الثلاثاء، 21 أكتوبر 2025

لبنان المنسي أمام جحيم سلام ترامب

 لبنان المنسي أمام جحيم سلام ترامب

وائل قنديل\


تحلّق المسيّرات الصهيونية فوق القصر الرئاسي في لبنان، وفوق مقرّ الحكومة، فيما تقصف المقاتلات مناطق في الجنوب اللبناني بشكل روتيني، يكاد يكون يوميّاً، ناهيك عن التوغلات البرّية لاجتثاث أشجار الزيتون. لدى العدو دائما أزمة نفسية مع أشجار الزيتون في فلسطين ولبنان، فيحرقها أو يقتلعها، الزيتون معمّر وضارب بجذوره في التاريخ، والاحتلال مستحدَث وعابر على هذه الأرض. ولذلك لا يكفّ عن الاعتداء عليها وما عليها من رموز وشواهد على عروبتها.

في لبنان، كما في غزّة، للصهيوني أن يعتدي ويمارس الخروقات لكلّ اتفاق، وهو مطمئنٌ إلى أن تاجر السلام الأميركي سيغطّيه بعبارة "الدفاع عن النفس"، فيما كلّ بادرة لردّ العدوان هي في نظر الراعي الأميركي عدوانٌ أشدّ، فإسرائيل صغيرة، ومن حقّها أن تتوسّع وتتمدّد في جغرافيا الأوغاد الذين يحيطون بها. هكذا يؤمن دونالد ترامب وفريقه الذي يتفوّق على عتاة اليمين الصهيوني في الانحياز لإسرائيل، في ظلّ خضوع كامل من موزّعي السلام العرب لمنطق ترامب ورؤيته إلى المنطقة.

 في العقيدة الأميركية، ليس من حقّ أحد امتلاك السلاح في المنطقة إلا إسرائيل، وليس لأحد الكلام بلغة السلاح إلا الاحتلال، ورويداً رويداً نجحت واشنطن في تدريب اللسان الرسمي العربي على مقولة نزع السلاح بوصفها مرادفاً للسلام والاستقرار في المنطقة، وبموازاة ذلك يستبسل الإعلام  في تعويد الأذن العربية على "نزع السلاح" مفردةً من مفردات قاموس السلام، ويصير المشهد أكثر مأساويةً، حين يجري تسويق قمم نزع السلاح وتجريم أعمال المقاومة، باعتبارها انتصاراتٍ أحيت القضية، وأنقذت الشعب الفلسطيني في غزّة من الهلاك. تماماً كما أنّ لبنان موعود بعملية إنقاذ مماثلة تشترط أن يكفر بمقاومته، ويقتلع سلاحها كما يقتلع الاحتلال أشجار الزيتون.

المطلوب أن يعتاد المواطن العربي تحليق المسيّرات الصهيونية فوق رأسه، ورؤية توغّلاتها البرّية بالعمق الذي تريده، ثم يلعن مقاومته ويعتبر سلاحها أداة قتله، ولا يُمانع في التصفيق لمبعوث ترامب إلى لبنان، توم برّاك، وهو يعلن أنّه إذا بقيت الدولة اللبنانية متردّدة في الهجوم على سلاح المقاومة ونزعه بالقوة ستتولى إسرائيل المهمّة من طرف واحد، بالضبط كما يتوعّد ترامب المقاومة الفلسطينية  كلّ يوم، بالقضاء عليها، بيده أو بيد إسرائيل أو بيد حلفائه العرب الذين يبتلعون ألسنتهم ولا يستطيعون التعليق، إذ يعلن أنّ حلفاءه في الشرق الأوسط يرحّبون بدخول غزّة عسكريّاً وتأديب حركة حماس وكتابة نهايتها "السريعة والعنيفة والوحشية"، بنص كلماته أمس. ... 

وفي هذه الأجواء الإرهابية بامتياز، يجد لبنان نفسه وحيداً ومُحاصراً بالأعداء و"الأشقاء حلفاء ترامب".

ارتبطت قمم سلام شرم الشيخ  دائماً بأوجاع لبنان، كما جرى في ربيع العام 1996 حين وقف حسني مبارك والسعادة تملأ وجهه وهو يستقبل  الرئيس الأميركي، بيل كلينتون، ورئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، شيمون بيريز، والرئيس الروسي، بوريس يلتسين، والرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني، هيلموت كول، والرئيس التركي، سليمان ديميريل، و13 حاكماً عربيّاً لكي يجتمعوا في "قمّة" تقرّر تصنيف المقاومة ضدّ الاحتلال إرهاباً يستوجب محاربته. 

وبحسب البيان الختامي لما سمّيت "قمّة صانعي السلام" في شرم الشيخ، أكّد المشاركون "إدانتهم الشديدة كل أعمال الإرهاب، بكل أشكالها النكراء، مهما كانت دوافعها، وأياً كان مرتكبوها، بما في ذلك الهجمات الإرهابية الأخيرة في إسرائيل، ويعتبرونها دخيلةً على القيم، الأخلاقية والروحية، لكل شعوب المنطقة. ويعيدون تأكيد عزمهم على الوقوف، بكل حزم، ضد هذه الأعمال. ويحثّون كل الحكومات على الانضمام لهم في هذه الإدانة، وهذه الوقفة إزاء تلك الأعمال الإرهابية".

ولم تمض أيام حتى كان الاحتلال الصهيوني يجتاح لبنان جوّاً وأرضاً وبحراً في أوسع عدوان اختار له اسم "عناقيد الغضب"، ومن خلفه واشنطن تبرّر وتدعم وتزوده بالسلاح، فهو يحارب مقاومة هي بمنطوق قرارات شرم الشيخ إرهاب، يتشارك الحلفاء الشرق الأوسطيون في محاربته.

والآن "شرم شيخ" أخرى أكثر شراسة وخضوعاً للمشيئة الأميركية والرغبة الصهيونية، ولا يزال في لبنان مقاومة، وفيه رئيس حكومة من نوعية جديدة كليّاً، يرى إضاءة صخرة الروشة بصورة رمز المقاومة في ذكرى استشهاده أخطر على لبنان من تحرّش المسيّرات بمبنى حكومته وعربدة الجرّافات في أراضيه، فأيّ جحيم سوف يفتتحه ترامب ونتنياهو، وأي حلفاء هذه المرّة سيباركون عملية تأديب جديدة لمقاومة عربية أخرى؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق