الجمعة، 11 ديسمبر 2015

النازية الغربية وتصنيف القتل الإرهابي


النازية الغربية وتصنيف القتل الإرهابي
مهنا الحبيل

لم يشهد التاريخ المعاصر حالة من التصنيف والتمييز في الدماء وأعداد الضحايا ومسؤوليات الحروب كما نعيشه في هذه الأيام. ولا يُمكن أن توصف محاور العالم الغربي، ومن رضخ لسوطها وصوتها إلا بالنفاق النازي.

فـ أمام كوارث العالم التي جُل قتلاها من المسلمين، هناك تواطؤ عالمي على تحييدهم وعدم ذكرهم، فضلا عن عد مجازرهم من مآسي البشرية، وهي تضخ عشرات الآلاف من القتلى، كما في سوريا والعراق.

ومسألة الاهتمام بالأقليات يجري تسييسها بصورة مستفزة، لتضرب علاقات الشرق الإسلامي ودوله، وتنقض كل إطار للتعايش الذي حفظه الشرق الإسلامي للطوائف والديانات.

ورغم أن تعاليم الإسلام واضحة في موضوع التعايش، حيث الرفض التام لأي عدوان على أي مدني بمن فيهم ضحايا باريس وغيرها، لكن ما يجري اليوم هو إعلان عالمي غير مسبوق، أن القتل في المدنيين إن كانوا سُنة فلا يُحسب لهم حساب في جداول التداول الإعلامي والسياسي، وهذا لم يعد تواريا، بل أصبح تواترا.
رغم أن تعاليم الإسلام واضحة في موضوع التعايش، حيث الرفض التام لأي عدوان على أي مدني بمن فيهم ضحايا باريس وغيرها، لكن ما يجري اليوم هو إعلان عالمي غير مسبوق، أن القتل في المدنيين إن كانوا سُنة فلا يُحسب لهم حساب في جداول التداول الإعلامي والسياسي
وهنا نوضح مسألة غاية في الأهمية أن أبناء الطائفة الشيعية قد عانوا كثيرا في العراق منذ احتلاله، وكل بلدان الشرق المسلم بما فيها بنغلاديش وباكستان، ومدنيوهم الضحايا هم من ذات جرح الشرق، لكن اليوم تجري خديعة لهم وباسمهم، بأن يُفرز قتلاهم على جداول الإرهاب دون قتلى السُنة، وليس المقصود تفضيل الدم المذهبي، لكن الغرب، بشقيه الروسي والأنجلوساكسون، يتعمد هذا التسييس في الدماء، لأغراض التفويج المذهبي المجنونة في الشرق، وتسخير انقسامها لمصالح الغرب الكبرى.

وهو اليوم يلعب بالنار، ولا يُطفئ أي حريق في الشرق، عبر هذه اللغة، ولن تحقق فرنسا ولا غيرها، أي نوع من الوقاية الإستراتيجية أمام المنظمات الإرهابية بمشاركتها في هذا التصنيف، لقد صُدمتُ من إعلان مشاعر، أعدته فرانس 24 للتضامن مع ضحايا باريس، ووضعت أيقونة لكل مذبحة جرت مؤخرا بما فيها الضاحية الجنوبية، إلا الضحايا السنة فلم تكترث لهم.

والمفاجأة هنا أيضا ليس في تغير الخطاب الفرنسي الذي بدا من خلال القناة يتبنى الموقف الإيراني بوضوح أكبر، مدعيا أن الحل في إخماد الثورة لا في إرهاب الأسد، الذي ذبح ومعسكره الطائفي الواسع قرابة الأربعمئة ألف نسمة منهم عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، وإنما الصدمة في حجم الصراحة المباشرة لمثل هذا التصنيف الخطير، والإخراج الضمني لأكثر من مليار مسلم هم الغالبية في العالم الإسلامي.

وقبل "خطيئة" فرانس24 تلك، هناك أداء الـ بي بي سي العربية، وقنوات أخرى، ومنها ما هي عربية التمويل، ولنا أن نتصور إن كان هذا عبر القنوات الناطقة بالعربية، فكيف الحال بالنسبة لتلك الناطقة باللغات الأجنبية.

إن هذا التواطؤ الواسع للخطاب السياسي والإعلامي الغربي بات يشكل وقودا "نوويا" فعليا يعزز بنية التطرف والغلو التي هي ركيزة أساسية لتوظيف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والغريب أن العالم الدولي وخاصة الغربي منه لا يترك مساحة لحراك فكري ثقافي واسع يمكن أن يقوم به علماء ومثقفون مسلمون، لنشر قيم الحقوق وقانون الحرب في الشريعة، بل يحاصرون هذه الأصوات التي تعرض لمسارات مظالم الشرق سياسيا وعسكريا، وموقف المسلم المعاصر من الحياة المدنية للغرب وكيف يتعاطى معها ويحترم سلامتها.

وبدلا من ذلك يفرض الخطاب الغربي كانتونا محددا، يجعله مرجعا له مشروطا للقبول بالمسلم حسب حدود سوطه وصوته، لا قانون الحقوق المشترك، وهذا سيؤدي إلى المزيد من المواجهات، واعتقاد أوروبا أن الوصول لمرحلة التهجير الديموغرافي الذي تدق طبوله اليوم لمسلمي أوروبا سيمنع عنها الإرهاب خطأٌ بالغ.

إن المشكلة في حجم انهيار العالم الإسلامي الرسمي والفوضى التي يعيشها، وعدم قيامه باتخاذ مبادرات إعلامية وسياسية لتقديم الخطاب الإسلامي المعتدل، بميزان الشريعة والأفق الإنساني الفلسفي العميق، لا المزاج الغربي المنحاز، في حين يُنشأ فضاء إعلامي، وتعرض رؤى من خلال مصالح الأنظمة السياسية الضيقة، أو مجاملة المعسكر الغربي ومداهنته، أو خطاب استعراض بائس، يُخرج فوضى الواقع الاستبدادي الذي تعيشه كثير من بلدان الشرق، والأصل أن تُوجه الرسالة لمن يملك إمكانيات تبنيها.
الغرب اليوم يُجامل موسكو، لتصفية الثورة السورية، واستنساخ مذابح القيصرية والبلشفية، والحفاظ على أمن إسرائيل، ثم هو في الوقت ذاته يسعى لإغراق موسكو في وحل الشرق، وكل ذلك يُسدد من دماء الشعوب المسلمة
وهناك مشاريع إعلامية ضخمة لكنها بين فوضى الرد، وبين التوظيف السياسي القُطري، وصراعاته الأصلية مع مصالح الشعوب الإسلامية. وهنا اختلف بنك الأهداف، ولذلك استمر الاعتداء على بنك الدماء المسلم، باسم الصليب النازي الجديد، المؤيدة محارقه أمميا.

والفصل الدموي الأخير الذي يتبناه فلاديمير بوتين، هو من أوضح الصور لمثل هذه النازية والنفاق الدولي، لكن في حالة موسكو، هناك شراكة تنفيذية بأعمال حربية مباشرة تشن على المدنيين السُنة، ومن تكرار السخرية في نظام موسكو هو إصراره على إظهار غيرته على الأقليات، وأنه يرفض رسميا قيام حكم وطني ديمقراطي، من القاعدة السنية في أي موقع نفوذ للأقليات، كما يجري في دمشق.

فنحن اليوم أمام هذه الظاهرة البوتينية الجديدة التي تقصف شعبا مدنيا بالكامل وتُعلن المواجهة على رديفه الإنساني في تركيا، فماذا لو قُلبت ذات المعادلة في روسيا الاتحادية، وانتفضت الأغلبيات المحاصرة في فدراليات الاتحاد الروسي، أو الجمهوريات التي استقلت وبقي الروس يهيمنون على قرارها السياسي، وقد تم تهجير وتوطين القومية الروسية في أرضهم ومنحها امتيازات.

ماذا ستفعل موسكو مع أغلبيات مغبونة أو أقليات مضطهدة تنتفض في أرضها القومية؟

الغرب اليوم يُجامل موسكو في سوريا لتصفية الثورة السورية، واستنساخ مذابح القيصرية والبلشفية، والحفاظ على أمن إسرائيل من رياح الحرية لما تبقى من الربيع العربي، ثم هو في الوقت ذاته يسعى لإغراق موسكو في وحل الشرق، وكل ذلك يُسدد من دماء الشعوب المسلمة.

لكن المؤكد أن ردود الأفعال المقاومة أو العشوائية الإرهابية لن تقف عند شعوب القوقاز، خاصة بعد مواعظ البطرك بوتين عن العقوبة الإلهية التي بُعث بها -حسب زعمه- ليقتص من تركيا، وإنما ستشتعل في أوروبا، وأميركا، فمن يلعب بالجمر لا بد أن يصله الشرر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق