الأحد، 27 أغسطس 2023

القدس عبر التاريخ

القدس عبر التاريخ

    أخذت مدينة القدس أهميتها التاريخية من وجود المسجد الأقصى فيها، وقد بناه أول ما بناه نبي الله يعقوب، بعدما رفع إبراهيم عليه السلام قواعد الكعبة المشرفة بأربعين عامًا، وجدد بناءه وعظمه جدًّا نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام، وكانت بقعة المسجد وما حولها مركز عاصمة دولته العظيمة التي دانت لها بقاع الأرض حتى دخلت مملكة سبأ العظمى في حكمه بإسلام الملكة بلقيس عليها من الله الرحمة والرضوان.

    ثم حكى الله تعالى في القرآن أن بني إسرائيل لما طغوا وكفروا بأنبيائهم وقتلوهم، سلط الله عليهم الملك الآشوري بختنصر فسامهم سوء العذاب, قتل الثلث وسبى الثلث إلى بابل وترك العجائز والمرضى، وبقيت مدينة بيت المقدس خرابًا دهرًا، وبقي بنو إسرائيل متفرقين في الأرض، حتى اجتمعوا مرة أخرى وعمروا القدس وبعث الله فيهم زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام, فكذبوهم وقتلوا يحيى وهموا بقتل عيسى -عليهما السلام- فرفعه الله إليه.

    وفي ذلك الزمان غلبت عليهم الروم وشردوهم في الأرض مرة أخرى، ولما حكم الملك قسطنطين تنصر ودعا إلى تأليه المسيح وأنه ابن الله -تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا- وأحل الخنزير وحول القبلة إلى المشرق, وكان الأنبياء بعد موسى يصلون جميعًا إلى المسجد الأقصى, وكذلك أول أمر نبينا محمد صلي الله علية وسلم حتى نسخ ذلك، ووضع قسطنطين الصور في الكنائس، وأحل الخمر، وحرف تعاليم الأنبياء إلى الشرك والكفر بالله، لكنه أذل اليهود بسبب عداوتهم للمسيح وتفاخرهم أنهم قتلوه، وصدقتهم النصارى على هذه الدعوى إلى يومنا هذا، وألقى القمامة على الصخرة التي كانت اليهود تعظمها عند المسجد الأقصى، وكانت اليهود تلقي القمامة على الموضع الذي يزعمون أنهم صلبوا فيه المسيح, فلما حكم قسطنطين بَنَتْ أمه كنيسة على ما يظنون أنه قبر المصلوب، ألقت النصارى القمامة على الصخرة..

    وبقيت مدينة القدس تحت حكم الروم حتى فتح المسلمون بيت المقدس في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام 16هـ، وبقي اليهود من ذلك الحين أي قبل عام ثلاثمائة قبل ميلاد المسيح شتاتًا في الأرض..

    وقد ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله كما قال الله تعالى في القرآن, وذلك لقبح أفعالهم وشناعة جرائمهم كما وصف الله تعالى ذلك بقوله: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ} [النساء: 156، 157]. وكما قال عنهم أيضًا: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة: 78], إلى آخر الآيات التي بينت فساد عقائدهم وكفرهم وظلمهم.

    حتى جاء عام 1897م، فعقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية، وكان العقل المدبر وراءه اليهودي النمساوي "هرتزل", وأسست الحركة الصهيونية بهدف وضع الخطوط العريضة لمعالم الطريق إلى دولة يهودية في فلسطين, والعودة من جديد من الشتات إلى أرض الميعاد التي عاصمتها القدس، وبعد كل هذه القرون الطويلة من التشرد، أسس الصندوق القومي اليهودي واللجان المنبثقة عن ذلك المؤتمر.

    وتوصلت الحركة الصهيونية إلى الحصول على وعد بلفور بتاريخ 2-11-1917م، من بريطانيا لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

    ثم وافقت الأمم المتحدة بتاريخ 29-11-1947م، على تقسيم فلسطين المضطهد, وطن لليهود وآخر للعرب, وهو القرار الذي رفض عربيًّا وفلسطينيًّا.

    ثم بمعونة بريطانيا أعلن بن جوريون قيام دولة إسرائيل بتاريخ 14-5-1948م، وبدأت الحرب العربية الإسرائيلية رسميًّا لأول مرة.

    ثم قامت حرب 1967م، واحتلت فيها إسرائيل غزة والقدس وسيناء, وصدر بعد ذلك القرار (242) الذي يلزم إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة, ويطالب بحل عادل لقضية اللاجئين.

    ثم قامت حرب أكتوبر 1973م، وصدر القرار الدولي 338 يطالب بوقف القتال وتطبيق القرار 242.

    ثم جاء اتفاق كامب ديفيد الأول عام 1978م، ثم توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979م.

    ثم صدر قرار إسرائيلي بتاريخ 30-7-1980م يقضي بتوحيد القدس عاصمة لدولة إسرائيل.

    ثم تُوقِّع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 30-11-1981م، مذكرة تفاهم وتعاون استراتيجي مشترك.

    وبعده تجتاح إسرائيل الجنوب اللبناني المضطهد بيروت بتاريخ 6-6-1982م، وتخرج المقاومة الفلسطينية وترعى مذابح صبرا وشاتيلا، وذلك بعد أسابيع من تطبيق اتفاقية كامب ديفيد بالانسحاب من سيناء.

    ثم تسارعت الخُطا جدًّا بعد حرب الخليج، فجاء مؤتمر مدريد عام 1991م، فإعلان المبادئ الذي يسمى اتفاق أوسلو 13سبتمبر 1993م، فاتفاق غزة أريحا 1994م، فأوسلو 2 عام 1995م، فمذكرة تفاهم واي ريفر 1998م في شرم الشيخ، وكل هذه المؤتمرات كانت تقترب من قضية القدس وتتحاماها وتؤجلها، ثم جاء مؤتمر كامب ديفيد الثاني في 11-7-2000م الذي فشل بسبب الخلاف حول مصير القدس, وتبين بذلك أن قضية القدس هي قطب الرحى، وأن حركة اليهود التاريخية تتمحور حولها، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يتنازلوا عنها إلا بالقوة، وأنه لا حل للحق الإسلامي فيها وفي أرض فلسطين كلها إلا بالجهاد..

    وقد اجتمع للمسلمين الحق في القدس من جميع الجهات؛ فالحق الشرعي لأن الأنبياء كلهم مسلمون, ومنهم الذين بنوا بيت المقدس والمسجد، من يعقوب إلى المضطهد المسيح عيسى علية السلام الذي بشر بمحمد صلي الله علية وسلم، ونحن نؤمن بهم جميعًا, وأما اليهود فهم قتلة الأنبياء، وقد حرفوا تعاليمهم، وقد كفروا بالله تعالى لما كفروا بمحمد صلي الله علية وسلم المبشر به في التوراة والإنجيل، وكذلك لنا الحق التاريخي بحكم تملك المسلمين أرض فلسطين طيلة أربعة عشر قرنًا، وبالعرف والقانون الدولي كذلك، وإذا تنازلت أمة عن مثل هذا الحق الثابت الأركان فأي حياة تستحقها بعد ذلك؟!

    1- أول من بنى المسجد الأقصى نبي الله يعقوب  بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم السلام- بعد بناء إبراهيم للكعبة بأربعين عامًا.

    2- كانت فلسطين يسكنها الذين وصفوا في القرآن "بالجبارين" حتى فتحها يوشع بن نون  بعد وفاة موسى عليهما السلام, وكانت وفاته آخر زمن التيه، وبين كل منهما وبين يعقوب  أربعة آباء، وكان فتحها بعد خروج بني إسرائيل من التيه في صحراء سيناء بعد هجرتهم من مصر ونجاتهم من فرعون.

    3- جدد نبي الله سليمان بن داود -عليهما السلام- بناء المسجد وجعل موقعه وما حوله من المدينة عاصمة دولته العظيمة، وبين داود وبين يهوذا بن يعقوب  عشرة آباء.

    4- بعد موت سليمان  بمدة طغى بنو إسرائيل وكذبوا أنبياءهم وقتلوا بعضهم وعلوا في الطغيان؛ فسلط الله عليهم الملك الآشوري بختنصر فسامهم سوء العذاب, قتل الثلث وسبى الثلث إلى بابل وترك العجائز والشيوخ والمرضى، فبقيت المدينة خرابًا دهرًا، وبقي بنو إسرائيل مشردين في الأرض.

    5- اجتمعوا مرة أخرى وعمروا المدينة وبعث الله فيهم من الأنبياء زكريا ويحيى وعيسى المسيح ابن مريم البتول عليهم السلام، فكذبهم من كذبهم من بني إسرائيل ودبروا قتل يحيى  وهموا بقتل عيسى المضطهد فرفعه الله, ولم يقتل ولم يصلب ولكن شبه لهم، ولكنهم أعلنوا قتله وصلبه متفاخرين بذلك قاتلهم الله.

    6- غلبت الروم على بني إسرائيل واستولوا على بيت المقدس, وشرد بنو إسرائيل في الأرجاء مرة أخرى، ثم غلب على دولة الرومان الملك قسطنطين, وقد تنصَّر ودعا إلى تأليه المسيح وأنه ابن الله -تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا- متأثرًا بما كان يقوله قساوسة النصارى الذين حرفوا دين عيسى الحق بعد رفعه إلى السماء، وأحل الخنزير وحول القبلة إلى المشرق, وكان بنو إسرائيل بعد موسى يصلون إلى المسجد الأقصى, وكذلك أول أمر نبينا محمد صلي الله علية وسلم حتى نسخ ذلك، ووضع قسطنطين الصور في الكنائس ولم تكن كذلك، وحرّف تعاليم المسيح من التوحيد إلى الشرك والكفر..

    ولكنه أذل اليهود بسبب عداوتهم للمسيح وتفاخرهم أنهم قتلوه، وقد آمنت النصارى أن اليهود فعلوا ذلك، وكان من إذلال قسطنطين لليهود أن أمر بالقمامة التي كان اليهود يلقون بها على ما يعتقدون أنه قبر المصلوب، مبالغة منهم في إهانة المسيح علية قاتلهم الله، أمر أن ترمى على الصخرة عند المسجد الأقصى؛ لأن اليهود كانوا يعظمون الصخرة، وقد بَنَتْ أم الملك قسطنطين كنيسة على موضع القبر الذي يظنونه قبر المصلوب وسميت كنيسة القيامة، وقد بقي اليهود مشردين ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله منذ ذلك الحين كما قص الله تعالى ذلك في القرآن، ذلك بسبب كفرهم وطغيانهم.

    7- بقيت مدينة القدس تحت حكم الروم حتى فتحها المسلمون في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب سنة 16هـ، وتوالى عليها الحكم الإسلام من ذلك اليوم حتى دخول القوات البريطانية فلسطين إثر تداعيات سقوط الخلافة الإسلامية، أوائل القرن الماضي، وقال قائدهم قولته المشهورة: "الآن انتهت الحروب الصليبية"، ويستثنى من ذلك فترة الاحتلال الصليبي الذي أنهاه صلاح الدين.

    8- دعا اليهودي النمساوي هرتزل إلى تأسيس الحركة الصهيونية, فنجح في إقامة مؤتمرها الإنصاف عام 1897م في بازل بسويسرا، لوضع الخطوط العريضة لمعالم الطريق إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين, والعودة إلى أرض الميعاد عاصمتها القدس، أسس في ذلك المؤتمر اللجان والصندوق القومي للحركة.

    9- طمع اليهود -وقد كانت لهم يد في المؤامرة على إسقاط دولة الخلافة الإسلامية- في منحهم وطن في فلسطين تكون عاصمته القدس، وذلك فور علمهم بنية تقسيم ممتلكات دولة الخلافة الإسلامية فيما عرف باتفاقية سايكس بيكو.

    10- استغلوا نفوذهم في الحكومة البريطانية للحصول على وعد بلفور بتاريخ 2-11-1917م، من بريطانيا لمساعدة اليهود لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين.

    11- تعاظمت الهجرة اليهودية إلى فلسطين إثر صدور الوعد، وتحت الاحتلال البريطاني وبمساعدته تمكن اليهود من تنظيم البنية السرية التحتية لنظام الدولة، إلى جانب العصابات الإرهابية والجيش.

    12- لم ينته الاحتلال البريطاني حتى وافقت الأمم المتحدة بتاريخ 29-11-1947م، على تقسيم فلسطين إلى وطن لليهود وآخر للفلسطينيين, وهو القرار الذي رفض عربيًّا وفلسطينيًّا.

    13- أعلن بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل قيام دولة إسرائيل بتاريخ 14-5-1948م، وبدأت الحرب العربية الإسرائيلية رسميًّا لأول مرة.

    14- توالت الحروب بين العرب واليهود، حرب 1948م، ثم حرب 1967م التي احتلت فيها إسرائيل القدس إلى جانب غزة وسيناء, وصدر ذلك القرار رقم (242) الذي يلزم إسرائيل بالانسحاب من الأرض المحتلة ويطالب بحل قضية اللاجئين، ثم حرب 1973م، التي استفادت بسببها إسرائيل بعقد اتفاقية كامب ديفيد عام 1978م؛ فاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل 1979م، فاستطاعت تحييد مصر وشق الصف العربي، وأخذت الجبهة العربية منذ ذلك الحين في الضعف والانهزام.

    15- صدر قرار إسرائيلي بتاريخ 30-7-1980م، يقضي بتوحيد القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل.

    16- وقَّعت والولايات المتحدة الأمر بتاريخ 30-11-1981م، مذكرة تفاهم وتعاون استراتيجي مشترك، وبعده اجتاحت إسرائيل الجنوب اللبناني إلى بيروت بتاريخ 6-6-1982م، وأخرجت المقاومة الفلسطينية، وحصلت مذابح صبرا وشاتيلا، وكان ذلك بعد أسابيع من تنفيذ اتفاقية كامب ديفيد بالانسحاب الفعلي من سيناء، وستطبق إسرائيل نفس سياسة غزوها سيناء ثم الانسحاب والحصول على اتفاقيات سلام وتفكيك الجبهة العربية، وذلك في الانسحاب من جنوب لبنان على أمل أن تحصل إسرائيل على مكاسب سياسية مثل اتفاقية السلام مع مصر، وهو الأمر الأهم عند إسرائيل من احتلال الجنوب اللبناني.

    المصدر: (مقالات في المنهج) الجزء الثاني للشيخ حامد بن عبد الله العلي.


    الـرد على الأحمـق المطاع.. وخطابه الحقيـر في ذكرى النكبـة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق