الأبد وأخوه "الوقت المناسب"
لا حاجة بـاليوتيوبر الصيّاد، إلى كثير شقاء وجليل اجتهاد، لجمع حسنات السماء ولايكات الأرض معاً، وما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا، فأكثر السوريين مفقّرون، ومجوّعون، ومشرّدون، فقد خرجوا من حرب طاحنة وطويلة، وتعرّضوا إلى زلزالَين مدمّرَين؛ بيولوجي بالبراميل غير الذكية، وجيولوجي من ارتعاد فرائص الأرض هلعاً من بطش الطغاة، وربّما كان الثاني من الأول.
وكذلك الأمر في اليمن الموصوف في الأدبيات القديمة بالسعيد.
أمّا في مصر المحروسة، فشعبها في حرب مع جسور متلوية كالثعابين وقصور كالديناصورات، تبلع الجغرافيا والتاريخ معاً.
هذه الديباجة توطئةً للحديث عن شيوع منصّات الإعانة والإحسان، في أرصفة وسائل التواصل، بعضها من محسنين مغتربين، وبعضها الآخر من مؤسّسات اقتصادية، فليست الحسناوات وحدهّن من يحسنَّ الدعاية للمنتجات التجارية، الفقير أيضاً يصلح لها، وفي عواصف المشاعر البشرية متسع للإثارة والشهوة، والشفقة والعطف، وإن هذه المنصّات في رمضان أكثر منها في سواها من الأيام، وهي تُكِسب مالاً وشهرة أيضاً، وتلقى رواجاً لدى المشاهدين الذين يسرّون بسرور المغاثين، وإن أكثر المغاثين هم من الكهول والعاجزين، الذين يعملون في جمع الكرتون والبلاستيك، وغالباً ما يُقدِّم المذيع بين يدي الإعانة، حزّورة سهلة تجعل الصدقة أجراً حلالاً له، أسهل من حزورة البطيخة الشهيرة، ليس فيها ألغاز عمياء، أو أحجيات معجزة، مثل لغز اسم زوجة إبليس الثلاثي (اسمها معقّد مثل سلاسل فورييه وسلاسل الكربون ومصفوفات ماتريكس)، فإبليس ما زال عازباً على أرجح الأقوال، وهو يفضل المساكنة على الزواج.
تتفرّس كاميرا صاحب المنصّة في وجه المغيوث وتحدق في عينيه، وتأسر فرحته بالهدية في صورة تذكارية، ويغتسل المذيع والمشاهد بدمعته الطاهرة، ويتطهّران بدعائه.
ما إن يغنم المسكين جائزته، حتى يقول من خلال الدموع: "جاءت في الوقت المناسب"، فكل وقت من عمر المغاث مناسب.
قد يذكر المسكين للمذيع ديونه، أو أجرة بيته، أو مرضه، أو جوعه، فيطرح عليه رسول الإحسان لغزاً ثانياً، ليس فيه لغز زمرة زوجة إبليس الدموية، أو اسم ضرّتها أو كنتها. غالباً ما يكون سؤالاً سهلاً، مثل العدّ، أو جمع عددين سهلين يستطيع من بلغ الفطام أن يحسبهما، فحُكم "الرئيس الأبد" جعل عدَّ أصابع اليد طلاسم وألغازاً.
الوقت دائماً مناسبٌ في هذه الدول المذكورة أعلاه، وقد يمهّد المذيع لتبشير بطله بالفوز بأسئلةٍ درامية، أو يقسّط الأمر فيفاوضه على بيع بضاعته من الكرتون صانعاً حبكات عابرة من التشويق، وحلقات من الإثارة.
كان الجنّي يأتي في الوقت الحرج لنجدة البطل، في سيرة سيف بن ذي يزن، بحكة خاتم أو إلهام رباني، ويقدم شيبوب في سيرة عنترة لنجدته في الوقت المناسب، أمّا في الأفلام، فالنجدة تأتي للبطل وهو على حبل المشنقة في الميعاد.
الوقت المناسب هو الأمل، والأمل لا ينقطع، لكن مئات الألوف قضوا تحت التعذيب من غير أن يدركهم الغوث في "الوقت المناسب"، فقد طُحن الوقت المناسب تحت المكبس، أو ذاب في حمض بشار الكلوري.
تدارك المحسن الكبير بوتين بشّارَ الأسد، الذي وصفناه قبل سطور بالزلزال البيو لوجي، فأنقذه في الوقت المناسب ولم يصوّر فضيلته لأنه يحبُّ صدقة السرّ، ولم يطلب بشّار الأسد المسكين مهلةً، أو ثلاثة أجوبة حتى يأخذ ثيابه الداخلية وصوره العائلية، فلم يسعَ الزعيم المناسب، الملقّب بالأبد، الوقت الذي لم يعد مناسبا.
يُسرّ المشاهد بهذه الفيديوهات، وتبيّن المتابعات قبولها، وقد تُذكِّر طلاب المسرح بمقولة التطهير الأرسطي، وهو أحد أهم العناصر في الدراما.
التطهير هو غسل النفس من المشاعر الضارّة بانتصار الحقّ واندحار الباطل.
نشعر بالسرور إذا ما فرح البطل، وبالألم إذا ما ألمّت به الآلام. أمّا أحسن المحسنين وأكملهم أخلاقاً فهم الذين يخفون أسماءهم حتى لا تعلم أيمانهم ما تنفق طائراتهم من قنابل وصواريخ، مثل جابر الخواطر بوتين.
هذه إغاثات فردية، بعد أن منعت الدولة الرحيمة موائد الرحمن، التي كانت تجمع الآلاف في مصر، إلا برخصة من أمن الدولة الموقّرة. لا رحيم إلا الرئيس. أمّا سبب كون الوقت مناسباً دائماً في هذه الأفلام، فذلك لأن الرئيس هو صاحب الزمان، الذي جادت به الأقدار علينا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق