رقية حاتم تكتب: من أنقذ كتابات سيد قطب؟
في الفترة الناصيرية التي انتهت في عهدها حياة أحد أعظم أدباء ونقاد ودعاة هذا العصر الأستاذ سيد قطب، والتي عوقب فيها بتمزيق كتاباته في الأسواق ومقالاته في الجرائد والمجلات، ثم نفذ بحقه عقوبة الإعدام شنقًا بعد أن قضى 15 عامًا خلف سجون الظلم في مصر ليلقى ألوانًا من التعذيب لم تفرز من جسده الطاهر إلا لآلئ ما زالت تبرق حتى الآن، فقد عكف رحمه الله رغم ذلك على إكمال تفسيره في كتاب “في ظلال القرآن” الذي ما زلنا نعيش في ظلاله حتى يومنا هذا، وكتاب “معالم في الطريق”، و”المستقبل لهذا الدين”.
سيد قطب نشر قبل إعدامه مقالات في جريدة “المسلمون” تحت عنوان “لماذا أعدموني” وبشكل منظم طمست العديد من معالم حياة سيد قطب الأدبية وكتاباته بعد تمزيقها وحرقها من عام ١٩٥٤ إلى ١٩٧١، ولم يعد الباحثون يجدون مادة بحثية كافية عنه رحمه الله وأخذ البعض الآخر سنوات عدة للبحث في رفاتها!
الأستاذ علي عبد الرحمن عطية باحث في الأدب وهو رئيس قسم المعلومات (المناوب) بالأهرام أخذ على عاتقه مهمة جمع أعمال الأستاذ سيد قطب، فبدأ منذ 25 عامًا هذه المهمة الشاقة ليؤرخ لسيد قطب أعماله وتراثه الأدبي من ١٩٢٤ وحتى ١٩٥٤ والذي كما أخبرنا ضيف مقالنا الأستاذ علي عطية أنه لا يقل عن تاريخ غيره من الأدباء العظام.
و قد اجتهد في جمع أعماله ليوفر للمهتمين بتاريخه من الباحثين والأدباء والمفكرين مادة أدبية كافية للتعرف على شخص هذا الأديب والداعية وفارس الكلمة الذي لقي حتفه في سبيل إعلائها،
وفي حوار مع عطية أضاف أنه لم يكن من السهل جمع هذا القدر الكبير من كتابات سيد قطب إذ إنه أخذ في البحث في دور النشر وعند بائعي الجرائد والكتب القديمة وعلى الأرصفة ومكتبات جامعة القاهرة، وجامعة الدول العربية وأماكن أخرى متفرقة.
واستمر 25 عامًا في البحث المستمر ليخرج لنا “موسوعة الأعمال الأدبية والمجهولة لسيد قطب”، والتي تضم ثمانية مجلدات وبشهادة الدكتور والأديب العلامة “الطاهر مكي” أن هذه الموسوعة تعادل ثماني رسائل للدكتوراه.
وقد ضمت هذه الموسوعة مقالات قطب والرد عليها من شيوخ وأساطين الأدب ورُتِبت المقالات حسب تاريخ نشرها، عطية لم يكتفِ بجمع كتابات قطب فحسب، بل عايش من عايشوه وكتب عنهم وأخذ منهم بعض الأحاديث التي وسعت مداركه
وكان لاحتفاء آل قطب به عاملًا محفزًا له، فقد لقبوه بـ “مؤرخ سيد قطب” ، كما واهتم به أبناء التيار الإسلامي؛ فالعلامة الدكتور جابر قميحة، رحمه الله، قال إنه رفع عنهم كإخوان الحرج الذي كان في رقباهم تجاه الأجيال لأنهم أهملوا أعمال سيد قطب، وأنه عمل عملًا تقوم به كتيبة من الباحثين، وقد أضاف عطية في حواره لنا قائلًا: “إن فضيلة المرشد فك الله أسره كلف قميحة بأن يراجع كتاب الأعمال الشعرية، باعتباره أستاذ أدب وشاعر وكتب لي كلمة موجودة في الكتاب”.
قدم عطية مؤلفات أخرى أرخت تاريخ قطب الأدبي والشعري مثل كتاب “الأعمال الشعرية لسيد قطب”، والذي لقي إقبالا كبيرًا في الأسواق كما وسيطبع كتابه المعارك الأدبية والنقدية لسيد قطب قريبًا خارج مصر، والذي يعد من أكبر كتب سيد قطب بعد الظلال من حيث الحجم والأهمية؛ حيث يرصد كتابات قطب في الأدب والنقد ويظهر عبقريته ومكانته وتميزه بين الأدباء منذ صغره فبالإضافة إلى كونه أديبًا إلا أنه كان ناقدًا أيضًا انتقد بعبقريته جيل أساطين الأدب والفكر.
كما وأعد عطية كتاب على هامش النقد وهي مجموعة محاضرات لقطب كان قد ألقاها في دار العلوم وناديها ودار الحكمة بجانب دراسات له.
باحث مجتهد قضى ربع قرن من عمره في جمع أعمال سيد قطب لم يكن بوسعه في نهايه حديثنا معه إلا أن يخبرنا أنه أفنى عمره في خدمة صاحب الظلال لأنه يعشقه ويدعو الله أن يكون بجاوره في الجنة، فاللهم تقبل دعواته وارزقنا وإياه مرافقته والنبي في الجنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق