حديث الصدق
د.ليلى حمدان
حديث الصدق حديث مهيب ترتج له جدران القلب خشوعا ووجلا! حديث يجب أن يذكر في كل مجلس وكل اجتماع وكل خطب وسرور.
يذكر الله الصدق في مقامات جليلة! في كل آية وسورة لا يزال الصدق قاعدة أولى يبنى عليها العمل ويأتي معها الاصطفاء! وما أدراك ما الاصطفاء، فطوبى لمن شهد الله له بالصدق!
(أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) (أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)
لقد تأملت في كل ابتلاءات المسلمين في زماننا، كل مصائبهم ونوازلهم، لم أجد مثل فجيعتنا بالصدق!
نحن في زمن فقدنا فيه قيمة الصدق، فخسرنا كل قيمة وأولها قيمة أنفسنا كمسلمين!
إن لم نعد للصدق هيبته، فلا قيمة لعيشنا ولا شيء في هذه الدنيا! إنه الصدق الذي تسابق عليه الصحابة قولا وعملا وفداء!
لقد هانت كلمة الصدق في القلوب!
هانت في التعاملات وهانت في الوصاي اوالمواعظ!
لم تعد الكلمة تفعل فعلها في النفوس!
لأن البخس والغمط لمفهوم الصدق قد بلغ مبلغا منذرا!! وكل بناء بلا إصلاح لمفهوم الصدق، هدم!
وكل بناء بدون أساس الصدق هشاشة وضعف!
كل بيعة كل تجارة كل معاملة بلا مهر الصدق غش!
حين تتأمل مواقف الصحابة في امتحانات الصدق!
حين ترى الصحابي الجليل يذرف الدمع لسبق أخيه غبطة وحبا في الله!
حين يبذلون في عسر! ويفدون بأنفسهم في يسر!
تدرك أنهم سبقوا بصدقهم، لقد كان للصدق أثره في سيرهم وآثارهم إلى يومنا! إن كلمة التوحيد ليست مجرد ترديد لكلمة مهيبة! بل هي ميثاق وبيعه!
(وَإِذ زَاغَتِ الْأَبصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)
كلما اشتد الإيمان! اشتد الامتحان، لا تحسبن أن مراتب الإيمان طريق ممهدة مفروشة بالورود! لا بد أن يهرس قلبك هرسا! وتبلغ القلوب الحناجر! لابد ان يرى الله منك مدى صدقك!! فيا له من امتحان!
لأجلك ولأجل كل مؤمن ومؤمنة، ولأجل الأمة المسلمة، ليكن حفظ شرف الصدق ومهر الصدق أولى أولوياتك. في نفسك ومع نفسك! في معاملاتك ومع من حولك.
في أقوالك أشد ما تحرص، كما في أفعالك وأعمالك، ليكن كل ما يصدر منك دماؤه الصدق!
ومجاهدة النفس على الصدق فضل وشرف، قبل أن تكون مهمة وواجب.
فالله تعالى يؤيد الصادقين ويحبهم! الله جل جلاله يعطي الصادقين قوة ويقينا ومعية، لا تبارى.
وجمع أسباب الثبات على سبيل الصدق يبدأ من أخذ كتاب الله بقوة، بقوة لا تقبل المساومة! القرآن أيها الناس أول باب لبلوغ مراتب الصادقين.
لا تحزن إن وجدت نفسك في واقع يبخس الصدق ولا يشتريه!
لا تبتئس إن رأيت الصادقين أكثر الناس المكلومين في زماننا، غدرا وأذية وظلما وعدوانا.
لا تبالي إن رأيت ثمن الصدق غربة ووحدة ومناجزة وملاحم! فتلك سبيل عرفها سيد الخلق أجمعين، وعرفها صحابته الكرام، فكيف تريد جوارهم وصحبتهم ببخل واقتصاد!
في الجنة من المؤمنين مراتب عظيمة، عبر كل العصور والأزمنة، هناك لقاء مهيب يجتمع فيه الأكثر صدقا في أعلى المراتب التي يغبطهم عليها الناس!
في الجنة الجزاء الأوفى وتحقيق المنى! ألا يستحق ذلك أن تبذل الأنفس والمهج في برهان الصدق، قولا وعملا. لتكن تربية النشء على الصدق ومعرفة قيمته!
سألتني غالية! حدثينا عن الصدق، أكتبي كلمات عن الصدق، سطري المعاني التي تشرق لها الروح مع الصدق، فقلت الصدق لا يكون بمداد قلم! ولا بخطب منابر ومواعظ مجالس! الصدق له ميادينه، وساحاته .. هي الأثقل على النفس! وهي الأكثر غربة ووحشة، وهي في الصبر والمصابرة والعمل الدؤوب بلا كلل ولا ملل.
الصدق هو أثمن صفقة بين العبد وخالقه، هي بيعة لا قيمة لأقوال البشر وأحكامهم فيها ممهورة هي بإخلاص لا يشهد عليه إلا الله جل جلاله!
لذلك كان ولا يزال الصدق أثمن المطالب وأسماها. الصدق!
إنه الرضا حين يسخط الناس، والإدبار عن الدنيا حين يقبل عليها الناس!
إنه حب الموت في سبيل الله حين يجبن الناس.
لذلك لا يليق بالصادق إلا صحبة الصادقين مثله، فهم في تواصٍ بالحق والصبر وضرب لأمثلة النبل والوفاء، محبة في الله وبذلا وفداء، حتى لقاء عند الله تعالى يرجون رحمته! فكل بلاء في هذه السبيل رفعة لهم وكل منحة بعدها محنة! حدثوا أنفسكم عن الصدق، فإنه شفاء، للقلب وقوة في الجوارح والأعمال.
إن قراءة قصص الصادقين والصدّيقين، مصدر إلهام لكل من ينشد مراتب الصادقين، وإنها قدوة أولى في كل مسيرة، لمنازل الخالدين. فلا يحرم النجيب نفسه، ولا يحرم من يحب، من هذا المعين من القوة والفضل وأسرار علو الهمة.
بالصدق، يعيش المؤمن مسيرة يحيط بها لطف الله تعالى! كلما أوذي في سبيل الله وجد المواساة قريبة فيزداد قوة! حديث الصدق حديث ذو شجون، لا تفيه الكلمات والعبارات حقا! وهو فضل لا يناله إلا موفق! فاسأل الله تعالى من فضله، وإن كان من وصية لكل من ينشد مراتب الصادقين، فهي هذه الآيات الجليلة!
(وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) )
اللهم اجعلنا من الصادقين الذين رضيت عنهم ورضوا عنك، اللهم مراتب الصديقين والشهداء!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق