ماذا تعرف عن الفاشر؟
هل سقطت الفاشر في يد التمرد؟
يُستخدم مصطلح «سقوط الفاشر» للدلالة على احتمال سقوطها بيد قوات الدعم السريع المتمرّدة، أو فقدان الحكومة المركزية سيطرتها عليها.
ولهذا فلا بد من رصد تطورات المعركة، وأبعادها، وتداعياتها، والحالة الإنسانية، لأن الحرب في الفاشر تطورت من قتال الجيش إلى قتال جميع أهل الفاشر، بصرف النظر عن طبيعة مهنتهم، والهدف من ذلك هو الاستيلاء على الفاشر بجميع الوسائل اللاإنسانية الممنوعة والمحرّمة.
ولذلك استخدم التمرد سلاح الحصار والتجويع والمنع من البحث عن الطعام، والتدوين بالطائرات المسيّرة، وآخرها الغاز المحرّم المحمول على المسيّرات.
ماضيها وحاضرها
وحينما يكون الحديث عن فاشر السلطان، لا بد من ذكر ماضيها وحاضرها.
ففاشر السلطان هي حاضرة ولاية شمال دارفور، ويقع موقعها في الشمال الغربي لإقليم دارفور بجمهورية السودان، وهي أهم مدن الإقليم، ولها تاريخ عريق، فقد كانت الفاشر حاضرة لسلطنة الفور بزعامة السلطان علي دينار، واشتهرت هذه السلطنة بالحكم الإسلامي الراشد ومقاومة المستعمر، لكونها تمثل إحدى السلطنات التي تجسّد الإسلام السني المعتدل.
قد كانت لها إسهامات طيبة في تاريخ الدولة الإسلامية، حيث كان السلطان علي دينار له مشاركة ثرّة في أعمال الحرمين، فقد حفر «آبار علي» بميقات ذي الحليفة في المدينة المنورة، وقدم كسوة الكعبة قبلة المسلمين، وأكرم الحجاج بالزاد عدة مرات، وقت أن كان الوضع الاقتصادي في تلك الديار المباركة ليس على الحال الراهن.
فذاك هو السلطان علي دينار، عليه رحمة الله، الذي كان مبايعًا للخليفة العثماني، وعندما غزا الإنجليز السودان قاتل السلطان علي دينار المستعمر بضراوة وشراسة رغم عدم التكافؤ في العتاد، حتى استشهد.
وكان تاريخ استشهاده هو 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1916م، في معركة جبل كِدِر في شمال دارفور، عندما شنّت قوات المستعمر الإنجليزي حملة عسكرية لإسقاط سلطته وضمها إلى السودان الخاضع آنذاك للحكم الإنجليزي بعد سقوط الدولة المهدية.
فقد قاتل السلطان علي دينار بعزٍّ وشرفٍ وضراوة حتى النهاية، مع جنوده في مواجهة غير متكافئة، إذ كان سلاح جيشه سلاحا تقليديا من السيوف والحراب والعصيّ والسفروك، فأُصيب في المعركة برصاصة أدّت إلى استشهاده.
ولهذا فللفاشر تاريخ تليد في مقاومة المعتدي منذ القدم، فهي تقاوم ببسالة؛ إمّا أن تنتصر أو تموت عزيزةً أبيّةً محترمةً مقاتلةً جسورةً، تجسد واقع ما قاله الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود الفلسطيني:
«فإما حياةٌ تسرُّ الصديق * وإما مماتٌ يغيظُ العِدَى».
تمرد الدعم السريع
وفي حاضر فاشر السلطان ما زال الناس يقاومون الظلم الذي وقع عليهم منذ سنين، آخرها حرب السودان الراهنة بعد تمرد الدعم السريع، فقد قاوم الرجال والنساء المعتدي بكل بسالة وعزيمة وكبرياء، وعلى رأس القائمة المدنيون ثم العسكريون، وفي ذلك دليل على أن مدافعة المعتدي أمر مشروع وهو «جهاد الدفع».
ومن نماذج المقاومين الذين استشهدوا: صديقي الشيخ الدكتور الصادق أحمد عبد الله يوسف إمام وخطيب مسجد خاتم الأنبياء والأمين العام لهيئة علماء شمال دارفور، والمهندس محمد كشك مهندس الاتصالات بشركة «إم تي إن»، والدكتورة هنادي الطبيبة الإنسانية، وعضو البرلمان السوداني السابق الأستاذة سهام حسن حسب الله، ومواطنون عُزّل ليس لهم جرم غير أنهم من الفاشر المعتدى عليها.
ومن أسلحة العدوان التي مارسها التمرد: قتل المصلين بالمسيرات داخل المسجد في صلاة الصبح.
كذلك استخدم سلاحًا قاتلًا آخر، وهو سلاح الحصار ومنع الناس من الوصول للطعام والشراب في أماكن حواشاتهم ومزارعهم، فقد وصل أول أمس سعر «كورية الدخن» أو الذرة مليوني جنيه، والكورية آنية يحمل عليها المتاع لا يزيد وزن المتوسط منها عن أربعة أرطال، وذلك للندرة حسب إفادة الشيخ آدم حامد جار النبي الطاهر، وهو من أعيان الفاشر ومقاومي التمرد المدافعين عن الأرض والعرض.
دعم التمرد بالسلاح المحرّم دوليا
ووردت أنباء موثوق بها بأن آخر سلاح استخدمه التمرد ضد أهل الفاشر بوسيلة المسيّرات هو غاز يشلّ الأعصاب ويقضي على مقاومة الإنسان.
ولهذا شُلّت مقاومة المدافعين، وهذا دليل على أن أدوات الحرب بين المهاجمين (التمرد) والمدافعين (أهل الفاشر) ليست متكافئة، ولذلك شُلّت مقاومة المقاومين، لكنهم لم يستسلموا قط للمعتدي.
وقد انتصرت الفاشر على التمرد المعتدي مئتين وسبعًا وستين مرة، وصدّت أكثر من ثلاثمئة هجوم بجميع آليات الحرب، وما زالت هناك مقاومة شرسة ضد العدو، فهي سنة الله في أرضه: نصر أو شهادة.
وقد اختار الله للشهادة نفرًا كريمًا من النساء والأطفال العزّل والرجال، مدنيين وعسكريين.
ومن العسكريين اختار الله الشهادة لرجل بطل مقاتل شجاع مغوار، محبوب لأهل الفاشر، محترم بينهم مقدّر فيهم حق التقدير، ألا وهو الشهيد الأسد الهصور، الناطق الرسمي باسم القوات المشتركة، الذي مثّل التمرد بجثمانه، ولكن الشاة لا تتألم بعد ذبحها.
ومن أشهر الشهيدات هذه المرة الشهيدة المراسلة الحربية بالقوات المسلحة السودانية، المرأة التقنية النقية الورعة الجسورة الصبورة، مرعبة التمرد المناضلة آسيا الخليفة قَبَلة، وكذلك مئات المواطنين الذين قتلهم التمرد بالرصاص الحي لتحقيق مأربه، وهو استلام مدينة الفاشر ولو على أشلاء وجماجم أهلها، أو قتلهم جميعًا واستلامها فارغة بدون سكان.
فهمُّ التمرد الأول والأخير هو السيطرة، ولو يموت أهل الفاشر أجمعين. تقبّلهم الله في الخالدين.
وما زالت الفاشر تقاوم المعتدين، فإما حياة تسر الصديق، وإما ممات يغيظ العدى.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق