الأحد، 23 مارس 2025

الذين يخشون خسارة مصر

الذين يخشون خسارة مصر 


وائل قنديل




ليست المصيبة في رسائل مبعوث ترامب الخاص، الصهيوني المخلص ستيف ويتكوف، الموجّهة إلى القاهرة، بأن نسبة البطالة في مصر مرتفعة 45%، أو أقلّ أو أكثر، فلعبة الأرقام والنسب المأوية سهلة، ويمكن الردّ عليها وتفنيدها، وليست الكارثة في أن مصر فقيرة أو تعاني اقتصادياً، بل الكارثة والمصيبة في النظر إلى مصر بوصفها أداةً في يد صانع السياسات الأميركي، يتحكّم فيها ويستعملها، ويكسب إذا امتلكها ويخسر إذا فقدها.

تحدّث مبعوث ترامب إلى "فوكس نيوز" عن مصر في نقطتَين مترابطتَين، إحداهما مهينة، تخدش الكرامة الوطنية وتمسّ السيادة، ومن عجبٍ أن القاهرة الرسمية التزمت الصمت حيالها، فيما انطلقت أبواق إعلامية ترعى في مطابخها تتناول هذه النقطة الفاضحة بوصفها الإيجابية الوحيدة في التصريحات الأميركية، والتي جاءت على النحو الآتي:
 أولاً، "إذا خسرنا مصر فان كلّ الإنجازات التي تحقّقت في التخلّص من حسن نصر الله ويحيى السنوار ستذهب أدراج الرياح. مصر نقطة ملتهبة، فكلّ ما تحقق لنا في المنطقة، مثل التخلّص من السنوار ونصر الله وغيرهما، قد ينقلب رأساً على عقب لو خسرنا مصر". 
ثانياً، "مصر وضعها مقلق، فمعدّلات البطالة مرتفعة، وتصل بين الشباب حتى نسبة 45%، ولا يمكن لبلد أن يبقى بهذا الوضع، وهم مفلسون إلى حدّ كبير، ويحتاجون للكثير من العون. ولو وقع حدث سيء بمصر فسيأخذنا ذلك إلى الوراء كثيراً".

تكمن المأساة في النقطة الأولى، إذ تبدو إدارة ترامب شديدة الوضوح والوقاحة والإهانة في هذه المسألة، حين يوجه ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب الخاص والمكلّف بملفّ غزّة، رسائله الصريحة المباشرة عبر "فوكس نيوز" بالتزامن مع التوغل البرّي الإسرائيلي في غزّة، إذ "كلّ ما تحقّق لنا في المنطقة، مثل التخلص من السنوار ونصر الله وغيرهما، قد ينقلب رأساً على عقب لو خسرنا مصر". 
الثابت يقيناً أن أحداً لم يكسب من اغتيال الشهيدين يحيى السنوار (في غزّة) وحسن نصر الله (في بيروت) سوى العدو الصهيوني، ومعه الراعي أو الشريك الأميركي في المعركة، وليس من معنى للربط بين هذا المكسب وخسارة هذا الثنائي مصر سوى أن احتفاظ الإدارة الأميركية بامتياز إدارة الدور المصري وتوجيه واستعماله يبقى عاملاً رئيساً في انتصارات العدوان الإسرائيلي الأميركي، التي يضع مبعوث ترامب التخلّص من السنوار ونصر الله في صدارتها.

تصريحات بكلّ هذه الوقاحة كانت تستدعي الغضب المصري، رسمياً وشعبياً، لأنه يضع  مصر في نظر واشنطن وتلّ أبيب القطعة الأهم في الآلة الأميركية التي تعمل لتوسيع هيمنة الاحتلال الإسرائيلي على المنطقة، من خلال استئصال مشاريع مقاومته من جذورها، فأيّ دور كان لمصر، ألمح إليه ويتكوف من دون أن يصرّح، في تحقيق المكسب الإسرائيلي الأميركي الأكثر أهميةً (التخلّص من السنوار ونصر الله)؟ وكيف ولماذا سكتت القاهرة أمام هذه الإهانة ولم تعقّب، ولديها وزير خارجية غزير البيانات من كلّ شكل ولون، إدانةً واستنكاراً وتثميناً وترحيباً، على مدار الساعة.    
هذا عن الجزرة، أمّا عن العصا فقد وضعها مبعوث ترامب، الصهيوني جدّاً، هكذا: "نسبة البطالة في مصر تصل إلى 45% والبلد مفلسٌ ويحتاجون إلى الكثير من المساعدة، ومن الصعب على بلد البقاء على هذا النحو". 
وتزداد الإهانة حين تكون هذه الرؤية متطابقةً مع ما طرحه رئيس حكومة الاحتلال السابق وزعيم المعارضة الحالي، يئير لابيد، قبل ثلاثة أسابيع، "النظام المصري حليفٌ موثوقٌ لنا، وهو مسؤولٌ عن إطعام 120 مليون مصري، إن لم ننقذ نظام السيسي من فشله الداخلي فقد يسقطه الشعب المصري، وتكون مصيبة على إسرائيل". 
ما يدعو إلى الأسى أن السياسة الرسمية المصرية لا تكفّ عن الإشادة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وإسباغ صفاتٍ عليه مثل صانع السلام ورجل الحلّ والعقد الوحيد في المأساة الفلسطينية، فضلاً عن التعلّق بأحبال الشراكة المزعومة معه في إيجاد مخرجٍ من هذه المذبحة، بينما الواقع ينطق إنه فيما يخصّ الرغبة المتوحّشة في إبادة غزّة وتهجير شعبها وإعادة احتلالها، فإن ترامب هو نتنياهو، بل إن ترامب يبدو سابقاً بخطوة في مشروع تفريغ القطاع من سكّانه، وتوسيع جغرافيا الكيان المحتل.
أمّا ما يدعو إلى الأسف حقّاً أن يتلقّف معارضو النظام المصري هذه التصريحات المهينة بالتهليل لها باعتبارها انعطافاً تاريخياً في علاقة واشنطن بالنظام، أو مقدّمةً لرفع الغطاء عنه والبحث عن بديلٍ منه، إن لم ينفّذ الأوامر، فأيّ بديلٍ يمكن أن يكون وطنياً ومحترماً حين يأتي بإرادتي واشنطن وتلّ أبيب، ووفقاً للمواصفات الخاصّة بهما؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق