الأربعاء، 19 مارس 2025

وكانت أمسية مع الشيخ الحويني رحمه الله

 

وكانت أمسية مع الشيخ الحويني رحمه الله

محمد الأحمري

 19 رمضان 1446ه، 19 مارس 2025م

الحويني كنيته التي استقر عليها أبو إسحاق، واسمه حجازي محمد يوسف شريف. 

ذهبت لمجلس عزاء الشيخ الحويني بعد تراويح يوم الثامن عشر من رمضان وكان المجلس، بل المخيم الكبير وساحته، مليئة بالمعزين من مختلف الأقطار، تذكرت حينها مقولة الإمام أحمد رحمه الله عن خصومه: “بيننا وبينهم الجنائز” 

وقد كان يعني السلطة وأنصارها المعتزلة في زمانه، فكانت جنازة الإمام أحمد أكبر جنازة شهدها تاريخ بغداد وقالوا خرج فيها مليون وستمائة ألف مشيع، مليون رجل وستمائة ألف امرأة.

ومن شهد جموع المصلين على الشيخ الحويني في الجامع الكبير بالدوحة بعد صلاة عصر يوم ١٨ رمضان عرف مكانة علماء الإسلام عند أمتهم، ومهانة من ظلمهم.

وقد كنت أسمع عن الحويني منذ أكثر من ربع قرن من الزمان حين كنت في بلاد الغرب، وكان يقترح بعضهم استضافته للحديث في المؤتمرات التي كنا نعقدها، ولكن للأسف ما كنت أعرف عنه شيئا فما كنت أتشجع لدعوته لجهلي بتلك القامة العلمية السامقة في معرفة الحديث النبوي والتأليف فيه. 

ثم في الدوحة كان يجري أحاديث مع الشيخ الدكتور محمد يسري فكان يكثر من ذكر الشيخ الحويني ومجالسه العلمية، وفي ليلة من عام ٢٠٢٤ دعاني الشيخ للعشاء وقال إن الشيخ الحويني سوف يكون موجودا، وحضرنا وكنا ثلاثة وتأخر مجيئ الشيخ وعرفنا منه حين جاء سبب تأخره وأنه كان في جلسة لغسيل الدم وكان يغسل دمه بضع مرات في الأسبوع، ليلتها جاء معه ابنان له يدفعانه على عربة، وأحد ولديه قد وخطه الشيب. وفي المجلس بقي على عربته، وتأملت وجهه فإذا رجل يبدو أنه قد نيف على الثمانين من العمر فقد ذوى جسمه ووجهه وجلده وبدأت عليه غضون كثيرة توحي بتقدم كبير في العمر، وقد سبق أن بترت إحدى رجليه وبعض أصابع يديه، وعندما عدت للبيت بحثت في الشبكة عن مقدار عمره فإذا هو من مواليد عام ١٩٥٦م وتعجبت لما كان يظهر عليه من هرم رغم أنه لم يبلغ السبعين.

كان رابعنا في مجلس العشاء رجل مهتم باللغة وكتبها ويظهر تمكنه في الموضوع وظهر أن الشيخ يعرفه فصرف أحاديثه المجلس يسأل اللغوي عن الكتب والطبعات وكلما انتهي من جواب سؤال سأله الشيخ مستفهما أو مستزيدا عن كتب أخرى، فتعجبت من حرصه الشديد طوال المجلس على معرفة ما عند الضيف من علم بالكتب وتحقيقاتها.

تلك كانت المناسبة الوحيدة التي عرفته فيها، وفي مساء يوم دفنه اتصل بي رجل لا أعرفه مسلما يريد السلام علي ويريد حضور عزاء الشيخ وقد جاء من خارج البلاد للتعزية في الشيخ، فذهبنا، وفي مجلس العزاء تحدث علماء وأقرباء للشيخ وكان أول المتحدثين الشيخ محمد يسري فأحسن وأجمل وأثنى على علم وخلق المتوفى رحمه الله، وذكر من أخلاقه الكثير مما يحمد ويُجل من سيرته وصبره حتى حين غلبه المرض وغزى السرطان رئته، حين كان في المشفى، فما سمعه مشتكيا من آلامه إلا مرة قال: “آه” ثم أثنى الشيخ على كرم أهل الدوحة وتقديرهم للشيخ حيا وميتا، وأنهم كانوا مأواه حين هرب من مجاورة الظالمين في بلده، فكان في مهاجره مُقدرا مُعززا ومُكرما، جزى الله خيرا كل من اهتم بتقديره وإكرامه، وإن لم نكرم علماءنا ورجال أمتنا الكبار فمن نكرم؟ 

رحمه الله فما سخط عليه وتنكر له إلا من كان خائفا من الظلمة أو مواليا لهم، فقد وقف الشيخ مع ربيع الأمة العظيم وأيد خلع العملاء والفاسدين المفسدين، ولا يسخط على موقفه الشريف هذا عاقل من أمتنا، فنعم الرجل ونعمت المواقف.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق