ألا إن نصر الله قريب
بشائر في الصميم
إن المشهد الأخير لترامب وهو ممسك بالصليب مستمعا ومنصتا باهتمام كبير للقس الذي شبهه بالملك والمنقذ قسطنطين، علامة واضحة على نزع المشروع الصليبي الغربي المعاصر اللثام عن وجهه.. فلا تحسبوه شرا لكم بل فيه استنهاض للأمة وخير عظيم.
ومع شدة القهر الذي تعيشه أمتنا العربية والإسلامية في جنباتها المتفرقة والمتباعدة، فإن نصر الله -وفق سننه التي لا مبدل لها، وفي سياق التدافع- يلوح في الأفق القريب.
ومما يشير إلى اقتراب النصر بوضوح هو نهضة شعوب الأمة العربية والإسلامية والتي حركتها ثورات الشعوب في حقبة الربيع العربي، وأنهار الدماء المتصلة التي سالت نتيجة ظلم وبطش الطواغيت ومشاريعهم في العراق ومصر واليمن وليبيا وسورية، وكان آخرها أهوال غزة وفلسطين.
إن أهوال غزة لم تعد حكرا عليها ولن تبقى محصورة في فلسطين، بل هي مرشحة للتوسع في مصر والشام وغيرهما -لاقدر الله- فكيف يكون هذا، وما هو واجبنا إزاؤه؟
لقد اجتمعت ثلاثة عناصر تشير لاكتمال الصورة والحال المفضي على مشارف التغيير -بإذن الله- وهي:
أولا: بلوغ الكبر والاستكبار الطاغوتي العالمي مداه، ممثلا بالإدارة الأمريكية وفرعونها ترامب، والذي نفخ روحه الشريرة في إسرائيل لتزداد علوا وتوحشا هستيريا على توحش!
ثانيا: استخذاء النظام العربي الرسمي وعموم الحكومات العربية والإسلامية أمام القوى والمشاريع الغازية، وهو استخذاء بلغ حد الدياثة السياسية التي فقدت شرفها وعذريتها وانسانيتها!
ثالثا: عجز وتيه حركات التغيير على المستوى الوطني والإسلامي، والذي بلغ حدا يائسا ومحبطا، إذ بات فاقدا للإرادة السياسية المستقلة من جهة، ومن جهة أخرى فإن مشروعه بات مرتبطا ومقيدا بسقف الأنظمة العربية المستخذية، أو معولا على مشاريع متنافسة جميعها معادية للأمة، كالمشروع الأمريكي أو الصفوي!
من الواضح والحتمي أن سقوط الأقنعة وتعرية الأنظمة وفجر الطواغيت واستكبار الفراعنة، إلى جانب عجز الصالحين، سيفضي بإذن الله إلى تململ العملاق النائم، وحراك شعوب الأمة من جديد، لاسيما وهي ترى مستقبل أبنائها -إن لم تتحرك- باديا في غزة ومتجسدا في فلسطين.
يمكن القول أن الحقبة القاسية التي تعيشها أمتنا حاليا تحتاج إلى نبي مرسل، ولكن النبوة قد ختمت.
وإذا كانت النبوة قد ختمت بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإن أثرها لم ينقطع، وذلك من خلال ورثة النبيين من العلماء الربانيين المصلحين الذين يتميزون بصفات العلماء كما أشار لها الوحي، وهم من يتنزهون عن كل مطالب الدنيا الشخصية نصرة لدين الله، وهم من يتجردون عن كل عصبية حزبية أو جهوية أو عرقية دفاعا عن مصالح عموم المسلمين، ورفعا للظلم عن المقهورين.
وإن من أهم واجبات العلماء ورثة الأنبياء والمرسلين هو بيان الحق -المنوط بهم- دون مواربة ولا غش، تحت عناوين ومنافع شخصية وحزبية وولائية لغير الله والمؤمنين.
ولعل الله يمن على الأمة بانفجار مصر وخروج شعبها العظيم في وجه الاستكبار العالمي، وفي وجه طاغوتها الصغير الجاثم على صدرها في القاهرة، ليأخذ الناس زمام المبادرة مهتدين بسيرة الأنبياء والمرسلين ومنقادين خلف علماء ربانيين تعرفهم جماهير الأمة، حتى وإن كانوا في باطن الأرض وفي سجون مصر والجزيرة مغيبين. فهل ستتحرك مصر قبل أن يداهمها الزحف؟
إن العدوان الإسرائيلي الراجح توسعه في محيط فلسطين هو منحة في محنة، وذلك لمن عقل وأدرك كيف يستفيد منه، وكيف يتعامل معه ويجعل منه فرصة جامعة، لاسيما وأن أول من يصيبه الكبر بالعمى هو صاحبه، فيكون سببا ماديا مشهودا على خسارته.
فهل يدرك الربانيون من أهل مصر والشام والعراق والأتراك واجب الوقت ليبلوروا مشروعا مغايرا وجديدا يجمع ويحشد الجماهير خلف رايات نقية لتكون بداية نهضة عملاق التوحيد؟
إن أهوال غزة وفلسطين تشير بوضوح إلى أن زمن الراحة قد ولى، ولن ينجو من المقصلة الإسرائيلية والمدحلة الأمريكية المحايدون، وإن ما يروم فعله الأمريكان بسورية لن يكون بعيدا عن التحقيق وتفكيك تركيا – لا قدر الله-، فحري بنا أن نستفيد من كل مساحة حرة -ولو بشكل نسبي- في أفغانستان والسودان وتركيا وسوريا الحالية، لبعث مشروع يعبر عن مواجهة تحديات الأمة العربية والإسلامية، وعن مصير شعوبها ومستقبل أبنائها المشترك.
وختاما أقول: أليس عيبا أن من صنع حدود بلادنا السياسية الظالمة والموهومة -بعد أن أزال دولتنا الجامعة- هو الوحيد الذي لا يعترف بها في واقع الحال، بل ويبني وقائع سياسية وعسكرية جديدة في منطقتنا متعاميا عن الحدود التي خطها بيديه، مرتكزا في أعماله اليوم على حقيقة وجود أمة واحدة موحدة تجمعها وحدة ثقافية – لم تزل قائمة وصلبة-؟
وإذا كان المشروع الغربي الصليبي والصهيوني والصفوي يحاول أن يفتت وحدة الأمة، أفلا تكون مرتكزنا لبعث جديد يعيد لنا العزة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق