكامها فضلت.. الناس بملوكهم أشبه منهم بأبنائهم..
أمرنا مترفيها ففسقوا فيها..
***
كانت أمواج الانفعال الطاغي تحملها وتدوخها وهي تهاتف صاحب البيت على الهواء وقد استخفها الفرح بالانتصار علي فريق الجزائر في الكرة فراحت تصرخ:
- يا رب .. يا رب.. يا رب.. يا رب..
لكن السياق جعل الكلمات تترجم في المسافة ما بين أذنيّ وعقلي إلى:
- يا إبليس .. يا إبليس.. يا إبليس .. يا إبليس..!!..
أمرنا مترفيها ففسقوا فيها..
كان وراء المرأة حشد هائل اندغمت حروف هتافاته فما عدت أسمه منها شيئا.. كانت الهتافات في التلفاز .. وخلفه.. وحولي في الشوارع.. كانوا يحتفلون بانتصار.. ليس بانتصار الإسلام ولا بانتصار مصر على إسرائيل.. ولا باسترداد الأقصى ولا حتى بتحرير سيناء تحريرا حقيقيا ولا حتى بنسف الجدار الفولاذي .. كانوا يحتفلون بانتصار مصر على الجزائر. كان كل هتاف من تلك الهتافات يعني إعلاء للعصبية المنتنة والقطرية وتكريسا للانقسام ومحوا من الأذهان للحقيقة التي تبهت كل يوم.. حقيقة أن الأمة العربية الإسلامية أمة واحدة.. وما انتصار فريق مصر على فريق الجزائر إلا كانتصار الأهلي على الزمالك.. فهل كان انتصار هذا على ذاك يستحق كل هذا الشحن والبغضاء؟!
كانوا ألوفا بل ملايين..
كانوا كبعث النار.. من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين..
***
قبل المباراة سألني سائل:
- هل تتمنى فوز مصر أم الجزائر..
ووجدتني أجيب السائل الذي أدهشته إجابتي:
- أتمنى أن يُهزم الفريقان معا!!
وقد كان ذلك إحساسي الحقيقي.. فقد كنت أدرك أن انتصار أي فريق منهما سيجني ثماره جبار هنا أو جبار هناك.. ظالم هنا أو ظالم هناك.. مسيلمة هنا أو مسيلمة هناك .. سفاح هنا أو سفاح هناك.. ابن هنا أو أخ هناك.. مترف هنا ومترف هناك..
أمرنا مترفيها ففسقوا فيها..
***
كانت الهتافات تصم الآذان..
وليس عندي أي اعتراض على لعب الكرة وعلى الفرح بالانتصار في مبارياتها.. ولكن شرط ألا تتجاوز حجمها الحقيقي.
كنت أظن أن مائة ضعف هذا الحماس- على الأقل- يكون من أجل غزة.. من أجل فلسطين.. من أجل العراق.. من أجل منع التزوير والتعذيب..
تساءلت وتنين الألم الوحشي ينهش قلبي:
- أكل هؤلاء أفرغوا من آدميتهم وإنسانيتهم وبشريتهم وتحولوا إلى مسوخ؟..
- أكل هؤلاء مغفلون لا يفهمون ما يصنعون..جهلوا الدين وجهلوا التاريخ وجهلوا حتى الإستراتيجية والسياسة.. لقد جهلوا أن تعصبهم لمصر سيضيعهم ويضيع مصر فهاهم أولئك رعاع المهجر وذيولهم في الداخل- أيا كانت مناصبهم- يطالبون بطرد 94.5%% من أهل مصر لأنهم غزاة!!.. إن قوة مصر في انتمائها العربي والإسلامي.. وبدونهما تتفكك ليتسلط عليها الرعاع الهمج الهامج من أقباط المهجر.. يتسلطون عليها ليطردوا أولئك الدهماء الذين يملئون الشوارع.
- أكل هؤلاء نهش التنين عقولهم – لا قلوبهم - ليبدلوا كلمات الله من: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) الحجرات فغيروا كلمة "إلا ليعبدون" إلى " إلا "إلا ليعبثون" "إلا ليزنون" "إلا ليهرجون" "إلا ليفسقون" "إلا ليظلمون" "إلا ليكذبون" "إلا ليحاصرون" "إلا ليخونون" "إلا ليكفرون" "إلا...." "إلا..." " "إلا...." "إلا..." "إلا ليترفون"..
أمرنا مترفيها ففسقوا فيها..
***
قتلني الألم وأنا أتمتم:
- انتصر الغرب علينا.. هزمنا.. تركت جيوشه بعض أوطاننا واحتلت عقيدته جل قلوب معظم شعوبنا.. حولنا إلى حيوانات محنطة لا نملك إلا الرسم والاسم.. أفئدتنا هواء..
***
وكنت على الجانب الآخر والتنين الوحشي ما يزال ينهشني أستعيد بكاء المترجم وهو يترجم كلمات جورج جالاوي في قافلة الإغاثة الأخيرة إلى أهلنا في غزة.. كانوا ما يزالون في الأردن.. وكان مترفينا الذين يفسقون يمنعون عن أهلنا الطعام والدواء.. وكان جورج جالاوي يناشد الرئيس مبارك قبل وصولِهم إلى نويبع بعد تكريمهم في العقبة واحتفاءِ أهلها بهم كانت المناشدة دامعة دامية:
سيدي الرئيس أرجوك.. أناشدك.. أتوسل إليك.. دع القافلة تَمرّ.. إننا لا نريد إلا إغاثة أطفال غزة، ولا نريد أن نواجه إلا إرهابيي إسرائيل، نحن نحبّ مصر، لا نريد أن توجه لها أي إشارات تصرف النظر عن إسرائيل وجرائمها، أرجوك سيدي الرئيس.. اسمح لنا بالعبور.
هل تبكي أيها القارئ؟.. أم جفت دموعك؟..
لقد انهار مترجم قناة الجزيرة التي كانت تذيع النداء وبكى..
أما جورج جالاوي فقد استمر يقول:
لقد تقدّم بِي العمر وإنني لن أبلغ عهد تحرير فلسطين، وكل ما أؤمله وأرجو أن يدخل معكم ابنِي عز الدين لفلسطين وهي مُحَرّرة، ثم تربتون على كَتِفه مبتسمين تقولون: يا عز الدين قد كان أبوك جورج بيننا كان معنا في نفس الطريق، ولقد وصلنا يا عز الدين...
ثم تنهَّد واستأنف..وقال:
لكنني حين يكبر ابنِي وأنا لا أزال حيًّا، ثم يقرأ التاريخ وإذا به يصدم من قصة شريط من الأرض اسمه غزة تواطأ العالَمُ عليه حتى خُنق وسُحق أطفاله، فإذا التَفَت إليَّ عز الدين وقال: يا أبي، هل أدركتَ هذا الزمن، كيف تركتم غزة؟! ألا يخجل العالم ...؟
هنا قال جورج كلمته التي علمها الناس وشهدت بها الأرض ودمعت معه العيون... قال جورج: سأقول له: الله يعلم يا بني أنني لم أترك نَفَسًا أملكه لأجلهم إلا بذلته.. لعلّ عز الدين أن يغفر لي...
***
فهل يغفر الله لنا؟. نحن الذين سكتنا عن مترفيها الذين فسقوا فيها..هل يغفر الله لنا؟!
***
في الجانب الآخر.. الآخر جدا .. وفي 30 يناير 2010 كانت المصري اليوم تنشر:
علاء مبارك: الرئيس كان يحتضن حفيده بعد كل هدف.
وقال علاء:«شاهدنا المباراة في منزل الوالد، والرئيس فرح فرحة غير عادية، وكان يأخذ حفيده عمر بالأحضان مع كل هدف وجميعنا تبادل الأحضان»
***
أمرنا مترفيها ففسقوا فيها..
***
قلت لنفسي رحم الله الدكتور أحمد مستجير..
أظن نهايتي ستكون مثله..
فقد كانت نهايته إثر نزيف في المخ أصابه وهو يشاهد على شاشة التلفاز مذبحة لفلسطين.. للحبيبة فلسطين.. للجريحة فلسطين.. للأسيرة فلسطين.. لليتيمة فلسطين.
***
صدقت يا فاروق رضي الله عنك!!
سئل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
- أتوشك القري أن تخرب و هي عامرة ؟
قال :
- إذا علا فجارها علي أبرارها
صدقت.. إذا علا فجارها على أبرارها..
***
وبعد أن أجهدت نفسي الجهد كله وجدت الأمر كله مكنون في آيتين:
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) الأنفال.
وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16) الإسراء..
ولله الأمر من قبل ومن بعد..
د محمد عباس
***
المستقبل للإسلام وحده
فليعش الجنون، وليعش الموت ، ولتعش جهنم!.
«إنني أستطيع أن أتحمل كل آلامي الشخصية ، ولكن آلام الأمة الإسلامية سحقتني، إنني أشعر بأن الطعنات التي وُجّهت إلى العالم الإسلامي كأنها وُجهت إلى قلبي أوّلا، ولهذا ترونني مسحوق الفؤاد، ولكنني أرى نورا ينسينا هذه الآلام إن شاء الله تعالى» لقد «دنا شروق شمس سعادة عالم الإسلام الدنيوية، لاسيما سعادة العرب الذين يتوقف تقدم العالم الإسلامي ورقيه على تيقظهم وانتباههم، فإني أعلن بقوة وجزم، بحيث أسمع الدنيا كلها وأنف اليأس والقنوط راغم: إن المستقبل سيكون للإسلام وللإسلام وحده، وإن الحكم لن يكون إلاّ لحقائق القرآن والإيمان» .
كان ذلك ما قاله العلامة بديع الزمان سعيد النورسي (1294 ـ 1379هـ، 1877 ـ 1960) بعد استسلام الدولة العثمانية و قبيل انهيارها.ولكنه بين مخاضات الآلام المروعة امتلك البصيرة المذهلة التي جعلته يتنبأ بين خرائب الهزائم بما سيحدث:
«إن الدولة العثمانية حبلى حاليا بجنين أوروبا وستلد يوما ما، أما أوروبا فهي أيضا حبلى بجنين الإسلام وستلد يوما ما».
تصدي بديع الزمان للدفاع عن الإسلام فمارس الدعوة والخطابة والكتابة بل والقتال، ودسوا له السم مرات لكنه نجا. وعندما اعترضت السلطة على قيامه بالدعوة دون ترخيص من السلطة الرسمية سخر منهم قائلا: أغلقوا القبور وأوقفوا الموت وساعتها يحق لكم منعي.
وقف متهما أمام المحاكم مرات عديدة وحكم عليه بالإعدام مرات. لم يحن رأسا عمرها الإيمان لغير الله أبدا. وعندما وظّف الإنجليز "الكنيسة الأنجليكانية" للشماتة بالمسلمين فطلبوا منه الردّ على ستة أسئلة وجهتها له حول الدين الإسلامي في ستمائة كلمة فكان جوابه:«إن هذه الأسئلة لا يُجاب عنها بستمائة كلمة، ولا بست كلمات ولا بكلمة واحدة بل ببصقة واحدة على الوجه الصفيق للإنجليزي اللعين».
وفي إحدى المحاكمات العديدة التي تعرض لها جعلوه يرى في الساحة خمسة عشر رجلاً معلقين على أعواد المشانق، ظناً من القضاة أن هذا المنظر سوف يرهبه، وقال له الحاكم العسكري خورشيد باشا: وأنت أيضاً تدعو إلى تطبيق الشريعة ؟ إن من يطالب بها يشنق هكذا (مشيراً بيده إلى المشنوقين).
فقام بديع الزمان سعيد النورسي ليقول: لو أن لي ألف روح لما ترددت أن أجعلها فداء لحقيقة واحدة من حقائق الإسلام، إنني لا أعترف إلا بملة الإسلام، إنني أقول لكم وأنا واقف أمام البرزخ الذي تسمونه (السجن) في انتظار القطار الذي يمضي بي إلى الآخرة، إنني متهيئ بشوق لقدومي للآخرة، وأنا مستعد للذهاب مع هؤلاء الذي علقوا في المشانق، لقد كانت هذه الحكومة تخاصم العقل أيام الاستبداد والآن فإنها تعادي الحياة، وإذا كانت هذه الحكومة هكذا: فليعش الجنون، وليعش الموت، وللظالمين فلتعش جهنم.
وفي محاكمة أخرى جاء في دفاعه أمام المحكمة:«إن بعضاً ممن جعلوا السياسة أداة للإلحاد، يتهمون الآخرين بالرجعية أو باستغلال الدين، ليتستروا على سيئاتهم وجرائمهم» واستطرد قائلا:«إن الزنادقة والمنافقين قد غرروا بكم، وصفعوا العدل والحق، وانحرفوا بالدولة عن وظيفتها الأساس إلى مشاغل لا فائدة منها، واتخذوا من الاستبداد جمهورية، ومن الردة نظامًا، ومن الجهل والسفه مدنية، ومن الظلم قانونًا، وبذلك خانوا وطنهم وضربوه ضربة ما كان الأجنبي يضرب مثلها».
كان النورسي واحدا من كوكبة عظيمة من المفكرين والمجاهدين استنفرهم سقوط دولة الخلافة فهبوا لاستعادتها وكان على رأسهم الإمام حسن البنا في مصر والنورسي في تركيا و أبو الأعلى المودودي في الهند وبن باديس والخطابي في المغرب العربي..إلخ.
كانوا جميعا قد قرؤوا خطابا لوزير المستعمرات البريطانية (وليم غلادستون) حيث قال:«ما دام هذا القرآن بيد المسلمين فلن نستطيع أن نحكمهم، فلا مناص لنا من أن نزيله من الوجود، أو نقطع صلة المسلمين به».
واشتعل غضب بديع الزمان وحماسه فاندفع يكتب رسائل النور مستهدفا الحفاظ على الإيمان بأركانه المتعددة واستعادة ما ضيّع منه. ويصرح أنه ليس صوفيا، وأن الصوفية عاجزة عن مواجهة التحديات الراهنة وأن عصرنا هذا هو عصر حفظ الإيمان، لا حفظ الطريقة، وأن كثيرين يدخلون الجنة بغير الانتماء إلى طريقة صوفية، ولكن أحداً لا يدخل الجنة بغير إيمان! لقد كان التصوف أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسمى لا اسم له ثم أصبح الآن في الغالب اسما بلا مسمّى. ذلك أن"- المعرفة القرآنية مأمونة والمعرفة الصوفية مغامرة".
إنه ينبري في رسائل النور(ثمانية مجلدات في 6000 صفحة وزعت في حياته ما يقارب مليون نسخة) ليواجه الهجوم الصارخ على القرآن الكريم، والتجاوز الشنيع على الحقائق الإيمانية بتزييفها، والغزو الفكري والتحولات الرهيبة والدمار الفظيع والعداء الشرس للإسلام، ومسخ التاريخ المجيد لهذه الأمة البطلة. حتى دفعت المنظمات الإلحادية الجيل الناشئ - ولا سيما طلاب المدارس - إلى نسيان ماضي أجدادهم المليء بالجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله، وذلك بكلام براق في الظاهر لكي يقطعوا صلتهم بالإسلام، حتى يهيئوا جوا ملائما لإقرار نظام إلحادي سافر.
إن القارئ الذي يتدبر ويتأمل سيلاحظ أن مخطط الحرب المعلنة على الإسلام تتخذ نفس الخطوات في كل بلد إسلامي وإن اختلفت التفاصيل بسبب الاختلافات المحلية في الظروف والتطور. وانظروا مثلا الحرب على الحجاب وقارنوا ما حدث بتركيا وتونس وما يحدث بمصر بل والخليج لتكتشفوا دون عناء أن يدا واحدة هي التي تحرك الأمور ضد الإسلام في هذه البلاد جميعا. لقد كان النورسي- كالبنا كالخطابي كالمودودي يدافع عن حقنا في دولة إسلامية واحدة وفي استعادة القوة والمنعة والدين باستعادة الخلافة.
وفي عام 1958كان الطواغيت يحاكمون الرجل الذي تجاوز الثمانين من عمره فقلب هو المحاكمة إلى محاكمة لقضاته:
«أنتم تعلمون، دون شك، الاعتداءات الشنيعة التي تمت ضد دين هذه الأمة، وضد إيمانها وقرآنها ونبيها، والإهانات التي وجهت إليه. وإذا كان هناك احتمال ضعيف جدا في أن المدعي العام لا يعرف هذا، فإننا نسرد هنا بعضا منها:
*من هم الذين قاموا بمنع دروس الدين من المدارس؟.. وقاموا بفتح المحافل الماسونية ورموا إلي السجون كل من يتجاسر علي قول «الله أكبر» وسجنوا علماء الدين، وأهانوا المتدينين وحاربوهم حتى أشرفوا علي حافة التسول؟! بل قلتم أنكم تحتاجون إلي ثلاثين سنة أخري لكي تنتزعوا الدين من رؤوس الشعب؟! وقلبتم مسجد «أيا صوفيا» إلي متحف كنسي؟. ومنعتم المسلمين من الحج؟!.
نذكر القارئ أننا نتحدث عن تركيا.. وليس عن مضر أو تونس أو الخليج أو إندونيسيا!
.
كان النورسي شديد الاعتزاز بدينه، ففي أحد الأيام أثناء زيارة "نيقولا نيقولافيج" - وهو خال القيصر والقائد العام للجبهة - إلى معسكر الأسرى، قام الجميع لأداء التحية إلا بديع الزمان، الأمر الذي لفت نظر القائد العام فرجع مرة ثانية أمامه فلم يكترث سعيد، وفي المرة الثالثة وقف غاضبا وجرت بينهما المحاورة التالية - بواسطة المترجم :
-أما عرفتني؟
- بلى لقد عرفته. إنه نيقولافيج، خال القيصر والقائد العام في جبهة القفقاس .
- فلم إذن قصد الإهانة؟
- كلاّ، معذرة؛ إنني لم أستهن به، وإنما فعلت ما تأمرني به عقيدتي .
- وماذا تأمر العقيدة ؟
- إنني عالم مسلم أحمل في قلبي إيمانا؛ فالذي يحمل الإيمان في قلبه هو أفضل ممن لا يحمله، فلو أنني قمت له احتراما، لكنت قليل الاحترام لعقيدتي، ولهذا لم أقم له.
- إذن فهو بإطلاقه صفة عدم الإيمان عليّ يكون قد أهانني، وأهان جيشي وأهان أمتي والقيصر، فلتشكل حالا محكمة عسكرية للنظر في أمره.
حاول بعض الأسرى المرافقين للنورسي إقناعه بالاعتذار للقائد الروسي، لكنه رفض ذلك قائلا: «إنني راغب في الرحيل إلى الآخرة والمثول بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنا بحاجة إلى جواز سفر فحسب للآخرة، وأنا لا أستطيع أن أعمل بما يخالف إيماني . . . » .
وأصدرت المحكمة حكمها بالإعدام على النورسي، غير أنه لم ينزعج لهذا الحكم، بل استقبله بابتهاج طالبا من الضابط المرافق له إلى ساحة الإعدام السماح له بعض الوقت للوضوء والصلاة.
وأثناء أدائه الصلاة، حضر القائد الروسي بعد أن أيقن من صدق النورسي مع عقيدته، فاعتذر للنورسي وأمر بإلغاء حكم المحكمة العسكرية.
كان النورسي عملاقا وهو يواجه الحضارة الغربية دون استخذاء بل باستعلاء المؤمن داحضا وهم تقدمها ونافيا وهم تخلف الإسلام. إنه لا يدافع بل يهاجم ملخصا الحضارتين فيما يلي:
نقطة المقارنة الحضارة الغربية الحضارة الإسلامية
ركيزتها إن مدنية الغرب تقوم على فلسفة ركيزتها القوة، وهذه من شأنها الاعتداء والتجاوز، ومن هنا تنشأ الخيانة الحق بدلاً من القوة، والحق من شأنه العدالة والتوازن، ومن هذا ينشأ السلام .
هدف هذه الحضارة وقصدها المنفعة الخسيسة بدل الفضيلة، وشأن المنفعة: التخاصم والتزاحم، ومن هذا تنشأ الجناية. الفضيلة بدل المنفعة، والفضيلة من شأنها: المودة والتجاذب، ومن هذا تنشأ السعادة وتزول العداوة .
دستورها في الحياة الجدال والصراع بدل التعاون، وهذا من شأنه التنازع والتدافع. التعاون بدل الجدال والصراع، وشأن هذا الدستور: الاتحاد والترابط اللذان تحيى بهما الجماعات .
رابطتها الأساسية بين الناس العنصرية والقومية السلبية التي تنمو وتتوسع بابتلاع الآخرين، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى التصادم، ومن هذا ينشأ الدمار والهلاك. الهدى وليس الهوى، وشأن الهدى الارتقاء بالإنسان إلى مراقي التكريم والكمال .
الغاية تشجيع الأهواء والنوازع وإشباع الشهوات والرغبات، وشأن الأهواء والنوازع: مسخ الإنسان وتغيير سيرته. رابطتها بين الجماعات البشرية هي رابطة الدين والإيمان ومن شأن هذه الرابطة: الأخوة الخالصة بدل العنصرية والقومية السلبية.
الإنسان - (فرعون) طاغية، ولكنه ذليل، ويتخذ كل شئ ينتفع منه ربّاً له.
- (متمرد) مسكين؛ لأنه يرضى بالذل والهوان من أجل منفعة خسيسة.
- (غني) لكنه يفقد الإحساس بكل ما يملك.
- قد يكون شبعانا، ممتلئا، لكنه فارغ.
- و (جبار)، لكنه عاجز في ذاته.
- كل واحد منهم سيد لعبد وعبد لسيد.
- شره مسعور لتلبية رغبات النفس، وإشباع هواها لأنه لا يحب سواها.
- قاس وساخط مهما امتلك.
وهو مستعد للتضحية بكل شيء في سبيل ذاته .
يعيش حالة مرضية مستعصية تبلد الحسّ وتخدر الشعور، مشتت الذهن مغيب الوعي شديد التعاسة لأن نهمه يجعله لا يشبع أبدا. - (عبد) ، ولكنه عبد عزيز لله، لا يرضى بعبادة أعظم مخلوق .
- وهو (هيّن ليّن)، ولكنه لا يتذلل لغير الله تعالى.
ـ وهو (فقير)، ولكنه مستغن بما عند الله تعالى.
- قد يكون جائعا محتاجا لكنه ممتلئ
ـ وهو (ضعيف)، ولكنه يستند إلى قوة سيده المطلقة.
- كل واحد عبد لله فقط وكل الناس متساوون.
- قنوع وقانع .-
- رحيم وراض مهما فقد.
- مستعد للتضحية بذاته في سبيل دينه وأمته.
- ولأن هذا الإنسان مؤمن بأن ما يملكه من نفس ومال هو أمانة لديه، فإنه يسعى جاهداً لتسليم الأمانة لصاحبها؛ لذا فهو يشعر بغاية السعادة ما دام ملتزماً بما يأمره به ربه تعالى.
ومن أجل ذلك كله كان من حق المسلم أن يستعلي وعلى المتغرب أن يخجل.
لقد حدّد النورسي مفهومه جيداً لما ينبغي أن تكون عليه سياسة الحكم؛ إذ يقول: «إن الاستبداد ظلم وتحكم في الآخرين، أما الدستور ، فهي العدالة والشريعة، فالسلطان إذا ما أطاع أوامر سيدنا الرسول الكريم، وسار في نهجه المبارك فهو الخليفة ونحن نطيعه، وإلا فالذين يعصون الرسول، ويظلمون الناس هم قطاع طرق ولو كانوا سلاطين».
نجح النورسي نجاحا باهرا في معظم بنود مشروعه الفكري رغم كل العواصف والأنواء التي أحاطت به والتي كانت تصلح كمبررات قوية للفشل لا مسوغات للنجاح. لكنه فشل في بند هام وهو إنشاء جامعة كبرى في آسيا على غرار الجامع الأزهر، تكون لغة التدريس فيها هي العربية لتجمع فكريا بين المسلمين وتقوى مركز العرب (كان كرديا يناصر العرب ورفض أن يشارك في الثورة على الأتراك لأنهم مسلمون.
سوف يفاجأ من يقرأ تاريخ النورسي عندما يكتشف أن مصرنا الغالية – حماها الله - أكثر تقدما بكثير من تركيا .. لكن في مجال التعذيب والقهر وتلفيق القضايا والتأثير على أحكام القضاء. بل إن النورسي لو كان في مصر لقتل كالإمام الشهيد حسن البنا أو الشهيد عبد القادر عودة أو الشهيد سيد قطب.. ولعذب في السجن الحربي.. أو سمم بالأكونتين أو دفن في صحراء ألماظة.
انتقل النورسي إلى رحمة الله تعالى يوم الأربعاء 26 رمضان 1379هـ (23/3/1960م) في ليلة لعلها كانت ليلة القدر. وبعد وفاته بأربعة شهور اختطف العسكر رفاته من قبره إلى جهة أخرى ظلت مجهولة إلى حد الآن .. ولقد حدث الأمر نفسه مع الشهيدين حسن البنا وسيد قطب.
ترى .. ماذا يمكن أن يفعلوا في بلادنا بشيخ يقول للرئيس - أي رئيس-: إن أعظم حقيقة بعد الإيمان هي الصلاة، وإن الذي لا يصلي خائن، وحكم الخائن مردود . .
ماذا يمكن أن يفعل الرئيس في مثل هذا خاصة إذا كان لا يصلي..
لقد قالها النورسي للهالك كمال أتاتورك ..ولم يجرؤ الكافر على المساس به..
ولعل قصة أتاتورك تجيب على سؤال محير يتساءل عن السبب في أن نجاح الحركة الإسلامية في تركيا يفوق مثيلتها في مصر..
أما الإجابة فهي أن نظم الحكم هناك كان أقل دموية وإجراما وقدرة على الكذب والتزوير والتعذيب.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
--------------
منقول من موقع المقريزي للدراسات التاريخية
http://www.almaqreze.net/munawaat/artcl513.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق