الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025

السودان... قصة "الذهب الأحمر"!

 السودان... قصة "الذهب الأحمر"!

يوسف الدموكي


خمسمئة يوم وأكثر من الحصار الخانق والمجاعة القاتلة، مئات الشهداء ومئات آلاف النازحين، مجازر بالسكين وبالساطور وبالبارود، حقيقةً لا مجازًا، اغتصاب وهتك عرض واستعباد للسيّدات والأطفال والعجائز، مذبحة تتلو مذبحة، وصور تملأ مواقع التواصل، ومقاطع مرئية يلتقطها قتلة "الدعم السريع" لأنفسهم، على الطريقة الإسرائيلية في التوثيق والتباهي، مع اختلاف الألسنة واتفاق الجرائم والأهداف، وكلّ ذلك بدعمٍ واحد، من الاحتلال أو من وكلائه في المنطقة، سواء ارتدى مسعّر الحرب بدلةً سوداء أو ثوبًا أبيض، وكلّ ذلك، والصمت يحيط بكلّ شيء، والصحراء تبتلع آلام الجرحى وقرقرة الجوعى، بل والجرحى والجوعى أنفسهم، فيُدفنون أحياءً أو شبه أحياء، ويرحلون في طي الكتمان، مع أنّ قاتليهم لا يعبأون كثيرًا بأن يضعوا كواتم للصوت.

يصوّر "الدعَّامة" أنفسهم وهم يرتكبون فظائع لم تكن لتتخيّلها في أشدّ العصور جاهليةً، وربّما لأنّهم متعجّلون للغاية، فإنهم يتعجّلون القتل، دهسًا وذبحًا وقنصًا وقصفًا وحرقًا، أما من يملك رفاهية التمهل منهم فإنه لا يتوانى عن التمثيل بضحيته من أوّل لحظة، من قبل أن يموت، فيغتصب، ويعذّب، وينكّل، ويُهين، ويضحك، ويشارك أصدقاءه الإنسانةَ التي بين يديه، كما ورد في شهادات موثّقة حول أنّ الميليشيات أجبرت امرأة على الزواج من أربعة جنود، وغيرها من الفظائع المروّعة التي لا تسع المرارة لذكرها، ولا تكفي عيون ثمانية مليارات إنسان لبكائها دهرًا كاملًا.

كأنّ البشرية لا تكتفي بما جنت من عار، ولا تكتفي الأنظمة العربية بنكسة خذلان غزة، إنّما أرادوا أن يتمّوا المهزلة ببيع السودانيين في سوق الرقيق

وبينما ينشغل العالم بغزّة، بين قتلته ومشاهديه ومأجوريه، ومقاوميها ومناصريها، انفرد الوحش المُتعالي بالفاشر والخرطوم ودارفور، ومدن السودان الجريح، واحدةً تلو الأخرى، يمصّ دمها كاملًا، يمضغ أشلاءها حتى العظم، يغتصب نساءها حتى آخر رمق، يذبح أطفالها من الوريد إلى الوريد، ثم ينتقل "مكبّرًا" إلى المدينة التالية! مدعومًا كامل الدعم، في شيك على بياض، من تجار الذهب المخلوط بالدم، ذهب أحمر، لا أصفر، يقبض لا يلمع، له رائحة السوائل الزفرة لا المعادن، وفيه لعنة نفاذة، تدخّر نفسها حتى تُهلك التُجّار عن بكرة أبيهم، وتفسد تجارتهم، وتقتصّ منهم لكلّ هؤلاء الذين بُترت سواعدهم لسرقة الأساور من الأرسُغ، وانتُهكت أعراضهن للتخلّي عن الخواتم، مع أنّ القاتل كان بإمكانه الاكتفاء بالسرقة، لكنه اختار الجرائم المُتسلسلة، وتلك ليست من منطلق الطمع في المسروق، إنما غريزة الإجرام في الأسافل.

ومع تلك الإبادة الكبرى، ذلك التطهير العرقي، ذلك الاحتلال والاستعمار معًا، سمِّه كما تريد، يُذبح السودانيون في سكوت مقيت، لا أحد يتحرّك، بل لا أحد يدين، بل لا أحد يصدر بيانًا لا يساوي ثمن الحبر الذي كُتب به، ثمّة تآمر جماعي على شعب أعزل، على ملايين المواطنين الآمنين، على مئات آلاف المُجوَّعين المحاصرين، على مئات الشهداء في كلّ يوم وليلة، كأنّ البشرية لا تكتفي بما جنت من عار، ولا تكتفي الأنظمة العربية بنكسة خذلان غزة، إنّما أرادوا أن يتمّوا المهزلة ببيع السودانيين في سوق الرقيق، لصاحبهم "الأبيض"، وحول رسغه أغلى أسوارة ذهبية في العالم، لكنها الوحيدة التي في أصلها ممزوجة باللون الأحمر.



قوات الدعم السريع

جرائم الاستعباد
الاغتصاب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق