الثلاثاء، 25 مارس 2025

طريق القدس يمرّ من "درعا"

 طريق القدس يمرّ من "درعا"

يوسف الدموكي
صحفي، وطالب بقسم التلفزيون والسينما في كلية الإعلام 
بجامعة مرمرة


أولى الصيحات في وجه النظام المخلوع البائد كانت من درعا، وأولى "الشخبطات" على الجدران كانت في درعا، وأوّل الشهداء الأطفال كان حمزة، وأوّل الإلهام والشرارات كانت درعا، وأمام ذلك التوغّل الإسرائيلي اليوم في الجنوب السوري، وتلك الطعنات الغادرة التي لم تُمهل السوريين أيّاماً للاحتفال بإسقاط الصنم الأكبر الذي ظلّ جاثماً على صدر البلاد نصف قرن، كانت بخاصرة درعا.. 

فهل يصمت أهل درعا طويلاً؟ 

هل يقبلون ذلك الضيم أكثر من ذلك؟ 

هل أسقطوا الطاغوت الأسدي ليرضخوا للطاغوت البنياميني؟

الذين يعرفون درعا جيّداً يملكون الجواب، وفي الصباح كانت رصاصات الأهالي من أسلحتهم البدائية في درعا، تجاه قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهناك كذلك، ارتقى الشهداء على طريق المقاومة الجديد؛ إذ طريقُ القدس الحقيقيُّ، يمرّ من درعا.

صدعوا رؤوس العالم والسوريين طيلة 14 عاماً بطريق القدس الذي مرّروه زيفاً على جثثهم، واسم القدس الطاهر منهم براء، وقتلوا من السوريين والفلسطينيين من قتلوا باسم الأقصى، في فرع فلسطين، يا لشناعتهم! ثم حين تسلّم الشعب مقاليد قصر الشعب، سألوهم، وأين قواتكم من احتلال البلاد؟ ذلك الاحتلال الذي نتج أصلاً عن حكمهم خمسين سنة، يريدون محاسبتك عليه، وأن "تشيل الشيلة" في يومك الأوّل، كأنّهم ينتظرون التشفّي في الأرض مما قضى به لك ربّ السماء، ومع ذلك، فها هي بنادق درعا الصادقة تلجم الجميع، ودماؤها الطاهرة تسيل مجدّداً، للمرّة الثانية ضدّ احتلالَين.

ها هي بنادق درعا الصادقة تلجم الجميع، ودماؤها الطاهرة تسيل مجدداً، للمرّة الثانية ضدّ احتلالَين

ثم إنّ ذلك الوحش الإسرائيلي الذي يظنّه البعض سيتراجع بالسياسة، وببعض الصمت الاستراتيجي، وبخطواتِ الدبلوماسية وجهود الوساطات، لم يعد ذلك الوحش الخفيّ القديم، وإنما هو حامل المشروع الواضح من دون مواربة، صاحب الحلم الكبير بأسْرَلَة بلادنا جميعاً، خاصةً عندما يغيب كفيله من سدّة الحكم، فإنّه لا بُدّ من أن يحكم بنفسه، هو لا يريد حدوداً لا يأمن بها طوفاناً جديداً، ولا يريد ضمانات ولو بعته سماءك ونصف أرضك، ولا يريد مدينتك الحدودية، ولا أراضيك ولا جبالك، ولا حتى دمشق، هو يريد التهامك كلك، لينتقل إلى ما بعدك، لنصبح بين عشية وضحاها تحت حكم إمبراطورية جديدة، لم تجاوز في البداية قوارب عدّة من المحتلين الدخلاء، وكلّ ذلك ليس إلّا لأنّ حكاماً آمنوا بربّ أميركا، لا بالإله الذي يقوّيهم في وجه أعتى قوى الأرض، ولا بالولاء الذي يبقيهم أقوى من أيّ عدوان.

من درعا، وإلى درعا، تعود البدايات والنهايات، بداية الثورة، وبداية المقاومة، ونهاية النظام، ونهاية العدوان، هناك ملخص كلّ شيء، والسرّ السوري الكامن، أصل تلك العجينة المختلفة، وأساس ذلك البناء الشامخ، هي الدرع والحصن، هي الأصل والثمر، وربما ما زلنا في بداية طريق طويلة مؤلمة وشاقة، لن تنتهي بطلقتَين ولا بمئة شهيد، ولا بجولتَين أو ثلاث، وإنما هي حرب ضروس، سيكون فيها ما شاء الله أن يكون، لكن الذي أنا على يقين منه، أنّ درعا أخت غزّة، ستعلّم الذين لاكوا اسمها كثيراً في شعاراتهم الكاذبة، بأنّ طريق القدس الحقيقيّ، الحقيقيّ فحسب، سيمرّ عبر درعا. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق