عن الدين والسياسة
فهمي هويديهذه مصادفة لا تخلو من مفارقة، أن ترتفع بعض الأصوات في مصر ودول أخرى بالعالم العربي منتقدة استدعاء الدين وإقحامه في القضايا الدنيوية السياسية والاجتماعية، في حين يظهر استطلاع أجري بالولايات المتحدة تزايدا في نسبة الداعين إلى الاستدلال برأي الكنيسة في مختلف القضايا الحياتية الجارية.
كلام الأولين لا جديد فيه، ولكنه يثار بين الحين والآخر في سياق الجدل الذي لم يتوقف ولم يحسم في العالم العربي والإسلامي حول صياغة علاقة الدين بالدولة. أما نتائج الاستطلاع الأمريكي فهي التي تحتاج إلى قراءة متأنية.
الاستطلاع أجراه في شهر سبتمبر الماضي معهد «بيو» للأبحاث صاحب الصدقية العالية في الأوساط العلمية.
وإذ بين أن 49% من الأمريكيين يؤيدون تدخل الكنيسة والمرجعيات الدينية المختلفة في الشأن السياسي.
وكانت تلك النسبة في حدود 43% فقط في استطلاع سابق أجراه المعهد في عام 2010.
وفي مقابل تلك النسبة العالية أكد 48% من الأمريكيين على ضرورة عدم تدخل المسؤولين الروحيين في الحياة السياسية.
وهو ما يعني أن نسبة مؤيدي إدخال الدين في السياسة تتزايد على نحو أحدث شبه انقسام في المجتمع الأمريكي إزاء تلك القضية.
في تحليل النتائج الأخيرة أرجع الباحثون تزايد نسبة الداعين إلى تدخل الدين في السياسة إلى الارتفاع الملحوظ في أعداد الأمريكيين المنتسبين إلى الحزب الجمهوري المحافظ.
في تحليل النتائج الأخيرة أرجع الباحثون تزايد نسبة الداعين إلى تدخل الدين في السياسة إلى الارتفاع الملحوظ في أعداد الأمريكيين المنتسبين إلى الحزب الجمهوري المحافظ.
وقد دل الاستطلاع على أن نسبة الجمهوريين الذين أصبحوا يؤيدون زيادة تدخل الدين في السياسة وصل في شهر سبتمبر الماضي إلى 59%، في حين أنها كانت في استطلاع عام 2010 في حدود 48% فقط. وبموازاة ذلك لم يشهد موقف الديمقراطيين أي تغيير إزاء هذه المسألة في استطلاع العامين 2010 و2014. بين الاستطلاع أيضا أن ثلاثة أرباع الجمهوريين ونصف الديمقراطيين يرون أهمية أن تكون لأعضاء الكونجرس قناعات دينية راسخة.
من النتائج ذات الدلالة التي أظهرها الاستطلاع أن 63% من الأمريكيين رفضوا دعوة المسؤولين الكنسيين رسميا إلى التصويت لمرشحين معينين في الانتخابات. ورغم أن تلك النسبة كانت 70% في استطلاع عام 2010، إلا أن تراجعها إلى 63% فقط اليوم يعني أنها لا تزال نسبة مرتفعة. بموازاة ذلك فإن 72% من الأمريكيين عبروا عن اقتناعهم بأن دور الدين يتراجع في المجتمع، وأعربوا عن أسفهم إزاء ذلك.
حين ننظر إلى الموضوع فإنني لن أختلف مع من يقول إن هناك فروقا عدة بين الديانتين الإسلامية والمسيحية، خصوصا في الشق المتعلق بالمعاملات. وهو ما أفهمه إلا أنني لست في وارد مناقشة هذا الجانب.
من النتائج ذات الدلالة التي أظهرها الاستطلاع أن 63% من الأمريكيين رفضوا دعوة المسؤولين الكنسيين رسميا إلى التصويت لمرشحين معينين في الانتخابات. ورغم أن تلك النسبة كانت 70% في استطلاع عام 2010، إلا أن تراجعها إلى 63% فقط اليوم يعني أنها لا تزال نسبة مرتفعة. بموازاة ذلك فإن 72% من الأمريكيين عبروا عن اقتناعهم بأن دور الدين يتراجع في المجتمع، وأعربوا عن أسفهم إزاء ذلك.
حين ننظر إلى الموضوع فإنني لن أختلف مع من يقول إن هناك فروقا عدة بين الديانتين الإسلامية والمسيحية، خصوصا في الشق المتعلق بالمعاملات. وهو ما أفهمه إلا أنني لست في وارد مناقشة هذا الجانب.
ذلك أن ما يهمني في الاستطلاع أمران، أولهما أنه بدا متجاوزا لفكرة إقصاء الدين عن المجال العام، لتعذر ذلك من الناحية العملية، في أي بلد يعيش في ظله متدينون يستلهمون مرجعيتهم الأخلاقية على الأقل من معتقداتهم الدينية.
الأمر الثاني أن الذين أجروا الاستطلاع تعاملوا مع الدين باعتباره حقيقة اجتماعية لا مفر من الاعتراف بها والتعامل معها لأسباب واقعية وليس بالضرورة لأسباب إيمانية.
الأمر الثاني أن الذين أجروا الاستطلاع تعاملوا مع الدين باعتباره حقيقة اجتماعية لا مفر من الاعتراف بها والتعامل معها لأسباب واقعية وليس بالضرورة لأسباب إيمانية.
علما بأن الأمريكيين ليست لديهم خبرات الأوروبيين وعُقدهم التاريخية التي جعلتهم ينفرون من سلطان المؤسسة الدينية ورموزها.
عندي في هذا الصدد ملاحظتان، الأولى سبق أن ذكرتها وهي تتلخص في أن الدين يوفر طاقة إيمانية قوية، يمكن استخدامها في النهوض والتقدم، كما يمكن توظيفها في نقيض ذلك تماما. والمشكلة التي تترتب على الاستخدام السلبي للدين ينبغي أن تنسب إلى الطرف الذي يسيء الاستخدام وليس للتعاليم.
عندي في هذا الصدد ملاحظتان، الأولى سبق أن ذكرتها وهي تتلخص في أن الدين يوفر طاقة إيمانية قوية، يمكن استخدامها في النهوض والتقدم، كما يمكن توظيفها في نقيض ذلك تماما. والمشكلة التي تترتب على الاستخدام السلبي للدين ينبغي أن تنسب إلى الطرف الذي يسيء الاستخدام وليس للتعاليم.
في هذا الصدد سبق أن أشرت إلى التوظيف الإيجابي للدين في تجربة لاهوت التحرير بأمريكا اللاتينية وفي الحركات الإسلامية الجهادية التي قاومت الظلم والاستعمار في العالم العربي (جمعية العلماء في الجزائر والسنوسية في ليبيا والمهدية في السودان).
الملاحظة الثانية وثيقة الصلة بالأولى وخلاصتها أن البيئة التي تتفاعل فيها السياسة مع الدين تختلف باختلاف ما إذا كان المجتمع يعيش في ظل نظام ديمقراطي حر تشيع فيه قيم المواطنة والتسامح والعدل، أم نظام استبدادي تقمع فيه الحريات ويذل الجميع، إذ في ظل مجتمع النظام الديمقراطي يستخلص من الدين أفضل ما فيه، باعتبار أن البيئة تناسب ذلك وترحب به.
الملاحظة الثانية وثيقة الصلة بالأولى وخلاصتها أن البيئة التي تتفاعل فيها السياسة مع الدين تختلف باختلاف ما إذا كان المجتمع يعيش في ظل نظام ديمقراطي حر تشيع فيه قيم المواطنة والتسامح والعدل، أم نظام استبدادي تقمع فيه الحريات ويذل الجميع، إذ في ظل مجتمع النظام الديمقراطي يستخلص من الدين أفضل ما فيه، باعتبار أن البيئة تناسب ذلك وترحب به.
أما في المجتمع المستبد فإن التعاليم توظف في اتجاه معاكس تماما، يؤيد ذلك ما قرأناه في الأسبوع الماضي عن أن مفتي طاجكستان سيد مكرم عبد القدير أعلن في خطبة الجمعة أن انتقاد الحكومة يقوض السلطات ويعد إثما عظيما يجب على المؤمن أن يتجنب الوقوع فيه.
ولأن الأمر كذلك فإن الدرس الأهم الذي ينبغي أن يستوعبه دعاة الربط بين الدين والسياسة، هو أن يعطوا الأولوية للدفاع عن الحرية والديمقراطية، لأن ذلك هو المناخ الوحيد الذي يسمح للدين بأن يؤدي دوره الإيجابي في النهوض بالمجتمع.
في الوقت الذي يوفر فيه حضورا مؤسسا فاعلا يحول دون إساءة استخدام الدين ليصبح مصدرا لشقاء الناس وليس لإسعادهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق