يخطئ من يتصور أن مصر يحكمها نظام سياسي، بالمفهوم المتعارف عليه في الدول المحترمة. فالحاصل أن مصر تُدار الآن عبر مجموعة من الكمائن الأمنية المتحركة، من قمة مؤسساتها، أو ما تسمى كذلك، إلى القاع، حيث يسلك الدركي الواقف في الشارع، أو شبيهه الجالس في استوديو فضائية ليلية، باعتباره الدولة.
من أعلى السلطة ستجد الجالس بموجب عملية انتخابية عوراء مشغولا طوال الوقت بملء ترسانته بالأسلحة والتشريعات الفتاكة، ينام ويصحو مرددا: "أين الأباتشي؟"، يظهر في مؤتمر عنوانه "إعمار غزة"، بينما قضيته المصيرية هي وصول طائرات الأباتشي، وضمان تدفق عطايا السيد الأميركي، مليار وثلاثمائة مليون دولار قيمة المعونة العسكرية بموجب اتفاقية التسليم بالإرادة الصهيونية.
وصولا إلى حضيض الفضائيات، لن تعدم أن تجد "سيكولوجيست" تمارس الدجل على المشاهدين، مطلقة أدخنة كثيفة من المصطلحات العلمية الضخمة، أو أكثر من "مونولوجيست" يقدمون فقرات من دفتر العته في السيرك الليلي المنصوب عبر أكثر من ثلاثين بؤرة تلفزيونية تبث فيروسات معرفية وسياسية في أدمغة الناس، ويتبارون في مضمار الفاشية والمكارثية، متحدثين باعتبارهم الدولة، يحرّضون الجماهير على حمل السلاح والدخول في حرب أهلية، لاجتثاث كل مخالفيهم، وإحراق عشرات الآلاف من طلاب الجامعات مع أسرهم في أفران الغاز.
يبدو "الكمين" الذي يحكم مصر حاليا بالحديد والنار ونشرات الأخبار وكأنه مريض بداء "التوحّد" يتخبط في بلادته ويتعثر في فشله الذريع، لكنه غارق في أوهام الاستقرار والإنجاز، يمضي مفتونا بمقولاته المبتذلة التي صارت مبعث سخرية العالم.
لا حديث إلا حديث المؤامرة على الوطن المحاط بالحاسدين والطامعين، على الرغم من أن وطناً بهذه المواصفات وهذا التردي لا يمثل تهديدا لأحد، ولا يثير أطماع الآخرين، بقدر ما يثير الشفقة على بلد كان رائدا وواعدا، فصار أشبه بمريض يستحق العلاج، والتقويم، والانتشال السريع من هذا المصير البائس.
وفي وسط هذه العتمة ينفجر طوفان الأمل الطلابي الغاضب، عبر جيل اشترك في صياغة الحلم بوطن نظيف في الخامس والعشرين من يناير قبل أكثر من ثلاث سنوات، شبان صغار عرفوا معنى الثورة على القبح والفساد، ونضجوا على نار البطش والقمع، رأوا زملاء لهم يسقطون شهداء بأسلحة النظام القديم العائد... والآن كبر الصغار الذين كانوا أطفالا وصبية قبل أربع سنوات، وصاروا شبابا يافعا مفعما بحلم الحرية والكرامة..
هذا الجيل هو الذي يزرع جامعات مصر غضبا الآن، وتلك هي الحقيقة التي يهرب منها النظام البليد مختبئا وسط أكاذيبه التي رددها مرارا حتى صدقها، راضيا بهلوساته عن "طلاب الإخوان وشباب المحظورة"، غير مستوعب أن الحلم لا يموت وطاقة الأمل لا تفنى، مهما حاولوا إحراقها.
وفي مناخ يعج بطقوس "الدروشة" والهلاوس السياسية والأمنية ليس مفاجئا أن تخرج الآلة القمعية في الشرطة والإعلام بقائمة جديدة من التصنيفات، وعلى طريقة "أنصار بيت المقدس" لا تستبعد صدور بيانات وتصريحات رسمية تحمل مسميات مفرطة في السخرية مثل "طلاب بيت المقدس" أو "تلاميذ داعش"، مشفوعة بمطالبات وتوسلات للإدارة الأميركية للإسراع في الإفراج عن منحة الأباتشي لمواصلة الحرب على إرهاب الجامعات.
وحدهم يقاوم الثوار الصغار منظومة الطغيان والفشل، فيما يتحول معظم النخب إلى "مثقفين شرفاء" لا يختلفون كثيرا عن معسكر "المواطنين الشرفاء"، ذلك الاختراع الذي لا يظهر إلا في أجواء الثورات المضادة.
من أعلى السلطة ستجد الجالس بموجب عملية انتخابية عوراء مشغولا طوال الوقت بملء ترسانته بالأسلحة والتشريعات الفتاكة، ينام ويصحو مرددا: "أين الأباتشي؟"، يظهر في مؤتمر عنوانه "إعمار غزة"، بينما قضيته المصيرية هي وصول طائرات الأباتشي، وضمان تدفق عطايا السيد الأميركي، مليار وثلاثمائة مليون دولار قيمة المعونة العسكرية بموجب اتفاقية التسليم بالإرادة الصهيونية.
وصولا إلى حضيض الفضائيات، لن تعدم أن تجد "سيكولوجيست" تمارس الدجل على المشاهدين، مطلقة أدخنة كثيفة من المصطلحات العلمية الضخمة، أو أكثر من "مونولوجيست" يقدمون فقرات من دفتر العته في السيرك الليلي المنصوب عبر أكثر من ثلاثين بؤرة تلفزيونية تبث فيروسات معرفية وسياسية في أدمغة الناس، ويتبارون في مضمار الفاشية والمكارثية، متحدثين باعتبارهم الدولة، يحرّضون الجماهير على حمل السلاح والدخول في حرب أهلية، لاجتثاث كل مخالفيهم، وإحراق عشرات الآلاف من طلاب الجامعات مع أسرهم في أفران الغاز.
يبدو "الكمين" الذي يحكم مصر حاليا بالحديد والنار ونشرات الأخبار وكأنه مريض بداء "التوحّد" يتخبط في بلادته ويتعثر في فشله الذريع، لكنه غارق في أوهام الاستقرار والإنجاز، يمضي مفتونا بمقولاته المبتذلة التي صارت مبعث سخرية العالم.
لا حديث إلا حديث المؤامرة على الوطن المحاط بالحاسدين والطامعين، على الرغم من أن وطناً بهذه المواصفات وهذا التردي لا يمثل تهديدا لأحد، ولا يثير أطماع الآخرين، بقدر ما يثير الشفقة على بلد كان رائدا وواعدا، فصار أشبه بمريض يستحق العلاج، والتقويم، والانتشال السريع من هذا المصير البائس.
وفي وسط هذه العتمة ينفجر طوفان الأمل الطلابي الغاضب، عبر جيل اشترك في صياغة الحلم بوطن نظيف في الخامس والعشرين من يناير قبل أكثر من ثلاث سنوات، شبان صغار عرفوا معنى الثورة على القبح والفساد، ونضجوا على نار البطش والقمع، رأوا زملاء لهم يسقطون شهداء بأسلحة النظام القديم العائد... والآن كبر الصغار الذين كانوا أطفالا وصبية قبل أربع سنوات، وصاروا شبابا يافعا مفعما بحلم الحرية والكرامة..
هذا الجيل هو الذي يزرع جامعات مصر غضبا الآن، وتلك هي الحقيقة التي يهرب منها النظام البليد مختبئا وسط أكاذيبه التي رددها مرارا حتى صدقها، راضيا بهلوساته عن "طلاب الإخوان وشباب المحظورة"، غير مستوعب أن الحلم لا يموت وطاقة الأمل لا تفنى، مهما حاولوا إحراقها.
وفي مناخ يعج بطقوس "الدروشة" والهلاوس السياسية والأمنية ليس مفاجئا أن تخرج الآلة القمعية في الشرطة والإعلام بقائمة جديدة من التصنيفات، وعلى طريقة "أنصار بيت المقدس" لا تستبعد صدور بيانات وتصريحات رسمية تحمل مسميات مفرطة في السخرية مثل "طلاب بيت المقدس" أو "تلاميذ داعش"، مشفوعة بمطالبات وتوسلات للإدارة الأميركية للإسراع في الإفراج عن منحة الأباتشي لمواصلة الحرب على إرهاب الجامعات.
وحدهم يقاوم الثوار الصغار منظومة الطغيان والفشل، فيما يتحول معظم النخب إلى "مثقفين شرفاء" لا يختلفون كثيرا عن معسكر "المواطنين الشرفاء"، ذلك الاختراع الذي لا يظهر إلا في أجواء الثورات المضادة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق