أسباب صدام الحكومات مع جماعة الإخوان المسلمين (7)

الإخوان ومرحلة جديدة
لقد عاد الإخوان إلى الحياة السياسية بعد أن حكمت لهم المحكمة بذلك، واندمجوا في الحياة بقوة، واشتركوا في تأمين الثورة.
كما أنهم ظهروا بمظهر القوة في حرب فلسطين وحرب القنال؛ مما كان سببا في خوف أي نظام من قوتهم.
وقد أدرك مجلس قيادة الثورة -ومن بعد عبد الناصر- هذه الحقيقة فتجنبوا إثارتهم وحاولوا كسب ودهم في هذه المرحلة التي تحتاج فيها الثورة لدعم شعبي متمثل في الإخوان المسلمين الذين كانوا يعدون قوة ضاربة في أكباد البلاد من شرقها لغربها.
حتى إن مجلس قيادة الثورة عندما أقدم على حل الأحزاب استثنى جماعة الإخوان من ذلك الحل.
يقول بغدادي: «بعد أن رأى مجلس قيادة الثورة تعنت الأحزاب في التطهير قام باعتقال بعض قادتها، وأصدر في 17/1/1953م قرارًا بحل الأحزاب والهيئات السياسية ومصادرة أموالها فيما عدا جمعية الإخوان المسلمين باعتبارها منظمة دينية خاصة».
وليس ذلك فحسب، بل قام مجلس قيادة الثورة في 11/10/1952م بإصدار عفو شامل عن قتلة الخازندار.
كما أصدر القانون رقم (179) في 3/9/1952م والذي استند إلى كون الإخوان ليسوا حزبًا سياسيًا ولا ينطبق عليهم ما ينطبق على الأحزاب.
كانت هذه الفترة تتميز بالصدام بين كل الأطراف كل يحاول أن يكون الطرف الفائز في هذا الصراع.
وكانت جماعة الإخوان المسلمين في منأى عن تلك الصدامات، مما يدل أن الصدام ليس من طبيعة الإخوان بل هو طبيعي في أنظمة الحكم الفردي والشخصي ليحافظ على وضعه ومكاسبه الشخصية التي حققها.
لذا عندما أراد عبد الناصر أن يدمج الإخوان في هيئة التحرير ورفضهم ذلك لكونهم منظمة دعوية والهيئة لا تقوم على هذا الهدف بدأ الصدام.
خاصة بعدما أقام طلاب الإخوان المسلمين بجامعة القاهرة حفلًا وكان سيتحدث فيه نواب صفوي زعيم فدائيان إسلام الإيراني، والذي كان يقف في وجه استبداد الملك رضا بهلوي.
فقام الشباب التابعون لهيئة التحرير بمهاجمة الحفل ومحاولة إفشاله بالقوة.
فما كان من طلبة الإخوان إلا أنهم تصدوا لهم وأوسعوهم ضربا فارتد شباب الهيئة مقهورين فحملها عبد الناصر.
فيقول بغدادي ص(88: 91): «اجتمع مجلس قيادة الثورة في استراحة وزارة الأوقاف بمنطقة الأهرامات يوم 18/12/1953م وناقش بعض الموضوعات والتي من أهمها كيفية القضاء ومقاومة الإخوان المسلمين.
كما ناقشنا الطريقة المثلى لحل جمعيتهم، وأن نستفيد من الانشقاقات الموجودة داخل الإخوان بعضهم البعض ونغذيها لإضعافهم.
كما ناقشنا أن حل جمعيتهم الآن سيزيد العطف عليهم وتمسك الشعب بهم.
غير أن عبد الناصر بحكم أنه وزير الداخلية تعجل وأصدر قرارًا بحل الإخوان في 17/1/ 1954م واعتقال قادتهم.
وذلك بسبب صدام طلبة الإخوان مع طلبة هيئة التحرير، كما قام بفصل طلبة الإخوان والضباط والموظفين المنتمين لهم».
الأستاذ عبد القادر عودة والمستشار حسن الهضيبي وعبد الناصر
منذ أن جاء المستشار الهضيبي وتولى منصب المرشد العام وهو ينظر للأسباب التي قد تؤدي لصدام الإخوان مع أي نظام.
فوجد أنها متمثله في النظام الخاص بشكله القديم فقام وأعلن أنه لا سرية في الدعوة وبدأ تشكيل النظام الخاص من جديد حيث دمج أعضاءه في العضوية العامة للجماعة.
فلقي هذا التغيير معارضة من قادة النظام القديم فاجتمعت الهيئة التأسيسية وناقشت هؤلاء الأخوة غير أنهم ظلوا مقتنعين بما يروا.
فقامت الهيئة بفصلهم في نوفمبر 1953م وكانوا «عبد الرحمن السندي ومحمود الصباغ وأحمد زكي وأحمد عادل كمال».
فزاد بذلك عنصر الشقاق داخل صف الدعوة بسبب عدم وضوح الرؤية للقاعدة من الإخوان.
فكانت فترة تضارب أحدثت هزة قوية استغلها عبد الناصر في معرفة كيف يوجه الضربة للإخوان لكسر شعبيتهم.
فكان يحادث كل طرف من الإخوان بشكل ولون غير أن رجال الدعوة لم ينخدعوا كثيرا بما كان يفعله عبد الناصر معهم فظل الصف متماسكا.
خاصة بعد فشل عبد الناصر في حمل الإخوان على فصل المستشار الهضيبي من مركزه وعدم قدرته في السيطرة الكاملة على الإخوان.
مما كان سببا في جزعه وخوفه المستمر منهم وزاد هذا الشعور بعدما قام الإخوان بمظاهرة عابدين في مارس 1954م.
ورأى عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة قوة الإخوان التي ظهرت فيها فقام بإصدار قرار بالإفراج عن جميع الإخوان وفي مقدمتهم المرشد العام في 26/ 3/ 1954م.
وذكرت صحيفة الأهرام في صفحتها السابعة خبر زيارة جمال عبد الناصر لمنزل المرشد العام لتهنئته بالإفراج.
حتى إن محمد نجيب كما ذكر بغدادي تساءل في اجتماع 24/ 7/ 1954م عن سبب زيارة جمال للمستشار حسن الهضيبي.
وأن كل ذلك يتم بدون معرفة مجلس قيادة الثورة وهو خاصة.
لم يكن صدام عبد الناصر مع الإخوان في محنة 1954م صدام من قبل الإخوان كما يروج بعض الكتاب.
بقدر ما هو عملية ديناميكية كرد فعل على محاولة الإخوان التأثير في الشعب وازدياد شعبيتهم لديه.
فاصطنع عبد الناصر هذا الحادث –كما ذكر حسن التهامي في جريدة الأحرار- ليرفع من شعبيته ويقضي على الإخوان.
وتم ذلك في حادث المنشية الذي تم في 26/10/1954م والتي لم يكن عبد الناصر قد انتهى من خطابه حتى زج بآلاف الشباب داخل المعتقلات.
وكانت كل القرائن تدل على أن هذا الحادث مصطنع وليس حقيقيا.
(وكل ذلك واضح في تتابع الأحداث والتي ذكرتها صحف الأهرام والجمهورية والأخبار لأيام 27 أكتوبر حتى 4 نوفمبر 1954م والتي يظهر من بين سطورها كذب وافتراء هذا الحادث).
صدام عبد الناصر مع كل الهيئات والقوى السياسية
لم تقصر الفترة على التخلص من الإخوان فحسب بل عمل عبد الناصر على التخلص من كل من ينادي بالحريات والحكم النيابي.
فعندما طالب الدكتور السنهوري رئيس مجلس الدولة بذلك حرك عبد الناصر بعض رجال هيئة التحرير واعتدوا عليه في مكتبه، ونددوا بالديمقراطية.
كما قام باعتقال الشيوعيين وقادة الأحزاب مما يدل أن الصدام طبيعة في شخصية عبد الناصر وليس في الغير بسبب سعيه للحكم الفردي السلطوي.
تقول الدكتور هالة مصطفي في كتابها “الدولة والحركات الإسلامية المعارضة بين المهادنة والمواجهة في عهدي السادات ومبارك “ص(111: 119):
«انتهت أغلب الدراسات في مجال النظم السياسية المقارنة إلى إدراج النظام المصري في عهد جمال عبد الناصر ضمن النظم السلطوية – Authoitarian Regime-.
وأنه نظام يتسم بعدد من الخصائص أهمها:
1- إنه نظام لا ينهض على وجود أيديولوجية سياسية قوية متماسكة.
2- وجود حزب سياسي واحد يحتكر القوة السياسي.
3- لا يوجد تعبئة سياسية في النظام السياسي السلطوي إلا في بداية قيامه، أما بعد استقراره فإن النظام لا يعتمد إلى الاعتماد على التعبئة الجماهيرية.
4- يهتم النظام بالسيطرة على الجيش ويحتل القادة العسكريون وضعا متميزا في النظام السياسي حيث يتحولون إلى سياسيين.
كما تميز هذا النظام بضعف الأيديولوجية الرسمية، والضعف المؤسسي».
وهذا ما قام عليه نظام عبد الناصر والسادات ومبارك حيث الانفراد بالسلطة وعدم إشراك الهيئات أو المؤسسات في إدارة دفة الحكم.
ومن ثم وجد الصدام مع كل طوائف الشعب غير أنه زاد مع الإخوان بسبب محاولتهم إصلاح هذا النظام وإرساء الحياة النيابية.
فتؤدي بطبيعة الحال إلى الصدام.
لقد وضح فكر الإخوان المعتدل وقت محنة التكفير والهجرة التي ظهرت في السجون بعد محنة 1965م حيث تصدوا لها.
وأخرج المستشار حسن الهضيبي كتاب «دعاة لا قضاة» وضح فيه منهجية الدعوة وأنه لا عنف داخل الدعوة.
ومن أراد فعل ذلك فليبحث عن لافته أخرى غير الإخوان المسلمين ليعمل تحتها.
وللقصة بقية المقال القادم

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق