الاثنين، 27 أكتوبر 2025

ما هو السلاح الذي يريدون نزعه؟

 ما هو السلاح الذي يريدون نزعه؟

عامر عبد المنعم

من الواضح أن خطة السلام التي أعلنها ترامب في شرم الشيخ تواجه رفضًا إسرائيليًّا، ومحاولات لا تتوقف من المراوغة والعرقلة. فمنذ وقف الحرب وتسليم الرهائن، يرفض نتنياهو تنفيذ التزامات المرحلة الأولى، فلم يسمح بدخول المساعدات المتفق عليها، وافتعل أزمة بشأن جثث الرهائن الموتى، وقصف غزة بأكثر من 150 طنًّا من القنابل بمزاعم خرق حماس للاتفاق في رفح، وقفز إلى المرحلة الثانية باشتراط نزع سلاح حماس!

رغم أن نزع سلاح غزة مجرد بند واحد من مجموعة بنود تسبقه، فإن التركيز الإسرائيلي عليه يهدف إلى إفساد اتفاق ترامب قبل أن يجف الحبر الذي كُتب به، ويبدو من التصريحات التي تصدر عن ترامب ومعاونيه الحرص على تدليل نتنياهو والتغطية على عدم انصياعه، وتُظهر التصريحات المتناقضة للرئيس الأمريكي لمصلحة حركة حماس وضدها حالة الارتباك في البيت الأبيض، التي ربما تؤدي إلى فشل الاتفاق.

وسط التفسيرات المختلفة لاتفاق شرم الشيخ، وحالة التعتيم المقصودة في خطة ترامب بشأن نزع سلاح الفلسطينيين، فإن الأفكار التي يمكن قراءتها من التصريحات وبين السطور تشير إلى أن القوات التي سترسلها الدول الثلاث الضامنة: مصر وتركيا وقطر، ستمنع أي هجوم مستقبلي من غزة على “إسرائيل”، بشرط انسحاب الاحتلال ومنع أي عدوان إسرائيلي على غزة، بضمان الرئيس الأمريكي.

نتنياهو يرفض السلام

لم يعد أمام نتنياهو مساحة للهروب، فالتغيرات الاستراتيجية الكبيرة المترتبة على الفشل الإسرائيلي أمام الصمود الفلسطيني أكبر من أن يحاول الالتفاف عليها أو تجاهلها. إضافة إلى أن الرئيس الأمريكي يدافع عن مشروعه الذي يتباهى به وألزم به نفسه، ولن يقبل المناورات الإسرائيلية لإفساد ما يراه إنجازًا دوليًّا كبيرًا يتباهى به، ويعيد إلى الولايات المتحدة الكثير من مكانتها الدولية التي تبددت بسبب المشاركة مع الإسرائيليين في حرب الإبادة، وتحدي الرأي العام العالمي.

لا يريد نتنياهو الاستسلام لاتفاق السلام، ولا يتصور أن تعيش غزة في أمان، ولا يقبل أن يتوقف مشروعه العسكري لإخضاع القطاع وابتلاع الضفة، والسيطرة على المحيط العربي والإسلامي بالتخويف والإرهاب كما يتوهم. لكن التغير الذي قلب الحسابات هو أن ترامب فهم وأقر متأخرًا أن الجيش الإسرائيلي فشل، وإذا استمر سنوات أخرى فلن يحقق أي نجاح، وأدرك أن استمرار المحرقة في غزة يستنزف ما تبقى من رصيد للإدارة الأمريكية سياسيًّا وأخلاقيًّا وعسكريًّا.

الحماقة تجعل نتنياهو يظن أن ما فشلت فيه القوة العسكرية الهائلة (الإسرائيلية والأمريكية) تستطيع الدبلوماسية والتفاهمات السياسية تحقيقه وخداع الفلسطينيين، ويظن أنه يستطيع التحكم في طبيعة التدخل الدولي ليكون شريكًا للاحتلال في البقاء، ولاستكمال الأوهام بزوال حماس من غزة وتشكيل حكم جديد غير فلسطيني تابع لـ”تل أبيب” في القطاع.

صعوبة نزع السلاح

التهديدات التي يطلقها ترامب ضد حماس بالجحيم والسحق الكامل لم تعد جديدة، ولا يأخذها أحد بجدية، لأنها انفعالية ولحظية تصدر لأغراض لم تعد خافية، وغالبًا لإرضاء الإسرائيليين الذين لا يشبعون من الانحياز والدعم الأمريكي. فحركة حماس ملتزمة بالسلام وأعلنت تمسكها بوقف الحرب، لذلك فإن الموقف الذي يُعتد به ويُبنى عليه هو موقف حماس الذي حددته في بيان الترحيب بخطة ترامب، وهو أنها مستعدة للتنازل عن السلطة لحكومة فلسطينية من المستقلين “التكنوقراط”، وأن السلاح لن يُسلَّم إلا بعد إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وأن اليوم التالي للحرب سيكون فلسطينيًّا.

لا يمكن نزع سلاح غزة، ولكن هناك تفاهمات بين حماس ومصر وتركيا وقطر بـ”إسكات” السلاح أو تجميده وفق تصورات توافقت عليها الفصائل الفلسطينية، مقابل توقف العدوان وضمان الحماية من الدول الضامنة، خاصة أن أسلحة حماس -وأهمها الصواريخ و”الياسين 105″- مصنَّعة محليًّا ومكوناتها موجودة بوفرة في القطاع.

ليس لدى المقاومة الفلسطينية طائرات مقاتلة، ولا دفاع جوي، ولا دبابات ومدرعات ومدافع، وحتى الأنفاق من الصعب الإحاطة بشبكاتها وتفرعاتها المتجددة. ولدى الفلسطينيين الخبرة التي تمكنهم من حفر المزيد والتمدد في كل الاتجاهات حسب الحاجة.

لم يعد هناك شك في أن قوة المقاومة التي بهرت العالم هي الروح القتالية والإيمان والإرادة الفولاذية، التي هزمت الجيش الأكثر عدوانية في العالم، المسلح بالذكاء الاصطناعي والأسلحة الأكثر تطورًا وفتكًا. وبهذه الروح، وبدون الصواريخ ومضادات الدروع، طرد الفلسطينيون الاحتلال الإسرائيلي من غزة عام 2005، وأجبروا شارون على الهروب والانسحاب وفك الارتباط من جانب واحد!

مخاوف إسرائيلية من دخول قوات الدول الإسلامية

بسبب الخوف من إدخال قوات عربية وإسلامية، يرفض نتنياهو الدور الذي ستقوم به الدول الضامنة لمراقبة وقف إطلاق النار، ويعلم أنها ستكون للفصل بين الطرفين وتقييد حركة الاحتلال وليست لمطاردة حماس. وأعلن القادة الإسرائيليون صراحة مخاوفهم من الوجود التركي العسكري في القطاع، وأبدوا القلق من الترتيبات المصرية لتشكيل لجنة “التكنوقراط” التي ستتولى إدارة القطاع بموافقة الفصائل الفلسطينية، وتقييد الدور الخارجي الذي أدمن الإسرائيليون الدخول من خلاله والتوجيه لمصلحتهم.

لن توافق أي دولة غربية على إرسال قوات عسكرية إلى غزة بدون موافقة حماس، ولا يمكن لأي قوة دولية أن تضحي من أجل عيون نتنياهو في معركة خاسرة، ولن تغامر دولة بإرسال جنودها في مواجهة محسومة أمام أقوى مقاتلين في العالم، فأمامهم تجربة الجيش الإسرائيلي الفاشلة. ولا يرغب الأمريكيون في احتلال غزة بقوات عسكرية وتكرار تجارب فيتنام والعراق وأفغانستان، وربما يفكر بعض الأمريكيين تحت تأثير “اللوبي” في الاستعانة بالمتعاقدين والمرتزقة، لكن الدول الضامنة لن تقبل أن تكون هي ضحية الاتفاق، وتعطي المشروعية للاحتلال الدولي للقطاع.

مواقف نتنياهو وترامب متعارضة

في مواجهة المطالب الإسرائيلية برفض دخول القوات التركية إلى غزة، قال الرئيس الأمريكي إنه أعطى كلمة للدول العربية والإسلامية، أي أن عدم الالتزام بكلمته يعني فشل اتفاق شرم الشيخ ونهاية خطة السلام. ويعلم ترامب الخطر الذي يشكله نتنياهو عليه شخصيًّا قبل أن يكون على غزة، لذلك يرسل مبعوثيه الواحد تلو الآخر إلى “إسرائيل” للسيطرة عليه ولتثبيت وقف إطلاق النار.

التطورات في غزة تؤكد أن المواقف بين ترامب ونتنياهو متعارضة، وكلٌّ منهما يدافع عن وجوده السياسي، فمطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بالاستمرار في احتلال غزة واستمرار الحرب واستخدام المساعدات للضغط على الفلسطينيين ستؤدي إلى فشل الاتفاق، وهو ما سيدفع ترامب ثمنه غاليًا، في وقت يحتاج فيه إلى إنجاز دولي يواجه به المعارضة الداخلية المتصاعدة، التي ظهرت بقوة هذا الأسبوع في المظاهرات المليونية التي عمَّت الولايات المتحدة بعنوان “لا ملوك” لإعلان الرفض لسياسات ترامب.

متى ينقلب ترامب على نتنياهو؟

حاول نتنياهو التأثير في كوشنر وويتكوف وجي دي فانس لتبنّي المطالب الإسرائيلية وإقناع ترامب بتعديل الاتفاق لمصلحته، وأحدث هذه الاقتراحات التي أعلنها كوشنر هو تقسيم غزة إلى قسمين؛ الأول: خارج خط الهدنة الأصفر الذي يسيطر عليه الجيش الإسرائيلي، ويريدون أن تقتصر المساعدات عليه وأن تجري فيه عمليات الإعمار، ويختار الإسرائيليون من يعيش فيه من الفلسطينيين بعد التدقيق الأمني.
والقسم الثاني: المنطقة المحررة داخل الخط الأصفر التي انسحب منها الاحتلال وتخضع لحماس، يريدون منع المساعدات من دخولها، ولن يكون فيها الإعمار حتى يتم نزع سلاح حماس، وهذه خطة جديدة غير خطة ترامب!

يعي ترامب أن تغيير ما اتُّفق عليه في شرم الشيخ يعني انسحاب تركيا والدول العربية والإسلامية من الاتفاق، وهذا يؤدي إلى انهيار مشروع ترامب، ويضع الولايات المتحدة أمام خسارة مؤكدة لدورها في المنطقة. ولهذا لم يعد من مصلحة الرئيس الأمريكي ربط مصيره بمصير نتنياهو الذي أصبح مفسدًا ومنبوذًا.

ترامب يعلم أن خططه للسلام في غزة والمنطقة لن تنجح في وجود نتنياهو، ومن جهته يعلم نتنياهو أن تنفيذ خطة ترامب تعني نهاية انفراده بالقرار في غزة، وفي هذا نهاية مشروعه العسكري التوسعي، مما يمهد لخروجه من الحياة السياسية وملاقاة مصيره أمام المحاكم الإسرائيلية والدولية.
إن لم ينقلب ترامب على نتنياهو ويتوقف عن الخضوع للابتزاز والتستر على الإبادة، ويتعامل بإنصاف وعدالة مع الشعب الفلسطيني، فلن يستطيع الحفاظ على مشروعه للسلام، ولن يحصل على جائزة نوبل التي يتمناها، وسيخسر مصداقيته وسمعته، وسيجد نفسه قد تورط في مستنقع لا خروج منه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق