الجمعة، 31 أكتوبر 2025

أسباب صدام الحكومات المصرية المتعاقبة مع جماعة الإخوان المسلمين (9)

أسباب صدام الحكومات المصرية المتعاقبة مع جماعة الإخوان المسلمين (9)    

أحمد هلال
حقوقي وكاتب

     

علاقة الإخوان المسلمين بالرئيس السادات وطبيعة المرحلة

توفي عبد الناصر في سبتمبر 1970م واختير محمد أنور السادات ليكون خليفة له، وحاولت مراكز القوي استغلاله وتسيره كما يروا وفقا لأهوائهم غير أنه أدرك مرامي خطتهم واستطاع أن يقضي عليهم في ثورة التصحيح في 15/5/ 1971م ليستقر له الحكم، ونظر من حوله فوجد أن الشيوعيين يسيطرون على كل مقاليد الحياة الإعلامية والثقافية والعسكرية، وأفرج عن المعتقلين السياسيين بمن فيهم الإخوان المسلمين وأفسح لهم المجال للعمل على العودة بالمجتمع إلى التمسك بتعاليم الإسلام وما جاء به، فأحسن الإخوان الدعوة وعملوا في هذه الفترة على تربية المجتمع تربية إسلامية فعاد التدين إلى المجال العام من جديد فأخذ عدة مظاهر فظهر الحجاب في الجامعات مرة أخرى وبدأ الشباب يرتادون المساجد.

الإطار الدستوري والسياسي في عهد السادات

كما أدخل السادات تعديلات دستورية جديدة حيث نصت المادة الثانية من دستور 1971م أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية وأضافت إلى النص القديم ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع ثم عدلت إلى “الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”.

كما أفسح المجال أمام التعددية الحزبية المقيدة كشكل وديكور وليس كحقيقة تسمح بتداول السلطة، غير أن الحياة السياسية شهدت بعض المعارضات لسياسة السادات بسبب تمركز السلطات في يده واستئثار الحزب الوطني بالحياة السياسية كلها وهيمنة مؤسسة الرئاسة عليه في وجود بعض الأحزاب الضعيفة، ناهيك عن أن كوادر الحزب لم تأت من قواعده وإنما كان يتم تعينها، ومن ثم تركزت السلطة في يد الرئيس.

ولقد أصدر النظام عدة قرارات لتقييد المشاركة السياسية مثل قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977م والمعدل بقانون 36 لسنة 1979م، وقانون حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي رقم 33 لسنة 1978م وهي القوانين التي تضمنت حرمان بعض القوى السياسية من ممارسة العمل الحزبي، كما صدر قانون رقم 105 لسنة 1980 بشأن إنشاء محاكم أمن الدولة والقانون رقم 148 لسنة 1980 بشأن حرية الصحافة بالإضافة إلى الإبقاء على بعض القوانين المقيدة للحريات السياسية والتي ورثها النظام من الحقبة الناصرية (وذلك أيضا استمر في عهد حسني مبارك) كما ذكر الدكتور على الدين هلال في كتاب “المشكلة السياسية في مصر ص (15)”.

كما كان الضعف المؤسسي هو سمت هذا العصر ومن ثم ضعف البرلمان مما كان دافعا لانتقاد الهيئات السياسية له.

إعادة تنظيم الإخوان المسلمين واستراتيجيتهم

منذ أن خرج الإخوان من معتقلاتهم وهم قد عملوا جاهدين على ترتيب وتنظيم صفوفهم وإعادة هيكلتها من جديد بعد وفاة المستشار الهضيبي واختيار الأستاذ عمر التلمساني خليفة له، والذي عمل على عودة مجلة الدعوة مع باقي إخوانه، وقد سمح النظام لهم بذلك إلا أنه لم يسمح لهم بالعودة القانونية كهيئة إسلامية أو كحزب سياسي، وفي ذلك تقول الدكتور هالة مصطفي ص(203): «إن معارضة الإخوان لنظام السادات لم تأخذ شكلا عنيفا من قبل الإخوان أو التحدي السافر للسلطة بل كانت أقرب إلى ممارسة الضغط السياسي على النظام بهدف دفعه إلى تقديم تنازلات سياسية، ومن ثم حرص الإخوان على تمييز أنفسهم عن الجماعات الإسلامية التي ظهرت في نفس الحقبة ولجأت إلى العنف كوسيلة للتغيير السريع».

أسباب التصادم بين الإخوان المسلمين والسادات

غير أن الصدام بين الإخوان والسادات كانت بسبب مطالبة الإخوان بالشريعة الإسلامية وتطبيقها وهذا ما كان يصطدم مع شعار السادات “لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة”، وأيضا موقف الإخوان الواضح من قانون الأحوال الشخصية والرافض له مما جعلهم في صدام مع النظام.

هذا غير الإجراءات الاقتصادية التي اتخذها النظام في رفع الدعم عن السلع الغذائية مما سبب أزمة في يناير 1977م والتي ندد بها الإخوان.

غير أن الصدام بلغ الذروة بعد زيارة السادات للقدس وعقد معاهدة صلح مع اليهود حيث أخذ الإخوان عبر صحيفتهم مجلة الدعوة وعبر الطلبة إلى تجريم تصرف السادات ومضار هذه المعاهدة وأثارها السلبية على المدى القريب والبعيد على المجتمع المصري والعربي والإسلامي فكان ذلك بمثابة تحدي للنظام -كما تصور- وفي ذلك يقول الأستاذ عمر التلمساني: «نحن ننظر إلى الأمر من الناحية العقيدية التي تحرم على المسلم أن يرضى باقتطاع جزء من أرضه راضيا مختارا».

تصعيد الصراع وملاحقة الإخوان

عمل النظام على الصدام مع الإخوان بسبب ما يسببونه له من حرج بسبب معارضتهم له في سياسته التي لم تكن في صالح البلاد أو الشعب مما دفعه لغلق مجلة الدعوة في سبتمبر 1981م، وأخذ السادات بعد ذلك في خطاباته يهاجم الإخوان ففي خطابه في 6/9/1981م قال: «الإخوان المسلمين جمعية غير موجودة رسميا وغير شرعية بمقتضى قرار مجلس قيادة الثورة»، وأيضا قام في لقاء الإسماعيلية الشهير في 27 رمضان 1399هـ بمهاجمة الأستاذ عمر التلمساني وقد رد الأستاذ عمر التلمساني عليه بقوله: -كما ذكر الدكتور عبد العظيم المطعني في كتابه (أدب الإسلام في السياسة والرياسة) ص(40) «لو أن غيرك اتهمني لكنت شكوته إليك إنما اليوم إلى من أشكو ..أشكو إلى الله .. أنا برئ من كل ما قلت –أنا طاهر من كل ما قلت أنا نظيف –أنا مسلم».

قضية الشرعية القانونية للإخوان

ومن أسباب الصدام أيضا مطالبة الإخوان بشرعية الجماعة يقول الأستاذ إسماعيل تركي في بحثه الوجود القانوني للإخوان المسلمين: «وقد قام الإخوان برفع الدعوى (133) لسنة 32 قضاء إداري، وكان رافعو الدعوة كلاًّ من الأستاذ «عمر التلمساني» والأستاذ «محمد حامد أبوالنصر» والأستاذ «توفيق الشاوي»، وطالبوا بإلغاء قرار مجلس قيادة الثورة بحلِّ الإخوان، واستمرت الدعوى في التداول حتى عام 1992م حين قضت محكمة القضاء الإداري في 6/2/1992م بعدم قبول الدعوى؛ لعدم وجود قرار إداري بحلِّ الإخوان، وقررت في حيثيات حكمها: أنه من حيث المستقر عليه فقهًا وقضاءً أنه يشترط لقبول دعوى الإلغاء أن يكون هناك ثمة قرار إداري

وبناءً على ذلك الحكم؛ فإن القضاء الإداري يقر بأنه ليس هناك قرار يمنع الإخوان من ممارسة أنشطتهم، ورغم ذلك قام الإخوان برفع دعوى استئناف لذلك الحكم، ولم يحكم فيها إلى يومنا هذا، وهو حكم يحتاج إلى قرار سياسي أكثر منه إجراء قانوني.

الاصطدام الشامل واغتيال السادات

ولم يكن صدام السادات بالإخوان فحسب بكل كان مع كل الطوائف حتى بلغت ذروة الصدام بين النظام والقوى السياسية والدينية في سبتمبر 1981م حينما قام السادات باعتقال رموز وبين أعضاء هذه الهيئات الدينية السياسية بما فيهم الأستاذ عمر التلمساني والبابا شنودة والشيخ أحمد المحلاوي وغيره.

حتى أسفر هذا الصدام عن قرار جماعات العنف باغتيال السادات يوم 6/10/1981م وذلك بسبب سياسته في أخر عهده، ولذا:

1- فقد اصطدم النظام بالهيئات الإسلامية السلمية كالإخوان لسياستها المعارضة لسياسته.

2- أصطدام النظام بجماعات العنف لسياستها العنيفة نحو النظام و تعامل النظام معها بنفس الطريقة.

3- اصطدم النظام مع المؤسسات الرسمية كالأزهر بسبب مواقفه نحو بعض القوانين التي أقرها النظام بالرغم من مخالفتها الدستور والشريعة.

4- اصطدم النظام مع الأقباط* بسبب حركة الاحتجاج المسيحي والتي تزعمتها الكنيسة القبطية بسبب المادة الثانية من الدستور.

وللقصة بقية المقال القادم

الإخوان المسلمين وحسني مبارك


 الأقباط* هو اسم عرق وجنس جمعى وليس اسم عقيدة ودين ولا طائفة عقائديه وهم سكان مصر الأصليون وكانوا يتحدثون اللغة القبطية وهي المرحلة الأخيرة من تطور اللغة المصرية القديمة - جاء في "لسان العرب" أن القبطي هو المصري، سواء كان نصرانيًا أو لا 



أسباب صدام الحكومات مع جماعة الإخوان المسلمين (8)


أسباب صدام الحكومات مع جماعة الإخوان المسلمين (7)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق