الأحد، 23 مارس 2025

كلمة: قراءة هادئة لتصريح متوتر

 كلمة: قراءة هادئة لتصريح متوتر 

محمد جاسم الصقر



بغتةً، ودون أية مقدمة أو مناسبة، أدلى وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك بتصريح اتهم فيه الكويت بـ «نكران الجميل» لأنها تفرض رسوماً جمركية غير عادلة على الولايات المتحدة الأميركية، التي خاضت حرباً كلفتها مئة مليار دولار لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، ولإطفاء حرائق آبار النفط، ليختم تصريحه المباغت بتهديد غير موارب، داعياً الكويت إلى وقف هذا الجنون. وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك، ليس وزيراً فنياً مختصاً في الإدارة الأميركية الجديدة فقط، بل هو - قبل ذلك - من الوزراء الأقرب فكراً ومنهجاً وسياسة إلى الرئيس ترامب، ومن هذه الزاوية بالذات، يكتسب تصريحه أهمية مضاعفة، وأبعاداً متعددة، ويتطلب وقفة كويتية تتجاوز التجاهل المعيب، وتتجنب الغضب الخطير. 

وفي إطار مثل هذه الوقفة، أجد من واجبي عرض بعض الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها تصريح السيد لوتنيك جهلاً أو تجاهلاً. 

أولاً - رقم المئة مليار دولار الذي ورد في تصريح وزير التجارة الأميركي مبالغ فيه إلى حد كبير بل يناقض ما كشفته وزارة الدفاع الأميركية نفسها في 7 مايو 1992 حينما ذكرت أن التكاليف الكاملة لحرب تحرير الكويت بلغت 61 مليار دولار، وهذه التكاليف لم تساهم فيها واشنطن إلا بقيمة محدودة، حيث تكفلت دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها الكويت والسعودية، بدفع 54 ملياراً منها، إلى جانب مساهمات من اليابان وكوريا الجنوبية وعدة دول أوروبية. 

ثانياً - أما ادعاء تفرُّد الولايات المتحدة بإطفاء حرائق آبار النفط، فلم تكن عمليات الإطفاء مقتصرة على الشركات الأميركية بل ضمت 11 شركة متخصصة في مكافحة الحرائق النفطية، من الاتحاد السوفياتي وفرنسا وبريطانيا والصين والمجر وإيران، إلى جانب فريق الإطفاء الكويتي. 

ثالثاً - أما عن القول بأن الكويت تفرض تعرفة جمركية مرتفعة على البضائع الأميركية بالذات، فإننا لا ندري من أين جاء السيد وزير التجارة الأميركي بالبيانات التي توحي بذلك، فالكويت تستورد سنوياً بضائع بمبلغ يتجاوز 35 مليار دولار، تستأثر الولايات المتحدة بأكثر من 10% منها. 

والرسوم الجمركية التي تتقاضاها الكويت على مستورداتها السلعية (بما فيها الأميركية) منخفضة إلى حدود 5% وموحدة على جميع دول العالم، وليس من المنطق ولا من مصلحة الكويت أن تفرض على المستوردات الأميركية بالذات تعرفة مرتفعة. 

رابعاً - أما عن مظاهر الوفاء الذي تحمله الكويت لموقف الولايات المتحدة من الغزو الصدامي الغاشم، فأكبر وأبعد وأعمق من أن تتناوله هذه المساحة، ولو أن الوزير الأميركي رجع إلى تصريحات سفيرة بلاده في الكويت كارين ساساهارا لوجدها تشكر الكويت على تبرعها في عام 2005 بـ 500 مليون دولار مساعدات لجهود الإغاثة الأميركية بعد إعصار كاترينا، واصفة إياه بأنه «أكبر تبرع من نوعه خلال الإعصار»، مع تعقيبها عليه بأن «صداقة حميمة تجمع البلدين، ونحن نقف معاً عند الحاجة». 

ووفقاً لما ذكرته وكالة «بلومبرغ» فإن أكثر من 50% من استثمارات الهيئة الكويتية العامة للاستثمار في العالم كله موجودة في الولايات المتحدة، منها استثمارات حكومية تتجاوز 400 مليار دولار، كما وصلت حيازة الكويت من السندات الأميركية بنهاية يناير 2025 إلى 49.23 مليار دولار. 

بعد هذا كله، وقبل تصريح وزير التجارة الأميركي وبعده، ستبقى العلاقات الكويتية- الأميركية راسخة عميقة ومتطورة، لأن الولايات المتحدة ستبقى أمينة على مبادئها ومنطلقاتها الأساسية القائمة على الحرية والتعاون الدولي، ولأن الكويت ستبقى متمسكة بمنطلقاتها الإنسانية والأخلاقية، وفي طليعتها الوفاء. غير أن هذا لا ينفي أن الإدارة الأميركية الجديدة لديها استراتيجية جديدة في علاقاتها الاقتصادية الدولية، كما أن هذا لا يتنافى مع ضرورة أن تعمل الكويت على دراسة المتغيرات الاقتصادية العالمية والتحولات الحادة التي يمر بها التعاون الاقتصادي الدولي، لتعمل على تطوير سياساتها التجارية والاستثمارية بما يتفق مع هذه التحولات. 

حفظ الله الكويت وأهلها وقيادتها من كل مكروه. 

بقلم محمد جاسم الصقر 

* رئيس مجلس العلاقات العربية والدولية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق