الأربعاء، 2 ديسمبر 2015

هذا التدافع على التدخل العسكري في سوريا


هذا التدافع على التدخل العسكري في سوريا
د. بشير موسى نافع
 كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

راقبت باهتمام كبير كلمة رئيس الحكومة البريطانية، ديفيد كاميرون، للبرلمان يوم الأربعاء الماضي، 26 تشرين ثاني/نوفمبر. لست أنا فقط، بل أن قطاعاً واسعاً من الرأي العام البريطاني عاش منذ اسابيع في انتظار هذه الكلمة.
السبب أن كلمة كاميرون هذه المرة تتعلق بمسألة كبيرة، مسألة يفترض أنها من أهم مهمات الدولة الحديثة: الحرب.
يريد رئيس الحكومة البريطانية أن تنخرط بريطانيا في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، أو داعش، في سوريا، وليس في العراق وحسب، وتوجب عليه أن يقدم للبرلمان الأسباب التي تسوغ هذه المشاركة.
لا شيء في مراقبة الآلة الديمقراطية وهي تعمل يبعث على الملل. فكيف إن كانت شغل الآلة الديمقراطية يتعلق بالحرب، بحياة البشر وهدر الموارد. ولكن ثمة شيئاً آخر خيم على قاعة البرلمان البريطاني ذلك اليوم، لمسه الجميع بدون أن يروه: كارثة الحرب البريطانية ـ الأمريكية في العراق. 
وربما ما كان كاميرون سيأتي بمشروع المشاركة في قصف داعش في سوريا للبرلمان لولا قرار حكومة بلير المشاركة في غزو العراق في 2003، الذي أوصل العراق إلى ما وصل إليه اليوم. 
تشارك بريطانيا بالفعل في التحالف الغربي لمواجهة داعش في العراق. ولكن، لأن الجهد الغربي العسكري في العراق تم بطلب من حكومة عراقية شرعية، مهما كان الرأي في هذه الشرعية، فليس هناك شبهة قانونية خلف المشاركة البريطانية.
الأمر، بالطبع، مختلف في سورية، فليس هناك من موافقة حكومية سورية على تدخل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة؛ كما أن هذا التدخل لا يتمتع بغطاء قانوني دولي.
فإن كان كاميرون يخطط لمشاركة سلاح الجو البريطاني في سوريا، فلابد أن يحصل على تأييد من برلمان بلاده. فكيف تحدث رئيس الحكومة البريطانية للبرلمان، إذن؟
لم يول كاميرون في كلمته أي اهتمام خاص بالجانب القانوني الدولي. يعرف رئيس الحكومة، بلا شك، أن قرارات الأمم المتحدة التي تدعو لتعاون دولي ضد إرهاب داعش لا توفر شرعية قانونية لأي عمل عسكري بهذا الشأن في سوريا.
ما تقوم به الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها في سوريا، وما بدأته فرنسا مؤخراً، لا يتمتع بغطاء قانوني دولي. المسوغ الآخر الذي يمكن اللجوء إليه هو، بالطبع، الدفاع عن النفس.
وقد جاءت موجة الهجمات الإرهابية الأخيرة في باريس لتقدم عوناً كبيراً لرئيس الحكومة البريطانية. فداعش تمثل خطراً داهماً على المجتمعات الغربية، ولن تتوانى عن مهاجمة بريطانيا إن استطاعت؛ بل إن أجهزة الأمن البريطانية قد نجحت بالفعل في إجهاض عدد من مخططات داعش الإرهابية ضد بريطانيا.
هناك أيضاً المسوغ الليبرالي للتدخل، إن صح التعبير. فداعش تمثل تهديداً لحياة البشر الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ولاستقرار مجتمعاتهم، سواء بفعل السياسات الوحشية والقوانين البدائية التي تفرضها في مدن وبلدات الشرق السوري، أو بفعل اضطهادها للأقليات الدينية وتقييدها للحريات.
بيد أن كاميرون يدرك أن تقديم مسوغات ما للتدخل لا يكفي للحصول على تأييد البرلمان لأطروحته. عندما تقرر دولة ديمقراطية خوض غمار الحرب، سيما عندما تكون الحرب خياراً وليست إجباراَ، لابد من توضيح كيفية الانتصار في هذه الحرب. مسكوناً بكارثة العراق، كما يجب أن يكون، أوضح رئيس الحكومة البريطانية أن دور بلاده في الحرب سيقتصر على مشاركة سلاح الجو البريطاني في الغارات ضد مناطق سيطرة داعش، وليس في عمليات برية. 
ولأن الأمر لا يحتاج نواباً برلمانيين وسياسيين محترفين لإدراك أن الهجمات الجوية لن توقع الهزيمة بداعش، وأن التحالف يقوم بمثل هذه الهجمات منذ شهور بدون أن يحقق نتاج ملموسة، قال كاميرون أن لديه تقديرات استخباراتية تفيد أن ثمة 70 الفاً من المقاتلين السوريين المناهضين لداعش، على استعداد لخوض المعركة على الأرض إن توفر عون عسكري خارجي.
هذه، باختصار، عناصر أطروحة الحرب التي تقدم بها رئيس الحكومة البريطانية. أما ما لم يتطرق إليه، ما يقوض أطروحته من أساسها، فكثير.
لم يقل رئيس الحكومة للبرلمان، مثلاً، ما الذي سيضيفه تدخل بريطاني محدود في عملية قصف جوي، يقودها التحالف الأمريكي منذ شهور، إلى نتيجة الحرب. الحقيقة، أن الدور العسكري البريطاني لن يغير الكثير في مسار الحرب على داعش، سيما بعدما ألقت فرنسا بثقلها إلى جانب الأمريكيين، وأن بريطانيا تسعى من خلال تدخلها العسكري إلى ضمان دور سياسي ما في مستقبل سوريا، أكثر منها إلى المساعدة في حسم حرب لا يعرف أحد بعد كيف ستحسم.
 وما لم يقله رئيس الحكومة، أيضاً، أنه لا بريطانيا، ولا أمريكا، ولا أي من أطراف التحالف، يعرف على وجه اليقين ما إن كان السبعون ألفاً من المقاتلين المناهضين لداعش هم فعلاً بهذا الحجم، وإن كانوا كذلك فأي صنف من المقاتلين هم، أو ما إن كانت أولويتهم هي مواجهة نظام الأسد أو داعش.
ما يعرفه مراقبو الساحة السورية أن القطاع الأكبر من المناضلين لداعش في شمال وشرق سوريا هم من ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي تعتبر مجرد جناح سوري لحزب العمال الكردستاني (المصنف إرهابياً في تركيا وعدد واسع من الدول الغربية).
خلال الشهور القليلة الماضية، ارتكبت الميليشيات الكردية السورية جرائم لا حصر لها ضد المواطنين السوريين العرب والتركمان في البلدات والمدن التي سيطرت عليها، بما في ذلك التطهير العرقي. 
ولأن هزيمة داعش في النهاية ليست ممكنة بدون دور تركي كبير، فإن من الصعب تصور مواجهة مع داعش على الأرض، تعتمد على قوات كردية، بينما ترى تركيا في في هذه القوات خطراً إرهابياً عليها وعلى العرب والتركمان السوريين.
المجموعات السورية المقاتلة الأخرى، سواء في الجيش الحر أو خارجه، تناهض داعش هي الأخرى. ولكن هذه المجموعات لن تكرس بعضاً من الجهد لمواجهة داعش، بدون أن تتوجه الحرب ضد نظام الأسد وقواته وحلفائه الإيرانيين وداعش في الوقت نفسه. وماذا عن الموقف من الدور الروسي، بعد أن أصبحت روسيا منذ 30 ايلول/سبتمبر طرفاً مباشراً في الصراع على سوريا؟ دخلت روسيا الساحة السورية بهدف مواجهة داعش والإرهاب، ولكن دلائل الواقع تشير إلى أن جل الجهد العسكري الروسي مكرس لحماية نظام الأسد، ويستهدف جماعات المعارضة السورية، التي تعرف بالمعتدلة. فما هو الموقف الذي ستتخذه دول التحالف الأمريكي من الدور الروسي، بعد أن ازدحمت سماء سوريا بالطائرات، الروسية والأمريكية والفرنسية، وفي المستقبل القريب ربما البريطانية؟ وكيف يمكن أن تلعب تركيا، والدول الإقليمية الأخرى، مثل السعودية وقطر، الدور المتوقع منها في الحرب ضد داعش، بينما هي تشهد الطائرات الروسية تقوم بتدمير حلفائها في المعارضة السورية؟
المسألة التي لا تقل أهمية تتعلق بأفق هذه الحرب. قبل سنوات، نجحت القوات الأمريكية وحلفاؤها من الصحوات العراقية في إخراج القاعدة في بلاد الرافدين، التنظيم الأم لداعش، من الأنبار. تفرقت القاعدة إلى مجموعات صغيرة في أنحاء العراق، وتعهدت سلسلة لا نهاية لها من الهجمات على المدنيين وعلى أهداف حكومية عراقية. وبعد سنوات قليلة، عادت باسم داعش لتسيطر على ما يقارب من ثلث مساحة العراق.
المؤكد أن إخراج داعش من الرقة ومناطق سيطرتها الاخرى في سوريا لن يصنع فرقاً كبيراً في مصير داعش ولا في مصير سوريا. وهنا يقع قصر النظر الفادح في المقاربة البريطانية، والغربية ككل، للمسألة السورية. بدون إطاحة النظام السوري وبناء مؤسسة حكم جديدة في دمشق، يتوحد حولها أغلب السوريين، لن تكون ثمة نهاية لداعش ولا للخطر الذي تمثله.
السوريون وحدهم من يستطيع استئصال هذا الوباء، ومن الصعب تصور دخول السوريين حلبة المعركة قبل أن توجد دولة سورية تعبر عن إراداتهم وتوحد قواهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق