بين تنظيم الدولة ولواء كفير
دأبت نخب اليمين الديني والعلماني في إسرائيل على استدعاء شارل مارتل كثيراً، منذ وقعت هجمات باريس؛ وبات قائد الفرنجة، الذي هزم الجيش الإسلامي، بقيادة عبدالرحمن الأول، في معركة "بلاط الشهداء" أو (بواتيه)، 300 كلم إلى الجنوب من باريس، في 10 أكتوبر/تشرين أول 732م، في نظر هذه النخب، "البطل القدوة" الذي يتوجب على قادة أوروبا، وتحديداً فرنسا، اقتفاء أثره لمواجهة خطر "الإسلام المتطرف". وتحت وطأة طغيان شهوة توظيف هذه الاعتداءات، بالغت النخب الإسرائيلية في تقدير المضامين القيمية لـ "إنجاز" مارتل "التاريخي"، لتصل إلى استنتاج مفاده أن هجمات باريس كانت مجرد "جولة" في "حرب عالمية دينية"، يشنها "الإسلام المتطرف" على الغرب وحضارته، وأن تحقيق الانتصار فيها يتطلب حسماً عسكرياً، تماماً كما نجح مارتل في تأمينه. وقد فطن "مفكرو" اليمين الإسرائيلي ومستشرقوه: يئير شيلغ، آرييه شنبال، إفرايم هراري طال رفائيل وجليت ديستيل، وغيرهم، إلى توظيف اعتداءات باريس، في محاولة إقناع أوروبا بإعادة صياغة موقفها من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، على اعتبار أنه صراع ديني، تحركه رغبة إسلامية في السيطرة على الغرب الذي تمثله إسرائيل في المنطقة، والقضاء على حضارته؛ وأن "التذرع" باحتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية، ليس أكثر من "حجة إسلامية"، لتسهيل مهمة تحشيد المسلمين، توطئة لمحاولة إلحاق هزيمة بالغرب.
فقبل شهر على هجمات باريس، اهتمت وسائل الإعلام الإسرائيلي بوصول عشرات من الشباب اليهودي الفرنسي إلى إسرائيل للانخراط في جيشها، حيث ذكر أن معظم هؤلاء الشباب سيعود مجدداً إلى فرنسا للإقامة مع عائلاتهم، بعد انقضاء فترة خدمتهم العسكرية. وكان من المفارقة أن جميع هؤلاء الشباب اختاروا الانضمام إلى لواء "كفير"، وهو أكبر ألوية الصفوة في سلاح المشاة الإسرائيلي، وأكثرها سادية في قمع الفلسطينيين، فهو يحتكر تنفيذ معظم العمليات العسكرية والأمنية في الضفة الغربية المحتلة، وجنوده هم الذين يقتلون الفلسطينيين، ويعتقلونهم، وينكلون بالأطفال والشيوخ والنساء، ويؤمنون عمليات سلب الأراضي وحماية المشروع الاستيطاني الذي يعتبر "جريمة حرب" وفق القانون الدولي.
إن كانت فرنسا تتميز غضباً، وبحق، لقدوم أشخاص من خارجها لتنفيذ عمليات تستهدف مواطنيها، فكيف تسمح لجزء من مواطنيها أن يكونوا رسل توحش وهمجية ضد الشعب الفلسطيني. للأسف، نفاق الغرب وازدواجية معاييره مسؤولة، ضمن أمور أخرى، عن التعاطف غير المبرر الذي يبديه بعض العرب والمسلمين مع منفذي هجمات باريس.
وقد عبر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشكل مباشر عن هذه الفكرة، عندما عد إسرائيل "موقعاً متقدماً في الدفاع عن الغرب في مواجهة الإسلام المتطرف". وقد بات من الواضح أن إسرائيل تسعى، من الربط بين المقاومة الفلسطينية واعتداءات باريس، إلى دحض المسوغات الوطنية والأخلاقية والإنسانية للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال، ومحاولة إدراج هذا النضال وتأطيره ضمن السلوك العدمي، الذي يقترفه تنظيم الدولة الإسلامية. من هنا، لم يتردد نتنياهو في اقتناص الفرصة، لتقديم تفسير لموجة المقاومة المندلعة حالياً في أرجاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعرضها على أنها "نتاج ظاهرة الدعشنة التي تجتاح المنطقة". وفي محاولة تكريس المماهاة بين الفعل الفلسطيني المقاوم ضد الاحتلال وأفعال "تنظيم الدولة"، يلفت وزير التعليم الصهيوني، نفتالي بنات، نظر أوروبا إلى أن إسرائيل، هي التي استفادت من تراث كارل مارتل، وتمكّنت من تحقيق انتصار ساحق على "الإسلام المتطرف"، عندما تمكنت من وضع نهاية لانتفاضة الأقصى (جيروزالم بوست، 17/11/2015). ولقد بات كل من يعبر عن رفضه الاحتلال، وإنْ سلمياً، مجرد متأثر بتنظيم "الدولة"، حيث لم يتردد الوزير الإسرائيلي، أوري أرئيل، في وصف رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أنه "داعشي".
لكن الأخطر أن إسرائيل وظفت هجمات باريس في تسويغ إجراءاتها القمعية ضد الفلسطينيين.
وتنقل الصحافية الإسرائيلية، موزال موعالم، عن وزير إسرائيلي كبير: "إن اعتداءات باريس مثلت فرصة ذهبية لإسرائيل، مكّنتها من إصدار قرار حظر أنشطة الحركة الإسلامية، بقيادة الشيخ رائد صلاح". وضمن حملة التوظيف المنفلتة، وضع نتنياهو حداً لتجميد الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، وكثف من السماح لغلاة المستوطنين بتدنيس الحرم القدسي الشريف.
وقد مثلت هجمات باريس حجة إضافية، لكي تسوّغ نخب اليمين في تل أبيب رفض إقامة الدولة الفلسطينية، حيث يتساءل الوزير الليكودي زئيف إلكين: "هل نمنحهم دولة لتتحول إلى ساحة انطلاق لداعش". وقد باتت إسرائيل أكثر جرأة في انتقادها حركة "المقاطعة الدولية" (BDS)، حيث لم تتردد نائبة وزير الخارجية، تسيفي حوظبيلي، في اعتبار كل دولة غربية تتعاون مع (BDS) على أنها تتعاون في الواقع مع "داعش".
لكن، مهما ابتكرت إسرائيل من وسائل التضليل والاستغفال في سعيها إلى جني عوائد من هجمات باريس، فإن بشاعة ما ترتكبه من عدوان ضد الشعب الفلسطيني، يفترض أن يظهرها أمام الغرب ماكنة قتل أكثر قبحاً من تنظيم الدولة الإسلامية.
وإزاء كثافة التوظيف الإسرائيلي هجمات باريس، كان يفترض أن يكون هناك موقف أخلاقي أوروبي، وتحديداً فرنسي، من هذا التوظيف وتلك الانتهازية. لكن، من أسفٍ، فإن الغرب الذي يفترض أن يتضامن العالم، وضمنه العرب والمسلمون، معه في مواجهة تنظيم الدولة، نجده لا يغض الطرف فقط عن الإرهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، بل إنه يمد الصهاينة بكل ما يشجعهم على مواصلة هذا الإرهاب. لكن الأخطر أن إسرائيل وظفت هجمات باريس في تسويغ إجراءاتها القمعية ضد الفلسطينيين.
وقد مثلت هجمات باريس حجة إضافية، لكي تسوّغ نخب اليمين في تل أبيب رفض إقامة الدولة الفلسطينية، حيث يتساءل الوزير الليكودي زئيف إلكين: "هل نمنحهم دولة لتتحول إلى ساحة انطلاق لداعش". وقد باتت إسرائيل أكثر جرأة في انتقادها حركة "المقاطعة الدولية" (BDS)، حيث لم تتردد نائبة وزير الخارجية، تسيفي حوظبيلي، في اعتبار كل دولة غربية تتعاون مع (BDS) على أنها تتعاون في الواقع مع "داعش".
لكن، مهما ابتكرت إسرائيل من وسائل التضليل والاستغفال في سعيها إلى جني عوائد من هجمات باريس، فإن بشاعة ما ترتكبه من عدوان ضد الشعب الفلسطيني، يفترض أن يظهرها أمام الغرب ماكنة قتل أكثر قبحاً من تنظيم الدولة الإسلامية.
فقبل شهر على هجمات باريس، اهتمت وسائل الإعلام الإسرائيلي بوصول عشرات من الشباب اليهودي الفرنسي إلى إسرائيل للانخراط في جيشها، حيث ذكر أن معظم هؤلاء الشباب سيعود مجدداً إلى فرنسا للإقامة مع عائلاتهم، بعد انقضاء فترة خدمتهم العسكرية. وكان من المفارقة أن جميع هؤلاء الشباب اختاروا الانضمام إلى لواء "كفير"، وهو أكبر ألوية الصفوة في سلاح المشاة الإسرائيلي، وأكثرها سادية في قمع الفلسطينيين، فهو يحتكر تنفيذ معظم العمليات العسكرية والأمنية في الضفة الغربية المحتلة، وجنوده هم الذين يقتلون الفلسطينيين، ويعتقلونهم، وينكلون بالأطفال والشيوخ والنساء، ويؤمنون عمليات سلب الأراضي وحماية المشروع الاستيطاني الذي يعتبر "جريمة حرب" وفق القانون الدولي.
إن كانت فرنسا تتميز غضباً، وبحق، لقدوم أشخاص من خارجها لتنفيذ عمليات تستهدف مواطنيها، فكيف تسمح لجزء من مواطنيها أن يكونوا رسل توحش وهمجية ضد الشعب الفلسطيني. للأسف، نفاق الغرب وازدواجية معاييره مسؤولة، ضمن أمور أخرى، عن التعاطف غير المبرر الذي يبديه بعض العرب والمسلمين مع منفذي هجمات باريس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق