الدرة
(( إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ، إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ ))
الامام الشافعي
الجمعة، 28 مارس 2025
المورستان الذي نعيش فيه!
المورستان الذي نعيش فيه!
بقلم:د. محمود القاعود
في مصر.. حيث تتداعى الأحلام كأوراق شجرة جافة في مهب ريحٍ عاتية.. نعيش في مورستان لا يرحم.. لم يعد المكان ملاذًا يحتضن أرواحنا المُتْعَبَة... بل تحوَّل إلى قمقم كبير تتردد فيه أصوات الضجيج والفوضى كأنها أناشيدُ الموت.. العشوائية هنا ليست مجرد حالة عابرة.. بل هي سيدة الموقف.. تتربع على عرش حياتنا اليومية..تتحكم في كل نفس نتنفسه.. وكل خطوة نخطوها.
تستيقظ كلَّ صباح على صوت ميكروفونات المساجد وهي تزعق بأذان يفترض أن يكون ترنيمة سلام وحُب وخشوع.. لكنه يتحوَّل إلى صرخة مشوَّهة تخترق الأذان وتُزلزل الروح وتؤلم القلب.. ليس الأذان وحده.. بل الصلوات والخُطب التي تتردد بصوت يؤذي النفس.. التدين هنا شكلي.. قشرة خارجية تخفي فراغًا داخليًا عميقًا.. فالناس يتسابقون لإظهار التقوى بينما قلوبهم غارقة في اللامبالاة والأنانية.
تخرج إلى الشوارع فتجد نفسك في بحرٍ مِن الزحام.. أبواق السيارات تصم الآذان.. ودخان السجائر يصيبك بالاختناق.. والتلوث يرسم لوحة سوداء فوق سماء كانت يومًا زرقاء.. الطُرقات لم تعد ممرات للحياة.. بل متاهات تبتلع فيها الوقت والأعصاب.. الناس يتدافعون.. يصرخون.. يتجادلون.. يتشاجرون.. وكأنَّ الجميع يُحارب الجميع في معركة بلا هدف.
وإذا مرضتَ فلا تتوقع الشفاء.. المستشفيات أصبحت مجرد مبانٍ مهجورة.. حيث الإهمال يقتل أسرع مِن المرض نفسه.
أما المدارس فهي سجون مكتظة بالأطفال.. لا تعليم فيها سوى ترديد كلمات جوفاء.. ولا تربية سوى لصناعة جيل جديد من الضائعين.. أما الموظفون في المكاتب الحكومية.. فهم أشباح تتحرك ببطء وانعدام ذوق.. يُعرقلون حياة الناس.. ينشرون التعاسة كأنها واجبهم الوحيد.. يرسمون على وجوههم ابتسامات زائفة بينما يطعنونك بسهام البيروقراطية.
وإذا نظرتَ إلى النخبة.. أولئك الذين كان يُفترض أنْ يكونوا منارات الأمل.. الأساتذة والصحفيون والكتاب.. غرقوا في مستنقع النفاق والانتهازية.. أقلامهم لم تعد تكتب الحقيقة.. بل تتاجر بها.. وأصواتهم لم تعد تنادي بالإصلاح.. بل تبحث عن مصلحة شخصية.. لقد تخلوا عن دورهم كحراس للضمير.. وأصبحوا مجرد ظلال تتحرك في مسرحية هزلية.
تشعر وكأنك سقطت في ثقب أسود خارج المجرة.. في رحلة من العذاب السرمدي لا تتوقف.. كل يوم هو نسخة مشوَّهة مِن اليوم السابق.. وكل لحظة تحمل معها وعدًا جديدًا بالألم.. لا مخرج.. لا نهاية.. فقط دوامة لا نهائية مِن الفوضى والضياع.. هذا هو المورستان الذي نعيش فيه.. حيث الحياة لم تعد حياة.. بل مجرد انتظار بطيء لنهاية لا تأتي!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق