"رجلنا في موسكو": كيف مهَد أوباما الطريق لبوتين؟
الترجمة:خدمة العصر
كيف حول الرئيس أوباما سيطرة السياسة الأمريكية على الشرق الأوسط إلى فلاديمير بوتين.
في أعقاب هجمات باريس برز التهديد واضحا بالنسبة للعواصم الغربية: الجهاد العالمي يتمتع بملاذ آمن في سوريا، وهو ما سمح ببناء الشبكات الجهادية في أوروبا والشرق الأوسط، كما كتب "مايكل دوران"، وهو زميل بارز في معهد هدسون والنائب السابق لمساعد وزير الدفاع ومدير سابق في مجلس الأمن القومي، في مقاله الأخير.
ولم يكن الارتباك الفرنسي نابعا من تحديد هذا التهديد ولكن من معرفة ما يمكن عمله لمواجهته.
بعد هجمات باريس، تصدر نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي السابق، الموقف. فرنسا، كما قال، هي "في أسوأ أوضاعها.."، وكان الحل جاهزا: "يجب على الروس أن يشتركوا مع التحالف في مهمة تدمير تنظيم الدولة".
واقتراح ساركوزي ليس جديدا، فقد طرح بوتين نفسه فكرة التحالف الموحد ضد "الدولة الإسلامية"، لأول مرة، قبل شهرين في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
في ذلك الوقت، كان رد حكومة فرانسوا هولاند باردا، مشيرة إلى أن روسيا كانت أقل اهتماما بهزيمة تنظيم الدولة وأكثر تركيزا على إنقاذ نظام الأسد، وكانت باريس ترى في المذابح الطائفية الجماعية للسنة أعظم أداة تستخدمها "داعش" لتجنيد المزيد من المتطوعين للقتال في صفوفها.
من وجهة نظر الحكومة الفرنسية، كانت بربرية الأسد، بدعم من الروس والإيرانيين، السبب الرئيس، أيضا، لأزمة اللاجئين التي تعاني منها أوروبا.
وكان هذا الموقف مقنعا فكريا، ولكن الآن، في أعقاب هجمات 13 نوفمبر، يتوقع الجمهور الفرنسي العمل وليس التحليل. صورة قصف قاذفات بوتين المقاتلة لمواقع الدولة الإسلامية تحظى بشعبية سياسيا بين الأحزاب المحافظة واليمينية في البلاد. وحتى قبل الهجمات الأخيرة، كان تيار الرأي في أوروبا يتطلع إلى بوتين باعتباره شريكا ضروريا لإنهاء الصراع في سوريا، وبالتالي وقف تدفق المهاجرين.
بعد هجمات باريس، امتد تأثير هذا التيار إلى عالم الدبلوماسية. فعندما التقى زعماء G20 في أنطاليا بتركيا، في الأسبوع التالي، كان بوتين مركز الانتباه.
ووفقا لصحيفة فاينانشال تايمز:"كان اللقاء مع الرئيس الروسي واحدا من أهم التذاكر في المدينة، حيث أجبر القادة الغربيون على الاعتراف بأن طريق السلام في سوريا يمتد حتما عبر موسكو"، وكان هذا انقلابا مذهلا مقارنة بقمة العشرين في أستراليا العام الماضي.
إذ عزَز بوتين، بإرسال قوات روسية إلى سوريا في سبتمبر الماضي، صورته كرجل عمل والزعيم الذي يحصل على النتائج. وقارن هذا مع صورة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما.
وقال الكاتب إن إستراتيجية أوباما المهزوزة تجاه الصراع كانت من أهم العوامل التي مهدت الطريق لفلاديمير بوتين أن يلعب دورا رئيسا في الشرق الأوسط، وبالتالي، تقديم نفسه بوصفه منقذ أوروبا.
وعلى هذا، فإعادة تأهيل بوتين لم يحدث خلال نوبة من الذهول في البيت الأبيض، بل هو نتيجة مباشرة لرؤية أوباما للنظام العالمي.
* إعادة تأهيل روسيا:
في البدء، يقول الكاتب، كان العمل باتجاه "إعادة تشغيل" الروس، حيث استهل أوباما فترة رئاسته الأولى بالدعوة لإصلاح العلاقات بين واشنطن وموسكو. إذ كان أوباما وفريقه للأمن القومي يعتقدون أنها تدهورت بشدة في ظل رئاسة جورج بوش.
طوال فترة ولايته الأولى، اعتبر أوباما وحاشيته إعادة تشغيل ضربة معلم دبلوماسية. ثم في فترة ولايته ثانية، ظهرت قضية "سنودن".
في صيف عام 2013، سرق المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي السابق، إدوارد سنودن، وثائق وكشف تفاصيل حول برامج مراقبة الحكومة الأمريكية ومن ثم تمكن من الفرار إلى روسيا، حيث حصل على اللجوء في نهاية المطاف.
وهنا، يبقى السؤال مفتوحا حول ما إذا كانت روسيا قد تلاعبت بسنودن في التخطيط والتنفيذ لعمليته أم إن الأمر مجرد منح ملاذ آمن لهذا الهارب. وفي كلتا الحالتين، تضرر الأمن القومي الأميركي وفكرة إعادة تأهيل روسيا.
وأخذت الأمور منحى أسوأ في فبراير 2014 عندما أطاح المتظاهرون في أوكرانيا بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش لنسفه اتفاق شراكة بين هذا البلد والاتحاد الأوروبي.
وكان يانوكوفيتش قد تصرف بما يرضي بوتين، حيث عارضت روسيا بشدة تحول أوكرانيا نحو أوروبا. بعد الإطاحة بالرئيس يانوكوفيتش، انتقل بوتين بسرعة لضم شبه جزيرة القرم، وهي الجمهورية ذات حكم ذاتي تابعة لأوكرانيا، وإثارة الاضطرابات في شرق أوكرانيا وإشعال الحرب بين المسلحين الموالين لروسيا والحكومة الجديدة في كييف.
من يومه الأول في البيت الأبيض، خطط أوباما لتشكيل نظام جديد: نادي الدول التي تعمل معا لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط. وكان مركز هذه الرؤية هو بوتين.
وعندما ردَ أوباما على سلوك بوتين العدواني بفرض عقوبات على روسيا، رأى المعلقون أن عملية "إعادة التأهيل" فشلت فشلا ذريعا.
وفقا لتفكيره، فإن "إعادة التأهيل" مرتبطة بشكل وثيق بما اعتبره أكبر تحد له إستراتيجي، وهما: إنهاء الحروب القديمة وتجنب أخرى جديدة.
في الشرق الأوسط، فإن توازن القوى القديم، ببقائه كما كان على رأس أولوية القوة الأميركية، بدا لأوباما وكأنه دعوة لعدم إنهاء الصراع مطلقا. والمطلوب بدلا من ذلك كان نظاما إقليميا جديدا بهدف واحد جديد: ما وراء تمكين الرئيس من سحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان، هو الحيلولة دون ضرورة الاضطرار إلى إرسالها مرة أخرى.
ومن يومه الأول في البيت الأبيض، كان أوباما يتطلع إلى إنشاء هذا النظام الجديد. كانت فكرته نظاما متجانسا: ناد للدول متحدة في عدائها للتطرف الإسلامي السني تعمل معا لتحقيق الاستقرار في المنطقة من خلال الحفاظ الذاتي الواعي على توازن القوى فيما بينها.
ومحور هذه الرؤية بوتين، الذي كان يرى أوباما أنه أُغضب بحرب إدارة بوش على الإرهاب والتفاني وغبائها في تعزيز الديمقراطية، وهي السياسات التي تسببت في رد فعل روسيا السلبي بحجب التعاون في المسائل ذات المنفعة المتبادلة مثل هزيمة القاعدة واحتواء التطرف السني.
إن إعادة تأهيل روسيا كانت الطريقة التي اعتمدها أوباما لدعوة بوتين للانضمام إلى الشرق الأوسط الجديد المتناغم كعضو مؤسس. ولإغرائه بالمنافع المشتركة، اتخذت أمريكا اتخاذ خطوة إلى الوراء وشجعت روسيا على اتخاذ خطوة إلى الأمام. ومهما كانت العقبات التي قد تواجه السلوك الروسي على طول الطريق، فإن التركيز كان على السلامة الأساسية للإستراتيجية.
كان هناك آخرون يعمل على جلبهم، أبرزهم: إيران. بطبيعة الحال، في خضم الجدل الدائر حول برنامج طهران النووي، كان من المستحيل الحديث عن "إعادة تأهيل". ولكن تفكير أوباما ربما اتجه إلى أقصى نقطة ممكنة في هذا الشأن اختصارا للطريق: تحقيق اتفاق بشأن الطموحات النووية لإيران -باعتباره شرطا مسبقا لأي انفتاح أمريكي على النظام في طهران- ليصبح أيضا ممرا لانضمام إيران إلى النظام الشرق أوسطي الجديد، وفقا لتصور أوباما.
كانت عملية إعادة تأهيل روسيا والمفاوضات النووية الإيرانية خطين في نسيج واحد. لأسباب واضحة، لم يصف أوباما هذه الرؤية بالكامل، ذلك أن الرأي العام الأميركي وحلفاء أمريكا التقليديين في المنطقة لا يثقون بروسيا وإيران. بدلا من ذلك، فقد تحرك خطوة خطوة، مبررا كل خطوة جديدة كرد فعل على التطورات الآنية مع تركيزه على الهدف النهائي.
* التخفف من الصراع السوري:
وهنا يأتي دور سوريا، فهي ذات أهمية حيوية لكل من روسيا وإيران (وذات أهمية محدودة بالنسبة لأمريكا)، وأتاحت فرصا لاحترام أوباما للمصالح الروسية والإيرانية. والاستيلاء على تلك الفرص حظي بأهمية كبيرة، خاصة بعد اندلاع الحرب السورية في عام 2011، فالبلاد سرعان ما أصبحت ساحة المعركة الرئيسة في مسابقة السيطرة الإقليمية.
في قلب هذه المنافسة كان هناك سؤال بسيط: هل يجب على الأسد البقاء أم الرحيل؟ بالنسبة لموسكو وطهران، لم يكن هناك شك في أنه يجب أن يبقى، وأيدوه بقوة عنه حتى أطلقوا العنان لهجمات فتاكة وعشوائية على المدنيين. في عام 2012، تورطت إيران ووكيلها، حزب الله، إلى سوريا في القتال إنقاذا لنظام الأسد، مما دفع بخصومهم الإقليميين إلى طلب المساعدة الأمريكية في تدريب وتجهيز المعارضة السورية.
وتجاوب الأعضاء المؤثرون في فريق أوباما للأمن القومي هيلاري كلينتون، ليون بانيتا وديفيد بترايوس، مع طلب الحلفاء. ورغم ذلك، لم يلتزم أوباما برأي كبار مستشاريه. ومما لا شك فيه أنه يخشى الانزلاق إلى اشتباك طويل وحلقة أخرى من التورط الأميركي في المنطقة.
لكنه يخشى أيضا استعداء روسيا وإيران، وبالتالي تدمير أحلامه، وإلى الأبد، في شرق أوسط متجانس القوى. ومن أجل إرضاء حلفاء أميركا التقليديين، دعا الأسد في أغسطس 2011 للتنحي.
على مدى الأشهر والسنوات التالية لاندلاع الحرب، حدد أوباما بشكل أكثر وضوحا الطريق لترك الأسد لمنصبه: "الانتقال المنظم". وفي المراحل المبكرة، يمكن للأسد نفسه البقاء في سوريا في منصب رئيس شكلي للدولة، في حين تنقل صلاحياته إلى الحكومة وبعدها تؤول الأمور إلى مجلس تنفيذي انتقالي. وفي مراحل لاحقة، فإن الأسد ستنحى عن السلطة.
في الواقع، فكرة أن نظام الأسد سوف يترأس الإصلاح السياسي في خضم حرب أهلية دموية بعيدة المنال، على أقل تقدير. والقول بأن بوتين وآخرين، وتحديدا إيران، قد يقرون مثل هذا المشروع وربما يساعدون أوباما بنشاط على تنفيذه هو أكثر واقعية حتى الآن.
وإذا تجسدت هذه الخطة في الواقع، فإن هذا يعني تلقائيا نهاية النفوذ الروسي والإيراني في سوريا، وهذا الأمر ليس في مصلحة أي من الطرفين.
والنقطة المركزية في مفهوم الانتقال هي الحاجة إلى إصلاح الحكومة السورية من خلال إشراك السنة. وقد تعامل بوتين مع هذه الفكرة واستمر في القيام بذلك، ولكن إلى حد ما، فقط، لأنه يدرك أن وجود السنة بشكل مؤثر وبارز في الحكومة سيقوض النظام، الذي يستند إلى قوة العلويين.
وباختصار، فإن المشاركة السنية في الحكومة تدمر الأساس الذي يستند إليه النفوذ الروسي والإيراني. وبغض النظر عما تهمس به موسكو وطهران قد تهمس في الجلسات الخاصة من وقت لآخر، فإنها لن توافق على ذلك، وفقا للكاتب.
ومع ذلك، يبدو أن أساس نظام الأسد آيل إلى الانهيار.
وبالنسبة لأوباما، فإنه كان واضحا لديه أن أيام الأسد باتت معدودة. وبالتالي، فإن الأحداث، عاجلا أم آجلا، ستجبر بوتين والمرشد الأعلى علي خامنئي على رؤية أن أفضل طريقة لتأمين مصالحهم هو العمل جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة على تشكيل نظام سياسي جديد في سوريا. في غضون ذلك، بإمكان واشنطن أن تمارس، في لغة الإدارة، "الصبر الإستراتيجي".
إذ عزَز بوتين، بإرسال قوات روسية إلى سوريا في سبتمبر الماضي، صورته كرجل عمل والزعيم الذي يحصل على النتائج. وقارن هذا مع صورة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما.
وقال الكاتب إن إستراتيجية أوباما المهزوزة تجاه الصراع كانت من أهم العوامل التي مهدت الطريق لفلاديمير بوتين أن يلعب دورا رئيسا في الشرق الأوسط، وبالتالي، تقديم نفسه بوصفه منقذ أوروبا.
وعلى هذا، فإعادة تأهيل بوتين لم يحدث خلال نوبة من الذهول في البيت الأبيض، بل هو نتيجة مباشرة لرؤية أوباما للنظام العالمي.
* إعادة تأهيل روسيا:
في البدء، يقول الكاتب، كان العمل باتجاه "إعادة تشغيل" الروس، حيث استهل أوباما فترة رئاسته الأولى بالدعوة لإصلاح العلاقات بين واشنطن وموسكو. إذ كان أوباما وفريقه للأمن القومي يعتقدون أنها تدهورت بشدة في ظل رئاسة جورج بوش.
طوال فترة ولايته الأولى، اعتبر أوباما وحاشيته إعادة تشغيل ضربة معلم دبلوماسية. ثم في فترة ولايته ثانية، ظهرت قضية "سنودن".
في صيف عام 2013، سرق المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي السابق، إدوارد سنودن، وثائق وكشف تفاصيل حول برامج مراقبة الحكومة الأمريكية ومن ثم تمكن من الفرار إلى روسيا، حيث حصل على اللجوء في نهاية المطاف.
وهنا، يبقى السؤال مفتوحا حول ما إذا كانت روسيا قد تلاعبت بسنودن في التخطيط والتنفيذ لعمليته أم إن الأمر مجرد منح ملاذ آمن لهذا الهارب. وفي كلتا الحالتين، تضرر الأمن القومي الأميركي وفكرة إعادة تأهيل روسيا.
وأخذت الأمور منحى أسوأ في فبراير 2014 عندما أطاح المتظاهرون في أوكرانيا بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش لنسفه اتفاق شراكة بين هذا البلد والاتحاد الأوروبي.
وكان يانوكوفيتش قد تصرف بما يرضي بوتين، حيث عارضت روسيا بشدة تحول أوكرانيا نحو أوروبا. بعد الإطاحة بالرئيس يانوكوفيتش، انتقل بوتين بسرعة لضم شبه جزيرة القرم، وهي الجمهورية ذات حكم ذاتي تابعة لأوكرانيا، وإثارة الاضطرابات في شرق أوكرانيا وإشعال الحرب بين المسلحين الموالين لروسيا والحكومة الجديدة في كييف.
من يومه الأول في البيت الأبيض، خطط أوباما لتشكيل نظام جديد: نادي الدول التي تعمل معا لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط. وكان مركز هذه الرؤية هو بوتين.
وعندما ردَ أوباما على سلوك بوتين العدواني بفرض عقوبات على روسيا، رأى المعلقون أن عملية "إعادة التأهيل" فشلت فشلا ذريعا.
وفقا لتفكيره، فإن "إعادة التأهيل" مرتبطة بشكل وثيق بما اعتبره أكبر تحد له إستراتيجي، وهما: إنهاء الحروب القديمة وتجنب أخرى جديدة.
في الشرق الأوسط، فإن توازن القوى القديم، ببقائه كما كان على رأس أولوية القوة الأميركية، بدا لأوباما وكأنه دعوة لعدم إنهاء الصراع مطلقا. والمطلوب بدلا من ذلك كان نظاما إقليميا جديدا بهدف واحد جديد: ما وراء تمكين الرئيس من سحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان، هو الحيلولة دون ضرورة الاضطرار إلى إرسالها مرة أخرى.
ومن يومه الأول في البيت الأبيض، كان أوباما يتطلع إلى إنشاء هذا النظام الجديد. كانت فكرته نظاما متجانسا: ناد للدول متحدة في عدائها للتطرف الإسلامي السني تعمل معا لتحقيق الاستقرار في المنطقة من خلال الحفاظ الذاتي الواعي على توازن القوى فيما بينها.
ومحور هذه الرؤية بوتين، الذي كان يرى أوباما أنه أُغضب بحرب إدارة بوش على الإرهاب والتفاني وغبائها في تعزيز الديمقراطية، وهي السياسات التي تسببت في رد فعل روسيا السلبي بحجب التعاون في المسائل ذات المنفعة المتبادلة مثل هزيمة القاعدة واحتواء التطرف السني.
إن إعادة تأهيل روسيا كانت الطريقة التي اعتمدها أوباما لدعوة بوتين للانضمام إلى الشرق الأوسط الجديد المتناغم كعضو مؤسس. ولإغرائه بالمنافع المشتركة، اتخذت أمريكا اتخاذ خطوة إلى الوراء وشجعت روسيا على اتخاذ خطوة إلى الأمام. ومهما كانت العقبات التي قد تواجه السلوك الروسي على طول الطريق، فإن التركيز كان على السلامة الأساسية للإستراتيجية.
كان هناك آخرون يعمل على جلبهم، أبرزهم: إيران. بطبيعة الحال، في خضم الجدل الدائر حول برنامج طهران النووي، كان من المستحيل الحديث عن "إعادة تأهيل". ولكن تفكير أوباما ربما اتجه إلى أقصى نقطة ممكنة في هذا الشأن اختصارا للطريق: تحقيق اتفاق بشأن الطموحات النووية لإيران -باعتباره شرطا مسبقا لأي انفتاح أمريكي على النظام في طهران- ليصبح أيضا ممرا لانضمام إيران إلى النظام الشرق أوسطي الجديد، وفقا لتصور أوباما.
كانت عملية إعادة تأهيل روسيا والمفاوضات النووية الإيرانية خطين في نسيج واحد. لأسباب واضحة، لم يصف أوباما هذه الرؤية بالكامل، ذلك أن الرأي العام الأميركي وحلفاء أمريكا التقليديين في المنطقة لا يثقون بروسيا وإيران. بدلا من ذلك، فقد تحرك خطوة خطوة، مبررا كل خطوة جديدة كرد فعل على التطورات الآنية مع تركيزه على الهدف النهائي.
* التخفف من الصراع السوري:
وهنا يأتي دور سوريا، فهي ذات أهمية حيوية لكل من روسيا وإيران (وذات أهمية محدودة بالنسبة لأمريكا)، وأتاحت فرصا لاحترام أوباما للمصالح الروسية والإيرانية. والاستيلاء على تلك الفرص حظي بأهمية كبيرة، خاصة بعد اندلاع الحرب السورية في عام 2011، فالبلاد سرعان ما أصبحت ساحة المعركة الرئيسة في مسابقة السيطرة الإقليمية.
في قلب هذه المنافسة كان هناك سؤال بسيط: هل يجب على الأسد البقاء أم الرحيل؟ بالنسبة لموسكو وطهران، لم يكن هناك شك في أنه يجب أن يبقى، وأيدوه بقوة عنه حتى أطلقوا العنان لهجمات فتاكة وعشوائية على المدنيين. في عام 2012، تورطت إيران ووكيلها، حزب الله، إلى سوريا في القتال إنقاذا لنظام الأسد، مما دفع بخصومهم الإقليميين إلى طلب المساعدة الأمريكية في تدريب وتجهيز المعارضة السورية.
وتجاوب الأعضاء المؤثرون في فريق أوباما للأمن القومي هيلاري كلينتون، ليون بانيتا وديفيد بترايوس، مع طلب الحلفاء. ورغم ذلك، لم يلتزم أوباما برأي كبار مستشاريه. ومما لا شك فيه أنه يخشى الانزلاق إلى اشتباك طويل وحلقة أخرى من التورط الأميركي في المنطقة.
لكنه يخشى أيضا استعداء روسيا وإيران، وبالتالي تدمير أحلامه، وإلى الأبد، في شرق أوسط متجانس القوى. ومن أجل إرضاء حلفاء أميركا التقليديين، دعا الأسد في أغسطس 2011 للتنحي.
على مدى الأشهر والسنوات التالية لاندلاع الحرب، حدد أوباما بشكل أكثر وضوحا الطريق لترك الأسد لمنصبه: "الانتقال المنظم". وفي المراحل المبكرة، يمكن للأسد نفسه البقاء في سوريا في منصب رئيس شكلي للدولة، في حين تنقل صلاحياته إلى الحكومة وبعدها تؤول الأمور إلى مجلس تنفيذي انتقالي. وفي مراحل لاحقة، فإن الأسد ستنحى عن السلطة.
في الواقع، فكرة أن نظام الأسد سوف يترأس الإصلاح السياسي في خضم حرب أهلية دموية بعيدة المنال، على أقل تقدير. والقول بأن بوتين وآخرين، وتحديدا إيران، قد يقرون مثل هذا المشروع وربما يساعدون أوباما بنشاط على تنفيذه هو أكثر واقعية حتى الآن.
وإذا تجسدت هذه الخطة في الواقع، فإن هذا يعني تلقائيا نهاية النفوذ الروسي والإيراني في سوريا، وهذا الأمر ليس في مصلحة أي من الطرفين.
والنقطة المركزية في مفهوم الانتقال هي الحاجة إلى إصلاح الحكومة السورية من خلال إشراك السنة. وقد تعامل بوتين مع هذه الفكرة واستمر في القيام بذلك، ولكن إلى حد ما، فقط، لأنه يدرك أن وجود السنة بشكل مؤثر وبارز في الحكومة سيقوض النظام، الذي يستند إلى قوة العلويين.
وباختصار، فإن المشاركة السنية في الحكومة تدمر الأساس الذي يستند إليه النفوذ الروسي والإيراني. وبغض النظر عما تهمس به موسكو وطهران قد تهمس في الجلسات الخاصة من وقت لآخر، فإنها لن توافق على ذلك، وفقا للكاتب.
ومع ذلك، يبدو أن أساس نظام الأسد آيل إلى الانهيار.
وبالنسبة لأوباما، فإنه كان واضحا لديه أن أيام الأسد باتت معدودة. وبالتالي، فإن الأحداث، عاجلا أم آجلا، ستجبر بوتين والمرشد الأعلى علي خامنئي على رؤية أن أفضل طريقة لتأمين مصالحهم هو العمل جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة على تشكيل نظام سياسي جديد في سوريا. في غضون ذلك، بإمكان واشنطن أن تمارس، في لغة الإدارة، "الصبر الإستراتيجي".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق